[align=center]
الشيخ عبدالعزيز بن باز -يرحمه الله
الرياض - ممدوح المهيني:
لم يكن الشيخ عبدالعزيز بن باز الذي ستمر بعد ايام سبع سنوات على رحيله مهتما كثيرا في ايامه الأخيرة بحالته الصحية ،فنادرا مايسأل عن ادويته وظل يمارس عمله حتى آخر يوم من عمره ولم يستمع لنصيحة اولاده والمسؤولين والمقربين منه بأن يخفف على نفسه قليلا بسبب وضعه الصحي. يقول ابنه احمد بن باز: (بشكل ما لم نستوعب بشكل كامل تصرفه. كان لايلقي بالاً لصحته المتدهورة. كنا نحن اكثر اهتماما منه ولكن أبي كان يجد راحته عندما يقوم بعمله في الفتوى وإفادة الناس والإجابة على اسئلتهم. كنا نخفي عنه بعض الأوراق حتى لايجهد نفسه كثيرا ولكنه يسأل عنها). إحساسه القوي بالمسؤولية والرسالة التي يجب أن يوصلها هو الذي يجعله يرهق نفسه ولايتوقف عن العمل وكان يعتمد بذلك على شخصية قوية وصبورة ساعدته في أن يتغلب على الكثير من الصعاب. في ايامه الأخيرة كان الشيخ يستعد لمفارقة حياة استطاع ان يقلب ظروفها الصعبة والقاسية في البداية إلى أن يكون واحداً من أبرز العلماء المسلمين. فالطفل اليتيم و المريض الذي واجه مشاكل صحية حرمته من المشي لمدة ثلاثة أعوام والشاب الصغير الذي واجه صدمة مريعة عندما فقد بصره في العشرين من عمره أستطاع أن يُخرج من السراديب المظلمة التي كان لايفلت منها بصره رؤية مضيئة ووسطية وطيبة للحياة كان لها تأثير واضح على الشخصية السعودية.
ماذا بقي من الشيخ عبدالعزيز بن باز؟!. اشياء كثيرة جدا. تفانيه في طلب العلم وحافظته القوية وحدة ذكائه ورؤيته الثاقبة ولكن كل هذه اشياء كان فقط جزءاً من المكونات التي جعلت منه شخصية محبوبة وأبوية لدى السعوديين على اختلاف توجهاتهم. ولكن صفاته الشخصية كانت نادرة جدا أن تجتمع في شخص يملك الكثير من الغزارة العلمية واللمعان الذهني. كان يتمتع بنزاهة اذهلت من حوله وسخاء لاحدود له. كان يدفع لطلاب العلم من حسابه الخاص حتى ينهوا دراستهم وكانت مائدته في البيت دائما مفتوحة. يقول ابنه احمد بأن والده لم يكن يعطي المال وزنه وكان يعطي رغم انه لايملك الكثير منه. في إحدى المرات اعطى الشيخ بن باز 700 ألف كانت كل مايملك بالبنك لمحتاج طلبه اياها. ويضيف: (قد يفهم الكرم احيانا على انه تبذير ولكن حياتنا الخاصة كانت بسيطة ولكن عندما يكون هناك زائرون بالبيت وهذا هو الغالب يطلب منا هو شخصيا أن نهتم بالأكل). الشيخ كان متواضعا جدا (كان يسمع للجميع ويتحدث معهم باسمائهم حتى ولو كانوا منقطعين عنه لمدة طويلة وكان لايتذمر من أن يستمع للناس الذي يطيلون عليه أسئلتهم) وكان رقيقا جدا ومحبا (لا يسأل عن شيخه محمد بن ابراهيم إلا وانزلقت دموعه). من الواضح أن ورعه وتقواه الكبيرين كانا يتحكمان بشخصيته ويضعان معايير اخلاقية صارمة حتى على أصغر الاشياء. في مكتبه كان هناك تلفون مباشر لأي شخص يريد أن يتصل عليه لأنه كان يخشى أن تسبب أي اساليب بيروقراطية أو تجهيزات تقنية حرمان أي احد كان بحاجة إليه. إذا اتصل أحد بالبيت وكان موجوداً لم يكن مسموحا ابدا أن يتم الاعتذار للطرف الآخر مهما كانت الظروف. رغم مشاغله الكثيرة إلا أنه كان حريصا أن يجلس مع ابنائه بعد كل صلاة مغرب ويستمع إلى اسئلتهم أو شكاواهم ولم يكن يسمح بالنظام الأسري الذي تتبعه غالبية الأسر السعودية الذي يمنح للابن الكبير الكثير من الصلاحيات ، فالكل عنده متساوون. يقول احمد ضاحكا: (كنت اسبب له ازعاجاً مستمراً بالتعدي على إخوتي الصغار. كان لايسمح أن يلعب أحد غيره دور الأب لأنه كان يرى أن تلك طريقة عادلة. الصغير والكبير عنده سواسية). قام الشيخ بن باز ب 56 حجة متتالية بدأها قبل أن يفقد بصره وكان يتحدث عن مشاهداته للحرم وكيف كان شكل الكعبة والأرضية الترابية للمسعى. حرصه على الحج يحركه رغبتان: الرغبة في الحج لله والرغبة في الإلتقاء بالمسلمين من كافة المذاهب والحوار معهم وعرضه مساعدته عليهم. كان ذلك يشير إلى جزئية مهمة في شخصيته وهو تجاوزه للاختلاف في التفاصيل بين المذاهب وتركيزه على الرباط القوي الذي يجمع المسلمين ببعضهم. خليط من علمه العميق و شخصيته الودودة كان يجعله يحرص على أن يقرب بين المسلمين ويؤجل الخلافات بينهم. في منزله يجتمع علماء الدين من طوائف مختلفة ويعاملهم برقة متناهية ويسألهم عن كيفية التواصل حتى الذين تهجموا عليه مثل الشيخ المصري محمد الغزالي الذي حذر من أن يزور الشيخ في بيته بعد هذا الهجوم ولكنه فوجئ بمعاملة ودودة جدا وقبل أن يغادر كان يسأله الشيخ عن الطرق التي يمكن ان يتواصلوا معها. حتى بعض نقد الشيخ القاسي لأفكار بعض الأشخاص في الفتاوى أو التي تنشرها الصحف لا تعكس ابدا أي قسوة أو تصلب في شخصيته. كان ينتقدهم في الصباح ويكونون عنده بالليل.
في الساعة الثالثة صباحا من يوم الخميس 28/1/1420 اتصلت والدة أحمد عليه وكانت قلقة على حالة أبيه الذي كان في تلك اللحظات يصارع الموت. تم نقله للمستشفى واكد الأطباء انه مات. كانت تلك نهاية روح نبيلة وعقل كبير ولكن من المؤكد أنها لم تكن نهايته في عقول وافئدة السعوديين الذين احبوه وفقدوه كما يفقد الأب. يقول أحمد بنبرة منخفضة: (لم اشعر أني فقدته يوما. كل من ألتقي يسلم علي بدفء ويدعو له).
الخميس 24 المحرم 1427هـ - 23 فبراير 2006م - العدد 13758
---
رحمك الله يا شيخ الأمة
أخوكم/خالد[/align]