أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله والصلاة علي نبيه وآله وبعد,,,,,,
فإني رأيت في عصرنا هذا سبلا شتي في افهام العلوم وايضاحها وتبسيطها للطالب,و المستفيد.

  • فمنهم من يعمد إلى المتون فيسبط عباراتها, و يحل مربوطها, ويسهل معقود مسائلها, ويميز بين راجحها ومرجوحها وقويها وضعيفها حتي يخلصَ إلى فوائد المتن ودرته فيفيد منه الذكي أتم فائدة,وينتفع منه من هو دون ذلك .

  • ومنهم من يعمد إلى مسائل العلم مفردة دون متون ,فيكثر من التسبيط والتسهيل والتقسيم ,ثم يورد ما شذ في المسائل وما أشكل منهم حتي يأتي علي غالب مسائل العلم الواحد مرتبة أوغير مرتبة ولعل هذا ما نراه في طريقة تدريس ومدارسة كتب المتأخرين والمعاصرين وخاصة في المدارس النظاميه والجامعات وما أشبه.
والشارح في كلا الطريقتين إما أن يكون مقتصدا, أو مستقصيا للعلم ومسائله.
والانكار على طريقة واحد منهما تكلف ومبالغة لا فائدة منها سوى التشويش والإعطاب.
إذ مقصود الشارح مهما كان أن يوصل العلم إلى المتعلم ليعمل به علي وجه صحيح.
ولابد للمعلم والمتعلم علي وجه سواء أن يعلم بأن طريقة الإفهام في علوم الشريعة تخلتف لإختلاف العلوم, وهذا مايقع فيه كثير من الشراح فيعمد إلي شرح العلوم بطريقة واحدة ولعله يدرك ,ولكنه لم يعلم أن كل علم يطلب قدرا من الإفهام, فإن زاد عليه َفَسَدَ ولم يُفهِم, وإن قلل فيه أخل ولم يفهم.
وعليه فإن العلوم الخادمة كالنحو والصرف وعلوم العربية والأصول في الفقة والحديث والتفسير والمنطق ,تختلف في طريقة إفهامها عن العلوم المخدومة كالاعتقاد والفقة والتفسير والحديث والتاريخ وغيرها.
ولقد أجاد وأفاد العلامة المؤرخ عالم الاجتماع العربي عبد الرَّحمَن بن خلدون في كتابه فففالمقدمةققق حيث عقد فصولا في التعليم والتعلم أنقل ما قاله لما فيه من فائدة وبركة فاقرأه وعِه ولا تمل "قال- رحمه الله- "اعلم ان العلوم المتعارفة بين اهل العمران على صنفين علوم مقصودة بالذات كالشرعيات من التفسير والحديث والفقه وعلم الكلام , وكالطبيعيات والالاهيات من الفلسفة , وعلوم هي آلية وسيلة لهذه العلوم كالعربية والحساب وغيرهما للشرعيات , وكالمنطق للفلسفة , وربما كان آلة لعلم الكلام والأصول على طريقة المتأخرين .
فأمَّا العلوم اللتي هي مقاصد فلا حرج في توسعة الكلام فيها وتفريغ المسائل واستكشاف الأدله والأنظار فإن ذلك يزيد طالبها تمكنا في ملكته وإيضاحا لمعانيها المقصوده.
و أما العلوم التي هي آلة لغيرها مثل العربيية والمنطق وأمثالها فلا ينبغي أن ينظر فيها إلا من حيث هي آلة لذلك الغير فقط ولا يوسع فيها الكلام ,ولا تفرع المسائل لأن ذلك مخرج لها عن المقصود ,إذ المقصود منها آلة له لا غير فكلما خرجت عن ذلك خرجت عن المقصود وصار الاشتغال بها لغوا مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها وكثرت فروعها , وربما يكون ذلك عائقا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات لطول وسائلها , مع ان شأنها اهم والعمر يقصر عن تحصيل الجميع على هذه الصورة , فيكون الاشتغال بهذه العلوم الآلية تضييعاً للعمر وشغلا بما لا يعني , وهذا كما فعل المتأخرون في صناعة النحو وصناعة المنطق وأصول الفقه ,لأنهم أوسعوا دائرة الكلام فيهاوأكثروا من التفاريع والاستدلالات بما أخرجها عن كونها آلة وصيرها من المقاصد وربما يقع فيها انظار لا حاجة بها في العلوم المقصودة فهي من نوع اللغو , وهي أيضا مضرة بالمتعلمين على الإطلاق.
لأن المتعلمين اهتمامهم بالعلوم المقصودة اكثر من اهتمامهم بوسائلها
,فإذاقطعوا العمر في تحصيل الوسائل فمتى يظفرون بالمقاصد ؟!
فلهذا يجب علي المعلمين لهذه العلوم الآلية أن لا يستبحروا في شأنها وينبهوا المتعلم علي الغرض منها, و يبقوا به عنده فمن نزعت به همته بعدذلك إلي شىء من التوغل فليرق له ما شاء من المراقي صعبا أو سهلا وكل .ميسر لما خلق له". أ ه كلامه -رحمه الله-
أما عن تعلم النحو وتعليمه فهو من أشرف علوم الأصول , ولا ينضبط الفرع إلا بانضباط أصله
وكل العلوم وأجلها تقوم علي فهمه وتحقيق مسائله ومعرفة أوجه الكلام
ومن نازع في شيء من ماهيته وعظم مكانتة ,فهو أحمق ساقه حَمَقُهُ وجهله إلي ذلك فضلاً عن أن يكون من أهل العلم المحققين .
فلا عالم بالعلوم ليس له دراية بعلوم العربية و الإلمام بشيء منها وكم من متفقهه عزف الناس عن الأخذ عنه بسبب لَكنِهِ وَلَحِنهِ في الكلام
وكما قال القائل:
فففالنَّحوُ يَبسُطُ مِن لِسَانِ الأَلكَُنِ ......والمرؤ تُكرِمهُ إِذا لا يَلحَنِققق
ولاأريد أن أطنب الكلام في هذا ففيه من المخلصين وأهل الفضل من أفاضوا علينا بكلامهم , ولكن القضية التي لا يمكن ضبطها عند الكثير من المعلمين والمُفهِمِين تكمن في طريقة تعليمهم وتلقينهم ويمكن تلخيص قضيتهم في عدة أمثلة.
الأول:
"من يجيد شرح المتون واستخراج مكنوناتها إلا أنه يعطي كل ما عنده للمتعلم دون مراعاة المُبتَدِأ ,والمُتَوَسِّط, و المُنتَىهِى بحجة أن العلم لا يُبَسَّطُ ولا يُسَهَّلُ لكي لا يضيع.
فَيَغمِضُ العلمُ ويصعب على طلابه و يعزفون عنه وسيأتي ايضاح هذا في كلام ابن خلدون القادم -ان شاء الله تعالى- .
الثاني:
"من لا يجيد شرح المتون فيقبل علي تدريسها فَيُضَيِّعُ حلاوتها وطلاوتها مقسما لها تارة وملخصاً لها تارة أخري والمتون لا تُعَامل بمثل هذه الطريقة فيضيع ما فيها من خير, وليس يقوم علي تدريسها أىُّ أحد أو يتلقنها كل احد.
الثالث:
"وهو من لا يجيد شرح هذا ولا ذاك فهو يقرأ الكتب أمام طلابه سرداً متعرضاً لبعض مسائلها بالإيضاح ,فمثل هذا يصطدم بعلوم العربية فلا ينتفع الناس منه بشيء لمَا تحتاج هذه العلوم من تمرين للسان وتعويد له علي ضبط حركته واستقصاء مسائله بالشرح والتوضيح.
وعلى كل حال لابد من التحري والتدفيق في هذا الأمر وسيأتي بيان ذلك فيما يتعلق بالطالب والمستفهم -ان شاء الله تعالى-.
ولكن ثمة نصائح مهمة للمعلم في تدريس العلوم علي وجه العموم وعلوم العربية علي وجه الخصوص إضافة إلى ما قاله بن خلدون آنفاً عن طرق تعليم علوم الآلات نتركه يسرد لنا ما عنده فاقرأه وعِه ولا تَمِلّ -بارك الله فيك- يقول -رحمه الله-:" اعلم ان تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان علي التدريج شيئا فشيئا وقليلا قليلا , يلقي عليه مسائل كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب ويُقَرّبُ له في شرحها على سبيل الإجمال ويراعي في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول مايَرِدُ عليه حتى ينتهي الى آخر الفن , وعند ذلك يحصل له ملكةٌ في ذلك العلم إلا إنها جزئية وضعيفة وغايتها أنها هيَّأَتهُ لفهم الفن وتحصيل مسائله ,ثم يرجع به الى الفن ثانية فيرفعه في التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها ويستوفي الشرح والبيان ويخرج عن الإجمال ,ويذكر له ما هنالك من الخلاف ووجهه ,إلى ان ينتهي به الى آخر الفن فتجود ملكته ثم يرجع به وقد شدا فلا يترك عويصا ولا مبهما ولا مغلقا إلا وضّحَه وفتح له مقفله فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته .هذا هو وجه التعليم المفيد وهو كما رأيت يحصل في ثلاثة تكرارات وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه .
وقد شاهدنا كثيرا من المعلمين لهذا العهد الذي ادركنا يجهلون طرق التعليم وافادته ويُحَضِّرُون للمتعلم في أوّل تعليمه المسائل المقفلة من العلم ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها ويحسبون ذلك مرانا على التعليم وصوابا فيه,ويكلفونهم وَعيَ ذلك وتحصيله ,ويخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها , وقبل أن يستعد لفهمها , فإن قبول العلم والاستعدادات لفهمة تنشأ تدريجا ويكون المتعلم أول الأمر عاجزا عن الفهم بالجملة إلا في الأقل وعلي سبيل التقريب والإجمال وبالأمثال الحسية ثم لا يزال الإستعداد فيه يتدرج قليلا قليلا بمخالفة مسائل ذلك الفن وتكرارها عليه والانتقال فيها من التقريب إلى الاستيعاب الذي فوقه حتي تتم الملكة في الاستعداد ثم في التحصيل ويحيط هو بمسائل الفن وإذا ألقيت عليه الغايات في البدايات وهو حينئذ عاجز عن الفهم والوعي وبعيد عن الاستعداد له كل ذهنه عنها وحسب ذلك من صعوبه العلم في نفسه ,فتكاسل عنه وانحرف عن قبوله وتمادي في هجرانه وإنما أتي ذلك من سوء التعليم .

ولا ينبغي للمعلم أن يزيد متعلمه علي فهم كتابه الذي أكب علي التعليم منه بحسب طاقته وعلي نسبة قبوله للتعليم مبتدئا كان أو منتهيا ولا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتي يعيَهُ من أوله إلي آخره و يحصل أغراضه ويستولي منه علي ملكة بها ينفذ في غيره , لأن المتعلم إذا حصل ملكة ما في علم من العلوم استعد بها لقبول مابقي وحصل له نشاط في طلب المزيد والنهوض إلي ما فوق حتي يستولي علي غايات العلم ,وإذا خلط عليه الأمر عجز عن الفهم ,وأدركه الكلال وانطمس فكره ويئس من التحصيل وهجر العلم والتعليم والله يهدي من يشاء.

وكذلك ينبغي لك أن لا تطول علي المتعلم في الفن الواحد بتفريق المجالس وتقطيع ما بينها لانه ذريعة إلي النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من بعض فيعسر حصول الملكة بتفريقها وإذا كانت أوائل العلم وأواخره حاضرة عند الفكرة مجانبة للنسيان كانت الملكة أيسر حصولا وأحكم ارتباطا وأقرب صِبغة لأن الملكات إنما تحصل بتتابع الفعل وتكراره وإذا تنوسي الفعل تنوسيت الملكة الناشئة عنه والله علمكم ما لم تكونوا تعلمون.

ومن المذاهب الجميلة والطرق الواجبة في التعليم أن لا يُخلط علي المتعلم علمان معا فإنه حينئذ قلَّ أن يظفرَ بواحد منها لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل حال منها إلي تفهم الآخر فيستغلقان معاً ويستصعبان ويعود منها بالخيبة وإذا تفرغ الفكر لتعليم ما هو بسبيله مقتصراً عليه فربما كان ذلك أجدر بتحصيله والله سبحانه وتعالي الموفِّق للصواب.
ولعل ماسبق من توجيه احرى ان يوجه به المعلم اكثر من المتعلم.
أما ما يتعلق بالطالب والمستفهم:
ويجب على الطالب في مراحل تعلّمه المختلفة بشكل عام وعلوم العربية بشكل خاص عدة أشياء.
الأول:
أن يختار شيخه : واختيار المعلم ليس مبينياً علي الهوي وسوء الظن وتقلب الأمزجة بل يراعي في معلمه الآتي:

  • شهادة أهل العلم له بالمعرفة والدراسة في النحو واللغة.

  • أن يكون منضبط المنهج, يعتقد اعتقاد المسلمين من أهل السنة
لأن غالب من نبغ فيه وفَحُلَ قد أصابه شئ من فَسَادِ الاعتقاد ,وفي هذا بحثٌ طويل لا مجال له في هذا الصفحات.
الثاني:
اختيار المتن : وعليه قبل أن يبدأ في التعلم باختيار المتن بمساعدة واحد من الذين سبقوه في تعلم اللغة ولابأس أن يختار له شيخُهُ, وكذلك لا يختار المتن بالهوي وتقلب الأمزجة فغالب من ينصح نصحه مصبوب على ما درس هو فقط لأنه لا يرى إلا هو, وهذا غلط.
ولا إنكار لأحد علي أحدٍ في اختيار المتن مادام مناسباً له وإلافهذا تعطيل وتثبيط.
الثالث:
التزهد والتورع والتزكية قبل و أثناء الولوج في تعلم النحو وتعليمه ,وذلك لأن لعلوم الآلة عامة وعلم النحو واللغة خاصة جِمَاحٌ وسلطان لايكبحه إلا الانكسار بين يدي الله تعالي.
وكذلك فساد لسان الناس واعوجاج كلامهم يؤدي إلي الانتقاص منهم فالزم واستعن بالله.
الرابع
:
اختيار طريقة الدراسة على واحدة مما ذُكر آنفا فعَلي الطالب والمستفهم أن ينظر كل واحدٍ إلى ما يشبع نهمه ويستفيد منه فمِن الطُّلَاب من يفهم من مرة واحدة ويحتاج زيادة ويُمَارِنُ كثرةَ التفريعات والاستدراكات فهذا ينتفع من دراسة المتن.
ومنهم من لا يصلح معه ما صَلُح مع الأول فطريقة التقسيم أولى له وأسهل لتجمعَ عليه شمله وتُثبِّتُ له عقلة ,وكذلك لا ينكر أحدٌ على أحدٍ في طريقة تعلمه إلا مغررٌ به أو مُلَبِّسٌ إلا أن يكون معلماً فله النصح.
الخامس:
التمذهب في النحو: لابد لطالب العلم أن يعلم بأن التمذهب في النحو يختلف عن التمذهب في الفقه ,وإن كنت أتحرج في تسميته تمذهب وذلك لأن النحو مبنيي علي مدراس عدَّها بعضهم خمسة وعشرين مدرسة ومن أهم ما يفيد فيها كتاب فففالمدراس النحوية للدكتور شوقي ضيفققق -رحمه الله-.
وكل هذه المدارس لم تقم نتيجه أختلافهم في فهم النصوص بل نتيجة اختلاف الأحرف عند العرب فللعرب لهجات ولغات لا حصرلها فعلى أيها تتمذهب؟
وإن كنت أري أن الكوفين هم أقرب الناس إلى تقريب معاني الجمل وإعرابها بشكل بسيط دون تأويل فاسد ولا تحريف ولا مانع من الاختلاف معهم فقد خالفهم جمع كبير من أهل اللغة في تقسيمهم للفعل على أنه ماضي ومضارع, والأمر من بطن المضارع وليس قسما برأسه.
فالأخذ بقول فريق لا يُسمي تمذهبا مادام أنه قد استدل علي ما يقول بالأدله الموجبة لذلك دون تأويل ولا تخريف.
وصلى الله على محمد واله وسلم.

وفي النهاية أعلن تقصيري وضعفي في طرح مثل هذه الأمور التي تحتاج الى عالم بمناهج التدريس وطرقه فأسأل الله التوفيق والسداد والإخلاص وأن يغفر لنا جرأتنا وذللنا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك.
أبو عبد الرحمن الرويني
ليلة الاثنين. الثلاثين من ذي الحجة لعام اربعة وثلاثين واربعمئة والف.