التوازن بين الجمود والتطور في التعليم
----------------------------------------------------------------------
مازن عبدالرزاق بليلة*
حركة التغيير لتطوير التعليم العام، متسارعة، بل ربما تكون مهرولة، ومؤخرا أعلنت الوزارة عن نظام جديد للتعليم العام سيكلف الدولة 9 مليارات ريال، سمي مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، وتقول الوزارة "هدفنا في النظام الجديد، تخريج طلاب متفاعلين، لا انفعاليين"، وأقول للوزارة نحن أولى بهذه المقولة من الطلاب، ونحن مطالبون بتطبيقها على أنفسنا قبل تطبيقها على طلابنا، فنحن بحاجة لمراجعة حركة التطوير والتجديد لنظام التعليم العام بحيث تكون تفاعلية مع المجتمع، وليست انفعالية، ولا تكون ردة فعل سريعة لما كان يدور في الساحة حول اتهامات التعليم. اليوم هناك 42 مدرسة تطبق نظام التعليم الثانوي الجديد، الذي جاء على أنقاض الثانوية الشاملة، والثانوية المطورة، فهل انتهت التجربة وتم تقويمها؟ أم إنها ستصبح في حكم الملغاة بعد صدور النظام الجديد؟ وماذا سيكون مصير 20 ألف طالب يدرسون في هذه المدارس المطورة إلى أين سينتهي مصيرهم؟ وفي ظل النظام الجديد، هل تعتبر هذه التجربة قديمة، أم جديدة، أم كأنها لم تكن؟وهناك برنامج طموح ما زال يعمل حاليا في الوزارة لتطوير كل المناهج، وهو بالتأكيد مشروع ضخم، ولكنه لم ينته بعد، وتقول الوزارة إنه لن يكون هناك تعارض بين المشروع السابق ومشروع الملك عبدالله الذي أعلن عنه مؤخرا، والتعليم قائم على ثلاثة أسس: المنهج والمعلم والطالب، فالمنهج جزء أساسي من التعليم لا يمكن تهميشه، وتصريح الوزارة بأنه ليس هناك تعارض لا يحتمل غير أمرين، إما أن يكون تطوير المناهج الذي ما زال تحت الإنشاء حالياً، لم يتم فيه شيء، أو أن نتائجه غير مرضية، أو أنه موجود وأن التطوير الجديد مجرد تغيير للمسمى ولكن المضمون واحد، وهنا يأتي السؤال الثاني: لماذا إذن سيتم صرف 9 مليارات على شيء موجود، إذا كان التغيير في المسمى فقط؟وقد أعلن قبل شهر أن امتحان الثانوية العامة قد ألغي، وأصبحت المدارس الثانوية تمتحن طلابها كيفما يتفق، والإلغاء بالطبع سوف يزيل شبح الخوف والرهبة من الامتحانات العامة، لكنه بالمقابل سوف ينفي أو يضعف مستويات قياس أداء المدارس والمتخرجين، لأن الامتحانات العامة، مقياس عام، يعتمد على الجودة، وعلى معايير متفق عليها، وإلغاء الثانوية العامة، فجأة دون بديل مناسب، سوف يقلل أو ينفي مقياس الجودة، وهناك امتحان (قدرات) ينظمه مركز القياس الوطني، ربما يصلح أن يكون البديل، ولكن يصعب تعميمه لأنه مدفوع القيمة، ومخصص للجامعات، وبغض النظر عن طرق القياس العادلة، والعامة لمستوى أداء الطلاب، لكن الإعلان عن نظام جديد، سوف يجعل الأوراق تتداخل من جديد، فأين سيكون موقع إلغاء امتحانات الثانوية العامة في النظام الجديد؟ هل الإلغاء جزء من النظام الجديد واستبق الإعلان عنه؟ أم هو خارج النظام الجديد لذلك سوف يلغي النظام الجديد هذا الإلغاء؟كما أعلن مؤخرا أن المدارس الخاصة تستطيع أن تضع مناهجها بنفسها، دونما الحاجة أن تلتزم بمناهج الحكومة، بمعنى أن المدارس الخاصة، سوف تختار البرامج المناسبة لها، فهل هناك خلل في التصريح؟ أم هناك سر أو مجموعة أسرار غير مفهومة؟ فإذا وضعت المدارس مناهجها بنفسها، وكانت الامتحانات العامة تتم في المدرسة نفسها، فمن سيقيم أداء المدرسة؟ ومن جانب آخر، هل السماح للمدارس الخاصة بتبني مناهجها الخاصة، هو جزء من معالم النظام الجديد، أم إن النظام الجديد سيأتي كذلك بمناهجه الجديدة؟ عندها يحق للمدارس الدخول في حيرة من أمرها، هل ستنفق على مناهجها الجديدة وتبدأ بتطبيقها، أم إن الوزارة ستأتي وتفرض عليها المناهج الجديدة التي أنفق عليها 9 مليارات؟ فتضيع المدارس في هذه الحيرة، وسيضيع الطلاب أكثر، لأنهم أصبحوا حقل تجارب لكل ما هو جديد، ولكل ما هو محير.تقول الوزارة إن من معالم النظام الجديد، أن هناك سبعة فرق سوف تتجه للعديد من الجهات العالمية المتقدمة للنظر في الاستفادة من هذه الخبرات، والخبر يحتاج إلى إيضاح، فالنظام الجديد شرحت معالمه، وقيل إنها ستمس أربعة جوانب بما فيها المعلم، والمادة الرقمية وطرق التفكير، والمشاركة، فهل الفرق ستضيف وتكتشف ما هو جديد؟ لشيء تم إقراره، فالمعروف أن الفرق التي تخرج للنظر في التجارب العالمية تكون فعالة عندما تبدأ في بداية مراحل التشكيل للنظام الجديد، حتى لا يتأثر فكر الفريق بنموذج مسبق، بل يكون هناك شفافية وانفتاح للتعرف على عناصر القوة والضعف، وفي النظر في كل التجارب وكل الخبرات، بدون استثناء، وبدون محدودية، وأن هذه المرحلة، مرحلة الزيارات الميدانية، تسبق عادة الإعلان عن معالم النظام الجديد، لكن أن يعلن النظام الجديد، وتحدد تكاليف تنفيذه، يعني أن المسح الميداني قد تم، وأن التحليل للسلبيات قد تم وأن النتائج قد تمت، فلماذا تخرج الفرق للتعرف على الخبرات الدولية؟ فهناك خطأ ما في التوقيت، أوفي ارتباط الزيارات بالنظام الجديد، أوفي المنهج العملي للدراسة.الإصلاح يحتاج إلى أمرين: أولاً نحن بحاجة أن نسمع سلبيات الإصلاحات السابقة، فكثيرة هي المقترحات، وكثيرة القرارات الإصلاحية، وكثيرة هي تصريحات التطوير، لكننا بحاجة لأن نعرف ما هي سلبيات التطوير السابق، وكيف تمت؟ ولماذا ومن هو المسؤول؟ لأن هناك أيضاً إصلاحات سابقة وتصريحات مماثلة، ولكن النتائج غير معروفة، فحتى نقتنع بجدوى التطوير الجديد نحن بحاجة لمعرفة سلبيات التطوير السابق. وثانياً علينا ترشيد الإصلاح والتوازن في الطرح بدون تفريط وإفراط، بحيث لا يتحول الإصلاح والتطوير ليكون على طرفي نقيض، من جمود مطلق إلى تنويع مطلق.
* كاتب سعودي
http://www.alwatan.com.sa/daily/2007.../writers03.htm