أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


فصل في ذكر محنة الامام ابومحمد عبد الرحمن بن أبي حاتم

من كتاب سير السلف الصالحين لاسماعيل الاصبهاني
وفيها فوائد لمن تمعن

قال: وأخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي، قال: سمعت أبا الفضل العباس بن أحمد، يقول: سمعت ابن أبي عمر، يقول: سمعت أبي، يقول: قلت لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم: أخرج إلي محنة أحمد بن حنبل لأكتبها، فتغافل، فسألته ثانية فقال: اكتب محنتي فإنها أعجب من محنة أحمد.
قال علي بن أحمد الأصبهاني الفرضي: محنة عبد الرحمن بن أبي حاتم أشد من محنة أحمد بن حنبل، وذلك أن محنة أحمد كانت مع الخاص، وكانت مدتها قليلة، وبقي عبد الرحمن في محنته مع أصحاب الزعفراني نحوا من عشرين سنة.
قال: وأخبرنا علي بن إبراهيم، قال: سمعت أبا بكر محمد بن قارن بن العباس، يقول: امتحن في الإسلام ثلاثة: سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وعبد الرحمن بن أبي حاتم.
قيل: صبر في محنته ولم يبرح من مسجده ومجلسه، ولم يترك جمعة ولا جماعة، ولا تستر العلم والتصنيف، وتعليم الخير حتى محقهم الله.
قيل: مات من رؤساء أعدائه المذكورين أربع مائة في حياته، وأشاروا عليه وقت المحنة بالخروج، فقال: ها هنا قوم من أهل السنة تنكسر قلوبهم ويستوحشون ولكن نصبر.
وقال: كتب محمد بن يحيى الذهلي إلى أبي زرعة: اصبر فإن للباطل جولة ثم يضمحل.
قال علي بن إبراهيم: كنا جماعة يوما في مسجد عبد الرحمن بن أبي حاتم عنده فتذكروا شدة محنته، فقال بعضهم: يوم كذا، وقال بعضهم: وقت كذا.
فقال عبد الرحمن: كنت يوم الجمعة في مسجد الجامع إذ جاءني إنسان، فقال لي: خذ حذرك فإنهم قد جلسوا لك في ثلاثة مواضع، فأخذوا عليك الطريق يريدون نفسك، قال علي بن إبراهيم: والجامع ناء عن البلد منقطع عنه، وكان عبد الرحمن قد اتخذ لنفسه فرسا أيام الزعفراني وأصحابه يكون أسرع لنجاته، قال عبد الرحمن: ففكرت في نفسي أي طريق آخذ؟ وكان ثلاثة طرق، فاستخرت الله، وذكرت خبرا يرويه الحسن يرفعه، أن من قرأ يوم الجمعة بعد الصلاة إذا سلم وهو ثان إحدى رجليه قبل أن يعطفهما أو قبل أن يتكلم: قل هو الله أحد سبعا وقل أعوذ برب الفلق سبعا وقل أعوذ بربالناس سبعا حفظه الله إلى مثلها.

[قلت: قال بعض علماء الحديث في مرسل الحسن انه حسن بمجموع الطرق والشواهد والنظائر

وفي رواية زيادة الفاتحة سبعاً
وايضاً انه من فضائل الاعمال ولا يخالف أصلا وفضائل الاعمال عمل السلف بها
ولو كان بها ضعف]

ثم خرجت وركبت في الطريق من باب يسمى باب الجهاد، باب قزوين وتبعني غلامي سيما، وجماعة نحو خمسة أنفس، فلما بلغت باب الجيلاني إذا الجماعة قد خرجوا علي من مواضع كانوا متكمنين فيها بالسلاح يريدونني، فاشتغل بهم بعض ما كان معي، وحركت الدابة، وبقي معي غلامي، سيما، وآخر حتى بلغت درب المصلى، فخرج من وراء الدرب جماعة بالسكاكين والسلاح يريدونني، فحركت الدابة وخرجوا خلفي.
قال علي بن إبراهيم: فأخبرني محمد العطار وكان مع الشيخ يومئذ أن أحدهم لقي الشيخ، وأشار بالسكين قاصدا إليه فضرب السرج ولم يصب الشيخ ولا الدابة.
قال عبد الرحمن ونجوت منهم، فلما صرت في وسط الخندق، وفيه مسجد صغير خرج علي من المسجد نحو ثلاثين نفسا بالسلاح يريدونني وأنا وحدي فوقفت أنظر إليهم، فجاء ثلاثة منهم فتعلق واحد منهم برجلي اليسرى وآخر برجلي اليمنى وآخر بلجام الدابة، فضربت المتعلق برجلي اليسرى بالمقرعة، فتنكس في الخندق، وقرعت المتعلق بلجام الدابة بالمقرعة، وحركت الدابة، فانفرجوا عني، فأخذت طريق الطبريين إلى المنزل فلما قربت من المنزل رآني رجل من أصحاب الزعفراني، فقال لي: يا كافر أنت بعد تعيش، حتى وصلت إلى قرب منزلي، وقد اتصل الخبر
بالجيران والأهل أن عبد الرحمن قتل، فاستقبلني جماعة يبكون، فقلت: أنا في عافية والحمد لله، فصرت إلى المنزل.
قال علي بن إبراهيم: فلمثل هذا وأشباهه.
قال عبد الرحمن: اكتب محنتي فإنها أعجب من محنة أحمد.
وقيل: إن امرأة توفيت فمضى عبد الرحمن للتعزية، وكانت في مسجد يعرف بمسجد المرزي في سكة الباغ، فبينا هم كذلك إذا وافى أصحاب الزعفراني وقد علموا أن عبد الرحمن هناك ومعهم خلق عظيم، فأخذوا بباب المسجد يريدون عبد الرحمن ولم يكن للمسجد باب غيره، وكان فيه شباك من جانب آخر إلى الطريق، وكان مع عبد الرحمن نفر من أصحابه، فلما رأوا أنهم قد أخذوا الباب، وثبوا إلى الشباك فانتزعوه وخرج عبد الرحمن من موضع الشباك ونجاه الله تعالى.
قال: وأغاروا على دار عبد الرحمن، وحملوا من داره الأثاث والآلات، فخرج إلى السربان، محلة بالري، فأقام بها ستة أشهر، فلما رجع إلى داره بعد ثلاثة أيام، خرج من دار النساء إلى دار الرجال يتمسح للصلاة فسمع الصياح، فقال: إيش هذا؟ قالوا: مات الزعفراني، فقال: ما شاء الله.
لم يزد عليه، ثم مشى خطوتين أو ثلاث، فقال: لا إله إلا الله وإليه المصير.
قال: وكان أقل ما يشتغل بذكر الزعفراني وذكر أصحابه مع ما نال من جهته، ولم يدعنا نشتغل بذكره، وقال: اشتغلوا بذكر الله يكون خيرا لكم وأفضل.
قال أهل التاريخ: وقع الدود في لسان الزعفراني قبل موته.
وقيل: مات بورم الرأس، ووقع في لسانه الدود.
قال علي بن أحمد البزاز: كنت حاجا سنة تسع وثلثمائة، فكنت عند بيت الله الحرام، والخلق في الطواف، إذ قام منادى على الحجر فقال: أيها الناس العنوا الزعفراني وأصحابه، ونادى لعن الله الزعفراني، وفي رواية، فلعنه الناس معه، قال: ورجعت إلى بغداد، فسمعت في دار القطن رجلا يسقي الناس الماء وهو ينادي ويقول: اشربوا مجانا ماء باردا والعنوا الزعفراني، فكانوا يشربون ويلعنون.
وقال أحمد بن الحسن الرازي: رأيت ابن أبي الحسن القصار، وكان من الجهمية يريد دخول الحمام فقال له رجل: إن عبد الرحمن بن أبي حاتم، يقول: رأيت هاتفا يقول لي: كذا وكذا.
فقال: يكذب.
فقالوا له: لا تقل.
فقال: إن كان صادقا خرس الله لساني، وإن كان كاذبا خرسه الله، فدخل الحمام على أثر ذلك، فأخرس الله لسانه من ساعته فخرج وهو أخرس، ثم رجع إلى بيته فأقام ستة أشهر لا يتكلم إلا بالإشارة، ثم خرج من البلد أنفة وما رجع إليه بعد ذلك.

فرحم الله ابن ابي حاتم

فالسني المجاهر بالسنة في كل زمان يحارب ويمتحن ويخرج من بلده ومن أحب الأماكن له وربما قتل من أهل البدع
ولمن صبر ولم يداهن إن له عند الله للحسنى وحسن مئاب