( 1 )
مع بداية اشراقة صباح جديد ... وحيد أقبع بين براثن شكوكي المميته ... أتنفس رائحة دم .... أتمطى على فراشي قليلا وأطقطق كل مفاصل جسمي بحركة سريعة ...
ألاف الأفراد من النمل تسير داخل جسدي... فتنغزني على شكل قرصات متتالية ... أبحث عن نفسي المفقودة فلا أجدها حولي ... صوت انفاسي يبدو كأغنية بليدة باردة ... طعم فمي قطران متعفن ... وجيوش النمل تحاول التربص بي
باردة هي الأوقات بدونها ... رائحة أنابيب الغاز تلهب المكان وتعصف به ... وقفت أمام مرآتي تفحصت وجهي جيدا ... اقتربت أكثر ... وجدت كل شيء في مكانه ... عيناي ... أنفي ... كل شيء ... كل شيء ... إلا منها فقد اختفت ورحلت بعيدا
( 2 )
رائحة عطر تعودت على تنفسه مرارا وتكرارا ... أنفاس متقطعة ورنين هاتفي يدوي في غرفتي الصغيرة
البرد يحول كل شيء حولي إلى تماثيل ... ورائحة الغاز النتنه تجعلني أفقد أعصابي
أتلحف بغطاء سرير عليه قليل من دموع الليلة الماضية ... وأحتضن وسائد كانت قد احتفظت بجزء من همومي الملقاة على قارعة طريقي إلى باب الخروج من غرفتي ...
بندول الساعة يرتجف تماما كقلبي ... ورنات هاتفي تتصاعد بشكل ملفت ... تنزلق يدي بسرعة ... تأخذ الجوال على عجل ترتطم بكأس الماء ... تحاول استدراك الوضع ولكن لا فائدة ..
أرد بسرعة وبأنفاس متقطعه : من المتكلم
يرد كعادته بصوت يقطر حقدا... وحروفه تثير كل مابجانبي ... كلماته تحفزني على قتل كل الجمود ... والبرد من حولي : أنا ... ألم تعرفني ؟؟
جاوبته وأنا أمط شفتاي المتثلجه : أكيد ولكن أستغرب وقت اتصالك
رد لي بسرعة وقاطعني وكأنه مفترس يحاول البحث عن طريده : أريدك أنت دون سواك فهلا تدلني على منزلك الجديد ؟؟
أجبته وكتلة الماء المسكوب تداعب صدري ببرودة لزجة : حسنا اذا وصلت إلى الإشارة المرورية المعتاده اتصل بي فسأكون بإنتظارك ...
( 3 )
بكل معاني التعجب بدأت خيول الذاكرة تزحف بي للخلف ... لأتذكر أشمغة البدو ورائحتهم ... وكل أنعامهم التي تحرك الأرض من حولها ...
صوت أفكاري كقنابل ... وأنفاسي لاتزال تتقطع ولا تعود لسالف عهدها
غطاء سريري المبتل ... ويداي التي تكتسي بالحراشف ... تبحث عن مصدر دفء ... ومكالمة حظي البائس جعلتني أشعر بتفحم لساني
تصلبت كل خلايا الحس لدي ... والماء البارد المسكوب تحول إلى قطعة جليد ... ولم أحسن الاحساس به مطلقا ...
شعيرات ظهري بدأت بالتحرك .... وشلالات العرق بدأت بالانهمار ... تحول الوضع إلى زمهرير صيفي قاسي ... وقارس في نفس الوقت
تضاد للأحاسيس أشعر به في حالتي هذه ... قلقي يجعلني أنكمش وأتقهقر إلى زوايا أقدامي ...
رنة هاتفي أعادت تراتيب وجهي العبوس ... وبسرعة الريح ... هاتفني حظي بأنه ... ينتظرني
( 4 )
بعد كثير من الترحيب والتسهيل وما إلى ذلك من روتين استقبالي ... بدأ يرمقني بنظرات متقطعه ... وبدأت أقدم له فنجان القهوة وحبيبات التمر التي صُعقت من هول البرد ...
بدأ يتكلم عن كل شيء ... وكأنه يعلم كل شيء ... أبادله النظرات ... ويبادلني الاشارات ....
هو أشبه بشسع نعل ملقى على قارعة الطريق .... يلهبه الظمأ ... وتعتريه وعثاء السفر ... وتجوب في أحداقه نوايا غريبة ... على كتفه بقايا من فضلات قطط كانت قد نامت بجوار رأسه عندما بدأ رحلته إلي ... سيارته أشبه بصندوق خشبي به الكثير من ألعاب الأطفال المهترئة ... رأسه أشبه بمنطقة لحقها عذاب الله ... فلا شعر ينمو إلا وكانت الثعلبة توازية وتلتهمة بسرعه ... رائحته أشبه برائحة القار ... وتارة تذكرني برائحة الجرذان الميته ... قدري منصوب على شفتيه ... بدأ بالصياح كعادته ... حاولت اخماد ثورته ولكنه مثل النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله
أرويت ظمأه بقليل من الماء ... ولكن سرعان ماتحول إلى إعصار يلتهم كل من حوله ... حتى الخير
( 5 )
رائحة أعقاب سجائرة تؤثر في جهازي التنفسي ... رائحة العطر الذي تعودت على استنشاقه بعيدة جدا عن مخيلتي ... ثيابي المهترئة من عرقي بدأت تتدلى ... وجهي بدأ يغضب ... ورائحة فمي عادت كما هي ... قطران وتمر ...
لاتزال أوعية الاستقبال مكانها ... وهو يأمر كل المخلوقات بالرحيل عني ... بدأ أولا بسحب قطع ملابسي التي أحاول أن أتدفى بها ... ينتزعها بقوة شديدة ... كطفل يحاول الفرار من أيدي والده الذي يغصبه على عل شيء لايحبه ... صراخ أطفال بدأ يدخل إلى الصورة المؤدلجه ... وضحكات غريبة لا مكان لها ... بدأ يطلق خناجرة بشكل سريع بدأ لسانه يلوك كل هيمنة وجودي من حولي ...
أخذت التعابير لا تطاق ... وأخذ يطفق حوله ملابسي ... ويدفعني بعيدا ... ويحفزني على رمي عبارات أجهل أني قلتها
بدأت ثورة غضبي تقفز كالأرانب ... وبدأ هو يحاول جذبي ... ربما لضربي ....
( 6 )
لم أسمح له بالتمادي أكثر... وهبت له مفتاح غرفتي ... بعد أن سلب مني كل شيء كنت أتنفسه ... بعد أن سرق كل معاناتي التي كنت أعانيها... تعابير وجهه أخذت في الغرابه ... وضحكاتها الغير مبررة تلوح في الأفق ... أحاول أن أتحرك .. فلا أستطيع ... لأول مرة أعجز عن الدفاع عن نفسي ... غادرتني فخرجت أبحث عنها ... فلم أجدها
رنين هاتفي يخبرني بأنه ... سلبها مني أثناء محاولتي لإستعادة وعي فارقني دون أشعر ... حشرجات الأشجار تخاطبني ... وزقزقة العصافير تعاتبني ... وأشرعة الشمس المنسدله تلملم كل ماتبقى لي من صمود ...
غريبة هذه الصباحات التي تمر على الفرد ... فتسلبه روحه ... وعزته ... وكرامته ... و ...
أهاتي المتردده لا تنبثق إلا بعد محاولات عديدة في اظهارها ....
بدأت أسعل ... قطرات دم تخرج من فمي بدون شعور ... صوت رنين متقطع ولكنه مستمر يلوك أذني فيحولها إلى فضاء شاسع ... أنوار تسطع في عيني فتفقدني نظري
أحدهم يغمزني من اليمين والآخر يصرخ ... كم ضغطه ... رائحة الدم المتعفن تهشم أنفي الصغير ... جحافل النمل بدأت بمزاولة ألاعيبها الغريبه...نداء وجل ( قل لا إله إلا الله )
( 7 )
كثير هم الذين ترددو علي في هذه الفترة... وكلهم يلامسون صدري بشكل حان ويختفون بسرعه ... صوت صرخات وأهات يصدر من ستائر حولي ... أحد الصرخات لطفل ... أعرفه جيدا ولكن لا أتذكره .... الأخرىلمرأةكانت تجاورني سمعتها تتكلم وتشرح بأن زوجها هو من أقلني بسيارته ... بعد أن نصحته بعدم الاتصال على الاسعاف ...والدي يستمر في كيل كل أنواع الدعوات لحظي اللص ... والدتي تختبئ خجلا من الأشخاص المنتثرين في غرفتي ...
أحدهم يقرأ علي تلاوة لا أميزها جيدا ...أخر يرتفع صوته فيسكتونه رغبة منهم بألا يزعجوني ... حركات رقبتي كحلزون طاعن في السن .... ودمعاتي تنسكب بشكل خجول على وجنتاي ... يمسحها أبي بسرعه ويهمس ... كن رجلا ...
اسمع بكاء أمي ودعائها لي وعليه ...وخزة في ساعدي تدخلني إلى دوامة كبيرة تريني كل أنواع الكرات الصغيرة التي تتدحرج نحوي .... تنزلق قطعات العرق كثلج يتفجر... سألوها ... كيف هو الآن....
أجابت ... سيخرج حالا لكن ... يجب عليه أن يواظب على تناول أدويته ... ومراجعاته
صوت هاتفي يرن... لتقول لي : أحبك فلا تحزن وستجدني قبلك أنتظرك يا حبي الوحيد
صوتها يجعلني استلذ بالغفو على ترانيميه المراكشية لأعتصر هما ... وأذوب كشمع داخل فناء هذا السرير الأبيض المصفر ....
انتهى
إبراهيم الحارثي