اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ..
أواصل معكم ما بدأته في |◄ تأملات في سورة يوسف 1 ◄|
بعد هذا كله سيبقى الابن يفكر ، فقد نقله يعقوب نقلة عجيبة جداً ، فهي نقلة تربوية منهجية علمية دقيقة ..
" وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "
نقله من المحنة التي قد تشغل باله إلى المنحة .. فقال ينتظرك مستقبل عظيم ..
فبدلاً من أن يجعله يعيش في مشكلة البلاء ، وهو قد لا يتحمل ، أخبره بأنه لن يحدث له هذا المستقبل العظيم إلا بهذا البلاء .
فقد هيأه نفسياً ، وجعله يعيش في هذا الأمر .
مثال : الطبيب عندما يعالج المريض ، يخبره بأن العملية صعبة ، لكنها ستنجح بإذن الله ، وقد نجحت عملية فلان وفلان .. يعدّ له من نجحت عمليته ، وليس من مات بالعملية ، فيخفف عنه .
يعقوب عليه السلام استخدم هذا الأسلوب مع ابنه ، فنقله النقلة الأخيرة ، وجعل الابن بدل ما يعيش في هم الابتلاء الذي جاء في الرؤيا ، يعيش في لذة النصر والشرف والعز .
" وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ "
مح ، منح ، منح عظيمة جداً ، لا تُعادل المحن التي ستحدث .
نحتاج هذا في التربية مع ابناءنا ، مع طلابنا ، مع أخواننا ، مع الدعاة ، مع المرضى ، مع كل مبتلى في أي أمر من أمور حياته .
هذا منهج قرآني ..
لما بدأوا يدلونه في البئر ، ماذا قال الله جلّ وعلا ؟
هو الآن ليس معه أب ، لكنه معه ربه .
" وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ "
بدل أن يكون مهتم في هذا البئر ومصيره ، ينقله الله نقلة عظيمة ..
" أَوْحَيْنَا " : هو الإلهام ، والإلهام أن يكون في نفس الإنسان ولا يستطيع له دفعاً .
فهذا إلهام ، وليس جبريل جاءه يخبره .
كما أوحى الله إلى أم موسى " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ " ، فتح الله لها آفاق .
وهذا قريب من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد كان فيمن قبلكم محدَّثون ، فإن يكن في أمتي ، فـعمر ) .
يشرح صدر الإنسان لعمل وقوة لا يستطيع له دفع ، ولو أن الناس ضده .
فـ يوسف وهو في ظلمة البئر وحيد ينقله الله نقلة عظيمة ..
الحكمة تكمن في هذا الأسلوب الذي نحتاجه مع ابناءنا ومع غيرنا .
هذه قصة حدثت لأحد الخلفاء :
رأى رؤيا بأن أسنانه سقطت ، فأمر بمعبر ليُعبر له رؤياه ، فجاءوا له به .. قال له : سيموت كل أهلك وتبقى أنت .
فقال : اجلدوه ، واطردوه . فماذا يريد بملكه ما دام أن كل أهله سيموتون ؟
فنادى بُمعبر ثاني ، فقال له : هنيئاً لك ، هذا دليل على طول عمرك .
فأمر له بعشرة الآف .
وبالتأكيد إن طال عمره مات أهله ، فالنتيجة واحدة ، لكن الأسلوب الأخير أسلوب حكيم ذكي ، بليغ ، يناسب المقام .
نحن دوماً لا نوفق في التعبير ، لا نوفق فيما نريد أن نصل إليه بأسلوب حكيم ، هاديء ، رزين ..
مع الأسف .. ضعفنا ، وجهلنا ، وقلة علمنا .. يجعلنا نقع في إشكالات ..
فأحياناً يُصاب الإنسان بصدمة نفسية بسبب تلقي خبر مزعج !
من الوقفات العظيمة في هذه الآية أن رؤيا الأطفال تقع ، وقد يكون لها شأن عظيم في الأمة .
وبإذن الله لنا لقاء آخر للمتابعة .
[align=left]* تأملات في سورة يوسف / ناصر العمر .[/align]