أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مسند الربيع بن حبيب المسمى بـ : " الجامع الصغير " هذا الكتاب لا شك في أنه موضوع مكذوب ، وليس هذا فقط ، بل إنه وضع في هذه الأعصار المتأخرة . والدليل على ذلك ما يلي :


1- لا يوجد للكتاب أصل مخطوط موثوق
2- الربيع بن حبيب الفراهيدي شخصية لا وجود لها في التاريخ ، ولم تلدها أرحام النساء ، وإنما نسجها خيال الإباضية لنصرة باطلهم ، فهم يزعمون أنه قاد الحركة الإباضية بالبصرة تعليقاً وتنظيماً ، وأنه ثقة مرتضى تتلمذ عليه رجال من الشرق والغرب من العرب والبربر ، وأنه توفي سنة 170 هـ .


ونحن بدورنا نسألهم فنقول: نَّى لكم هذا ؟ ومن أين أخذتموه ؟ أعطونا مرجعاً من المراجع القديمة المعروفة قبل سنة 1000 للهجرة ، سوى كان ذلك المرجع لأهل السنة ، أو للإباضية ، أو للرافضة ، أو لليهود ، أو للنصارى ، أو لغيرهم ، أما المراجع الحديثة كالأعلام للزركلي ، أو معجم المؤلفين لعمر رضى كحالة أو نحوها فهي تؤكد على أن هذه الشخصية اُختلقت مؤخراً ، وهي إنما تلقت هذه المعلومات في إباضية هذا العصر .


ومن تأمل كتب الرجال كطبقات ابن سعد ، والتاريخ الكبير للبخاري ، والجرح والتعديل لأبن أبي حاتم ، ونحوها من كتب التراجم ، يعلم علم يقينياً أنه ما من شخصية عرفت بعلماء أو دعوة أو غيرها – وبالأخص القرون الثلاثة الأولى – إلا ونجد عنها خبراً – ولومجرد ذكر – فكيف يمكن أن تعيش هذه الشخصية في بلاد كالبصرة ، في تلك الفترة ، وتقود حركة علمية ، ويتتلمذ عليها رجال من الشرق والغرب ، ومع ذلك لا تذكر بحرف ؟!


3- شيخ الربيع في كثير من المواضع في هذا الكتاب هو أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة التيمي بالولاء ، الذي يزعمون أنه تزعم الحركة الإباضية بعد جابر بن زيد ، وتوفي في عهد أبي جعفر المنصور سنة 158هـ. وهذا أيضاً لا توجد له ترجمة ، ونقول عنه كما قلنا عن الربيع بن حبيب .


4- مرتب الكتاب هو أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ، وهو _كما يزعمون ؛ متأخر في القرن السادس ، وما قلناه عن الربيع وشيخه نقوله عن هذا أيضاً ، لأنه لا توجد له ترجمة في كتب الرجال التي عنيت بترجمة أهل ذلك العصر كالتكملة لوفيات النقلة ، أو سير أعلام النبلاء ، أو تاريخ الإسلام ، أو غيرها ، فجميع هذه الشخصيات التي لها علاقة مباشرة بالكتاب شخصيات مجهولة ندين الله عز وجل بأنها لم تنفخ فيها روح ، ولم تطأ على أرض .


5- لو كان هذا الكتاب موجوداً منذ ذلك التاريخ الذي يزعمونه سنة 170 هـ تقريباً ، وأحاديثه معروفة ، لاشتهر شهرة عظيمة بسبب أسانيده العالية ، وكان الأقدمون من علمائنا يحرصون حرصاً بالغاً على علو الإسناد – كما هو حال هذا الكتاب – ولم يكونوا يمتنعون من الرواية عن الخوارج ، فقد رووا عن عمران بن حطّان الذي امتدح عبد الرحمن بن ملجم في قتله علياً رضي الله عنه ، فمن المعروف أن البخاري أخرج له في صحيحه ، فلو كان الربيع – وإن كان خارجياً – يروي هذه الأحاديث وهو ثقة ، لكان معروفاً ، ولعرف الكتاب ، ولعرفت تلك الأحاديث ، حتى وإن كان غير مرضي عنه كما هو واقع مسند زيد بن علي الذي يرويه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي فإن هذا المسند تزعم الزيدية فيه كما تزعم الإباضية في مسند الربيع بن حبيب ، ولكن العلماء السابقون لما عرفوه بينوا ما فيه ببيان حال راويه ، فقال وكيع بن الجراح عن عمرو بن خالد هذا : " كان في جوارنا يضع الحديث ، فلما فُطن له تحوّل إلى واسط " ، وقال الإمام أحمد : " كذاب يروي عن زيد بن علي عن آبائه أحاديث موضوعة " ، ورماه بالكذب ووضع الأحاديث جمع من العلماء . فلو كان الربيع بن حبيب ومسنده معروفين ، لاشتهرا إن كان الربيع ثقة وكان مسنده صحيحاً ، أو لتكلم عنه العلماء إن كان الربيع غير ثقة وكان الكتاب مطعوناً فيه كما وقع لمسند زيد بن علي.


ويؤكد هذا واقع الكتاب ، ففيه أحاديث لو كانت موجودة في ذلك العصر لا هتم بها العلماء غاية الاهتمام لشدة حاجتهم إليها ، كحديث : " إنما الأعمال بالنيات" فقد تكلم العلماء عن هذا الحديث كثيراً وعدّوه من غرائب الصحاح ، بل هو أول حديث يذكر في غرائب الصحاح ، لأنه لم يرو إلا من طريق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه ـ ، ولم يروه عنه سوى علقمه بن وقاص الليثي ، ولا رواه عن علقمة سوى محمد بن إبراهيم التيمي ، ولا رواه عن محمد سوى يحي بن سعيد الأنصاري ، وعن يحي اشتهر . ونصّ العلماء على أنه لم يرو إلا عن عمر – رضي الله عنه - ، ولا يروى عن أحد من الصحابة غيره سوى رواية جاءت عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – وضعفها لأن أحد الرواة أخطأ فرواها عن الإمام مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، والصواب ما جاء في الموطأ للإمام مالك من روايته للحديث عن يحي بن سعيد الأنصاري ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة ، عن عمر كما رواه غيره . ومع هذا كله نجد مسند الربيع بن حبيب يستفتح برواية عن الربيع ، عن شيخه أبي عبيدة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الأعمال بالنيات …… ألخ . وتعتبر هذه الرواية عندهم أصح من رواية حديث عمر . فلو كان ذلك كذلك ، لاهتم بها العلماء غاية الاهتمام ، أو على الأقل لنقدوها كما نقدوا روايته عن أبي سعيد !!


ومثله حديث : " اطلبوا العلم ولو في الصين " . فهذا الحديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاؤا له في هذا المسند بطريقة تعتبر – كما يزعمون من أصح الطرق – إن لم تكن أصحها - ، فيا للدهشة ! أما كان العلماء يعرفون تلك الطريق حتى يحكموا على الحديث بأنه موضوع ؟!
لو كان هذا الكتاب موجوداً ، وتلك الطريق معروفة لما أغفلها العلماء الذين ملأ كلامهم عن الأحاديث وعللها الكتب ، وصنفوا في ذلك المصنفات ، كيحي القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعلي بن المديني ، ويحي بن معين ، والإمام أحمد ، والبخاري ، ومسلم بن الحجاج ، وأبي زرعة الرازي ، وأبي حاتم الرازي ، والنسائي ، والدارقطني ، بل هناك كتب صنفها العلماء تعني بالطرق الغريبة التي ترد لمتون معروفة من طرق أخرى ، كمسند البزار ، والمعجم الأوسط للطبراني ، مع ذلك لا تجد لهذه الطريق أدنى ذكر ، فَعَلاَمَ يدلّ هذا !


بل ترد فيه متون تناقض المتون الصحيحة مناقضة من كل وجه ، كحديث : " ليست الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي " ، فإنه يعارض الحديث الصحيح : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " ، فالحديث الأول مروي في هذا المسند برقم "1004"، ولو كان معروفاً لذكر في بطون الكتب الحديثية وما أكثرها ، ونحن نتحدّاهم أن يعطونا كتاباً أُلف قبل الألف للهجرة ذكر هذا الحديث ولو مجرد ذكر ، حتى وإن كان من كتب الموضوعات ، والسبب أن الوضاعين لم يجرأوا على ما اجترأ عليه هؤلاء الذين كان أهل السنة يروون عن أسلافهم لأنهم لا يكذبون ،


أما هؤلاء الإباضية فقد جمعوا كذب أسلافهم خلال أكثر من ألف عام فصبّوه في هذا المسند الذي لا يشك من له أدنى إلمام بعلم الحديث بأنه أتفه من أن يذكر ، ولا يسوى مداد حرف من حروفه


6- لما واجه الإباضية مثل هذه الانتقادات زعموا أن السبب في عدم معرفة الكتاب ولا مؤلفه : معارضة الحكومتين : الأموية والعباسية للحركة الإباضية ، مما اضطرها إلى أن تعيش بثقافتها وتراثها في السراديب ، ولم تتهيأ للكتاب الفرصة المناسبة للخروج حتى يعرف ، ولا لمؤلفه كذلك!!


وهذا الكلام غير صحيح ، لأنهم يزعمون أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة تتلمذ على جابر بن زيد وتزعم الحركة الإباضية بعده ، فلماذا عُرف جابر بن زيد ، ولم يُعرف هو، ولا تلميذه الربيع ابن حبيب ، مع أنهما كانا يقودا حركة بأكملها ، والقادة هم أول من يُعرف ، بل إن من يتتبع ذاك الصراع الطويل للخوارج بأكملهم مع الأمويين والعباسيين يجد زعماء الخوارج معروفين ، ومواقفهم وشجاعتهم معروفة ، ولكن لم يرد لأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ولا تلميذه الربيع بن حبيب أدنى ذكر .
وكذلك أيضاً فإن تلاميذ جابر بن زيد معروفون ، ولم يُذكر فيهم أبو عبيدة ، فكيف يمكن التسليم لهم بأن الربيع بن حبيب تتلمذ عليه رجال من الشرق والغرب من العرب والبربر ؟! أما كان يُعرف واحد من هؤلاء الرجال يقول في ذلك الوقت : حدثني الربيع بن حبيب حتى نعلم أن الله خلقه ؟!!!


وإذا كان هذا الكلام صحيحاً لماذا لم يختف عمران بن حطان الخارجي وتختف أحاديثه ؟ كيف استطاع أهل السنة الرواية عنه ؟
وإذا كان هذا الكلام صحيحاً ، فلماذا لم يظهر الكتاب أثناء قيام الدولة الرستمية الإباضية في المغرب ، من الذي كان سيبطش بالكتاب أو بجملته وهناك دولة تحميه ؟!


لكننا نعرف السبب ، وهو أن الكتاب لم يكن معروفاً آنذاك ، وإنما كانت الدولة الرستمية تتلقف ما خلفه فكر الخوارج على ممر السنين دون أن يكون هناك مستند علمي مسطور. ولما واجه الإباضية مثل هذه الانتقادات التي تهدم بنيانهم ، وتأتي عليه من أساسه ، زعموا أن الربيع بن حبيب شخصية معروفة ، وذلك بعد أن ذهبوا يتلمسون في الكتب لعل هناك من يسمى بهذا الاسم ، فحداهم الشوق إلى أن ظفروا برجل يسمى الربيع بن حبيب زعموا أن الإمام أحمد قد وثقه ، ولكن الهوس أعماهم عن النظر في نِحْلَة ذلك الرجل ، ولم ينتبهوا إلى أنه شيعي ، وشتان بين الشيعي والخارجي ، ومع ذلك فلم يذكروا أنه فراهيدي ، ولا أزدي ، وإنما ذكروا أنه مولىً لبني عبس ، أو حنفي – على اختلاف بين العلماء في التفريق بين الاثنين أو جعلهما واحداً ، والإمام أحمد يرى أنهما واحد - ، ولم يذكروا عنه أنه روى عن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، ولا أنه ألّف المسند ، أو روى شيئاً من هذه الأحاديث التي ضمها المسند وما أكثر المناكير فيها ، وإنما استنكروا على الربيع بن حبيب الشيعي حديثاً رواه وهو قول علي رضي الله عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السَّـوْم قبل طلوع الشمس ، وعن ذبح ذوات الدَّرّ ، وإنما وثقه الإمام أحمد لأنه يرى أن الخطأ في هذا الحديث من غيره .

فالشاهد أنه ليس لديهم أدنى دليل يدل على أن هذا الرجل العبسي أو الحنفي هو صاحبهم الفراهيدي الأزدي ، والله أعلم.


هذا مع أن الكتاب ترد فيه أحياناً أسماء لشيوخ الربيع بن حبيب وغيرهم ، وهم مجاهيل أيضاً لا يُعرفون ، والكلام عنهم كالكلام عن الربيع وشيخه. والكتاب بجملته إنما وضع لنصرة الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة ونفي الشفاعة ونفي الرؤية ونفي كثير من الصفات إن لم تكن كلها ، وغير ذلك مما تضمنه مذهبهم الباطل ، ويحاولون الاستدلال على ذلك بالسنة المكذوبة بعد أن عجزوا عن القرآن ، وصنعوا ما لم تصنعه طائفة غيرهم حين اختلقوا هذه الأحاديث في هذه الأعصار المتأخرة ، وما علموا أن العلماء قالوا : "لما استعمل الرواة الكذب ، استعملنا لهم التاريخ ".

كتبه الشيخ / سعد بن عبد الله بن عبد العزيز الحميد < فهل ما قاله الشيخ صواب