أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



تلك إشارة موجزة إلى سعة صفة رحمة الله تعالى اللائقة بجلاله، التي كان من آثارها خلق مائة رحمة أنعم على مخلوقاته كلها منها في الدنيا بجزء واحد يتراحم به جميع مخلوقاته في الدنيا، ويجعلهم يتراحمون بها فيما بينهم، وأبقى تسعة وتسعين جزءً منها عنده مدخرة لعباده المؤمنين في الآخرة، فالمؤمنون يجمع الله لهم بين الرحمة في الدنيا وفي الآخرة، بل أشار الله تعالى أنهم أحق برزقه في الدنيا من غيرهم، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.... (32)}. [الأعراف]

وبيَّن الرحمة الرضوانية، أي رضاه عنهم، وجزاؤهم الدائم في جناته التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وهي الخالصة المذكورة في الآية. وإنما خصهم الله تعالى برحمته لأنهم آمنوا بها وجاهدوا في الله حق جهاده في الدنيا راجين منه تلك الرحمة التي آمنوا بها، ملحين صادقين في طلبها، حذرين خائفين من حرمانهم منها وسخطه عليهم وعذابه لهم، بخلاف من كفروا بها ممن جهل عظمته وقدره، كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9)}. [الزمر]

وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)}. [الأعراف] وقال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43)} [الأحزاب]. قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: "{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} أي في الدنيا والآخرة, أما في الدنيا فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم, وبصَّرهم الطريق الذي ضلَّ عنه وحاد عنه من سواهم من الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأتباعهم من الطغاة, وأما رحمته بهم في الآخرة فأمنهم من الفزع الأكبر، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة والنجاة من النار وما ذاك إلا لمحبته لهم ورأفته بهم". انتهى

وأخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام، أن الله تعالى لشدة رحمته بعباده عظيم الفرح بتوبة من عصاه عن عصيانه كما روى أَنَس بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ – رضي الله تعالى عنه - خَادِمِ رسول الله عليه الصلاة والسلام ، قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (للَّهُ أَفْرحُ بتْوبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سقطَ عَلَى بعِيرِهِ وقد أَضلَّهُ في أَرضٍ فَلاةٍ...). [متفق عليه]

مقارنة لطيفة:
جزء من مائة جزء من الرحمة أنزلها سبحانه وتعالى لجميع خلقه في الدنيا، وأبقى تسعة وتسعين جزءً، يرحم عباده بها يوم القيامة، ودلَّ حديث لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، أن أهل النار تسعة وتسعون في الألف، وأن أهل الجنة واحد من الألف، وهذا يدل على إكرام الله لأهل طاعته، الذين يلقى كثير منهم من أعداء الله الصد والعدوان والاستضعاف من أهل الكفر والطغيان، الذين يفتنونهم بالسجون والاعتقال، والتعذيب بالرجم والحرق بالنار والنفي من بلدانهم وديارهم، والقتل والصلب، فسبحان الله الذي أعطى كلاً من القسمين ما يناسبه!

وهذا نص حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام ، قال: (يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد). قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟ قال: (أبشروا، فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً). ثم قال: (والذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود). [الحديث في صحيح البخاري (3/1221) ومسلم (3/77).]