دور النشاط البدني في التحكم بوزن الجسم
د. خالد بن صالح المزيني
يتساءل الكثير منا ما إذا كان للنشاط البدني دوراً في التحكم بالتركيب الجسمي ، وأعني بذلك وزن الجسم. في الحقيقة فإن السؤال الذي يتبادر إلي الأذهان دائماً هو هل للنشاط البدني المنتظم دور في تخفيف الوزن و المساعدة في التخلص من السمنة ؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فما هو هذا الدور؟ وما هي فوائد ممارسه النشاط البدني المنتظم ، وخصوصا المتعلقة بخفض الوزن و الإبقاء عليه؟
حتى تتم الإجابة على هذه التساؤلات سوف أقوم باستعراض موجز لعناصر الطاقة المصروفه ومن ثم التركيز على النشاط البدني وعلاقته بالتركيب الجسمي.
الإنسان يستقي الطاقة من الطعام الذي يتناوله . فالغذاء الذي يتناوله الإنسان ، متمثلا بالكربوهيدرات و الدهون و البروتين ، يحتوي على طاقه كامنة يستخدمها الجسم للمحافظه على حيويته وكذلك لتلبية متطلبات الحياة اليومية. الطاقة أو الغذاء الذي يستهلكه الإنسان إذا زاد عن حاجته فإنه يخزن في الجسم لحين الحاجة إليه. قد يتساءل أحدنا هل هذا هو أحد أسباب زيادة الوزن؟ الإجابة نعم ، ولكن كيف يحدث هذا ؟ هنا تأتي مناسبة ذكر معادلة توازن الطاقة فمثلا تبدأ الزيادة في الوزن عندما تكون الطاقة المستهلكة أكبر من الطاقة المصروفه. و يثبت وزن الجسم عندما تتساوى الطاقة المستهلكة بالطاقة المصروفه. أما إذا أراد الشخص أن يقلب هذه المعادلة لصالحه بحيث يستطيع أن ينقص وزنه فعليه أن يجعل الطاقة المستهلكة أقل من الطاقةالمصروفه ، ولتحقيق ذلك عليه أن يتبع أحد أمرين:
أولاً: الإقلال من الطاقة المستهلكة ، أي الإقلال من الطعام الذي يتناوله ، وهذا ما يسمى بالحمية الغذائية ، فتقل بذلك الطاقة المستهلكة دون تغيير بالطاقة المصروفه.
ثانياً : الإقلال من الطاقة المستهلكة وزيادة الطاقة المصروفه . ويمكن تحقيق زيادة الطاقة المصروفه بزيادة النشاط البدني كما سيتم تفصيله لاحقاً.
وقد يتساءل القارئ الكريم أيهما أفضل الطريقة الأولى أم الثانية ؟ والجواب هو الطريقة الثانية بكل تأكيد. في الحقيقة أن كم هائل من البحوث والدراسات التي أجريت في هذا المجال دلت على أن مصاحبة الحمية الغذائية بنشاط بدني هو الأكثر جدوى في إنقاص الوزن. وسوف أتطرق إلى ذكر الأسباب لاحقاً. ولكن أريد أن أجيب على تساؤل يمكن أن يكون قد خطر على بال القارئ الكريم ألا وهو : ما هي الطرق التي يمكن للإنسان أن يصرف من خلالها الطاقة خلال يومه ؟ الإجابة على هذا السؤال سوف تسهل على القارئ الفهم الكامل لمعادلة توازن الطاقة كما أنها سوف تبرز أهمية النشاط البدني في معادلة توازن الطاقة .
هناك أربع عناصر يصرف الإنسان من خلالها الطاقة خلال يومه ، هذه العناصر هي كالآتي:
1- التأثير الحراري للطعام (Thermic effect of food)
2- العمليات الأيضية أثناء الراحة ( Resting metabolic rate)
3- التغيرات في العمليات الأيضية الناتجة عن تأثير عوامل بيئية ((Adaptive thermogenesis
4- التأثير الحراري للجهد البدني) Thermic effect of activity )
نحن نعلم أن أي زيادة في أحد هذه العناصر سوف يؤدي إلى زيادة في الطاقة المصروفة خلال اليوم وبالتالي قلب معادلة توازن الطاقة في صالحنا . لذلك ومن خلال استعراضي الموجز لهذه العناصر سأتطرق إلى إمكانية زيادة الطاقة المصروفة من خلال هذه العناصر كل على حدة.
1-التأثير الحراري للطعام
التأثير الحراري للطعام هو العنصر الذي يصرف من خلاله الإنسان طاقة ( فوق المستوى الذي يصرفه أثناء الراحة) نتيجةً لهضم وامتصاص ونقل وحرق وتخزين الطعام. الطاقة المصروفة من خلال هذا العنصر تقدر بحوالي 10% من الطاقة المصروفة خلال اليوم ( أنظر الشكل). وهي أيضاً تسمى بالتأثير الحراري للوجبة ، حيث تعرف على أنها الطاقة الزائدة عن العمليات الأيضية أثناء الراحة والتي تصرف بعد الأكل . هل يمكن زيادة الطاقة المصروفة خلال اليوم بواسطة التأثير على هذا العنصر ؟ هذا التساؤل جذب اهتمام الكثير من الباحثين ، وخلاصة ما وصلت إليه كثير من الدراسات أنه يمكن للنشاط البدني المنتظم أن يؤدي إلى زيادة التأثير الحراري للطعام وبالتالي زيادة الطاقة المصروفة خلال اليوم. ولكن للأسف هذا التأثير قد يكون معدوم لدى الأشخاص البدناء .
2-العمليات الأيضية أثناء الراحة
هذا العنصر هو أكبر مصدر من مصادر صرف الطاقة ( أنظر الشكل) . وتعَرف الطاقة المصروفة للعمليات الأيضية أثناء فترة الراحة على أنها الطاقة اللازمة لإبقاء حيوية أنظمة الجسم الفسيولوجية أثناء الراحة . وتقدر الطاقة المصروفة من خلال هذا العنصر بحوالي 60-75 % من إجمالي الطاقة المصروفة خلال اليوم . وهناك فروق فردية في كمية الطاقة المصروفة أثناء الراحة بين الأفراد ، وقد تصل هذه الفروق إلى ± 19% من شخص إلى آخر . يتأثر هذا العنصر بعوامل كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر : التركيب الجسمي ، العمر ، الجنس ، الوراثة ، درجة حرارة الجسم، بعض الهرمونات ، والنشاط البدني.
في الحقيقة فإن دور التدريب أو النشاط البدني المنتظم في التأثير على العمليات الأيضية أثناء الراحة لم يحسم بعد. فهناك دراسات تشير إلى أن مستوى العمليات الأيضية أثناء الراحة يكون أعلى لدى الممارسين للنشاط البدني مقارنةً بغيرهم من نفس العمر و الحجم من غير الممارسين . ولكن البعض الآخر من الدراسات التي أجريت في نفس الموضوع لم تؤكد على ذلك إطلاقاً . ولكن هناك دراسات تشير إلى أن للحمية الغذائية دور في إنقاص الطاقة المصروفة أثناء الراحة . وهذا بسبب أن الجسم يحاول أن يقتصد في الطاقة نظراً لشحها الناتج من تقليل الطعام . فوجد أنه عندما تصاحب الحمية الغذائية بنشاط بدني منتظم فإن هذا النقص في الطاقة المصروفة للعمليات الأيضية أثناء الراحة سوف يزول أو على الأقل ينخفض. وحتى نحسم الأمر هنا ، تجدر الإشارة إلى أن تأثير النشاط البدني المنتظم على العمليات الأيضية أثناء فترة الراحة يعتمد على شدة الحمية الغذائية. فمثلاً يزول تأثير النشاط البدني على الطاقة المصروفة أثناء الراحة عندما يتبع الفرد حمية غذائية مفرطة .
3- التغيرات في العمليات الأيضية الناتجة عن تأثير عوامل بيئية
يعرف هذا العنصر من عناصر الطاقة المصروفة على أنه التغير في الحالة الطبيعية للطاقة المصروفة خلال اليوم . وهذا التغير يحدث نتيجة لتغيرات في كل من العمليات الأيضية أثناء الراحة والتأثير الحراري للطعام وذلك نتيجة للتعرض لتأثيرات فسيولوجية أو بيئية . التأثير البيئي هو عبارة عن تغير في حجم وتركيب وجبة الطعام ، التأقلم للبرد ، وردود الفعل نتيجة الأدوية والهرمونات . بالرغم من أن التغير في الطاقة المصروفة خلال اليوم نتيجة لهذا العنصر قد لا يتعدى 10-15% من كامل الطاقة المصروفة خلال اليوم ، إلا أن هذا التغير قد يكون مؤثراً على المدى البعيد.
4-التأثير الحراري للجهد البدني
يعد التأثير الحراري للجهد البدني أكبر متغير من بين عناصر الطاقة المصروفة في جسم الإنسان ( أنظر الشكل) ، ويعرف على أنه الطاقة المصروفة لتلبية احتياجات الجهد البدني علاوة على ما يصرف لكل من العمليات الأيضية أثناء الراحة والتأثير الحراري للطعام. وتقدر الطاقة المصروفة نتيجة للتعرض للجهد البدني بحوالي 15% من إجمالي الطاقة المصروفة خلال اليوم لدى الأشخاص الغير نشيطين بدنياً ، بينما ترتفع هذه النسبة لتصل إلى حوالي 30% لدى هؤلاء الذين يمارسون نشاط بدني منتظم . في الواقع أنه من خلال النشاط البدني المنتظم يمكن أن تصرف طاقة تؤثر على المدى البعيد على وزن الجسم. ولا يكفي القول بأن زيادة النشاط البدني سوف يؤدي إلى زيادة الطاقة المصروفة عن طريق هذا العنصر ، بل إن هناك دلائل تشير إلى أن إحداث تغيير في الطاقة المصروفة من خلال هذا العنصر بالإضافة إلى التكيفات الفسيولوجية التي يحدثها النشاط البدني المنتظم ( التدريب ) لفترات طويلة ربما تؤثر على العمليات الأيضية وبالتالي تحدث زيادة في الطاقة المصروفة خلال اليوم.
دور النشاط البدني في التحكم في وزن الجسم
يعتبر انخفاض النشاط البدني ( inactivity ) السبب الرئيسي لزيادة الوزن في الولايات المتحدة الأمريكية ، ومع التقدم التكنولوجي أصبحنا نواجه مشاكل كثيرة . فالتكنولوجيا ساعدت على تقليل حركة الإنسان ، فالعربات ( السيارات ) ، الرائي ، وسائل الاتصالات ، المصاعد…الخ ، حدت من حركة الإنسان ، والغريب أننا أصبحنا نسيء استخدام هذه التسهيلات إلى درجة أن الفرد منا إذا ذهب إلى مقر عمله فإنه يبحث عن أقرب موقف لمركبته لكي يتفادى إطالة المشي إلى مقر عمله. وإذا تعطل المصعد الذي يُقله إلى الدور الثالث أقام الدنيا وأقعدها . وهذه أدلة تنم عن عدم الوعي بأهمية النشاط البدني. في الحقيقة فإن قلة الحركة هي أحد أهم العوامل المؤدية إلى الإصابة بالسمنة والسكري مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض ارتفاع الضغط وأمراض تصلب الشرايين. وهنا تكمن أهمية ممارسة النشاط البدني وخصوصاً لإنقاص الوزن والتحكم فيه. السؤال الذي أريد طرحه هنا هو كيف يمكن التحكم بوزن الجسم عن طريق ممارسة نشاط بدني منتظم ؟ وقبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أعود مرةً أخرى إلى معادلة التوازن في الطاقة :
الطاقة المستهلكة ( الداخلة ) = الطاقة المصروفة (عن طريق عناصر صرف الطاقة المذكورة آنفاً)
وذكرنا سابقاً أنه يمكن قلب هذه المعادلة بحيث يتم زيادة الطاقة المصروفة عن طريق إحداث تغيير في أحد أو كل عناصرها . ومن أهم هذه العناصر هو التأثير الحراري للنشاط البدني . ويمكن لهذا العنصر أن يلعب دوراً مباشراً في زيادة الطاقة المصروفة ، كما أنه يلعب دوراً غير مباشر لتأثيره على بقية عناصر الطاقة المصروفة مثل العمليات الأيضية أثناء الراحة والتأثير الحراري للطعام . ولفهم الدور المباشر للتأثير الحراري للنشاط البدني على الطاقة المصروفة نسرد المثال التالي : يستهلك الفرد في المتوسط حوالي 2500 كيلو كالوري متمثلةً بالطعام الذي يتناوله في اليوم الواحد (في الواقع فإن حرق 1 كيلوجرام من الدهون يمكن أن يعطي طاقة تقدر بحوالي 7700 كيلو كالوري ). أود أن أنوه هنا إلى أن الجسم لديه القدرة على أن يوازن الطاقة الداخلة بالطاقة الخارجة في حدود ضيقة جداً تقدر بحوالي ±10-15 كيلو كالوري ، ويمكن لجسم الإنسان أن يفعل هذا بالتحكم بعناصر الطاقة المصروفة (المذكورة سابقاً) ، حيث يتكيف الجسم للزيادة أو النقص في الطاقة الداخلة عن طريق إحداث بعض التعديل في عناصر الطاقة المصروفة. فإذا كانت الطاقة الداخلة منخفضة ، انخفضت الطاقة المصروفة عن طريق انخفاض في عناصر الطاقة المصروفة كلها . وهذا بسبب أن الجسم يريد المحافظة على الطاقة المخزنة فيه ، فمثلاً يكون هناك نقص كبير في الطاقة المصروفة أثناء الراحة والتي كما ذكرنا سابقاً هي أحد عناصر الطاقة المصروفة خلال اليوم . ويقدر هذا النقص بحوالي 20-30% أو أكثر . وعلى النقيض ، يمكن لكل عناصر الطاقة المصروفة أن تزيد مع الإفراط في الطعام ( زيادة كبيرة في الطاقة الداخلة ) . في هذه الحالة يحاول الجسم أن يمنع أي زيادة غير ضرورية في الطاقة المخزنة . وفي حدود هذا التوازن في الطاقة والذي يقوم الجسم بعمله يمكن للنشاط البدني أن يلعب دوراً هاماً في زيادة الطاقة المصروفة وبالتالي التحكم بالوزن . والمثال التالي سوف يوضح للقارئ الكريم كيف يمكن زيادة الطاقة المصروفة خلال اليوم من خلال زيادة الحركة وبالتالي زيادة الطاقة المصروفة الناتجة من التأثير الحراري للحركة.
لو قام زيدٌ من الناس بالهرولة لمدة 30 دقيقة في اليوم لثلاثة أيام في الأسبوع بسرعة حوالي 11 كيلومتراً في الساعة ( حوالي 5 دقائق للكيلومتر الواحد ) فإنه سوف يصرف حوالي 435 كيلو كالوري نتيجة لهذا المجهود البدني في اليوم الواحد . وبالتالي يكون مجموع الطاقة المصروفة نتيجة لهذا المجهود البدني في الأسبوع حوالي 1305كيلو كالوري أي ما يعادل 16, كيلوجرام من الدهون لكل أسبوع . قد يقول قائل أن هذه الطريقة بطيئة جداً لفقد الوزن وخصوصاً إذا كان النقص في الوزن لايصل إلى ربع كيلوجرام في الأسبوع. ولكن مهلاً فعلى المدى البعيد سوف يكون هذا النقص كبير، فمثلاً خلال سنة واحدة يمكن للمرء أن يخفض وزنه بحوالي 8 كيلوجرامات. وهذا الانخفاض في وزن الجسم يكون سببه الرئيسي إن لم يكن الوحيد هو الانخفاض في وزن دهون الجسم وليس الأجزاء الأخرى من الجسم الغير دهنية ( مثل العضلات و السوائل ) . وسوف نتطرق إلى هذا الموضوع لاحقاً ، ولكن ينبغي أن أنبه هنا إلى أن حساب الطاقة المصروفة أثناء النشاط البدني فقط لا يعطينا الصورة الحقيقية لحجم الطاقة المصروفة نتيجة للتأثير الحراري للنشاط البدني ، حيث أن هناك طاقة إضافية يصرفها الفرد بعد التوقف من النشاط البدني ، وذلك بسبب أن العمليات الأيضية وحرق الطاقة تستمر مرتفعة بعد التوقف من النشاط البدني ولفترات تتراوح بين عدة دقائق إلى عدة ساعات على حسب شدة وطول فترة النشاط البدني .
فلو عدنا إلى زيد في المثال السابق لوجدنا أن زيد يمكن أن يصرف طاقة إضافية حتى بعد توقفه من نشاطه . ومثالاً على ذلك يمكن لزيد أن يصرف على أقل تقدير 15 كيلو كالوري في الساعة بعد التوقف من المجهود ، وذلك نتيجة للارتفاع في العمليات الأيضية واستهلاك الأكسجين أثناء الراحة والناتج من تأثير النشاط البدني ، حيث أن الجسم ، كما ذكرنا سابقاً ، يحتاج إلى بعض الوقت حتى تعود عملياته الأيضية إلى وضعها الطبيعي أثناء الراحة. ولو قمنا بحساب تقديري للطاقة التي يمكن أن يصرفها زيد بعد توقفه من نشاطه البدني لوجدنا أن هذه الطاقة تقدر بأكثر من نصف كيلوجرام من الدهون في السنة ، مع العلم أن هذا التقدير منخفض جداً ، إلا أنه لا ينبغي أن ننسى أن هذا المقدار هو إضافة إلى الطاقة المصروفة أثناء النشاط البدني . ففي حالة زيد يمكن أن نضيف من نصف إلى واحد كيلوجرام انخفاض في الوزن إلى ذلك الوزن المفقود أثناء النشاط البدني (8 كيلوجرام تقريباً) بحيث يفقد زيد من 8,5 إلى 9 كيلوجرام من الدهون خلال سنة واحدة وذلك فقط نتيجة لزيادة نشاطه اليومي.
أيهما أكثر جدوى لإنقاص وزن الجسم اتباع حمية غذائية أم ممارسة الأنشطة البدنية ؟
كما ذكرنا سابقاً فإنه لإنقاص الوزن يجب قلب معادلة التوازن في الطاقة لإحداث عجز في توازن هذه المعادلة ( Energy deficit ) يكون في صالح الفرد الذي يريد إنقاص وزنه . ويحدث هذا بجعل الطاقة الداخلة ( المستهلكة ) أقل من الطاقة الخارجة (المصروفة) ، في الواقع فإن فترة بقاء هذا العجز هو الذي يحدد كمية الوزن المفقود من الجسم .
أريد التأكيد هنا أن الحمية الغذائية هي حجر الزاوية في برامج التحكم في وزن الجسم ، ولكن استخدام الحمية الغذائية فقط لإنقاص الوزن قد لا يكون مجديًا في كثير من الحالات وذلك لعدة أسباب نذكر منها التالي :
أولاً : أن الحمية الغذائية يمكن أن تنقص الوزن في البداية وبشكل كبير إلا إنها إذا لم تصاحب بزيادة في النشاط البدني فإنها قد تتسبب في حدوث بعض التغيرات في الجسم والتي في الغالب لا تكون في صالح الفرد الذي يريد إنقاص وزنه . فمثلاً الاستمرار في الحمية وتقليل الغذاء قد ينتج عنه تكيف الجسم ومقاومته لهذا النقص في الغذاء ( مثال : تقليل الطاقة المصروفة أثناء الراحة ) مما يحدث صعوبة في الاستمرار في انقاص الوزن وربما يعود الوزن المفقود .
ثانياً : السبب الآخر هو أن النقص في الوزن من جراء اتباع حمية غذائية فقط يكون في الغالب مصحوباً بضمور في عضلات الجسم . لقد دلت كثير من الدراسات التي أجريت في هذا المجال على أن مصاحبة برنامج الحمية الغذائية بنشاط بدني منتظم سوف يؤدي إلى منع ضمور عضلات الجسم أو على أقل تقدير التقليل من هذا الضمور. في الحقيقة فإن ضمور عضلات الجسم يؤدي إلى ضعف في قوة الجسم ، وهذه من سلبيات اتباع حمية غذائية فقط .
وللتأكيد على مدى فعالية مصاحبة نشاط بدني منتظم لبرنامج الحمية الغذائية بغرض إنقاص الوزن ، نستعرض الدراسة التالية والتي قام بها كل من زوتي و قولدنق ( Zuti & Golding ) في عام1976 م حيث قسم الباحثان عينة البحث والمتمثلة بمجموعة من النساء إلى ثلاث مجموعات كالتالي:
- حمية غذائية فقط .
- نشاط بدني فقط .
- حمية غذائية مصحوبة بنشاط بدني .
كل مجموعة من هذه المجموعات أبقت عجز في الطاقة مقداره 500 كيلو كالوري لليوم الواحد ولمدة 16 أسبوعاً . مجموعة الحمية الغذائية أنقصت الطاقة المستهلكة ( الداخلة ) بما مقداره 500 كيلو كالوري لليوم الواحد ، ولكن بدون أن تحدث أي تغيير في مستوى النشاط البدني اليومي. مجموعة النشاط البدني قامت بإحداث تغيير في مستوى النشاط البدني اليومي ، بحيث زادت من الطاقة المصروفة ما مقداره 500 كيلو كالوري لليوم نتيجة للزيادة في النشاط البدني مع إبقاء النظام الغذائي على ما هو عليه . أما المجموعة الثالثة فقد دمجت الحمية الغذائية بالنشاط البدني حيث تم إنقاص الطاقة المستهلكة بما مقداره 250 كيلو كالوري وذلك عن طريق الحمية ، وزيادة الطاقة المصروفة بما مقداره 250 كيلو كالوري وذلك بزيادة مستوى النشاط اليومي.
دلت نتائج هذه الدراسة على حدوث نقص في أوزان أعضاء المجموعات الثلاث وذلك بعد نهاية البرنامج. الجدير بالذكر هنا أن الفارق الرئيسي بين مجموعة الحمية فقط والمجموعتين اللتين استخدمتا النشاط البدني هو أن النقص في الوزن في مجموعتي النشاط البدني لم يكن مصحوباً بنقص في الأجزاء الغير دهنية من الجسم ( العضلات مثلاً ) ، بل على العكس كان هناك زيادة في الأجزاء الغير دهنية من الجسم ، بينما كان النقص في وزن الجسم من جراء الحمية فقط مصحوباً بنقص في الأجزاء الغير دهنية من الجسم وهذا يعني ضمور في العضلات .
في الحقيقة فأن فعالية النشاط البدني المنتظم كطريقة لإنقاص الوزن قد اختبرت في كثير من الدراسات سواء كانت مصحوبة بحمية غذائية أم لا . أود أن أطرح النقاش هنا عن جدوى استخدام النشاط البدني فقط لإنقاص الوزن . لقد دلت دراسات على إمكانية إنقاص الوزن من خلال تصميم برنامج يركز فقط على زيادة النشاط البدني بغرض زيادة الطاقة المصروفة وبالتالي نقص الوزن. ولكن يجب أن نكون حذرين هنا حيث أن معظم الدراسات استخدمت برامجاً غير عملية ، حيث أن على الفرد أن يقضي الساعات الطوال خلال اليوم ليقوم بحرق طاقة تكون كافية إذا ما تراكمت لإنقاص وزنه عند انقضاء مدة البرنامج . عند استخدام برامج أقرب إلى العملية فإن فاعلية النشاط البدني المنتظم قد تكون معدومة مع العلم أن هناك دراسات تشير إلى وجود نقص قليل في وزن الجسم . ملخص القول هو أن إتباع نشاط بدني منتظم كبرنامج لغرض إنقاص الوزن قد يكون مجدياً في حالات كون الهدف هو نقص قليل في وزن الجسم ، وغير مجدياً كبرنامج وحيد للأفراد المتوسطي السمنة إلى المفرطي السمنة. ولخصت الكثير من الأبحاث إلى فاعلية إضافة نشاط بدني منتظم إلى الحمية الغذائية . بل الكثير من الدراسات دلت على أن هذا الدمج يؤدي إلى نقص أكبر في الوزن مقارنة بإستخدام إحدى الطريقتين فقط .
دور النشاط البدني المنتظم في إبقاء وزن الجسم المرغوب فيه
قد يكون من السهل على أحدنا أن ينقص وزنه إلى الحد الذي يريده ولكن الصعوبة تكمن في المحافظة على الوزن المرغوب فيه بعد إنقاص الوزن . الكثير من الذين نجحوا في إنقاص أوزانهم من خلال برامج الحمية الغذائية ما لبثوا حتى عادت أوزانهم وعادوا كما كانوا قبل انخراطهم في هذه البرامج . وتتكرر هذه الحوادث كثيراً حيث أن كثير من هؤلاء الأفراد قد يدخل في حلقة مفرغة من النقص و الزيادة في الوزن تسمى دائرة النقص والزيادة في الوزن. والمشكلة أن هؤلاء الأفراد قد تتسبب لهم هذه الدائرة بصعوبة في إنقاص الوزن مستقبلاً.
البرنامج الناجح لخفض الوزن هو الذي يركز على المحافظة على الوزن المرغوب فيه بعد نقص وزن الجسم . ممارسة النشاط البدني المنتظم هو أحد العناصر المهمة والتي تساهم في المحافظة على الوزن المرغوب فيه . فهناك دراسات دلت على أن استخدام النشاط البدني المنتظم للحفاظ على وزن الجسم بعد النقص الذي حدث من جراء الانخراط ببرامج خفض الوزن كان مجدياً . وحتى الأفراد الذين انقصوا أوزانهم بالحمية فقط استطاعوا المحافظة على هذا