أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


من أعظم فضائل أبي بكر الصديق

استفاض في الصحاح والسنن والمسانيد عن عدد من الصحابة بألفاظ متقاربة قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً "، "ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً ولكنه أخي وصاحبي" وفي رواية "ولكن خلة الإسلام أفضل". فهذا يدل على أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه كان أحب الناس إليه. وحين حصل شيء بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "جَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا" رواه البخاري وغيره.

فوصفه بأنه صاحبه كما وصفه الله تبارك وتعالى في قوله: "ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا". فهذا يدل على أن الصحبة وإن كان يشترك فيها الصحابة جميعا إلا أنها تتفاوت وأعظمها وأشرفها وأجلها صحبة واحدة مقترنة بمحبة خاصة كانت لأبي بكر الصديق لايشاركه فيها غيره ولاينافسه فيها أجل الصحابة قدرا بعدهم وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.

ذلك لأن التآلف بين شخصين يقتضي تشابها أو تقاربا في الصفات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ" رواه مسلم والبخاري معلقا. والنبي، صلى الله عليه وسلم، كان شديد الصلة بالصديق وكان يزوره في بيته كل يوم مرتين قالت أم المؤمنين عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلاّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلاّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً" رواه البخاري.

فهذه المحبة لوحدها تعد من أعظم فضائل الصديق، لأنها محبة خاصة لم تكن لأحد من أهل الأرض ولم تنافسها إلا محبة الله فكانت من أعظم فضائله. لأنها تدل على تقارب شديد بين ما اقتضاها من صفات كريمة، وتآلف وتعارف بين أرواحهم. ولهذا كان الصديق يصحبه في كل المناسبات، فقد صحبه في الغار وفي سفر الهجرة وفي غزواته وفي مواقفه المصيرية قبل الهجرة وبعدها. ولهذا كلفه النبي، صلى الله عليه وسلم أن ينوب عنه في مرض موته في أجل عبادتين الصلاة والحج. واختاره الصحابة رضي الله عنهم خليفة له وبايعوه بالإجماع.

واستمرت هذه الصحبة العجيبة حتى بعد الموت حين دفن الصديق بجواره في قبره. وتلك مزية عظيمة لم يشركه فيها إلا أعظم رجل بعدهما وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما.

الله صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين واحشرنا معهم يارب العالمين.

والله أعلم