الصحة النفسية و العقلية .




يوجد ميل كبير بين عامة الناس إلى سوء فهم الأمراض والإضطرابات العقلية والنفسية, حيث يعتقد الكثيرون بأن الأمراض النفسية تشمل فقط الجنون و الإرتياب و الوسواس القهرى و تعدد الشخصية . بينما فى حقيقة الآمر أن الصحة النفسية تعتبر جانبا هاما جدا من علوم الطب و يتعلق بفهم شخصية الإنسان و أعماقه التى لا تظهر غالبا فى هيئة أعراض مرضية ظاهرية, فمعظم الامراض النفسية تتكون من سلوكيات و عادات خاطئة و مفاهيم و تربية بطريقة غير سليمة تترك مشاكل داخلية تمنعنا من التعامل مع الأشخاص و الأحداث و المجتمع من حولنا بصورة سليمة, فتتجسد بعض تلك الأعراض فى عادات و تكوينات الشخصية الخاصة بكل إنسان و هى بالتالى قد تؤثر على أنماط حياته بالكامل .

و الصحة العقلية أو كما تعرف بالصحة السلوكية أو الصحة النفسية تضمن عدم وجود أي اضطراب عقلي , و هو الحالة النفسية التى يعمل فيها الشخص دون المستوى الصحى له, مما يؤدى إلى التكيف العاطفي و السلوكى ( أعراض المرض النفسى ) .
و من أهم مميزات الصحة النفسية السليمة هى قدرة الشخص على التمتع بالحياة و خلق توازن بين أنشطة الحياة والجهود المبذولة لتحقيق الرضى النفسى ( المرونة النفسية ) .
و وفقا لمنظمة الصحة العالمية, فإن النفسية السليمة هى التى تمكن الأشخاص من تحقيق أهدافهم تبعا لقدراتهم , و تمكنهم من التعامل مع الضغوط العادية للحياة و العمل المنتج والمساهمة في بناء مجتمعهم , ومع ذلك , فإن الاختلافات الثقافية و العرقية و والتقييمات الذاتية تؤثر على كيفية تعريف الجميع للصحة العقلية .

يوجد الكثير من الاشخاص حول العالم يعانون من مشاكل الصحة النفسية والعقلية, و تظهر على سلوكياتهم فى صور مختلفة, كالإجهاد والاكتئاب والقلق, ومشاكل العلاقات الشخصية, و الخوف والحزن, والإدمان النفسى, و صعوبات التعلم – سواء الدراسى أو المهنى - و اضطرابات المزاج و المخاوف النفسية الآخرى, و كل تلك الصور من المشاكل النفسية يتعامل معها الكثيرون على أنها من مكونات شخصياتهم و لا يحاولون التعرض لها بالصورة السليمة , الا و هى , العلاج النفسى و الذى يكون بسيطا جدا فى معظم الحالات عكس ما يطن الكثيرون .

الكثير من الأشخاص- ولا سيما المراهقون - الذين يعانون من مجموعة متنوعة من الاضطرابات العقلية والنفسيه يتعاملون مع آلامهم الداخلية عن طريق الإيذاء الجسدي للنفس بصور مختلفة, و تشير الإحصائيات إلى أنها الطريقة الأكثر شيوعا للتعامل مع الآلم النفسية .
و تختلف صور إيذاء النفس بطريقة كبيرة, حيث تترواح ما بين تعمد إتباع عادات سيئة كشرب الكحول أو المخدارات أو التدخين – رغم العلم بالأضرار التى تسببها تلك المواد – إلى الإيذاء الجسدى بالحرق أو اللسع, و تصل فى بعض الحالات إلى محاولات الإنتحار .
و تشير الدراسات إلى أن الكثير من الناس الذين يؤذون أنفسهم جسديا عمدا يقومون بذلك فى الواقع كمحاولة لتجنب الانتحار عن طريق تفريغ مشاعرهم (إلى حد ما) بوسيلة أكثر أمانا – كما يعتقدون - .

إن الإضطراب السلوكى أو العقلى نفسه قد يمنع صاحبه من محاولة الحصول على مساعدة المطلوبة : فمثلا الأشخاص الذين يعانون من الإكتئاب قد يعتقدون أن المعالج غير قادرا على مساعدتهم وعلاجهم, أو قد يجدون صعوبة فى تصديق كفاءة طرق العلاج النفسى ذاتها – خاصة الطرق اللادوائية - و لذلك يعد فهم المشاكل الشخصية النفسية أولى خطوات العلاج, و هو ما يدفع الكثير من الدول المتقدمة إلى نشر الوعى بثقافة الصحة النفسية و أهميتها بين مواطنيها .

ويمكن توصيف الصحة النفسية باعتبارها متصلة بالصحة العامة للفرد, فهى تؤثر على جوانب عديدة فى حياتنا, دون أن ندرك ذلك بوضوح, و عندما يصل الشخص إلى مستويات معززة من الصحة النفسية – بحيث يكون ذلك الشخص لا يملك أي تشخيص مرضى ضد آيا من مشاكل الصحة العقلية أو السلوكية – فأنه يصل إلى قمة قدرته على العيش حياة كاملة و إبداعية تتصف بالمرونة في التعامل مع تحديات الحياة التى لا مفر منها .
يوجد العديد من النظم العلاجية و كتب المساعدة الذاتية التى تقدم أساليب و فلسفات تبني استراتيجيات و تقنيات فعالة لزيادة تحسين الصحة النفسية , و يعتبر علم النفس الإيجابي من أبرز مجالات الصحة النفسية فى السنوات الأخيرة , و هو الذى يساعد على تعزيز الصحة النفسية بطريقة كاملة و يشمل المفاهيم والأسس و وجهات النظر الأنثروبولوجية و التربوية و النفسية و الدينية و الاجتماعية , وكذلك الرؤى النظرية الشخصية و الاجتماعية لعلم النفس التنموي .

و تهتم الصحة النفسية بتعزيز مفاهيم و معايير عديدة لدى الإنسان , من أهمها : جوهر الحياة الروحاني و معايير العمل و أوقات الفراغ و معانى الصداقة والحب و التوجيه الذاتي و الشعور بالقيمة و الشعور بالسيطرة و المعتقدات الواقعية والوعي العاطفي والتعامل مع المشاكل وحلها و الإبداع والشعور و حس الفكاهة , والرعاية الذاتية و إدارة الإجهاد .
و للأسف مازل حتى اليوم بعض الناس يعتقدون أن الأمراض العقلية و النفسية ما هى إلا مجرد أوهام, أو أن الأشخاص الذين يعانون من مرض عقلي أو نفسى لا يمكن أن يكونوا فى هذه المعاناة إن كانوا يرغبون حقا فى التخلص من تلك الحالات المزعجة .