أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


كمال الإيمان وذوق حلاوته
إن من أعظم وأجل الثمرات التي تتحقق للمحب الصادق لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان له ، وسروره ولذته بذوق حلاوته ، قال رسول الله صلى عليه وسلم (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله ، وان يكره أن يعود في الكفر بعد أن انقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)) متفق عليه .فقد دل هذا الحديث العظيم على أن من اتصف بهذه الأمور الثلاثه وكُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان في قلبه ، ومن المعلوم أن وجود الحلاوة للشيئ يتبع المحبه له ـ كما قال شيخ الأسلام ابن تيميه رحمه الله ـ ، فمن احب شيأ واشتهاه إذا حصل له مراده فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك . واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهي ، فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة والفرح تتبع كمال محبة العبد لله وذلك بثلاثة أمور،تكميل هذه المحبة وتفريعها ودفع ضدها .
فتكميلها : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، فإن محبة الله ورسوله لايكتفي فيها بأصل الحب ، بل لابد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما . وتفريعها : أن يحب المرء لايحبه إلا لله ، ودفع ضدها :
أن يكره ضد الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في النار .
فتبين من الحديث أن من كملت محبته لله تعالى ولرسوله بأن كان يحبهما اكثر مما سواهما فقد وجد حلاوة الإيمان ، وهذا لايحصل إلا لمن كمل إيمانه ، فإن الناس يتفاوتون في هذه المحبة تفاوتاً عظيماً . فمنهم من أخذ بالحظ الأوفى فعمل بشروطها فأستكمل الإيمان ، ومنهم من أخذ بحظ قليل ، ومنهم من أخذ بحظ اكبر .... وهكذا .
ويؤيد هذا مارواه البخاري رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنت يارسول الله أحب إليّ من كل شئ إلا من نفسي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون احب إليك من نفسك )) فقال له عمر : الآن والله لأنت أحب إليّ
من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الآن ياعمر )) فقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لعمر رضي الله عنه بكمال محبته له ، وهذا هو كمال الأيمان لأن محبته صلى الله عليه وسلم إنما هي من محبة الله وتابعه لها . فمن أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم المحبة التامه أكثر من كل شئ فقد كمل إيمانه وصدقت محبته فذاق طعم الإيمان وحلاوته . وهذا شئ في غاية الكمال بل هو غاية كل عاقل موحد.
وفي الصحيح أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لايؤمن أحدكم حتى اكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )) متفق عليه . فمن لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من الولد والوالد والناس أجمعين فإيمانه ناقص وضعيف ، ومحبته غير كامله ، لإن محبته من محبة الله وتابعه لها ، بخلاف من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ،
فإن إيمانه كامل ومحبته كامله صادقه . وهذا مايفهم من مفهوم المخالفه لهذا الحديث الشريف .هذا وينبغي التنبيه إلى أن بعض الناس يظنون أن المنفي هنا هو الكمال المستحب للإيمان ، وليس كما قالوا . بل المنفي هو كمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبه ، لأن معنى الحديث (( لايؤمن أحدكم )) أي لايحصل له الإيمان الذي تبرأ به ذمة العبد ويستحق دخول الجنه بلا عذاب حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب اليه من أهله وولده ووالده والناس اجمعين بل ومن نفسه أيضاً كما في حديث عمر المتقدم . فهنيئاً لمن صدقت محبته لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ،
وبشرى له بلإيمان الكامل والحب الصادق والفلاح والسعادة في الدنيا والآخره ............