أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هذا مقال للشيخ حاتم الشريف وفقه الله بعنوان :

أَسْتَغْفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِر لَهم إِن تَسْتَغْفِر لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ

في الصحيحين من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : ( لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ [ رأس المنافقين] ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ ، يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ ، فَأَعْطَاهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَي
ْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَقَامَ عُمَرُ ، فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ، تُصَلِّي عَلَيْهِ ، وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ ؟! فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ ، فَقَالَ : { أَسْتَغْفِرُ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهم إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } ، وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ ! قَالَ عمر : إِنَّهُ مُنَافِقٌ ! قَالَ : فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ الله : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَٰسِقُونَ } .
القصة مليئة بالفوائد والعبر ، لكن استوقفني خطأ النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية { أَسْتَغْفِرُ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهم إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } ، مع ظهور معناها ، حتى إن عمر (رضي الله عنه) فهمها كما أراد الله تعالى .
لقد فهمها النبي صلى الله عليه وسلم على أن العدد فيها مقصود ، وأن الزيادة على سبعين استغفارا قد تنفع . في حين أن المعنى في الآية ظاهر ، وأن العدد جاء للتكثير والتعجيز ، وليس مقصودا ، ولذلك اعترض عمر رضي الله عنه .
نعم .. أقول : أخطأ النبي صلى الله عليه وسلم في تحميلها هذا المعنى !!! لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد ، وقد يخطئ ؛ لكنه لا يُـقَـرّ على الخطأ . وهذا ما رجحه جمع من الأصوليين وغيرهم من أهل العلم .
لكن رب خطأ له شرف الفضيلة ! ورب خطأ كان أفضل من صواب ، مادام قد استدركه صاحبه بمعرفة الصواب ! بمعنى : أنه رب خطأ بعد التصويب كان خيرا من درك الصواب بلا خطأ !
ذلك أن هذا الخطأ قد بين عظمة رحمة النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين ، بل مع رأسهم ، رغم كل مواقف تخذيله وإساءته التي ملأ بها سيرة نفاقه !!
فقد كان حجاب الرحمة مانعا من رؤية دلالة النص الظاهرة ، واختلطت في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل النص على عدم قبول الاستغفار ودلائل رحمة الله التي وسعت كل شيء ، فغلبت الرحمة !
ولم يكن يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ظهر لعمر رضي الله عنه من دلالة الأسلوب والسياق ، ولكنه تمنى أن يكون المعنى المرجوح راجحا ، وخالط ذلك انطراحٌ على باب الرجاء الذي لا ينغلق ، وخضوع تحت شمول الرحمة التي وسعت كل شيء .
إنه موقف بشري من جهة الوقوع في الخطأ ، وموقف نبوي من جهة حب الخير لكل أحد ، حتى لألد الخصوم ، وعفو لا يعرفه البشر عن صاحب إساءات تملأ ذكراها الحياة بالتنغيص والألم .
وفي هذه القصة فوائد كثيرة : عقدية ، وأصولية ، ودعوية ، وتربوية !
لعلي أقف من بعضها في منشورات أخرى .

http://www.facebook.com/Al3uny?ref=ts

انتهى كلام الشيخ حاتم الشريف حفظه الله .


وهذا رد كتبه على مقالته السابقة ، أسأل الله أن ينفع به ، وييسر لي فيه الصواب.

الحمد لله وحده وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
فقد وقفت على مقال للشيخ حاتم الشريف وفقه الله بعنوان (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ )

وقد استنبط في مقاله أن النبي صلى الله عليه وسلم أخطأ في تفسير الآية ؟ وكرر قوله في مقاله أكثر من مرة ، وهذا الذي ذهب إليه فيه نظر، ولعلي أوضح معنى الآية حتى يتبين معناها بإذن الله تعالى ويزول الاشكال الذي أورده الشيخ حفظه الله .

أما ذكر هذا اللفظ (أخطأ النبي) وتكراره فليس بمرضي، فلابد من الأدب مع نبينا صلى الله عليه وسلم وعدم ذكر الألفاظ التي قد تشعر بالتنقص وإن لم يقصد ذلك، كما قال تعالى(لاتجعلوا دعاء النبي كدعاء بعضكم بعضا) ، والآيات في هذا الباب مشهورة، خاصة أن المفسرين الذين تعرضوا لتفسير هذه الآية لم يقل أحد منهم (أخطأ النبي) ، بل تجدهم يفسرون الآية ويبينون معناها دون التعرض لهذا الكلام !

أما الآية فقد أصاب النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها فما ينطق عن الهوى،وقد بين ذلك في رده على عمر رضي الله عنه ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إني خيرت) ، فهو مخير بين الاستغفار وعدم الاستغفار بقوله تعالى (استغفر لهم أو لاتستفغر لهم) فخيره الله تعالى بين الأمرين الاستغفار وعدمه ، أما بقية الآية فهي إخبار من الله تعالى أنه لو استغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم،والنبي صلى الله عليه وسلم قال (لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر لهم لزدت عليها)، فهذه الرواية الصحيحة تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم علم معنى الآية ، ولكنه استدل بأولها في قوله تعالى( استغفر لهم أو لاتستغفر لهم) وقال (إنما خيرني الله تعالى فقال:" استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة" ) فهذا هو التفسير النبوي الصحيح لأول الآية في التخيير، ولايمنع أن يكون آخرها يدل على عدم ذلك ، فهو غير منهي عن الاستغفار لمن كان ظاهرهم الاسلام من المنافقين في ذلك الوقت قبل نزول آية (ولاتصل على أحد منهم مات أبدا) .

ففي صحيح البخاري عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أنه قال : لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه ، فقلت : يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا قال أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} إلى قوله {وهم فاسقون} قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم.

وفي البخاري كذلك عن ابن عمر ، رضي الله عنهما أنه قال : لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ثم قام يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم قال إنما خيرني الله ، أو ، أخبرني فقال : {استغفر لهم ، أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} فقال سأزيده على سبعين قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه ثم أنزل الله عليه {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}.


فالنبي صلى الله عليه وسلم رد على عمر وبين خطأه في فهم الآية ، وقال له إني خيرت بين الاستغفار وعدمه.

والقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر القرآن خطأ قول ليس بالهين .
أما الاستدلال بفعل الأصوليين فاستدلال في غير محله ، فأهل الأصول ذكروا أن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم يكون مع عدم وجود النص ، وهنا لايقر على الخطأ ، أما مع وجود النص فلا.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.