كان الشارع يربي وأصبحت المدرسة تفسد!
---------------------------------------------------------------
د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري - كاتب متخصص في التنمية 09/02/1428هـ[email protected]
يفترض في الإنسان أن يتعلم ويتطور وتزيد مداركه مع تطور أساليب الحياة وتقدُم التنقية والانفتاح على العالم من خلال مختلف الوسائل الإعلامية والمعرفية، كما أن أسلوب ومناهج التعليم يفترض بها أن تواكب ذلك الحدث. نرى أن المدرس والطالب كليهما يملكان القدرة على تطوير ذاتهما ومعرفة حقوقهما وواجباتهما.
نتألم اليوم جميعاً عندما نسمع أن مدرسا اعتدى بالضرب على طالب في الفصل لأن ذلك الطالب لم يلتزم بآداب الفصل ولم يحترم معلمه أو زميله على أن العقاب الجسدي يمثل إحدى أدوات التربية دون شدة تخرجه عن إطاره الإنساني ولكن تبقيه في إطار التربية الأبوية الحانية. ومن تعلم منا في العقود الماضية يعرف تلك الشدة الأبوية الحانية من أساتذتنا وتربيتهم لنا واستخدام العصا مع من عصى على اتفاق الجماعة أو خرج عن المألوف، تلك الشدة مهما بلغت فإنها لا تبلغ أن تترك أثرا جسديا واضحا في الجسم وإنما تركز على الأثر النفسي التربوي السليم، ومع ما تعرض له البعض منا من ذلك الأثر إلا أن احترام المعلم ومحبته يبقيان المحرك للعلاقة بين الطالب والمعلم، هذا الاحترام الذي قد يصل إلى مرحلة يجعلنا جميعا نصل إلى احترام كل شيء حولنا. نلعب في الشارع ولكن دون إيذاء للآخرين، احترام الكبير سمة تعودنا عليها، لا يمكن القيام بأي تصرف خاطئ في الشارع. وتزيد سخونة الأمر والحرص عليه عندما نرى ظل المعلم يسبقه إلينا فتتوقف حركة الحياة في الشارع تماماً حتى يغادر بحفظ الله ورعايته.
إذا كنا نتألم اليوم من اعتداء معلم بالضرب على طالب، فماذا نقول وكيف نصف ما يحدث من اعتداء الطلاب على معلميهم؟ هذا الاعتداء لم يعد يحدث في الشارع فقط وإنما تعدى كل الحدود التي يقبلها عقل المجنون وليس العاقل فقط. الاعتداء أصبح داخل المدرسة وفي مكتب مديرها، ويكون الأمر مقبولاً لو كان حادثا فرديا عابرا ولكن أن يكون كما نسمع هذه الأيام ومن خلال ما تنقله وسائل الإعلام حيث إن الأمر وصل إلى الاعتداء الجماعي لمجموعة من الطلاب لإلزام المدرسة ومعلميها برفع درجاتهم وإلا تعرض هؤلاء المعلمون للعقاب الصارم من هؤلاء الطلاب.
حقيقة وقفت أتأمل هذا التغير السلوكي المرعب وأسأل نفسي أين الخلل؟ كيف كان الشارع يربي الإنسان منا على احترام الكبير والعطف على الصغير وعدم مضايقة المرأة واحترامها واحترام إنسانيتها؟ وكيف تحولت العديد من المدارس إلى مكان لإفساد الأخلاق والسلوك السوي، أصبح العنف بين الطلاب السمة الغالبة على تصرفاتهم، المخدرات تنتشر بينهم انتشار النار في الهشيم، السلوك المنحرف هو ما يطبع تصرفات البعض منهم.
أيـــــــن الخلل؟ سؤال ليس بالسهل الإجابة عنه ولكن إذا استطعنا أن نحلل ونشخص الوضع العام لمجتمعنا وتفاعل عناصره مع بعضها، الإنسانية والمكانية فلربما نصل إلى رأي يساعد على تقديم الحل الناجح. حقيقة قد يقول البعض إن هذه السمة العنفية من الطلاب أصبحت ظاهرة عالمية لأسباب كثيرة منها القنوات الفضائية وما تعرضه من أفلام عنف وجنس وأيضـــاً مــــا تقدمـــــــــه بــرامج الألعاب الكمبيوترية مثل
wii أو play station أو Game cube أو X box من برامج تعتمد أغلبها على العنف, وللأسف بعض برامجها ينتهي بتقديم الشكر للفائز عبارة عن لقطات جنسية مثل برنامج Gears of war, حيث يعطى للطفل المعرفة الكاملــــــة لأنــــــواع الأســـــــلحة ويدربه على العنف والقتل بأبشع الطرق, وGrand theaf auto يشرح للطفل والمراهق كيف يخرب ويهدم، حتى أن اللعبة توضح كيف يهدم المسجد ويخرج من ذلك منتصراً بحيث ينتهي من كل ذلك الهدم والتخريب إلى شارع الفساد والرذيلة واللقطات الجنسية البشعة لمثل من هو في سن هؤلاء المراهقين.
هذه البرامج بشقيها وللأسف تُقدم للأطفال والشباب على أنها النظرة العصرية للمجتمع وهو ما يتوقع من الشباب العمل به ومن خلاله خلال مسيرة حياتهم.
إن مثل هذه القنوات والبرامج إضافة إلى الازدواجية التي يعيشها أبناء مجتمعنا بين إفراط وتفريط، فنرى كيف أن بعض الأُسر تتشدد مع أبنائها من الجنسين في المنع من جميع القنوات والبرامج دون إيضاح الأسباب، وأُسر لا تسأل أبناءها عن شيء، جميع القنوات يتم استقبالها من خلال الرسيفرز والإنترنت على DSL وجميع الألعاب الكمبيوترية متوافرة مع أشرطتها مهما كانت خطورتها.
كما أن الاندفاع المادي وللأسف خلال العقدين الماضيين شكل شخصية أسرية ومجتمعية ورسمية أثرت كثيراً في سلوك المعلمين والطلاب وأوليائهم. لهذا نجد أن المعلم مهما كان المستوى التعليمي الذي يعمل فيه، من رياض الأطفال وحتى الجامعة لا يصرف من وقته القليل للقراءة والبحث وإنما منشغل بأموره الأسرية والمادية، وكذلك أولياء الأمور، سواء الأب أو الأم. ومع التقنية الحديثة واستخدام الكمبيوتر في المعاملات المالية, خصوصاً سوق الأسهم والوقت الجديد لعمل السوق أصبحت حتى الأم لا تسأل عن مستوى أبنائها ولا تتابعهم, ولجأت بعض تلك الأسر إلى المعلم الخصوصي الذي يحرص على عدم تعليم الابن التعليم الذي يغنيه عنه وإنما يعطيه من المعرفة ما يُبقي الطالب في حاجة إليه حتى تخرجه في الجامعة.
أعلم أن طرح المشكلة والتساؤل حولها لا يضيف كثيراً، وأن العمل الفردي لا يقدم جديداً، وأن تشكيل اللجان أثبت فشله في حالات سابقة لمعالجة المشكلة، كما أن هناك المندسين بيننا ممن يعيقون أي تعديل أو تطوير على أساس أن ذلك يتعارض مع مصالحهم المباشرة أو غير المباشرة أو يعتقدون أنه يتعارض مع معتقداتهم وأن هذا التغيير هو فرض أجنبي على سياسة التعليم والتربية في المملكة وأن الأصل في ذلك محاربته ابتغاء لوجه الله, سبحانه وتعالى, أو غيرها من المبررات التي توضع لمنع أي تغيير لتطوير التعليم والارتقاء بمناهجه، ولعل التجارب السابقة تؤكد ذلك، ومن يعرف القصة من الداخل يعرف الكثير ومن يبحث عن الحقيقة يعلمها.
لقد جاء قرار مجلس الوزراء الموقر بتبني "مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام", هذا القرار الذي جاء بعد دراسة متأنية من لجنة وزارية برئاسة ولي العهد ورصد لها مبلغ تسعة مليارات ريال وتنفذ خلال ست سنوات تبدأ من تاريخ إقرار المشروع، هذا القرار الحكيم والرؤية الثاقبة لمجلس الوزراء الموقر يوضح مدى إدراك أهمية العناية بالتعليم وتطويره، وإن كان الوقت مبكراً للحديث عنه ومعرفة كامل تفاصيله.
لقد كتبت موضوع "كان الشارع يربي وأصبحت المدرسة تفسد" قبل صدور هذا القرار المبارك، ولهذا السبب فإنني أرجو من القائمين عليه دراسة وتحليلا وإعدادا وتنفيذا، أن يتناولوه بالشرح والطرح وإيضاح أهدافه والتوقعات المرجوة من مخرجاته وإعطاء الفرصة لأكبر شريحة من المجتمع للحديث عنه وإيضاح مرئياتها ومقترحاتها, خصوصاً فئة الشباب من مختلف الأعمار من الجنسين، وألا يتم تناوله من خلال أبواب مغلقة تأتي لنا في نهاية اليوم ببرنامج لا يمكن تفعيله لأسباب عديدة ذكرتُ بعضها في بداية هذا الطرح أيضاً ربما يكون من المفيد التفكير هذه المرة بشكل مختلف من خلال تفعيل دور المناطق في تطوير هذه الرؤية بما يتفق وظروف كل منطقة وإمكاناتها البشرية والجغرافية وأسلوب تنفيذ هذا التوجه الخيّر وفقاً لذلك، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=4836