أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
أما بعد فهذه رؤوس أقلام لها تعلق بمصادر المعرفة عند علماء الإسلام كنت جمعتها منذ ما يقرب عن ثماني سنوات أنقلها لأحبتي حتى تعم بها الفائدة

1-تعريف المعرفة :
قال ابن فارس: العين و الراء و الفاء أصلان صحيحان يدل أحدهما على تتابع الشيء متصلا بعضه ببعض و الآخر على السكون و الطمأنينة.
فالأول العُرف و سمي بذلك لتتابع الشعر عليه و يقال جاءت القطا عرفا عرفا أي بعضها خلف بعض
الثاني : المعرفة و العرفان و تقول عرف فلان فلانا عرفانا و معرفة و هذا أمر معروف و هذا يدل على ما قلناه
.من سكونه إليه لأن من أنكر شيئا توحش منه و نبا عنه
اصطلاحا :
قال الجرجاني : المعرفة إدراك الشيء على ما هو عليه و هي مسبوقة بجهل بخلاف العلم و لذلك يسمى الحق تعالى بالعالم دون العارف
وقد قرر ابن القيم الفرق بين العلم و المعرفة من وجوه:
الفرق اللفظي :فعل المعرفة يقع على مفعول بينما فعل العلم يقتضي مفعولين-
-الفرق المعنوي : من وجوه :
المعرفة تتعلق بذات الشيء و العلم يتعلق بأحواله فالمعرفة تشبه التصور و العلم يشبه التصديق *
المعرفة تكون غاب عن القلب بعد إدراكه *
المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره و العلم تمييز ما يوصف به عن غيره *
- راجع مصادر المعرفة في الفكر الديني و الفلسفي ص42 للزنيدي-

2 -مصادر المعرفة:
قال ابن تيمية : مصادر العلم ثلاثة : الحس و العقل و المركب منهما كالخبر(الاستقامة: 1/29)
أ-الوحي:
لغة: الإعلام السريع الخفي
اصطلاحا :إعلام الله لنبي من أنبيائه بشرعه و دينه و له صور عديدة:
الرؤيا الصادقة
المخاطبة المباشرة من قبل الله
بواسطة جبريل
و المعرفة المكتسبة من الوحي معرفة يقينية مطلقة ذلك أن الوحي بصفته جزءا من علم الله له ما لهذه الصفة من كونها حقيقة مطلقة غير محدودة
و دلالة الوحي في إفادة المعرفة الدينية دلالة شرعية سمعية و عقلية( الفتاوى:13/136)

ب- الحس
لغة الحس و الحسيس :الصوت الخفي و الحس من أحس بالشيء أي شعر به و تأتي أيضا بمعنى وجد أو علم أو ظن
و الحواس م. حاسة و المحسوس ما يدرك بالحواس
اصطلاحا: إدراك الشيء بإحدى الحواس فإن كان الإحساس للحس ظاهرا فهو المشاهدات و إن كان للباطن فهو الوجدانيات( التعريفات: 30)
و قد أولى القرآن الحواس أهمية كبيرة من خلال:
دعوة الإنسان إلى استخدامها
امتنان الله بها على عباده
أنها شاهدة عليهم يوم القيامة
و يوضح ابن القيم أهمية الحواس فيقول:انظر إلى الحواس التي منها تشرف على الأشياء كيف جعلها الله في الرأس كالمصابيح فوق المنارة لتتمكن بها من مطالعة الأشياء
(مفتاح دار السعادة: 274)
*و الحس أربعة أنواع :
أ- الحس الظاهر و به يدرك الأعيان الظاهرة
ب- الحس الباطن و به يحس ما يجول في باطنه من اللذة و الألم
ج- الروحي فالروح تحس بأشياء لا يحس بها البدن
د- من الناس من يحصل له نوع من الحس لا يحصل لغيره
* المعرفة الحسية ثلاثة أنواع:
علم اليقين ،عين اليقين و حق اليقين و كل الحواس تحتاج إلى و سائط (مثلا: العين إلى النور)
إلا اللمس.( مفتاح دار السعادة:275)
*التجربة الحسية:
لغة: الاختبار
اصطلاحا:ملاحظة العالم ظواهر طبيعية بشروط معينة بهيئتها بنفسه ليصل من ذلك إلى علم قضية أو قضايا تسمى بالمجربات
- مصادر المعرفة: 636 الزنيدي-
و المجربات هي القضايا التي يحتاج العقل في جزم الحكم بها إلى واسطة تكرار المشاهدة
قال ابن تيمية: هي ما يختبره الإنسان بعقله و حسه و إن لم يكن من مقدوراته ... ذلك أن التجربة إنما تحصل بالنظر و الاعتبار و التدبر و ملاحظة تكرار اقتران السبب بالمسبب عنه-الرد على المنطقيين:92-95-

ج -العقل:
- لغة : المنع و الإمساك و الحبس و يسمى العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك(ابن منظور)
- اصطلاحا: يقع على أربعة معان( الفقيه و المتفقه:2/20)
- الغريزة التي تميز الإنسان عن الحيوان
- العلوم الضرورية
- العلوم النظرية
- الأعمال التي تكون بموجب العلم لذا قال الأصمعي : العقل الإمساك عن القبيح و قصر النفس و حبسها عن الحسن(ابن سيده -المخصص:1/16)
و العلماء يرفضون أن العقل جوهر قائم بذاته كما يزعم الفلاسفة بل هي صفة أو عرض يقوم بالعاقل( الأذكياء:23-ابن الجوزي)
و العقل ليس بمعصوم بل هو آلة إدراكية محدودة قال الشافعي : إن العقل حدا ينتهي إليه كما أن للبصر حدا ينتهي إليه
- العقيدة الإسلامية و أسسها:21الميداني-
* أقسام العلوم من حيث إدراك العلوم لها :
- ضرورية.
-نظرية: و هذه لا بد في تحصيلها من علم ضروري و هي نوعان :
ما يتمحض فيه العمل للعقل
يكون بالنظر في أدلة الشرع
- غيبية: لا مجال للعقل فيها .
- الاعتصام: 3/217للشاطبي-
* العلاقة بين الوحي و العقل :
لا يمكن أن يتعارض نص صحيح مع عقل صريح فإن ثبت العكس فالطعن بالعقل أولى فلا يمكن رد النص الكامل بالعقل الناقص فالعلاقة بين الوحي و العقل علاقة تكامل و صريح المعقول لا يعارض صحيح المنقول – شرح الطحاوية : 1/195-

د- الفطرة:
- لغة: فطّر الشىء شقه و تفطر الشيء تشقق و الفطر: الشق و هو أيضا:الابتداء و الاختراع.
و الفِطرة: الخلقة و هي أيضا ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة( لسان العرب)
- اصطلاحا:اختلف أهل العلم في معنى الفطرة و لهم في ذلك أقوال عديدة و الجمهور على أن المراد بها دين الإسلام.
* علاقتها بالأولويات العقلية:
الفطرة الدينية تمثل جزءا من الأولويات العقلية ؛ بل هي أوضح أجزائها ، فإنها من العلوم الضرورية اللازمة للخلق التي لم يخل منها بشر قط ( درء التعارض:8/383)
فالأولويات العقلية تمثل القاعدة التي تقوم عليها الفطرة بحكم أنها حق و ما تؤدي إليه حق. فالعلوم النظرية لا بد أن ترجع إلى القوانين البديهية الفطرية فالبديهيات أصل للنظريات و عليه فلا يجوز القدح بالأولى بطريق الثانية ، لأنه قدح في الأصل بطريق الفرع ؛ مما يلزم منه فساد الثانية و من ثم عدم صحة القدح بها ( درء التعارض: 6/113 )
* الفطرة و المطالب الدينية :
المطالب الدينية موافقة لفطر الناس – قبل التغيير و التحويل- و في هذه الفطر ما يشهد لها بالصحة و لذلك أمثلة منها:
- دلالة الفطرة على توحيد الربوبية : الفطرة تعرف الخالق بدون نظر و استدلال قال تعالى :{ أفي الله شك فاطر السماوات و الأرض}. قال العقلاء" إن العلم بالخالق لا يحتاج إلى نظر" ( إيثار الحق على الخلق:44-ابن الوزير )
- دلالة الفطرة على توحيد الألوهية :
فكما أن الفطر السليمة تحكم باستحالة أن يكون لهذا العالم صانعان متكافئان في الصفات و الأفعال و هو ما يسمى بدليل التمانع -و هو تمانع في الفعل و الإيجاد- كذلك نحكم باستحالة أن يكون لهذا العالم إلهان معبودان يقصدان بالدعاء و المحبةو... و هذا تمانع في العبادة و الإلهية فكلاهما مستق في الفطر السليمة.- شرح الطحاوية:27-
- دلالة الفطرة على توحيد الاسماء و الصفات :
و هي دلالة بينة ، فإن كل محدَث لا بد له من محدِث و هذا المحدِث لا بد أن يكون عليما قادرا عليما مريدا حكيما فالفعل يستلزم القدرة و الإحكام يستلزم العلم و التخصيص يستلزم الإرادة و حسن العاقبة يستلزم الحكمة
- مفتاح دار السعادة:3/7-

ه - الكشف و الرؤى:
* الكشف:
- لغة:وضع الشيء عما يواريه و يغطيه و تكشّف: ظهر (اللسان)
-اصطلاحا:الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية و الأمور الحقيقية وجودا و شهودا( التعريفات:198)
و المكاشفة كما عرفه ابن القيم :علوم يحدثها الرب سبحانه في قلب العبد و يطلعه بها على أمور تخفى على غيره
(مدارج السالكين: 3/222)
* الرؤى:
- لغة : ج. رؤيا و هي ما رأيته بمنامك
- اصطلاحا: إدراكات علقها الله في قلب العبد على يد ملك أو شيطان إما بأسمائها – حقيقتها – و إما بكناها- بعباراتها –
و إما تخليط و نظيرها في اليقظة الخواطر- الفتح:12/352-
-موقف أهل السنة من الكشف و الرؤى:
يمكن الحصول على المعرفة عن طريق الكشف و الرؤى و في هذا يقول ابن تيمية: و ليس من الممتنع وجود العلم بثبوت الصانع و صدق رسوله إلهاما، فدعوى المدعي امتناع ذلك يفتقر إلى دليل
- درء التعارض:8/46و قطر الوي:249-
إلا أنهم يرون أن الكشف و الإلهام ثلاثة أنواع :
أ- إلهام من الله تعالى.
ب- إلهام من الشيطان و الجن سواء كان ذلك خطابا مسموعا أو إلقاء يلقيه الشيطان في قلب العبد و عدا و تسويفا
ج- إلهام ذاتي ينبع من النفس و يعود إليها .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : الرؤيا ثلاثة : رؤيا من الله و رؤيا تحزين من الشيطان و رؤيا مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام.
و يرى علماء أهل السنة أن المكاشف غير معصوم و يقع منه ما يلتبس به الحق بالباطل يقول الشنقيطي : الملهم غير معصوم لا ثقة بخواطره لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان. – أضواء البيان:4/175-
لهذا فهم لم يقبلوا المعرفة المستفادة من الكشف و الرؤيا على إطلاقها بل جعلوا لذلك شروطا:
أ- أن يكون المكاشف مقتديا بالنبي صلى الله عليه وسلم (الاعتصام:1/353)
ب- عرض المكشفات على الشرع فما وافقه أخذ به و ما خالفه رفض و ما لم يعرف أ موافق أم مخالف توقف فيه
( الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان:50-51)
ج- قصر تلك المعرفة على صاحبها لعدم قدرته على إقامة الدليل على صحة هذه المعرفة(الفتاوى:20/47)
د- أن الكشوف و الرؤى ليست من أدلة الشرع لذلك لا يجوز الحكم بمقتضاها في القضايا الدينية (الاعتصام:1/351)

3- منهج المعرفة:
أ- الاستدلال بالآيات:
الآية هي العلامة و هي الدليل الذي يستلزم عين المدلول بحيث يكون مدلوله أمرا كليا مشتركا بين المطلوب و غيره و هنا تفترق الآية عن القياس المنطقي الأرسطي.
ويتشكل الاستلزام بين الدليل و المدلول على أوضاع ،فقد يستدل بثبوت على ثبوت و بثبوت على نفي الضد و نفي النقيض على الثبوت و بانتفاء على انتفاء الملزوم( الرد على المنطقيين :152)
ب- قياس الأولى:
و هو ما يكون الحكم المطلوب فيه أولى بالثبوت من الصورة المذكورة في الدليل الدال عليه.
ج- قياس التمثيل:
و هو انتقال الذهن من حكم معين إلى حكم معين لاشتراك الاثنين في معنى واحد كلي مشترك بينهما لأن ذلك الحكم يلزم ذلك المشترك الكلي.(الرد على المنطقيين:120)
ووجب العلم بذلك الملزوم إذا لم يكن بينا بنفسه و لكي تتم المعرفة عن طريق هذا القياس لا بد – كما يؤكد ابن تيمية- من ثلاثة أمور:
- تصور المعنيين وهما الأصل و الفرع.
- الانتقال إلى لازمهما و هو المعنى الكلي المشترك بينهما
- الانتقال إلى لازم اللازم و هو الحكم
(الرد على المنطقيين:121)
و قياس التمثيل يقوم عل قياس الفرع على الأصل و قياس الغائب على الشاهد ، و قياس الغائب على الشاهد إنما يفيد اليقين في مجال التمثيل – لدى أهل السنة- في عالم الشهادة لا في عالم الغيب، و لذا لم يرتضوه طريقا للمطالب الإلهية و إنما يعولون على المثل الأعلى.
د- السبر و التقسيم :
و المقصود به حصر أوصاف المسألة المنظور فيها ثم اختبار تلك الأوصاف المحصورة و إبطال ما هو باطل منها و إبقاء ما هو صحيح ( مناهج البحث: 120-النشار-)
ه- الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه :
و هو صورة من صور الاستدلال يتم فيها قياس ما اختلف فيه على ما اتفق عليه ، فيجعل ما اتفق عليه هو الأصل و المختلف فيه هو الفرع لإثبات الحكم الذي ثبت في المتفق عليه للمختلف فيه .
إلا أن العلماء لا يقيسون المختلف فيه على المتفق عليه لمجرد الاتفاق؛ بل لابد أن تكون المقدمة المتفق عليها صحيحة أما مجرد التسليم للخصم فلا يكفي إلا لبيان تناقض قوله و بطلان مذهبه.
( الرد على المنطقيين:468-469)

تم بحمد الله و لا تسونا من صالح دعائكم
تحياتي الخالصة