إنّ الأسرة هي المؤسسة الاجتماعيّة الأساسيّة التي تتحمّل المسؤولية الأولى في تنشئة الأبناء ورعايتهم، ويتفق الباحثون وعلماء النفس على أن الأسرة هي أهم عوامل التنشئة الاجتماعيّة للطفل وهي الأقوى تأثيرًا في شخصية الطفل وطباعه ومن خلالها يكتسب الطفل السلوك الاجتماعي ومعظم القيم الأخلاقيّة والعادات التي تحدّد سلوكه وتتحكّم في تصرّفاته وتطبعه بطابع معيّن قد يُلازمه طوال حياته، وتلعب التنشئة الأسرية دورًا حاسمًا في تنمية القدرات الحركيّة والقدرات العقليّة والخصائص النفسيّة للطفل وعليها يتوقف معدّل النمو في هذه الجوانب بغض النظر عن مستوى الاستعدادات أو القدرات الموروثة لدى الطفل.
ذلك أن معاملة الوالدين لأبنائهما تحدّد درجة إشباعهما لحاجاتهم النفسية (مثل الشعور بالأمن وحب الاستطلاع والحاجة للإنجاز والحاجة للاستقلاليّة وحاجاتهم الاجتماعية (الحب والتقبّل والانتماء) وحاجاتهم الجسميّة (الغذاء والحركة واللعب).
لقد أثبتت الدراسات أن العلاقة الأسريّة عامل حاسم في تشكيل اتجاهات الطفل الصغير نحو ذاته ونحو الآخرين ونحو الحياة بوجه عام. كما أظهرت أن فقدان الأمن العاطفي يؤدّي إلى تأخّر نضج الطفل في النواحي النفسية والعقلية.
وأن فقدان الحب والحنان في العلاقة مع الوالدين يؤدّي إلى اضطرابات انفعاليّة ومشكلات سلوكية وأن الحرمان يؤدّي إلى ضعف الثقة بالنفس. وأن القسوة في التعامل مع الأطفال أو الخبرات غير السارّة التي مرّوا بها قد تؤدّي إلى حدوث تغيّرات دائمة وضارّة في تركيب المخ.
ويترتّب على هذه التغيّرات حدوث مشكلات سلوكية وصعوبات في التعلم والنمو لدى هؤلاء الأطفال. .
كما أن الضغوط النفسيّة التي قد يتعرّض لها الأطفال نتيجة الظروف الأسريّة الصعبة (مثل الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو سوء الأحوال الاقتصادية) قد تصبح حالة مزمنة يرافقها مشكلات تكيفية حادّة مثل العصبية والحركة الزائدة والعدوانية والانسحاب والضجر وفقدان الدافعية وتدني مستوى التحصيل الدراسي. لذلك تستمدّ الأسرة أهميتها من منطلق أنها المؤسسة التربويّة الأولى التي تستقبل الطفل.