أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

أما بعد :

فهنا ( عندما يبكي الرِّجال ! ) بكى هذا الرجل الصالح لأن صلاة العصر قد فاتته .. وهاهو ابنه يذكر ماشاهده منه في ذلك :

وهنا سأذكر بعون الله تعالى حادثتين مؤثرتين لامرأتين صالحتين تحت عنوان :

( عندما تبكي النساء ! )
:

الأولى : وهي لامرأة من أقاربي - حفظها الله وشفاها - ، حدثتني بها ابنتها - وهي من محارمي - ، بأن والدتها هذه انهمكت ذات صبيحة يوم بأداء عملٍ منزلي ألهاها عن أداء سنة الضحى التي لا تتركها إطلاقًا .

تقول بنتها : ولم تدرِ والدتي في ذلك اليوم إلا وقد رُفِع الأذان لصلاة الظهر ؛ تقول : ففزعت والدتي ، ثم دخَلت عليَّ وهي تبكي كثيراً وتلومني كيف لم أنبهها لكي تؤدي سنة الضحى ! .

الثانية : وهي لخالتي التي توفيت في عام ( 1408هـ ) - أي قبل خمسة وعشرين عاماً - أسكنها الله تعالى الفردوس الأعلى ؛ فقد حدثتني والدتي الغالية عنها بأنها قد تعودت على قيام الليل ولا يمكن بعون الله تعالى أن تفوِّته بحالٍ من الأحوال .

وقد كانت تستعد لقيام الليل بالنوم فور ما تصلي صلاة العشاء .

تقول والدتي - عجل الله بشفائها ، وبارك في عُمُرها على عملٍ صالحٍ - :
وفي ذاتِ يومٍ ذهبَت لوليمة بعد صلاة العشاء ألحَّ عليها أحدُ أقاربها بحضورها ، فتأخرت عن النوم ، وكانت عادةً تقوم لصلاة الليل لا على منبِّهٍ وإنما على كوكبٍ دوَّار تنتبه من النوم مراراً تنظر إلى السماء ، فإذا رأته قد وصل لمكانٍ معين قامت تصلي لله رب العالمين جل جلاله .

وفي النوم الذي تأخرت به هذه الليلة بسبب تلك الوليمة لم تنتبه مِراراً كعادتها ، لكنها بكرامةٍ إلهية انتبهت على نور كنور الشمس ، ظهر في غرفتها ، فانتبهت عليه وظنت أنه نور الشمس فِعلاً ، فبكت طويلاً لظنها أن صلاتا الفجر والليل قد فاتا عليها .

ثم قامت لأداء صلاةٍ ظنت أنها فاتت عليها ، ثم تفاجأت بأن ذلك النور قد اختفى وأنها ما زالت في الليل ، وأن ذلك الكوكب قد وصل للتوِّ للمكان المُعيِّن الذي تقوم عنده لصلاة الليل .

تقول لوالدتي : ففرحتُ لذلك فرَحاً شديدًا .

وهذا من تمام لُطف الله بها ، وما أعظم ألطافه - سبحانه وبحمده - بأوليائه من الصالحين والصالحات .

خاتمة حسَنة :

وتحدثني والدتي الكريمة قائلةً : سمعت ابنة أخِ تلك المرأة الصالحة - صاحبة قيام الليل - ، وكانت قد توفيت عندها وفي بيتها ، تقول :

خرجَت من دورة المياه متوضئة للصلاة ، فتلفظت بالشهادتين التي تُقال عقِب الوضوء ، ثم نادتني وقد أوشكت روحُها الطيبة أن تغادر جسدها العامر بطاعة الله تعالى ، قائلةً : أجلسيني فإنني أحُسُّ بحَرارةً في كبِدي ، وبعد أن أجلستها بدأت تشير إلى جهةِ غسَّالةٍ قريبةٍ منها وهي تقول : ماهذه البساتين ؟! .. ماهذه الأشجار ؟! .. ماهذه .. وما هذه .. وكأنها ترى الجنة .. ثم مالت برأسها عليَّ وماتت - رحمها الله رحمة واسعةً - .

 واستطرادًا فقد كان من مناقبها التي عُرِفت بها - وتلك المنقبة نغفل عن العمل بمثلها - ، وهي إدخال البهجة على نفوس الأطفال بما تهديه إليهم من حلويات ونحوها ..

وكان مما رؤي لها رؤيا حسنة في ذلك - رحمها الله رحمةً واسعةً - .

✅ هذه قَصص لنساءٍ من صالحاتِ ' بريدة ' أعرفهن بأعيانهن ، وصل مِن تعلقهن بصلاة التطوع فضلاً عن الفريضة ما يجعلهن يبكين في حال فاتت عليهن أو كادت تفوت .

لماذا بكوا عندما فاتتهم الصلاة ؟!

وما بكى ذلك الرجل الذي فاتته صلاة العصر والذي أورد ابنه قصته في ذلك المقطع ، ولا بكت تلك النساء لمَّا فاتت إحداهن صلاة الضحى والأخرى كاد قيام الليل أن يفوت عليها فبكت ؛ إلا لأنهم جاهدوا أنفسهم على طاعة الله عز وجل وعلَّقوها بالصلاة له فَرضاً وتطوُّعاً ؛ وكان من عاجل جزائه وشكره تعالى لهم - وهو الشكور الكريم سبحانه وبحمده - أن امتن عليهم بلذة الصلاة ونعيم مناجاته ؛ وتلك اللذة وذاك النعيم لا تساويهما شيئًا ألبتة جميع ملذاتِ الدنيا ! ، وكان من الطبيعي عندما فاتت عليهم أو كادت تفوت أن يبكوا كثيرًا ! .. ولو أنهم خُيِّروا بين لذة الصلاة وطاعة الله سبحانه وبين كل مالذ وطاب من ملذات الدنيا لاختاروا اتفاقاً تلك اللذة التي هي النافذة الوحيدة في الدنيا التي يهُب منها على قلوبهم من رائحة الجِنان ماهو من عاجل بشرى ربهم لهم ؛ ولذلك يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في " الوابل الصيب ، ص : 48 " : ( فسبحان مَن أشهد عباده جنته قبل لقائه ، وفتح لهم أبوابها في دار العمل ، فآتاهم من طِيبها وريحها ما استفرغ قواهم لطلبها ، والمسابقة إليها ) انتهى .

ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - كما يروي ذلك عنه تلميذه ابن القيم في المصدر
السابق : ( إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة ) ، والمقصود بجنة الدنيا طاعة الله تعالى .

ويقول أحد الصالحين كما في " الجواب الكافي ، لابن القيم ، ص : 233 " : ( لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه - أي من السعادة - لجالدونا عليه بالسيوف ! ) .

وأيضًا يقول بعض الصالحين كما في " لطائف المعارف ، لابن رجب ، ص : 324 " : ( إنه لتَمُرُّ بي أوقاتٌ أقول : إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه فإنهم في عيش طيِّب ! ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في " مجموع الفتاوى ، 28 / 31 " : ( وقال آخر : لتمر بي أوقات يرقص فيها القلب طرَبًا ؛ وليس في الدنيا نعيمٌ يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان والمعرفة ) انتهى ، ويقصد بالمعرفة : العلم بالله عز وجل ، والعلم به سبحانه يثمر العمل الصالح الذي يرضيه تعالى ويلتذ به القلب .

ويقول أحد الصالحين كما في " غذاء الألباب ، للسفاريني ، 2 / 305 " : ( أهل الليل في ليلهم - أي أهل قيام الليل والصلاة فيه - ألذ من أهل اللهو في لهوهم ؛ ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا ! ) .

وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء ؛ والله ذو الفضل العظيم .

نسأل الله الكريم من فضله ، ومن خير ماعنده سبحانه وبحمده .

والحمد لله رب العالمين .

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبها الفقير إلى ربه تعالى /

أبو أيوب / محمد السَّوِيد

غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

بريدة ؛ يوم الاثنين ، 28 / 1 / 1435هـ .