أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


البيانُ الحَسن في مُراد البُخاري مِن قوله [ حَديث حَسن ]
دِراسةٌ تَطبيقيةٌ مِن علل الترمذي الكَبير


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه ، وخاتم رسله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وتركنا ـ والله ـ في محجة بيضاء ليلها كنهارها ،اللهم صل على محمد وعلى آله كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد أما بعد :
فإن أصدق الحَديث كَلامُ الله وخَير الهَدي هدي نبينا مُحمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور مُحدثاتها وكُل محدثةٍ بدعة وكُل بدعةٍ ضلالة ، قال الله تعالى : (( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )) ، قد طرحَ علي أخي الحَبيب وصَاحبي : " أبو بكر السلفي المقدسي " - غفر الله لنا ولهُ - هذا المبحث المَاتع فَسرني ذلك كثيراً فجَزاهُ الله تعالى كُل خيرٍ ونفع بهِ وبعلمه ، أما وعُنوان المبحث عَن مُراد قول الإمام البُخاري في العلل الكَبير للإمام الترمذي : [ حديث حسن ] ، وقد أطلقهُ الإمام الجَبل البُخاري - رضي الله عنه - في العلل الكَبير على الحَديث الصَحيح والحَديث الضَعيف الذي لا ينحطُ إلي منزلة التَرك فتَراهُ - رضي الله عنه - يُطلق : " حسن " ويريد به المعنى اللغوي وكُنت سألتُ الشَيخ المُحدث ماهر الفحل - أطال الله بعمره - عَن قول الإمام البخاري في العلل الكَبير (( حسن )) فقال : ((إنما يقصد البخاري الحسن بالمعنى اللغوي وهو إطﻻق نادر عند الإمام البخاري )) أ.هـ ، وقد أصاب في إطلاق النُدرة على قول الإمام البخاري حسن فلم تزد الأحاديث التي قال فيها الإمام البخاري : " حسن " عن السبع وعشرين حديثاً ، فشدني هذا الأمر كثيراً واستهواني ورأيتُ الشَيخ المليباري - نفع الله به - قد تكلمَ عن مدلول العبارة عند الإمام البخاري وأجاد وأحسن - حفظهُ الله - كذلك رأيت الشَيخ ربيع المدخلي - عفا الله عنهُ - يَتحدثُ عَن مدلول الإمام البخاري فكان تَقريرهُ لما هُو مَعروف عند الأئمة المُتقدمين من إستعمال لفظةِ الحَسن الاستعمال اللغوي دُون الاصطلاحي عند الأئمة المُتأخرين - رضي الله عنهم - فظن بعضهم أن الإمام البُخاري إن أطلق قولهُ حسن فإنهُ يريد المعنى الإصطلاحي وذلك ليس بصحيح وسيتبين إن شاء الله تبارك وتعالى ذلك في طيات هذه الدراسة المتواضعة إن شاء الله .
المقـدمة
اختلف الأئمةُ المُتأخرين في مُراد الأئمة المُتقدمين من إطلاق : (( حسن )) فقد استعملت لفظة حسن مِن قبل أئمة الحَديث وعرفت قديماً فاستعملها ابن المَديني ، والترمذي ، والشَافعي ، كذا الحافظ يعقوب بن أبي شيبة ، كذا البُخاري فاستعملوا اللفظ : " حسن " على الإصطلاح اللغوي لا الإصطلاحي فأطلقوا على الصَحيح حسناً ، وعلى الحَديث المقبول بالعُموم حسن ومُرادهم مِن الحَسن ما يقابله المُنكر أو الموضوع .
نَقل الشَيخ المُحمدي في الشاذ والمُنكر قَول الحَافظ الذهبي فقال (312) : (( ويلزم على ذلك أن يكون كل صحيح حسن وعليه عبارات المتقدمين فإنهم قد يقولون فيما صح: هذا حديث حسن )) أ.هـ ، فَيدلك قول الحَافظ الذهبي إلي أن الأئمة المُتقدمين ما كانوا يُطلقونها إلا على المَعنى اللغوي لا المَعنى الإصطلاحي ، يقول الحافظ ابن حجر كما نَقل الشَيخ حمزة المليباري في كِتابه نظرات جديدة (ص22 ) : (( وقد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي، لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي، ومنهم من لا يريده ، فأما ما وجد من ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك، فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر في استقبال بيت المقدس ... بكونه حسناً خلاف الاصطلاح ، بل هو صحيح متفق على صحته .... وأما أحمد فإنه سُئل فيما حكاه الخلال عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر فقال: " أصح ما فيها حديث أم حبيبة ".وسُئل عن حديث بسرة فقال صحيح، قال الخلال: إن أحمد بن أصرم سأل أحمد عن حديث أم حبيبة في مس الذكر فقال: هو حديث حسن. فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح )) أهـ .
فإن المُتتبع لصنيع الأئمة المُتقدمين كالبخاري وأحمد ومَن هو أقدم من الإمام الشافعي فإنهُ لا يستعمل لفظة الحَسن على المعنى الدَارج عند الأئمة المُتأخرين مِن المَعنى الإصطلاحي ، وقد رأيتُ الشَيخ المليباري يُحسن التتَبع في مُرادهِ ، كذا أجاد الشَيخ المدخلي وخلصَ كُلٌ منهم إلي أن الحَديث الحسن عند الإمام البخاري هو بمعناهُ اللغوي لا الإصطلاحي وقد يُطلقهُ الإمام على الحَديث المُصطلح عليه عند المُتأخرين بالحَديث الحسن ، كذا يُطلقهُ على الصَحيح عِندهُ المُخرج في الصَحيح الجَامع ، فالحسنُ لفظٌ عامٌ يُطلقه الأئمة المُتقدمين على الصَحيح وعلى الضعيف الذي لم ينحدر إلي درجة التَرك وما بينهما في القبول وخُلاصة الأمر أنهُم يُطلقونهُ على الحَديث المقبول إذ ليس في إصطلاحات المُتقدمين ما يفرق الحَديث الحَسن عن الصَحيح .
يَقول فضيلة الشَيخ حمزة المليباري - حفظه الله - في نظرات جديدة (ص13) : (( فهذه بعض الأمثلة التي توضح أن مدلول الحسن عام عند المتقدمين ، منا أن مدلول الصحيح لم يكن خاصاً بالحديث الذي تداوله الثقات ، بل يطلق على الحديث الذي رواه الضعيف أيضاً إذا تأكد لديهم سلامته من الخطأ والوهم بل على كل حديث محفوظ سواء أكان محفوظاً عن راو أو عن الصحابي أو عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يتبين ذلك جلياً كونه صحيحاً دائماً إلا إذا كان محفوظاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن معناه ثبوت الرواية عن شخص ، وقد يكون الشخص خاطئاً أو يكون ما رواه منقطعاً أو مدلساً أو مرسلاً وقد يكون صحيحاً أيضاً )) أ.هـ.
وقَال أيضاً : (( والجدير بالذكر أن المتقدمين ـ وإن كانوا يوسعون مدلول كلمة (( الحسن )) وإطلاقه على (( الصحيح )) غير ملتزمين بمعناها الذي استقر عليه المتأخرون من بعدهم ـ فإنهم يفرقون عملياً بين الحديث الذي تداوله الثقات المعرفون من دون خطأ ووهم ، وبين الحديث الذب تناقله الضعفاء مع وجود الاعتضاد الخارجي له ، كما يبرهن عليه صنيع الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحهما حيث إنهما تقيدا والتزما في أصولهما بالنوع الأول دون الثاني بخلاف السنن الأربعة فإنها تحتوي على النوعين كليهما ، كما أنهم يقسمون الحديث إلى ثلاث مراتب بالنظر إلى الواقع : مرتبة الاحتجاج ، ومرتبة الترك ، ومرتبة المتوسط بينهما ، غير أنهم لم يتفقوا عملياً على تخصيص هذه المراتب الثلاث بعبارات فنية ، ولهذا نجد المصطلحات المستخدمة لديهم لا تخرج عن ش من هذه المراتب الثلاث ، إذ أنهم بطبيعتهم العلمية الخاصة لم يعطوا اهتماماً بالغاً في جانب الدلالات اللفظية بقدر اهتمامهم بالأمور الأساسية من المسال والمضامين ، ولهذا فإن كتبهم وأقوالهم أصبحت معقدة بكثرة الإشارات اللفظية والألغاز العلمية ، مما يفرض علينا تعميق دراستنا حول أساليبهم ومناهجهم )) أ.هـ.
ومِن هؤلاء الأئمة المُتقدمين هو الجَبل الحَافظ أمير المؤمنين في الحَديث والعلل مُحمد بن اسماعيل البُخاري فقد أطلق : " حسن " على عَدد من الأحاديث في العلل الكبير للترمذي - رحمه الله - التلميذ النجب والمُحدث الثقة للإمام البخاري - رضي الله عنهم - فإن بعض المُتأخرين ظنوا أن ما ذكرهُ الإمام الترمذي في كِتابه عن الحَسن هُو تعريف الحَسن ! وهذا ليس بصحيح إذ أن الإمام الترمذي يُخبرنا في الجَامع بمنهجيته فيهِ والصَحيح أن الإمام الترمذي على طريقة شَيخه العبقري الإمام البخاري في مَدلول إصطلاح حسن وهذا إن شاء الله مُحيطُ بحثنا وهُو معنى قول الإمام البخاري : " حسن " في العلل الكبير للترمذي .
المبحث الأول :
[ تَعريف الحَديث الحَسن عند الأئمة المُتقدمين واستعمالاتهم له ]
اختلف استعمال أئمة الحَديث والنَقد المُتقدمين للفظة الحَسن فاستعملوها وأرادوا مِنها الصَحيح كما وقع مِن صنيع الإمام البُخاري في العلل الكبير للترمذي حَيثُ أطلقها على أحاديث صحيحةً مُتفق عليها في الصحيحن ، كذا صَنع الإمام الشَافعي - رحمهم الله - ، وأطلقهُ الإمام أبو حاتم في العلل ، ويعقوب بن أبي شيبة ، كذا فعل العجلي - رضي الله عنهم - ، وتارة يستعملونها في الغَريب المُستنكر ومِن ذلك ما قيل لشعبة - رضي الله عنه - : (( كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟ ... فقال " من حسنها فررت " )) أهـ .
وقد يُطلقون حسن على حَسن اللفظ لا المعنى الإصطلاحي ومِن ذلك ما وجدتهُ في صنيع الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - فقد في كتاب بيان آداب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعا (( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد .. الحديث )) .
قَال ابن عبد البر عقبه : (( وهو حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوي )).
فأراد بهِ هُنا أنهُ حسنُ اللفظِ لأنهُ من رواية موسى بن محمد البلقاوي عن عبد الرحيم بن زيد العمى ، وهذا الرجل مُتهم بالكذب قد كذبهُ أبو زُرعة وأبو حاتم ، ونسبه ابن حبان والعقيلي إلي الوضع ، والظَاهرُ أن هذا مما قد صنعتهُ يداه ، وفيه عبد الرحيم وهو مَتروك الحَديث . ( الشذا الفياح في علوم ابن الصلاح (1/125) .
ويُطلقونَ الحَسن ويريدون به الغَريب المُنكر ، فقد روى الخَطيب البغدادي في الجَامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/101) : (( عن إبراهيم بن يزيد النخعي، أنه قال: " كانوا يكرهون إذا اجتمعوا، أن يخرج الرجل أحسن حديثه، أو أحسن ما عنده " )) .
قَال الخَطيب : [ عنى إبراهيم بالأحسن: الغريب؛ لأن الغريب غير المألوف يُستحسن أكثر من المشهور المعروف، وأصحاب الحديث يُعبِّرون عن المناكير يعبرون بهذه العبارة ] .
وقَد يُطلقون الحَسن ويريدون بهِ الإتقال ومن ذلك ما ذكرهُ الإمام الحافظ الذهبي في ترجمة عباس الدُوري في السير عن الأصمِ أنهُ قال فيه (12/523) : (( لم أر في مشايخي أحسن حديثاً منه )) وعقب الحَافظ فقال : (( يُحتمل أنه أراد بـ " حُسن الحديث ": الإتقان، أو أنه يتبع المتون المليحة، فيرويها، أو أنه أراد علو الإسناد، أو نظافة الإسناد، وتركه رواية الشاذ والمنكر، والمنسوخ، ونحو ذلك؛ فهذه أمور تقتضي للمحدث إذا لازمها أن يقال: ما أحسن حديثه )) .
وقد يُطلق الحَسن على رواية المَجهول ! فقال الحَافظ الذهبي في سير أعلام النُبلاء (2/94) : (( حَديثاً يرويه أبو صالح ذكوان، عن صهيب مولى العباس )) فقال الحَافظ : (( إسناده حسن، وصهيب لا أعرفه )) أهـ ، فها هو يُطلق الحسن على رواية المَجهول وهذا يُقوي أن الأئمة المُتقدمين كانوا يُطلقون لفظة الحَسن على الأحاديث الصحيحة ، والضعيفة التي لا تَنزل مرتبة التَرك أو الوضع ، كذا كانوا يُطلقونها على ما بين ذلك وذلك ، ورواية الغريب والنكارة ، بل الغريب المُستنكر ، أو ما ينفرد به الرواة في الحَديث .
وفي العلل لابن المديني (ص94) في حَديث عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : (( إني ممسك بحُجزكم من النار )) يرويه يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيُّ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..
فقال - رضي الله عنه - : (( هذا حديث حسن الإسناد؛ وحفص بن حميد مجهول، لا أعلم أحداً روى عنه إلا يعقوب القمي، ولم نجد هذا الحديث عن عمر إلا من هذا الطريق؛ وإنما يرويه أهل الحجاز من حديث أبي هريرة )) كذا وصفهُ بالجهالة يعقوب بن أبي شيبة.
وعلق فضيلة الشَيخ طارق عوض الله فقال : (( ومقتضى هذا؛ أن الحديث منكر عنده من هذا الوجه، وبهذا يظهر معنى قوله: " حسن الإسناد " )) أ.هـ.
وقد أطلقوا الحَسن على حديثٍ قد تَوجس أئمة النَقد - رضي الله عنهم - مِنهُ خشية الغلط ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه : (( تسحروا فإن في السحور بركة )) ، قال النسائي - رحمه الله - : (( حديث يحيى بن سعيد هذا؛ إسناده حسن، وهو منكر، أخاف أن يكون الغلط من محمد بن فضيل )) ، والحسن هُنا بمعنى الغريب المُستنكر لأن المَعروف عند أهل الإصطلاح أن الحسن الإصطلاحي لا يَكون شاذا أو مُنكراً أو مُعللاً ، وقد أطلق الإمام النسائي هذا على الإسناد دُون المَتن لأن المَتن صحيحٌ ثابت فقد أخرجه الشيخين في الصحيح .
قَال فضيلة الشَيخ طارق عوض الله : (( ولا يقال: لعل الإمام النسائي إنما يصف الإسناد بالحسن، والمتن بالنكارة وأن الضمير في قوله: " هو " عائد إلى المتن، وكما هو معلوم لا تلازم بين الحكم على الإسناد والحكم على المتن.
لا يقال ذلك؛ لأن هذه الأوصاف الثلاث " الحسن " و " المنكر " و" الغلط "، إنما أطلقها النسائي على إسناد هذا الحديث دون متنه؛ فإن هذا المتن صحيح ثابت، وقد أخرجه البخاري ومسلم (1) من غير هذا الوجه عن رسول الله **** - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك؛ أخرجه النسائي في أول الباب من هذا الوجه الصحيح؛ ويُستبعد على مثل الإمام النسائي أن يخفى عليه صحة هذا المتن؛ لاسيما مع قوله: " أخاف أن يكون الغلط من محمد بن فضيل "؛ فإن ابن فضيل لم يتفرد بالمتن، وإنما تفرد بهذا الإسناد فقط؛ فالإمام النسائي إنما ينكر رواية هذا المتن بهذا الإسناد، ويرى أن ابن فضيل أخطأ في إسناده، دخل عليه إسناد حديث في إسناد حديث آخر
)) أ.هـ.
وهذا أبو زُرعة الرازي في سؤلات البرذعي (2/361) يقول : (( قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري وسعيد بن أبي هلال صدوقان؛ وربما في قلبي من حسن حديثهما )) ، لكون ما يرويه خالد بن يزيد من الغرائب والغرائب هي التي يخشى فيها الوهم والخطأ والغفلة ، بخلاف المشاهير التي هي من رواية المبرزين المُتقنين الضابطين والتي يَكون قد تُوبع عليها ، فكثيراً ما تَجدهم يُطلقون الحَسن على الغريب المُنكر ومِنهم الإمام الدارقطني - رضي الله عنه - فقد قال عن إسناد فيه ابن لهيعة في حَديث التحيات (1/351) : (( هذا إسناد حسن، وابن لهيعة ليس بالقوي )) ، وأخرجهُ في الغرائب والفرائد فقال : (( غريب من حديث عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن حديث ابن عباس عنه، ولم يروه غير جعفر بن ربيعة عن يعقوب بن الأشج، ولا نعلم أحداً رواه غير الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة، وتابعه عبد الله بن يوسف التَّنَّيسي )) فالحَديث مما تفرد به ابن لهيعة وهو ليس بالقوي بل الأرجح ضعفهُ ، وقال أنه حسن !.
وقد استعمل الأئمة كعلي بن المديني، وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة وجماعة لفظة هذا من أحسن الأحاديث إسناداً كما تقدم ، ولكن منهم من إذا أطلقها كما تقدم لا يريد بها المعنى الإصطلاحي بل هو خلاف ما يظن بعض المُعاصرين ، وإن الظَن بأن الإمام الترمذي هو أول من قعد للحسن فذلك ليس بسويٍ كما أسلفنا وذهب إلي ذلك فضيلة الشَيخ حمزة المليباري حفظه الله في كتابه نظرات جديدة ، وأن الإستعمال كان في كلام شيخه ويريد به المعنى اللغوي فإنهُ إن إستعمل حسناً فإنهُ يستعمل الاستعمال اللغوي حالهُ حال شَيخه العبقري الإمام فقد أطلق الحسن على الصحيح والضعيف الذي لا ينزل عن مرتبة الاحتجاج كذا كان شيخ الإمام البخاري علي بن المديني فإن الإمام الترمذي على طريقته في إطلاق الحسن في جامعه وعلل الترمذي الكبير ، فيريد بها اللغوي وقد يريد بها الإصطلاحي وهذا مُقارنة بغيره قليلٌ جداً ، وبهِ يتضح أن الأئمة يستعملون لفظة الحَسن إستعمالا واسعاً فيشمل الصحيح والضعيف والغريب والمنكر وقد ضربنا بعض الأمثلة وقد سبقنا في ذكر الأمثلة كثير من المشايخ فجزاهم الله تعالى كل خيرٍ ونفع الله بهم ، ومَن أراد الفائدة فلينظر التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح.يتبع المبحث الثاني إن شاء الله .