بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[align=right]هذه بعض الدروس نستفيدها من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة :[/align]
أن الرسول صلى الله عليه وسلم رجل يتيم ، فأما كونه بشراً فهي : حكمة من الله : " وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ " [ الأنعام : 9 ] .
فلو كان ملكاً من الملائكة لما استطعنا اتباعه ، ولا استطعنا أن ننهج منهجه ولا كان في مقدورنا أن نحتذي سيرته ، لكن جعله الله بشراً ، يعيش آلامنا وآمالنا ، يجوع كما نجوع ، ويظمأ كما نظمأ ، وينام كما ننام ، ويتزوج النساء ، ويغضب ويرضى ، ويضحكـ ويبكي ، فهو بشر : مثله نتبعه ، ونستطيع اتباعه .
أما الكفار ، فاعترضوا على أنه بشر : " وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا " [ الفرقان : 7 ـ 8 ] .
يقولون : كيف يكون هذا رسول وهو يأكل ويشرب كما نأكل ونشرب ، ويجلس معنا كما نجلس ، ويبيع ويشتري في الأسواق فهذا لا يصح .
وأخبر الله : أن الحكمة كل الحكمة في أن جعله بشراً لكي نستطيع اتباعه .
بعض الصحابة أرادوا أن يصلوا في العبادة حداً ، لا يرضاه لهم الشارع فقال أحدهم : أنا لا أتزوج النساء .
ويقول الثاني : أنا أقوم الليل ولا أنام .
وقال الثالث : أنا أصوم ولا أفطر .
وأُخبر صلى الله عليه وسلم فقال : ( فأما أنا فأتزوج النساء ، وأصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) أخرجه البخاري .
" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ " [ الرعد : 38 ] .
أنه يتيم ، وليس عنده مقومات أرضية ، تجعله يسود العرب .
قال هرقل : لو كان أبوه ـ أي الرسول صلى الله عليه وسلم ـ ملكاً لقلنا : رجل يطلب ملكـ آبائه .
فأتى وهو يتيم ، ليس عنده منصب ، وليس صاحب ثروة .
يتيم يخرج من مكة ، لا يملكـ كسرة الخبز ، وهدبة الثوب ، ثم يسيطر على ثلاثة أرباع العالم .
أنه أمي .
يقول أحد الغربيين : ( أنا لا أعجب من محمد لكونه نبياً ، فإن الله قد بعث أنبياء كُثر ، ولكن العجب أن يبعث بعد الأربعين أمياً ، لا يعرف يقرأ ، ولا يكتب ، فيكون أخطب خطيب ، وأفصح فصيح ) .
نعم .. كان لا يقرأ ولا يكتب ، ولكن ما خرم من القرآن حرفاً واحداً .
نزل القرآن مباشرةً على قلبه .
كان يرتجل الخطبة ، ولا يلحن في كلمة ، ولا يتلعثم في حرف ، وهذه الكتب الخطب ، والكلمات كلها من ميراثه صلى الله عليه وسلم .
كان يصلي بالناس فيقول : ( فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم ، فإني أراكم من وراء ظهري ) رواه البخاري .
فكان يكتشف الصفوف ويراها من وراء ظهره .
وكان ينام الليل ، ولا ينتقض وضوءه ، فيقول : ( يا عائشة ، إنها تنام عيناي ولا ينام قلبي ) . أخرجه البخاري .
هذا الرسول صلى الله عليه وسلم ، يجب علينا أن نعيش معه عيشة الصادقين ، لا عيشة أرباب الدنيا ، والأمم المتفلتة ، يوم تقدس عظماءها ، فإذا ماتوا لعنتهم .
لكن نحن نعيش معه بأسماعنا وأبصارنا وحياتنا ، لأنه قدوتنا صلى الله عليه وسلم في كل شيء ، وفي كل صغير وكبير من حياتنا .
فلا نجفوا عنه ، كما فعل بعض المخذولين .
ولا نغلوا فيه ، كما فعل أهل التصوف والمبتدعة ، الذين أنزلوه محلاً لا يرضاه لنفسه ، ولا يرضاه الله له بدعوى محبته ، وهم من أبعد الناس عن اتباعه .
أسأل الله أن يحشرني وإياكم في زمرته صلى الله عليه وسلم وأن يجمعنا به في مقعد صدق عند مليكـ مقتدر ، والله أعلم .
[align=right]* رحمة للعالمين / د. عائض القرني .[/align]
[align=left][/align]
رد مع اقتباس
-new.gif)
