أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الفرع الأول :كفر التكذيب :

أولا : أركان كفر التكذيب:

كفر التكذيب ركنه الأساسي انتفاء علم القلب ويسمى أيضا قول القلب .
وعلم القلب : هو التصديق الجازم بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر، ويدخل فيه الإيمان بكل ما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ويترتب على انتفاء علم القلب ما يلي :

1- انتفاء عمل القلب: فلا ينقاد القلب ولا يخضع ولا يعظم ولا يحب الله وذلك لانتفاء العلم به.

2- انتفاء قول اللسان : وهو نطق شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.

3- انتفاء عمل الجوارح : وذلك لانتفاء عمل القلب فعمل الجوارح تابع لعمل القلب وجوداً وعدما صلاحا وفسادا.

فكفر التكذيب: هو أن يكذب المكلف بشيئاً من أصول الدين ، أو أحكامه ، أو أخباره الثابتة ثبوتاً قطعياً.
وذلك بأن يكذب بقلبه ، أو لسانه أصلاً من أصول الدين ، أو حكماً من أحكامه ، أو خبراً من أخباره التي أجمع أهل العلم عليها إجماعاً قطعياً .

ثانيا : ما هي أسباب كفر التكذيب ؟

كفر التكذيب قد يكون عن علم وقد يكون عن جهل وقد يكون عن شك .

1- قد يكون سببه الجهل :

وذلك بالإعراض عن تنفيذ الأمر بطلب العلم وانتفاء علم القلب ، ويسميه البعض كفر الجهل وهو في الواقع كفر تكذيب سببه الجهل.

بأن يعرض المرء عن الرسول وعن الإيمان به وعن طلب العلم برسالته تجاهلا وانشغالا بدنياه واستحسانا لما هو عليه من أمور الحياة فلا يعنيه وجود الرسول أو عدم وجوده أو يعرض عنه تجاهلا لرسالته وإيثارا لما ألفه من الاديان الباطلة كاليهودية والنصرانية والمجوسية والبوذية وغيرها من أديان المشركين فهولاء كفرهم كفر تكذيب سببه الجهل والإعراض عن العلم برسالة الإسلام وعدم الرغبة في معرفة الحق وهذا كفر أكبر ويصدق عليهم ما ورد في قوله تعالى(وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا*فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى)النجم 28 - 30 .

2- وقد يكون عن علم:

وذلك بإنتفاء قول القلب بعدم التصديق .

فمن سمع عن النبي وأعرض عنه ولم يؤمن بالذي أرسل به وأعرض عنه تكذيبا له وتكذيبا برسالته يكون كافرا كفرا أكبر مخرج من الملة ، ولا يكفر المعين إلا بتوافر شروط التكفير في حقه مع إنتفاء الموانع.

3- وقد يكون سببه الشك والظن:

وذلك بإنتفاء قول القلب بعدم التصديق الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر خيره وشره ، فالإيمان يقوم على التصديق الجازم ومن ثم فمن شك في ذلك فلا يكون مؤمنا بل كافرا ، ويصنفه البعض بأنه نوع مستقل من أنواع الكفر ويسميه كفر الظن والشك ولكنه في الحقيقه هو من كفر التكذيب الذي سببه الشك والظن ، وهو أن يتردد المسلم في إيمانه بشيء من أصول الدين المجمع عليها ، أو لا يجزم في تصديقه بخبر أو حكم ثابت ثبوتا قطعيا.

فمن تردد أو لم يجزم في إيمانه وتصديقه بأركان الإيمان أو غيرها من أصول الدين ، أو تردد في التصديق بحكم أو خبر ثابت ثبوتا قطعيا ، فقد وقع في الكفر المخرج من الملة بإجماع أهل العلم ؛ لأن الإيمان لابد فيه من التصديق القلبي الجازم ، الذي لا يعتريه شك ولا تردد ، فمن تردد في إيمانه فليس بمسلم ، وقد أخبرنا الله تعالى في قصة صاحب الجنة أنه كفر بمجرد شكه في أن جنته أي بستانه لن يبيد أي لن يخرب أبداً ، وشكه في قيام الساعة ، حين قال (مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً) يريد جنته ، وحين قال (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) ، فقال له صاحبه المؤمن(أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) الكهف:35- 38.

ثالثا :أمثلة على كفر التكذيب:

1) أن يكذب المرء بشيئاً من أركان الإيمان أو غيرها من أصول الدين ، أو يكذب بشيئاً مما أخبر الله عنه في كتابه ، أو ورد في شأنه أحاديث أجمع أهل العلم عليها إجماعاً قطعياً ، ومن ذلك ما يلي:

× الذين يحاربون الإسلام في الشرق والغرب ، ويستهزؤون بالنبي وأصحابه وسائر أتباعه بل هم منقادون دون سؤال أو تحقيق أو استفسار لتأيد الصورة المشوهة التي صوروا بها نبي الإسلام وتعمدوا نشرها في مجتمعاتهم مستهزئين به وبرسالته ليصدوا عن سبيل الله فهولاء كفار لا يعذرون بجهلهم وكفرهم كفر تكذيب سببه الجهل فالجهل هنا من كسبهم وسعيهم ورغبتتهم في بقائهم على ملة الكفر والضلال.

× أن يصلي المرء إلى غير القبلة لأنه يدل على تكذبيه بالإجماع القطعي والنصوص الثابتة الدالة على وجوب التوجه إلى الكعبة وعدم صحة صلاة من توجه إلى غيرها.

× أن يكذب المرء بربوبية الله تعالى أو إلوهيته ، أو ينكر اسماً أو صفة لله تعالى مما أجمع عليه إجماعاً قطعياً ، كأن ينكر صفة العلم ، أو الإرادة أو العلو، ومن أمثلة كفر الربوبية ما يلي :

· كفر كثير من كفار قريش ، فكفرهم كفر تكذيب حيث أنهم سمعوا عن الرسول وأعرضوا عنه ولم يؤمنوا بالذي أرسل به وأعرضوا عنه تكذيبا له وتكذيبا برسالته.

· كفر كسرى ملك الفرس ، فكفره كفر تكذيب سببه الجهل حيث مزق رسالة النبي المرسلة إليه دون تفكر أو استدلال أو نظر أو سؤال.

· التكذيب بالله والقول بعدم وجوده وعدم وجود إله لهذا الكون .

× التكذيب بالملائكة أو أحد الملائكة المجمع عليهم كجبريل وميكائل عليهما السلام.

× التكذيب بالرسول صلى الله عليه وسلم كما هو حال اليهود والنصارى الذي يكذبونه ويكذبون رسالته .

× التكذيب بالكتب السماوية وعلى رأسها القرآن الكريم كمن كذب به وقال إنه كلام البشر .
× التكذيب باليوم الآخر وأنه لا يوجد بعث بعد الموت ولا حساب ولا جنة ولا نار.
× التكذيب بالقدر وأن الله قدر جميع الأشياء قبل حدوثها ، وأنه ليس هناك مقدرات نافذة بمشيئة الله وأن الإنسان يفعل ما يشاء وقتما يشاء ولا يمنعه قدر ولا غيره .
× التكذيب بوجود الجن .

× التكذيب بنبوة أحد من الأنبياء المجمع عليهم ، كأن ينكر رسالة نوح أو إبراهيم أو هود عليهم السلام ، أو أن ينكر شيئاً مجمعاً عليه يتعلق بأحد من الأنبياء عليهم السلام كأن يعتقد أن جبريل عليه السلام أخطأ في الرسالة فنزل بالوحي على محمد صلى الله عليه وسلم وكان مرسلاً به إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما يقول ذلك بعض غلاة الشيعة الرافضة ، أو ينكر معجزة من معجزات الأنبياء المجمع عليها ، أو يفضل الأولياء على أحد منهم ، أو يعتقد أن أحداً من بني آدم أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يعتقد أنه لا يجب العمل بالسّنة ، أو ينكر صحة حديث متواتر مجمع عليه إجماعاً قطعياً ، أو القول: إن بعض الناس لا يجب عليه اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم.
× التكذيب بصحبة أبي بكر ، أو يقول بردة الصحابة أو أكثرهم ، أو يقول بفسقهم كلهم.
× التكذيب في غرق قوم نوح ، وغير ها من أخبار الأمم السابقة الواردة في القرآن كأن يكذب إنزال المنّ والسلوى على بني إسرائيل ، أو يكذب قصة أصحاب الكهف ، أو يكذب قصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه ، ونحو ذلك.
× أو يكذب بوجود السماوات السبع ، أو يكذب بوجود الشيطان ، أو يكذب إخراجه من الجنة.
× وتكذيب غير ذلك من أصول الدين وأحكامه وأخباره الثابتة ثبوتا قطعيا.

2) الاعتقاد بجواز الخروج على الشريعة وعدم الالتزام بأحكامها:

فيجوز له ترك الواجبات وفعل المحرمات أو جواز الاحتكام إلى غير شرع الله ، لأنه مكذب بالقرآن.

3) الاعتقاد بأن هناك من يحلل أو يحرم غير الله:

كغلاة الصوفية الذين ربما يحللون لأتباعهم محرمات معينة ، لأن فيه تكذيب بصفة التشريع وهذه صفة ثابته لله وحده.

4) التكذيب بالمحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها:

كمن يكذب بتحريم السرقة وشرب الخمر والزنا و التبرج والاختلاط بين الرجال والنساء ، وغير ذلك.

5) التكذيب بحل المباحات الظاهرة:

كمن يكذب بحل لحوم بهيمة الأنعام ( البقر والإبل والغنم(الضأن والماعز))أو يكذب بحل تعدد الزوجات أو حل أكل الخبز وغير ذلك.

6) تكذيب وجوب واجب من الواجبات المجمع عليها إجماعا قطعيا ، ومن ذلك ما يلي:
· من يكذب بوجوب ركن من أركان الإسلام ، كالتكذيب بفرضية الصلاة وصيام رمضان والزكاة والحج مع الإستطاعة .
· التكذيب بأصل وجوب الجهاد.
· التكذيب بأصل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك.
7) التكذيب بسنة من السنن أو النوافل المجمع عليها إجماعا قطعيا ، ومن ذلك:
· التكذيب بالسنن الرواتب.
· التكذيب باستحباب صيام التطوع.
· التكذيب باستحباب حج التطوع.
· التكذيب باستجباب صدقة التطوع ، وغير ذلك.

رابعا : أمثلة على كفر التكذيب القائم على الشك والظن:

· أن يشك في وجود الله أو في أحد صفاته كمن يشك أنه هو الخالق أو الملك أو المدبر لهذا الكون.
· أن يشك في صحة القرآن.
· أن يشك في وجود الملائكة.
· أن يشك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
· أن يشك في وجود اليوم الآخر والحساب والجنة والنار.
· أو يشك في ثبوت عذاب القبر.
· أو يتردد في أن جبريل عليه السلام من ملائكة الله تعالى.
· أو يشك في تحريم الخمر.
· أو يشك في وجوب الزكاة.
· أو يشك في كفر اليهود أو النصارى.
· أو يشك في سنية السنن الراتبة.
· أو يشك في أن الله تعالى أهلك فرعون بالغرق ، أو يشك في أن قارون كان من قوم موسى.
· والشك في غير ذلك من الأصول والأحكام والأخبار الثابتة ثبوتا قطعيا ، والتي سبق ذكر أمثلة كثيرة لها قبل ذلك.

خامسا : عقيدة أهل السنة والجماعة في العذر بالجهل :

الجاهل معذور بجهله بشرط ألا يكون الجهل من كسبه وسعيه فإذا انعدم العلم في القلب بسبب تقصيره في طلبه وعدم تحرى السؤال وكان هذا الجهل بسبب الجاهل فلا يعذر بجهله.

قال تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)محمد19.
وقال تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)الأنبياء7.
ومن ثم فإن الانسان إذا أعرض عن العلم بالرسالة ولم يرغب في العلم بما يخرجه من الضلالة إلى الهداية إما بسبب إعراضه وكبره أو توليه عن الحق وإيثارا للبقاء على جهله فإن كفره يسمى كفر تكذيب سببه الجهل ، قال تعالى(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ *حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ)83- 85 النمل.

يوزعون : يجمعون برد أولهم إلى آخرهم ، أي يجتمعوا جميعا ثم يساقون.

وقال تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)يونس39.

والجاهل يعذر بجهله لأن الله لا يعذب أحد حتى تبلغه الحجة بالرسالة والعلم.

× والجاهل من المسلمين بعد الطلب والسؤال إن لم يصل إلى العلم بالحكم في مسألة معينة فهو معذور:

حيث يعذر بجهله في تلك المسألة وحدها دون غيرها من المسائل التي يكون قد ألم بحكمها فالمسلم قد يجتمع فيه علم وجهل.

* ما هو حكم من لم يبلغه الدعوة ولم يسمع برسالة الإسلام؟
من لم تبلغه دعوة الإسلام إن وجد كمن يعيشون في أماكن منعزلة عن الإتصال بوسائل الإعلام أو يعيشون في بعض قرى الأدغال أو القارة القطبية أو سكان الكهوف والجزر النائية الذين لا يفقون ما يقال لهم من غيرهم وكذلك من نشأ في مجتمع كافر ولم تبلغه الدعوة الإسلامية ولم يسمع أصلا عن شيء اسمه الاسلام فهو معذور بجهله ، ثم يختبر يوم القيامة حيث يرسل الله له ملكا رسوله أن ادخل النار فمن أطاعه كانت بردا وسلاما ومن عصاه سحب إليها.

ويدخل في حكمهم ممن يعذرون بجهلهم: الذين بلغتهم دعوة الإسلام مشوهة فتعلموا من ذويهم منذ الصبا أن محمدا رجلا مدعيا للنبوة وأنه ليس بنبي ونشئوهم على ذلك ثم بحثوا في حقيقة الأمر في شأن الرسول وصدقه وسألوا عن الرسالة ما استطعوا من جهدهم ووسعهم فلم يصلوا إلى شيء لانقطاع الأسباب عنهم فهؤلاء معذورن بجهلهم بإتفاق ، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم (أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئا . ورجل أحمق ، ورجل هرم ، ورجل مات في فترة . فأما الأصم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا . وأما الأحمق فيقول : رب جاء الإسلام وما أعقل شيئا ، والصبيان يحذفونني بالبعر . وأما الهرم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا . وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ما أتاني لك رسول . فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ، فيرسل إليهم : أن ادخلوا النار ، فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما ، و من لم يدخلها سحب إليها)صححه الألباني
فهولاء الأصناف الأربعة كل منهم له عذر فيرسل الله لهم ملكا رسولا أن اتبعوه فيقول لهم ادخلوا النار فمن أطاعه ودخلها كانت له بردا وسلاما وكان من أهل الجنة ومن لم يدخلها سحب إلى النار.
ومن ثم من عذر بجهله بسبب عدم وصول الرسالة إليه يختبر يوم القيامة فمن نجح في الإختبار دخل الجنة ومن لم ينجح دخل النار.
* ما حكم تقسيم الدين إلى أصول وفروع بحيث لا يعذر بالجهل في الأصول ويعذر بالجهل في الفروع؟
هذا تقسيم مبتدع لا دليل عليه ، فيعذر بالجهل في الأصول والفروع طالما أنه لم يكن سبب في جهله و بذل ما في وسعه ولم يصل إلى العلم .
ولكن ما هي الأدلة على العذر بالجهل في الأمور الإعتقادية؟
1- فعن أبي واقد الليثي (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما خرج إلى خيبر مر بشجرة للمشركين يقال لهاذاتأنواطيعلقون عليها أسلحتهم فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنوط كما لهمذاتأنواطفقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله ، هذا كما قال قوم موسى : { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم)الترمذي وصححه الألباني.

الأنواط :جمع نوط ، وهو كل شيء يعلق.

ومعنى الحديث : أن المسلمين كانوا ذاهبين لخيبر ومروا بشجرة تسمى ذات أنواط كان المشركين يعلقون عليها سيوفهم يرجون بذلك حصول البركة حيث كانوا يعتقدون فيها النفع ، فقال بعض المسلمين حديثي عهد بالإسلام: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ؟ يعني: اصنع لنا شيئاً نتبرك به ، فقال النبي سبحان الله هذا كما قال قوم موسى :اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وأخبرهم أنهم سيتبعون طريقة من كان قبلهم من اليهود والنصارى.

والشاهد :أن النبي عذرهم لجهلم بمسالة من مسائل التوحيد ولم يثبت أنه سألهم تجديد إسلامهم وذلك لبقاء عقد الإسلام لهم وعدم زواله عنهم بسبب إتيانهم سببا من أسباب الشرك.

2- عن عبدالله بن أبي أوفي (لمَّا قدِمَ معاذٌ منَ الشَّامِ سجدَ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ ما هذا يا مُعاذُ قالَ أتيتُ الشَّامَ فوافقتُهُميسجُدونَلأساقفتِهِم وبطارقتِهِم فوَدِدْتُ في نَفسي أن نفعلَ ذلِكَ بِكَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فلا تفعَلوا فإنِّي لو كُنتُ آمرًا أحدًا أن يسجُدَ لغيرِ اللَّهِ لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لا تؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتَّى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها ولو سألَها نفسَها وَهيَ علَى قتَبٍ لم تمنعْهُ)بن ماجة وصححه الألباني.

قتيب: رحل صغير يوضع على الجمل.

ووجه الدلالة أن السجود من العبادات المحضة وصرفها لغير الله شرك أكبر مخرج من الملة وهذا وقع فيه معاذ ولم يحكم النبي عليه بالكفر و إلا لقال له لقد كفرت أو طلب منه تجديد إسلامه ولكنه أعلمه بحكم السجود وعذر معاذ في سجوده وذلك لقيام الجهل عذرا وسببا في صرف الحكم عليه بالكفر.

3- عن أبي أمامه الباهلي (أنَّ فَتًى شابًّا أتى النَّبيَّ - صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - فقالَ : يا رسولَ اللَّهِ ، إئذَنْ لي بالزِّنا ، فأَقبلَ القومُ علَيهِ فزَجروهُ وقالوا: مَهْ. مَهْ. فقالَ: أدنُهْ ، فدَنا منهُ قريبًا. قالَ: فجَلسَ قالَ: أتحبُّهُ لأُمِّكَ ؟ قالَ: لا. واللَّهِ جعلَني اللَّهُ فداءَكَ. قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لأمَّهاتِهِم. قالَ: أفتحبُّهُ لابنتِكَ ؟ قُل: لا. واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ جَعلَني اللَّهُ فداءَكَ قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لبَناتِهِم. قالَ: أفتُحبُّهُ لأُخْتِكَ ؟ قُل: لا. واللَّهِ يا رسول اللَّه جعلَني اللَّهُ فداءَكَ. قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لأخواتِهِم. قالَ: أفتحبُّهُلعمَّتِكَ؟ قُل: لا. واللَّهِ يا رسولَ اللَّه جَعلَني اللَّهُ فداءَكَ. قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لعمَّاتِهِم. قالَ: أفتحبُّهُ لخالتِكَ ؟ قل: لا. واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ جَعلَني اللَّهُ فداءَكَ. قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لخالاتِهِم. قالَ: فوَضعَ يدَهُ عليهِ وقالَ: اللَّهمَّ اغفِرْ ذنبَهُ وطَهِّر قلبَهُ ، وحصِّن فَرجَهُ فلم يَكُن بعدُ ذلِكَ الفتَى يَلتَفِتُ إلى شيءٍ )صححه الوادعي.

والشاهد من الحديث أن هذا الشاب أراد أن يرخص له النبي في الزنا فعلمه النبي خطورة إباحة الزنا ولم يرمي هذا الشاب بالكفر لأنه إستحل هذا الأمر لجهالته.

4- عن أبي هريرة أن رسول الله صصصقال (أسرف رجلٌ على نفسِه . فلما حضره الموتُ أوصى بنيه فقال : إذا أنا متُّ فأحرِقوني . ثم اسحقوني . ثم اذروني في الريحِ في البحرِ . فواللهِ ! لئن قدر عليّ ربي ، ليعذبني عذابًا ما عذبه به أحدٌ . قال ففعلوا ذلك به . فقال للأرضِ : أدي ما أخذتِ . فإذا هو قائمٌ . فقال له : ما حملك على ما صنعتَ ؟ فقال : خشيتُك . يا ربِّ ! - أو قال - مخافتُك . فغفر له بذلك)صحيح مسلم.

فهذا الرجل قد غفر الله له وكان يجهل أن الله قادرا على بعثه فعذره الله بجهله مع أن إنكار البعث كفر.

سادسا :كفر التكذيب الذي سببه الجهل قد يكون كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر :

فالإعراض عن العلم ببعض أحكام الدين قد يكون كفرا أكبر أو أصغر بحسب حال المعترض وحكم ما أعرض عنه كما يقع من المسلمين في إعراضهم عن العلم بأحكام الدين وعدم الرغبة في تعلمها وإيثارا منهم للبقاء على ما هم عليه من الجهل أو استحسانهم للمألوف عن الآباء والأجداد في العادة أو تفضيلا لطريقة الغرب في نظامهم وسلوكهم ومنهج حياتهم.

وقد يكون التكذيب كفرا أكبر أو أصغر حسب حال كل فرد وتحقيق أمره يظهر عند بيان الحجة عليه بين يدي القاضي ، ومن أمثلة كفر التكذيب الأصغر الذي سببه الجهل تحريف وتأويل نصوص القرآن والسنة وهو ما وقع فيه المعطلة من أتباع الجهمية كالمعتزلة والأشاعرة الذين يردون نصوص القرآن والسنة الصريحة بسبب جهلهم المركب وتكذيبهم لمدلولها الحقيقي الذي توهموا فيه أنه تشبيه وتجسيم وظاهره باطل لا يليق بالله مما دفعهم إلى تأويلات وتحريفات تدل في حقيقتها على كفر التكذيب.

وكفرهم كفر تكذيب سببه الجهل لأن في حقيقته قائم على عدم التصديق بكلام الله وخبره ، وكثير منهم يعذر بجهله لأنهم درسوا ذلك وظنوا أن هذا هو الحق .


الخــــــلاصـــــة







1- كفر التكذيب ركنه الأساسي إنتفاء علم القلب وذلك بالتكذيب بشيئا من أصول الدين أو أحكامه أو أخباره الثابتة ثبوتا قطعيا ، ويترتب على إنتفاء علم القلب إنتفاء عمل القلب بعدم الإنقياد والخضوع والتعظيم والحب لله وإنتفاء قول اللسان بشهادة التوحيد وإنتفاء عمل الجوارح بالطاعات.

2- كفر التكذيب قد يكون عن جهل برسالة الإسلام ، وقد يكون عن علم بها لكنه أعرض عنها ولم يؤمن بها ، وقد يكون عن شك وظن فيها.

3- من جهل بالرسالة فهو معذور بجهله إلا أن يكون هذا الجهل من كسبه وسعيه ، ومن عذر بجهله في الدنيا يختبر يوم القيامة بأن يرسل الله له ملكا رسولا بعد أن يأخذ على هذا العبد المواثيق بطاعته فيأمره الملك بأن يدخل النار فإذا دخلها كانت عليه بردا وسلاما وأدخل الجنة وإذا عصى الأمر سحب إلى النار.

4- كفر التكذيب قد يكون كفرا أكبر أو أصغر بحس حال المعرض عن العلم بأحكام الدين وحكم ما أعرض عنه ويظهر ذلك عند بيان الحجة عليه بين يدي القاضي ، ومن أمثلة كفر التكذيب الأصغر تحريف وتأويل الصفات.

من كتاب السراج المنير في شرح العقيدة الإسلامية

لتحميل الكتاب أدخل على الرابط التالي - في الملتقى - المرفقات أسفل الموضوع

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=318807