أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


[بسم الله الررحمن الرحيم]

الزِّنادُ إيضاح قوْلهُم
(( صحيحٌ على شرطِ الشّيْخيْنِ )).
وقوّلهُم
(( صحيحُ الإسنادِ ))
وغيْرها مِن عِباراتٍ !


الحمد لِلّه ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على نبيِّنا مُحمّد الصّادِق الأمين ، وعلى آله وصحابته
ومن تبِعه بِإحسان إلى يوْم الدّين ..

وبعد ،،
هذِه رِسالة لطيفة ، أحببت أن أُنبِّه فيها على أمر أحسبه مُهِمّ جِدّا ، وهو قوْل الأئِمّة النّقّاد ، ووَصفهُم لِحديث بِأنّه :

(( صحيح الإسناد )) أو (( صحيح على شرط الشّيْخيْن )) أو (( رُجّالُه كُلُّهُم ثِقات ))
أو (( رِجالُه رِجال مُسلِم )) أو (( رِجالُه رِجال البُخاريّ )).

فأقول وبِالله أستُعيِّن :-
هذِه الظّاهِرة ، وهذِه الطّريقة بإستخدام مِثل هكذا عِبارات لم تكُن موْجودة البتّة في عصر المُتقدِّمين ، ولا يوجد إي أثر يُلتمَس مِنه
أنّه قد أستخدموا مِثل هكذا عِبارة أو شيْء قريب مِنها !

إلّى أنّ جاء عصر الإمام الحافِظ أبي عبد الله الحاكِم ، وأكثر مِنها و توَسُّع في إستخدامها في كِتابِه:
(( المُستدرِك على الصحيحن )) وتبِعه على ذلِك النّاس ، إلى يوْمِنا هذا !
وفي هذِه الأعصار كَثُرَ إستخدامها وفَحُشَ إستعمالها ، ومُلِئت المُصنّفات بِها !!
وكأنّ قوْلهُم :
(( رُجّالُه ثِقات )) أو (( إسنادُه صحيح )) أو (( رِجالُه رِجال الشّيْخيْن )) ونحو هذِه العِبارات .

تُدلِّل على خِلو الحديث والإسناد مِن مَطعَن وسلامتُه مِن العِلل ، والتّسليم له بِالسّلامة وإطلاق الصِّحّة عليه !
فالأمر - إنّ ظنّ هؤُلاء هذا - خطير ، وشره على هذا العِلم مُستطير ، فغايَة ما تُفيدُه هذِه العِبارة ، أنّ رُجّال السّند ثِقات ، فقد
تُحقِّق فيه بعض شُروط الحديث الصّحيح ، وهى عدالة رُجّالِه وضبطهُم . ويَبقى النّظر ، هل إسنادُه مُتّصِل ؟، هل حصل عليه إختلاف ؟
هل إنتفت الشّذوذ والعِلّة مِنه ...؟!

قال الإمام الحافظ ابن الصلاح:(قَوْلُهُمْ " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، أَوْ حَسَنُ الْإِسْنَادِ " دُونَ قَوْلِهِمْ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
أَوْ حَدِيثٌ حَسَنٌ " لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ "، وَلَا يَصِحُّ، لِكَوْنِهِ شَاذًّا أَوْ مُعَلَّلًا.)
مقدمة ابن الصلاح. ص (38)
وقال الإمام النووي، مبيناً هذا الأمر وموضحه:(وَقَوْلُهُمْ: حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ أَوْ صَحِيحُهُ، دُونَ قَوْلِهِمْ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ:
لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ أَوْ يَحْسُنُ الْإِسْنَادُ دُونَ الْمَتْنِ لِشُذُوذٍ أَوْ عِلَّةٍ)
تقريب النووي مع التدريب. (1/175)

ثُمّ هُنا تنبيه مُهِمّ بل هو الأهمّيّة والخُطورة غايَة! ، أحببت أن أنبُهك عليه ، فأقول :
إنّ عصر الرِّوايَة الأوّل وما كان عليه الأئِمّة النّقّاد الأوائل ، مِن السّيْر على مِنهج وطريقة في تصحيح الأحدايث وتعليلها ، كان
طريقاً ومِنهجاً علمياً مُتكامِل الأدوات مُترابِط النّظريات ، لا يَتَعاملون مَثلاً :
مع الحديث إسناداً لِوَحّده ومتناً لِوَحّده ، فيَفصُلون الأثنين حين النّظر وإطلاف اُلحُكُم مِن تصحيح وتعديل عليه ، بل
كانوا يتعاملون معه كجُزء واحِد مُترابِط مُتكامِل لا ينفكّ أحدا مُتّهما عن الآخر !
وهاك بعض الأمثِلة العمليّة التّطبيقة مِن صنيعِهُم :

1 - ينظرون إلى متن الحديث هل يخالف نصاً شرعياً أو يخالف الواقع؟. وهذه القنطرة الأولى.
ومن أمثلته: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل:" سمعت أبي يقول حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق بن يسار
عن عمران بن أبي أنس أن رجلاً كان له كلب صائد قد أعطيه به عشرين بعيرا فخطب امرأة وخطبها معه رجل من قومها فقالت:
لا أنكحك إلا على كلبك فنكحها وساق الكلب إليها فعدا عليه الآخر فقتله فترافعوا إلى عثمان بن عفان فغرمه عشرين بعيراً، سمعت أبي يقول:
هذا باطل نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب "
العلل ومعرفة الرجال 1/ 408 (2661)
2 - هل هذا المتن محفوظ عند أئمة الحديث أو لا؟
قال ابن أبي حاتم:" سألت أبي عن حديث أوس بن ضمعج عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال:
قد اختلفوا في متنه، رواه فطن والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، ورواه شعبة والمسعودي عن إسماعيل بن رجاء لم يقولوا:
أعلمهم بالسنة، قال أبي: كان شعبة يقول: إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان من حسن حديثه، وكان يهاب هذا الحديث يقول: حكم من الأحكام
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يشاركه أحد، قال أبي شعبة أحفظ من كلهم، قال أبو محمد: ليس قد رواه السدي عن أوس بن ضمعج؟
قال: إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم عن السدي وهو شيخ أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث؟! وأخاف أن لا يكون محفوظاً "
علل ابن أبي حاتم 1/ 92 (248).
3 - هل هذا الحديث تفرد به راويه عن بقية الرواة فزاد فيه ما لم يحفظ عند بقية الرواة فإذا
كان قد زاد ولم يحفظ استنكر عليه.!

فمثلاً: قال الإمام أحمد:" كنت أتهيب حديث مالك " من المسلمين " يعني حتى وجدته من حديث العمريين، قيل له:
أمحفوظ هو عندك: " من المسلمين "؟، قال: نعم "
شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 632.
إلى غير ذلك من الأمثلة (انظر: الشاذ والمنكر وزيادة الثقة للمحمدي ص24 وما بعدها) نكتفي بهذه، لعلنا-بإذن الله
نفرد لهذه المسألة موضوعاً مستقلاً نزيد فيه الأمر إضاحاً وبياناً-.

أما قولهم: ((رجاله رجال الشيخين)) أو رجاله رجال ((أحدهما))!
فهذا لا يعِني أن نُسلِّم أوَلاً له أنّ رُجّال السّند جمّيِهُم قد أحتجّ بِهُما الشّيْخيْن أو أحدّهُما ، لِأنّهُما - رُحِمهُما الله -
أخرجا لِضعفاء مِثلاً واُنتُقوا مِن رِوايَتِهُم إنتقاء ، وأخرجوا لِأُناس مُتكلِّم فيهُم ، في الشّواهِد والمُتابِعات لا في الأُصول
وبيْن هذا وذاك واسِع فرق لمِن عَرِف هذا العِلم أو شَمّ رائِحتُه .

قال الحافظ الناقد ابن عبد الهادي، مبيناً هذا الأمر وموضحه:((وأعلم أن كثيراً ما يروي أصحاب الصحيح حديث الرجل عن شيخ معين لخصوصيته به ومعرفته بحديثه وضبطه له، ولا يخرجون من حديثه عن غيره لكونه غير مشهور بالرواية عنه، ولا معروف بضبط حديثه، أو لغير ذلك، فيجيء من لا تحقيق عنده، فيرى ذلك الرجل المخرج له في الصحيح قد روى حديثاً عمن خرج له في الصحيح من غير طريق ذلك الرجل، فيقول: هذا على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم، لأنهما احتجا بذلك الرجل في الجملة وهذا فيه نوع تساهل، فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره فلا يكون على شرطهما، وهذا كما يخرج البخاري ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال، وعلي بن مسهر وغيرهما ، ولا يخرجان حديثه عن عبد الله بن المثنى، وإن كان البخاري قد روى لعبد الله بن المثنى من غير رواية خالد عنه. فإذا قال قائل في حديثه عن عبد الله بن المثنى: هذا على شرط البخاري كما قاله بعضهم في حديثه عنه عن ثابت البنائي عن أنس بن مالك قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذا ثم رخص النبي بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم ، كان في كلامه نوع مساهلة، فإن خالداً غير مشهور بالرواية عن عبد الله بن المثنى. والحديث فيه شذوذ وكلام مذكور في غير هذا الموضع، وكما يخرج مسلم حديث حماد بن سلمة عن ثابت في الأصول دون الشواهد، ويخرج حديثه عن غيره في الشواهد، ولا يخرج حديثه عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك وعامر الأحوال وهشام بن حسان وهشام بن زيد بن أنس بن مالك وغيرهم، وذلك لأن حماد بن سلمة من أثبت من روى عن ثابت، أو أثبتهم، قال يحيى بن معين : أثبت الناس في ثابت البنائي حماد بن سلمة. وكما يخرج مسلم أيضاً حديث سويد بن سعيد، عن حفض بن ميسرة الصنعاني، مع أن سويداً ممن كثر الكلام فيه واشتهر، لأن نسخه حفص ثابته عن مسلم من طريق غير سويد لكن بنزول، وهي عنده من رواية سويد بعلو، فلذلك رواها عنه، قال إبراهيم بن أبي طالب:
قلت لمسلم: كيف استخرجت الرواية عن سويد في الصحيح؟
فقال: ومن أين كنت أتى بنسخه حفص بن ميسرة، فليس لقائل أن يقول في كل حديث، رواه سويد بن سعيد عن رجل روى له مسلم من غير طريق سويد عنه، هذا على شرط مسلم فاعلم ذلك.
وقد روى مسلم في صحيحه حديثاً من رواية أبي صخر، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، لكن ابن قسيط لا يرويه عن أبي هريرة، وإنما يرويه عن داود بن عامر ب سعيد بن ابي وقاص، قال في صحيحه حدثني محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عبد الله بن يزيد، حدثني حيوة، حدثني أبو صخر، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه حدثه أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، حدثه عن أبيه أنه كان قاعداً عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال:
يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((من خرج مع جنازة وصلى عليها، ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها، ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد))
فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة، ثم رجع إليه فيخبره ما قلت، وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال: قال عائشة: صدوق أبو هريرة.
فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، هكذا روى مسلم هذا الحديث في صحيحه من رواية أبي صخر، عن ابن قسيط بعد أن ذكره من طرق عن أبي هريرة من رواية سعيد بن المسيب والأعرج وأبي صالح وأبي حازم وغيرهم عنه، ورواه أيضاً من حديث معدان بن أبي طلحة الميعمري، عن ثوبان، فرواية أبي صخر متابعة لهذه الروايات وشاهدة لها .
وهكذا عاد مسلم غالباً إذا روى لرجل قد تكلم فيه ونسب إلى ضعف وسوء حفظه وقلة ضبطه، إنما يروي له في الشواهد والمتابعات، ولا يخرج له شيئاً انفرد به ولم يتابع عليه.)) ا.ه الصارم المنكي ص (194) وانظر: تقدمة شيخنا السعد لكتاب تنقيح التحقيق (1/76).

وقال الشيخ العلامة بشار عواد:((شاع عند المتأخرين، ومنهم الحاكم، من قوله: إن هذا الحديث على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم، وكأن شرطيهما كانت معروفة لكل أحد من الناس، نعم حاول بعض المتأخرين معرفة شروط الشيخين بالإستقراء وتقل بعض النصوص، كما فعل محمد بن طاهر المقدسي ت (507 ه) والحازمي ت (584 ه)، ولكن هذه في الحقيقة أمره مجرد تخمين واستنتاجات قائمة على استقراء غير تام لصنيع الشيخين في كتابيهما، فإن أحداً لا يمكنه الجزم بالطريقة التي تم بموجبها اختيار المؤلفين أحاديث كتابيهما، قال ابن طاهر المقدسي في مقدمة كتابه:( اعلم أن البخاري ومسلماً ومن ذكرنا بعدهما لم ينقل عن واحد منهم أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سبر كتبهم فيعلم بذلك شرط كل رجل منهم)، وقد إنتقى الشيخان من الأحاديث إنتقاءً لا ندرك تماماً الأسس التي تم بموجبها هذا الإنتقاء، فلا ندري مثلاً لماذا انتقيا من موطأ مالك هذه الأحاديث، ولماذا انتقيا هذه المرويات من حديث نافع مولى ابن عمر-رضي الله عنه-، ولماذا انتقيا هذه المرويات من أحاديث الثقات أمثال: أيوب السختياني، وجرير بن حازم، وجعفر بن إياس اليشكري...وغيرهم..، إذن لماذاترك الشيخان ما تركا؟ وذكرا ما ذكرا من الحديث؟ ليس هناك جواب إلا القول بالإنتقاء.
وقل مثل ذلك في الرواة المتكلم فيهم الذين أخرجا لهم في صحيحهما، إذ إنتقيا من أحدايثهم أصحها، أو قل أسلمها من العيوب وما يصلح في بابه، إذا أخرجاها في غير أبواب الحلال والحرام. واستعاض بعضهم بقولهم:(رجاله رجال الصحيح)، أو (رجاله رجال البخاري) أو (رجاله رجال مسلم) وهذا فيه نظر من وجهيم:

1- إن رواة الإسناد من رجال الشيخين أو أحدهما لا يعني أن الشيخين قد أخرجا بهذا الإسناد، أعني برواية الواحد عن الآخر...
2- أن الشخين قد رويا لرجال من رجالهما ممن عرفوا بالضعف، فانتقيا قليلاً، أو كثيراً من حديثهم الصحيح، فكيف عندئذ
نوهم بأن الحديث مثل حديث هذا الشيخ أو الراوي صحيح في جملته..
)) ا.ه مقدمة الدكتور بشار عواد لكتاب تاريخ بغداد (1/173 وما بعدها- بتصرف)
وانظر: الحديث الشاذ والمنكر وزيادة الثقة.. للدكتور عبد القادر المحمدي. ص (32).

ثُمّ قد وجّت هذِه العبارت في كثير مِن المتب المُعتنيَة بِتخريج الأحاديث ، ثُمّ روجِعت فوَجد في إسنادِها مِن هو ليْس
مِن رُجّال الصحيحن البتّة ، بل وجد فيه مِن هو متروك وضعيف وهالِك فتنيه !

هذا ما أرتّ تِبيانه على عجل ، والله أعلم .
وصلّى اللّه علّ نبيّنا مُحمّد وعلى آله وصِحّيّه وسُلّم .

وكتبه :
أبو بكر
- غَفر الله لهُ -
1434ه