أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه. قال قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (إِنَّ اللَّه تعالى قال: منْ عادى لي وليًّاً. فقدْ آذنتهُ بالْحرْب. وما تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وما يَزالُ عبدي يتقرَّبُ إِلي بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ به، وبَصره الذي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ التي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ التي يمْشِي بها، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْته، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه) [البخاري.]

قال في فتح الباري: "قوله: من عادى لي وليا، المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته. وقال بن هبيرة في الإفصاح: قوله عادى لي وليا، أي اتخذه عدوا، ولا أرى المعنى الا انه عاداه من أجل ولايته، وهو وان تضمن التحذير من ايذاء قلوب أولياء الله، ليس على الإطلاق، بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة، ترجع الى استخراج حق أو كشف غامض، فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة وبين العباس وعلي الى غير ذلك من الوقائع انتهى ملخصا"انتهى.

أقول: هذا حديث قدسي عظيم، بين فيه ربنا أعلى درجات ولاية المؤمنين لربهم سبحانه، فقد عرف الله تعالى أولياءه، في كتابه، مع ذكر ثوابه لهم، بقوله عز وجل: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}.

ففي الآية الأولى من هذه الآيات، بين الله تعالى بعد أن قدم نفي الخوف عنهم والحزن أن أولياءه هم المؤمنون المتقون: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} فقد ذكر الله لأوليائه وصفين، الأول: الإيمان، وهو الأساس الذي يبنى عليه كل عمل صالح،. والثاني: التقوى، وهي العمل الصالح، ثمرة هذا الإيمان.

قال السيد محمد رشيد رضا رحمه الله عند تفسير الآية: "أَوْلِيَاءُ اللهِ أَضْدَادُ أَعْدَائِهِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ، وَالْكَافِرِينَ بِنِعَمِهِ، فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْآيَةُ، وَهُمْ دَرَجَاتٌ أَعْلَاهُمْ دَرَجَةً هُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَحُبِّهِ وَالْحُبِّ فِيهِ، وَالْوِلَايَةِ لَهُ، فَلَا يَتَّخِذُونَ لَهُ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ مِنْ نَوْعِ حُبِّهِ، وَلَا يَتَّخِذُونَ مِنْ دُونِهِ وَلِيًّا وَلَا شَفِيعًا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى، وَلَا وَكِيلًا وَلَا نَصِيرًا فِيمَا يَخْرُجُ عَنْ تَوْفِيقِهِمْ لِإِقَامَةِ سُنَنِهِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ، وَيَتَوَلَّوْنَ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ".

ثم قال عن وصف أولياء الله: "وَأَمَّا مَا وَصَفَهُمْ وَعَرَّفَهُمْ بِهِ فَقَوْلُهُ

: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ فَهَذَا اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ حَالِ هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ النَّفْسِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ. أَيْ هُمُ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَلَكَةِ التَّقْوَى لَهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَا تَقْتَضِيهِ مِنْ عَمَلٍ.

وَعَبَّرَ عَنْ إِيمَانِهِمْ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي لِبَيَانِ أَنَّهُ كَانَ كَامِلًا بِالْيَقِينِ، لَمْ يُزَلْزِلْهُ شَكٌّ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالتَّدْرِيجِ، وَعَنْ تَقْوَاهُمْ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّ التَّقْوَى تَتَجَدَّدُ دَائِمًا بِحَسَبِ مُتَعَلَّقَاتِهَا: مِنْ كَسْبٍ وَحَرْبٍ ، وَشَهْوَةٍ وَغَضَبٍ، وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ فِيهَا أَنَّهَا اتِّقَاءُ كُلِّ مَا لَا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى مِنْ تَرْكِ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ، وَفِعْلِ مُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٍ، وَاتِّقَاءِ مُخَالَفَةِ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ مِنْ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالنَّصْرِ وَالْعِزَّةِ وَسِيَادَةِ الْأُمَّةِ." انتهى.

والحديث كذلك يبين ثمرة الطاعة الكاملة لله ولرسوله، صلى الله عليه وسلم، التي أصبح قلب صاحبها، وأعضاء جسمه كلها، مصطبغة بها مسوقة بها وإليها، وأصبحت جميعها في حفظ ربها، لا تتوجه إلا حيث يوجهها ويهديها، فبتوجيهه تتحرك، وإلى ما يرضيه تسير، وعن معاصيه ومساخطه تنفر، وبنوره الذي منحها تمشي في الناس.

ففي القلب يقين الإيمان بالغيب الذي هو أساس الإيمان، وفيه الطهارة من كل الأمراض الشيطانية الخبيثة، من حسد وحقد وبغض ورياء ونفاق، وحب لله ولرسوله، ولكل من أحب الله، وكل ما أحب الله.

وفي الأذن طرب لسماع أصوات القراء بتلاوة كتاب الله، وكل

ذكر يقصده القلب، ويتحرك به اللسان، والإنصات لكل صوت يدعو إلى إقامة المعروف في الأرض والعدل والخيرات، والنهي عن الشرور والآثام والمنكرات، وإغلاق عن أصوات دعاة الشر والمنكر والفساد في الأرض، وفي اللسان قول الحق والذكر الطيب، و الصمت عن الكذب والخنا والخيانة والغيبة والنميمة وقول الزور.

وفي اليد بسطها بالخير وبذل العطاء للناس، والكف عن جلب الشر لهم، وفي العين النظر إلى ما أحل والكف عما حرم، وفيها النظر إلى الكون وما فيه من آيات وعبر تبهر عقول أولي الألباب، وفي الرجل سعي إلى كل سبيل شرع الله لعباده سلوكه، ووقوف عن سبل الشيطان وخطواته: (فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ به، وبَصره الذي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ التي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ التي يمْشِي بها).

إنه يمشي في الأرض بين الناس بنور الله الذي هداه به، في كتابه، وسنة رسوله، صَلى الله عليه وسلم، ومن يمشي بهذا النور، ليس كمن مات قلبه وامتلأ بظلمات الكفر والنفاق والفواحش والمنكرات، الذي عمي قلبه وغلب عليه الران، فلا يعمل في الأرض إلا الفساد، ولا يتعاطى إلا ما يضره ويضر الناس:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام].

قال ابن حجر في شرح الحديث: في كتابه فتح الباري: "وقال الخطابي: هذه أمثال والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الاصغاء الى اللهو بسمعه، ومن النظر الى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي الى الباطل برجله...قال الطوفي هذا الحديث أصل في السلوك الى الله والوصول الى معرفته ومحبته وطريقه، إذ المفترضات الباطنة، هي الإيمان والظاهرة وهي الإسلام، والمركب منهما وهو الإحسان فيهما كما تضمنه حديث جبريل والإحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص والمراقبة وغيرها". انتهى

فلنختر – نحن المسلمين - درجتنا عند ربنا بتزكية أنفسنا، ونسأل ربنا أن يعيننا على تزكية أنفسنا، فلا طاقة لنا بذلك وغيره من أعمال البر والتقوى، إلا بعونه وتوفيقه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)} [النور].

وقد روى زيد بن أرقم، رضِي الله عنه، وقد سُئل عمَّا سمع رسولَ الله، صَلى الله عليه وسلم، يقول: فقال: "لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صَلى الله عليه وسلم، يقول، كان يقول": "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". [مسلم].