المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزائد عن اللزوم مظن الهم و الغموم



معلم
30-12-2011, 05:10 PM
الزائد عن اللزوم مظن الهم و الغموم





بقلم/ نبيل الصبحي
1432/1/30






آفة خفية تنخر جسد المجتمع وتولد البغضاء والضغينة، وتحطّم بنيان الأسرة وتقوقع الفرد في دائرة الهم والقلق، تدمّر الشخصيات وتقتل الإبداعات وتحطّم الإيجابيات في نفوس البشر، من أصيب بها فقد أصاب الهم كله، ومن نجا منها فهو المعافى



آفة قد فاح عطنها في الحاضر القريب، ونشبت أظافرها في مجتمعنا المعاصر ألا وهي



طلب الكمال الزائد




فمجتمع لا يرحم فعند أدنى هفوة أو زلة لشخص ما، صودرت أخلاقه وطمست ايجابياته وربما عاش سنين جائرة ضحية الخطأ والتقصير



ونسينا أو تناسينا قول حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في خيانة حاطب بن أبي بلتعة " يا عمر لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"



إنه فقه غمر السيئة في بحار الحسنات وليس العكس كما هو حاصل في المجتمعات العربية والإسلامية





وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع





فنجد المدير يريد موظفون على أرقى المستويات وأتم الاستعداد لتلبية الطلبات والانقياد للتوجيهات، لا يمرضون ولا يتقاعسون ولا يستأذنون، منضبطون كامل الانضباط، ومن قصر منهم في جزء بسيط اشتد حنقه وانتفخت أوداجه وربما انقطع العرق وسال منه الدم.





وفي المقابل موظفون يريدون مديرا مثاليا، طيب لين لا يزجرهم على تقصير ولا يطلب منهم أمر عسير، ذو مواصفات عالية وأخلاق راقية، ولو استاء يوما ما على تصرفاتهم نبذوه وربما اتهموه بسوء الإدارة والأخلاق.





وجماعة مسجد يريدون إماما نازلا من السماء عالم بجميع العلوم شجاع كريم لا ينقطع بره وإحسانه، ذو إلقاء جيد، حسن الصوت متقن للقرآن لا يخرم منه حرفا واحدا، فلو فقد أحد الصفات السابقة فهو لا يستحق الإمامة والاحترام.





وزوجة نظرها قاصر وسوء أخلاقها ظاهر شمطاء حمقاء تريد زوجا محيا الثنايا لا يفتر في تنفيذ طلباتها لا يسألها ولا يفاصلها في شئونها ذو رومانسية هادئة وصاخبة ومتوسطة يمزج بينهم طوال اليوم والليلة لإرضاء غرورها، ولو بدر منه عصيان أو نسيان بادرته "مارأيت منك خيرا قط يالله طلقني"





وزوج يريد زوجة ذات مواصفات معينة ولولا الحياء لفصلّت في مواصفاته التي يريد، ومع ذلك تجده كريه المنظر والثوب لا يغتسل إلا في السنة مرة أو مرتين.





لذا لن تجد في هذه الحياة إنسانا كاملا مهما كان بوادره الخير والصفاء



فتمسك بأصحابك ومن هم تحت يديك وإن بان لك الخلل والزلل، فاسعي إلى إصلاحه بقدر ما تستطيع بدلا من الهجران





فكم من صاحب حبيب هجره الصحب والكرام بسبب عيب واحد



وكم من زوج طلق زوجته بسبب موقف بسيط



وكم وكم وكم وكم ...........



فكلنا نخطئ ونصيب ولدينا من العيوب مالله به عليم



ولكن العاقل يسعى في الفكاك من ذنبه وغفلته





سافرت مع زميل لي في الدراسات العليا إلى خارج البلاد قبل أربع سنوات وكان ذو أخلاق راقية وثقافة رائعة وهو بحق شخص رائع ولكن فيه عيب واحد، تضايقت منه كثيرا في بداية الرحلة حتى قررت في قرارة نفسي عدم السفر معه مرة أخرى، ثم راجعت نفسي وأخذت أتذكر إيجابياته ومقارنتها بسلبياته فإذا بإيجابياته نادرا ما تجتمع في شخص ما، ولعل سلبياتي قد طغت على سلبياته وانأ لا أشعر بها



عندها تذكرت قول الشاعر



ومن الذي لا ترضى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه





قتقربت منه كثيرا حتى أصبح صديقي الحميم الذي لا يمكن الاستغناء عنه، نجتمع كل يوم اثنين ونسافر في السنة مرتين



كم بذل من ماله ووقته لإنجاز خدمة لي



كنت سأخسره بسبب طلب الكمال الزائد



لذا أيها الحبيب حافظ على صديقك أو زوجتك أو غيرهما



فإن رأيت اعوجاجا فقومه وإن رأيت خللا فسده، فجلّ من لا خلل له ولا عيب



ولو نظرت إلى عيوبك لرأيت انها الاولى بالإصلاح بدلا من النظرة الفاحصة في عيوب الآخرين.





طبتم وطابت لياليكم



ألقاكم في لقاء جديد بعنوان" لست مستقيما أو مستقيمة أضحوكة شيطانية"