أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


تأمل هذه النماذج:
1 - أيوب بن سويد الرملي:
كلام الأئمة فيه شديد، فقد ضعفه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء يسرق الأحاديث ... وقال في رواية معاوية بن صالح عنه: كان يدعي أحاديث الناس.
وقال البخاري: يتكلمون فيه.
وهي كلمة شديدة كما مَرَّ، وقريب منها قول النسائي: ليس بثقة.
وذكره ابن حبان في «الثقات» لكنه قال: كان رديء الحفظ يخطئ، يُتقى حديثه من رواية ابنه محمد بن أيوب عنه ...
قلت: قد أورد له ابن عدي في ترجمته من «الكامل» مناكير من غير رواية ابنه عنه.
أما أبو حاتم فقد نقل عن ابن معين نحو ما سبق عنه، ولما سأله ابنه عنه قال: «هو لين الحديث». «الجرح» (2/ 250)
وقد فسَّر ابن أبي حاتم هذه العبارة عند بيانه درجات رواة الآثار في الجرح (2/ 37) فقال في الدرجة الخامسة - من أصل ثمانية: «إذا أجابوا في الرجل بلين الحديث، فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه اعتبارا».
ثم ذكر بعده: «ليس بقوي» وهو دون ذلك، ثم ذكر: «ضعيف الحديث» ثم: «متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب».
فإذا قارنت قول أبي حاتم في أيوب بقول ابن معين والبخاري ظهر أبو حاتم كأنه سَهَّلَ والآخرين شدَّدا، لاسيما البخاري الذي سبقت مقارنته بأبي حاتم في كلام ابن حجر.
2 - ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي:
نقل ابن أبي حاتم عن أحمد وابن معين قولهما فيه: «ليس بشيء» وزاد أحمد: «ضعيف الحديث».
ولما سأل أبا حاتم عنه قال: «لين الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به» ومثله قول أبي زرعة: كوفي لين.
فقول أبي حاتم - ومثله أبو زرعة - تضعيفٌ هَيِّنٌ، وهو أعلى من قول أحمد وابن معين بدرجتين كما سبق بيانه.
3 - حسين بن علي بن الأسود العجلي الكوفي:
قال أحمد: لا أعرفه. وقال ابن عدي: يسرق الأحاديث، وذكر له شيئا من ذلك، ثم قال: له غير هذا مما سرقه من الثقات، وأحاديثه لا يتابع عليها. اهـ.
وقال ابن حبان في «الثقات»: ربما أخطأ.
ووهَّاه الأزدي.
أما أبو حاتم فقد سمع منه، وسئل عنه فقال: صدوق.
نعم، قد يقال هنا إن أبا حاتم أَخْبَرُ به؛ لأنه سمع منه، لكن قد يقال أيضًا: لعله طرأ عليه بعد أن لقيه أبو حاتم ما أوقعه فيما أخذه عليه ابن عدي.
وعلى كلا الاحتمالين، فالأمر دائر على النظر في حيثيات كل من الجرح والتعديل، وفي: أيهما أبعد عن الخلل وأقرب لحال الراوي، وهذا هو العمدة في هذا الفن، لا مجرد النظر في مراتب المجرحين والمعدلين في هذا الباب لإنزال قوله بحسب مرتبته في ذلك.
4 - سماك بن حرب الكوفي:
وصفه أحمد بأنه مضطرب الحديث، وقدَّمه مع ذلك على عبد الملك بن عمير، ووثقه ابن معين، وذكر أن مما عيب عليه أنه أسند أحاديث لم يسندها غيره.
وضعفه الثوري وشعبة، وذكر الأخير أنه كان يُلقَّن، وكذلك قال النسائي، وذكر أنه إذا انفرد بأصل لم يكن بحجة.
وذكر ابن المديني أن روايته عن عكرمة مضطربة.
وقد احتج مسلم به في روايته عن جابر بن سمرة والنعمان بن بشير وجماعة، كما قاله الذهبي في «الميزان».
أما أبو حاتم فقد سئل عنه فأطلق القول بأنه: صدوق ثقة (4/ 280).
5 - ضرار بن صرد أبو نعيم الطحان الكوفي:
نقل ابن أبي حاتم عن ابن معين تكذيبه. وقال البخاري والنسائى: متروك الحديث. وقال النسائي مرة: ليس بثقة. وضعفه أكثر الحفاظ المتأخرين.
وقد روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة والبخارى في «خلق أفعال العباد» حديثين (161، 544)
وقال أبو حاتم: صاحب قرآن وفرائض، صدوق، يكتب حديثه ولا يحتج به، روى حديثا عن معتمر عن أبيه عن الحسن عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضيلة لبعض الصحابة ينكرها أهل المعرفة بالحديث. اهـ.
فقارن العبارات التي استعملها أبو حاتم في مقابل عبارة ابن معين والبخاري والنسائي، فهل يقال: هم شددوا؟ أم يقال: هو سَهَّل؟
الحق أنه لا هذا ولا ذاك، وإنما هو بحسب نظر كل منهم، وما أدَّاه إليه اجتهادُه في حال ضرار.
وعلى الناقد أن ينظر في أسباب حُكم كل منهم إذا وسعه ذلك وكان أهلا له.
من ذلك أن الحديث الذي ذكره أبو حاتم وأنكره أهل المعرفة بالحديث، قد أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3/ 122) بلفظ: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: أنت تُبين
لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي» وقال: صحيح على شرط الشيخين!! فرده الذهبي في «التلخيص» بقوله:
«بل هو فيما أعتقده من وضع ضرار، قال ابن معين كذاب».
فهذان طرفان، فقال الشيخ المعلمي في ترجمة ضرار من «التنكيل» (112):
«لا ذا ولا ذاك، والصواب ما أشار إليه أبو حاتم، فإنه أعرف بضرار وبالحديث وعلله، فكأنَّ ضرارا لُقِّنَ أو أُدْخل عليه الحديث أو وَهِم».
ثم قال في حال ضرار:
«الذى يظهر أن ضرارا صدوق في الأصل، لكنه ليس بعمدة، فلا يحتج بما رواه عنه من لم يعرف بالإتقان، ويبقى النظر فيما رواه عنه مثل أبي زرعة أو أبي حاتم أو البخاري، والله أعلم». اهـ.
6 - عبد الرحمن بن النعمان بن معبد:
نقل ابن أبي حاتم عن ابن معين قوله فيه: ضعيف. ثم سأل أباه عنه، فقال: صدوق (5/ 294).
ذكره الذهبي في «الميزان» (4991) ثم قال: «وقد روى عن سعد بن إسحاق العجري، فقلب اسمه أولا، فقال: إسحاق بن سعد بن كعب، ثم غلط في الحديث، فقال: عن أبيه عن جده، فَضَعْفُهُ راجح». اهـ.
ونقل الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (6/ 287) عن ابن المديني قوله فيه: مجهول.
والحديث الذي أشار إليه الذهبي قد رواه أبو داود في «سننه» (2377) وقال عقبه: قال لي يحيى بن معين: هو منكر.
7 - أبو جعفر الرازي واسمه عيسى، واختلف في اسم أبيه:
وثقه غير واحد من الأئمة، ومع ذلك لَيَّنُوه، وذكروه بالخطأ والتخليط وسوء الحفظ.
وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيرا.
أما أبو حاتم فقد أطلق فيه أنه: ثقة صدوق صالح الحديث.
8 - مجاهد بن وردان:
قال ابن معين: لا أعرفه. ذكره أبو حاتم، فلما سئل عنه قال: ثقة، روى عنه شعبة (8/ 320)
9 - محمد بن موسى بن أبي نعيم الواسطي:
قال أبو حاتم: سألت يحيى بن معين عن ابن أبي نعيم فقال: ليس بشيء. وقال الآجري: سئل أبو داود عن ابن أبي نعيم فقال: سمعت ابن معين يقول: أكذب الناس، عفر من الأعفار. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات. وقال أحمد بن سنان القطان: ثقة صدوق.
وروى عنه أبو زرعة وأبو حاتم، وقال أبو حاتم: صدوق (8/ 83 - 84).
10 - الوليد بن الوليد بن زيد العنسي الدمشقي:
قال أبو حاتم: صدوق، ما بحديثه بأس، حديثه صحيح.
لكن قال الدارقطني وغيره: متروك. وروى له نصر المقدسي في «أربعينه» حديثا منكرا، وقال: تركوه.
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: يروي عن الأوزاعي مسائل مستقيمة، ثم أعاده في «المجروحين» وقال: روى عن ابن ثوبان نسخة أكثرها مقلوب، وأورد له عن الأوزاعي خبرا قال فيه: لا أصل له من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال الشيخ المعلمي في حاشية «الفوائد المجموعة» (ص451): «متروك، وإنما قال: «صدوق» من لم يخبر حاله». اهـ.
فرجع الأمر إلى اختلاف النظر والاجتهاد، فليس من وُصف بالعنت في باب الجرح يصير توثيقُه حُجة حيثما وجد، بل لكل ترجمة نظر خاص بها.
11 - يمان بن عدي الحضرمي الحمصي:
قال أحمد: ضعيف، رفع حديث التفليس.
وقال البخارى: في حديثه نظر.
وقال الدارقطنى: ضعيف.
وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوى عندهم.
أما أبو حاتم فقال: شيخ صدوق.
12 - يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب:
قال البخارى: فيه نظر.
وقال أبو حاتم: شيخ، وهو من ولد صهيب ليس به بأس.
13 - يونس بن أبي يعفور العبدي الكوفي:
ضعفه أحمد وابن معين والنسائى، ووثقه الدارقطني، وأخرج له مسلم موضعا واحدا (1852) شاهدا.
وقال أبو حاتم: صدوق
قال أبو أنس الصبيحي عفا الله عنه:
هذه نماذج على تعديل أبي حاتم لمن ضعفه أو وهَّاه غيره، وكذلك على تعديله لمن لم يعرفه مثل ابن معين،ويلاحظ في بعض تلك النماذج أن أبا حاتم بينما يَنقل هو تضعيف غيره للراوي، أو ينقل ابنه التضعيف أو التجهيل، فإنه مع ذلك يوثقه أو يقول: صدوق، ونحو ذلك.
ومن المعلوم أن صاحب النَّفَس المتشدد في الجرح، لا تسمح له نفسه غالبا بتوثيق من ضعفه غيره أو جهَّله، لاسيما وهو الذي يحكي ذلك أو يُحكى له، فقد كان مقتضى الطَّبْع أن يستروح لكلام غيره في ذلك، ولكن الواقع خلاف ذلك.
وللحديث بقية...