أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ,نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد
فهذه مقتطفات من محاضرة للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله وسدده بعنوان " اليقين بالله "
نفعنا الله وإياكم بها
قال حفظه الله :" الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، ومن فطر القلوب على المحبة واليقين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته والتابعين، ومن سار على نهجهم المبارك إلى يوم الدين. أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخواني في الله! أحمد الله تبارك وتعالى أن جمعني بكم في هذا البيت المبارك من بيوت الله، وبعد هذه الفريضة من فرائض الله، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل التفرق من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً. أيها الأحبة في الله! ما أطيب المجالس إذا طُيبت بذكر الله، وما أطيب الساعات واللحظات إذا عُمرت بطاعة الله، وما الذي يأخذه العبد من هذه الدنيا غير مجلس جلسه لذكر الله أو خصلة طاعة بينه وبين الله، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعمر مجالسنا ومجالسكم بذكره، والإنابة إليه وحبه وشكره.
وفي المؤمن وفاء لربه وحب لخالقه، فما ذكِّر بالله إلا انشرح صدره، ولا ذُكر الله عنده إلا اطمأن قلبه،} أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد:28] ، ولذلك كان بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إذا أراد الإنسان أن يعرف مقدار إيمانه بالله، فلينظر إلى حال قلبه إذا جلس في مجالس ذكر الله، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل دلائل الإيمان في تلك المجالس تفوح من ذكره وشكره. أيها الأحبة في الله! وأطيب ما تطيب به المجالس أن يعرف العبد ربه، فالحديث عن الله حديث يحرِّك القلوب إلى الله، ويشوِّق أرواح المؤمنين إلى حب الله، وما ذكِّر مؤمن بالله إلا تعلق قلبه بالله، ولذلك قلوب المؤمنين موصوفة بالهجرة إلى رب العالمين، فقوالبها في الأرض ولكنها في السماء، فلا تنظر إلى آية من آيات الله إلا ذكرت الله، وكم نثر الله عز وجل في هذا الوجود من الشواهد والدلائل التي تدل على أنه الواحد المعبود! وكم نثر الله عز وجل في هذه الأرض وهذه السماوات من عبرٍ وحجج وآيات شهدت بأنه فاطر الكائنات! الحديث عن الله هو أجلُّ الأحاديث وأطيبها عند الله، الحديث عن الله يطيب لكل مؤمن يؤمن بلقاء الله، وكلما عرف العبد ربه هابه وخافه، وكلما اقترب الإنسان من الله أحبه واشتاق إليه، وكم غرس الله في قلوب المؤمنين من حبه، والتعلق به، تبارك إله الأولين والآخرين.
حديثنا اليوم عن خصلة من خصال المؤمنين، وخلة لعباد الله المحسنين، خلة قامت لها السماوات والأرض، وشهدت بها سماوات الله وأرضه، ألا وهي (اليقين بالله)، فكل ما في هذا الكون ليله ونهاره، صباحه ومساؤه، يذكرك فيقول لك بلسان الحال والمقال: لا إله إلا الله. ما أظلم الليل إلا وذكرك بمن أظلمه، ولا أضاء النهار إلا وذكرك بمن أضاءه، ولا جاءت ظلمة الليل تغطي ضياء الشمس، وتلألأت -في ظلامه- كواكبه إلا قالت بلسان الحال والمقال: لا إله إلا الله.
يقبل الليل على النهار فلا يختلط الليل بالنهار، ولا يختلط منه عشيٌ بإبكار، تبارك الله الواحد القهار، كل ما في هذا الكون يقودك إلى اليقين، حتى تتعلق بإله الأولين والآخرين، وصدق الله عز وجل إذ يقول في كتابه المبين: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ [الذاريات:20]".
ثم بعد ذلك ذكر حفظه الله كيف أن اليقين هو خُلق أنبياء الله وعباده الصالحين .....
ثم قال حفظه الله : "ما وثق أحدٌ بالله فخيبه الله، ولا أيقن عبد بالله جل جلاله إلا كان الله له، فكم من أمور نزلت بالإنسان وخطوب أحاطت به ولم يجد غير الله مجيباً ولا مفرجاً. فاليقين بالله هو حلاوة الإيمان، وألذُّ ما تكون الساعة إذا عُمرت القلوب باليقين بالله عز وجل لذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يعمرون القلوب باليقين.
وقد قرر العلماء رحمهم الله: أن الله يبتلي الإنسان باليقين في موضعين: أحدهما: وجود الحاجة، وثانيهما: وجود الغنى، ولذلك قال بعض العلماء: إذا أردت اليقين فكن أفقر الخلق إلى الله، مع أن الله أغنى ما يكون عنك.
فاجعل فقرك إلى الله، فإنه يسد فقرك ويسد حاجتك وعوزك، ولذلك ما عُمر قلب إنسان في أية مصيبة أو أية نازلة بالله إلا كفاه الله، ترى المؤمن يفقد سمعه ويفقد بصره، ويفقد قدمه، ويفقد ماله، وتقول له: كيف أنت؟ يقول: الحمد لله في نعمة من الله، من اليقين الذي عُمر في تلك القلوب...."
ثم وضح أن أول موقف من مواقف اليقين ألا وهو التوبة فقال حفظه الله : " أحبتي في الله! أول موقف من مواقف اليقين: موقف التوبة الصادقة، ولذلك ما من إنسان كثرت ذنوبه وأراد أن ينيب إلى الله إلا امتحنه الله باليقين، وكلما عظمت ذنوب الإنسان ينبغي أن يقف بيقين أعظم منها بالله الرحمن.
ولذلك ذكروا عن رجل أنه كان كثير الذنوب، كثير الخطايا والعيوب، فجاءه رجل يذكره بالله، وكان هذا الرجل كثير النصح له، فلما أكثر عليه نصحه ذات يوم قال له: إن الله لا يغفر لك، فاستفاق من غفلته وانتبه من منامه، وقال له وهو على يقين بالله: سأريك كيف يغفر الله لي ذنبي، فخرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة تائباً إلى الله فطاف بالبيت فخرَّ ميتاً بين الركن والمقام. فما أيقن الإنسان بالله عز وجل وخيبه الله سبحانه، ولو أنه جاء إلى الله بذنوبٍ بلغت عنان السماء وقلبه عامر باليقين بالله ما خيبه الله، قتل رجل مائة نفس، آخرها عابد من العبّاد، فلما قتله جاء إلى رجل من أعلم أهل الأرض في زمانه، وقال له: هل لي من توبة، فإني قتلت مائة نفس؟ فقال له ذلك العالم: وما الذي يمنعك من التوبة..
ثم أمره أن يخرج إلى قوم صالحين، وأن يهاجر إلى الله رب العالمين، فخرج من قرية السوء إلى تلك القرية الصالحة، فأدركه الموت في الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: إنه جاء تائباً إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه قد قتل مائة نفس فأرسل الله إليهم ملكاً فأمرهم أن قيسوا ما بين القريتين -عزت عند الله خطواته إليه في آخر حياته، تائباً إلى الله عز وجل، ونظر الله إلى قلبه وهو معمور باليقين- فأوحى الله إلى قرية الصالحين أن تقاربي، وإلى قرية السوء أن تباعدي.
وإن دلّ هذا فإنما يدل على أنه ما أيقن أحد بالله فخيبه الله.
فخير ما يوصى به الإنسان من منازل اليقين أن يقوي يقينه بالتوبة إلى الله، وما أكثر عبدٌ التوبة والإنابة إلى الله إلا تحاتت ذنوبه فازداد إيمانه وقوي يقينه ".
ثم ذكر الحالة الثانية فقال حفظه الله :"الحالة الثانية التي يظهر فيها يقين الإنسان: إذا نزلت به المصيبة، ولذلك يصاب المؤمن في نفسه، ويصاب في أهله، ويصاب في ولده، وتأتيك تلك الساعة، يأتيك ذاك الخبر المزعج المؤلم على قلبك وفؤادك، فتُخبر بابن فقدته، أو ابنة أو أب أو أم أو صديق عزيز عليك وفيٌّ لديك، فتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقلبك كله يقين أن الخلف والعوض من الله رب العالمين، فسرعان ما يكون من الله لطفه، وسرعان ما يكون من الله عطفه.
فما ألذ اليقين، إذا نزلت المصائب بعباد الله المؤمنين، والله! ما أُصيب إنسان في نفسه أو في أهله وولده أو في ماله أو في أي شيءٍ عزيز عليه واعتقد في قلبه أن الله يعوضه إلا عوضه الله عز وجل، فيجب ألا يكون في قلب الإنسان مثقال ذرة من سوء الظن بالله، ولذلك الشيطان أحرص ما يكون في مثل هذه المواقف، وتجد المؤمن إذا أصابته المصيبة يأتيه الشيطان من كل حدب وصوب لكي يخيب ظنه بالله، يقول له: لو كنت مؤمناً ما ابتلاك الله بفقد ولدك، ولو كنت مؤمناً ما ابتلاك الله بفقد ابنتك، ولو كنت مؤمناً! ما ابتلاك الله بفقد مالك، ولو كنت.. ولو كنت..
ولكن ما أحسن عبد ظنه بالله فخيبه الله أبداً، إياك أن يدخل إلى قلبك مثقال ذرة من سوء الظن بالله عز وجل، فلعلك عندما تفقد المال تخرج منك كلمة تثني بها على الله فيحبك الله حباً لا يسخط عليك بعده، وقد يرفعك الله بهذه الكلمة إلى درجة لا تبلغها بكثير صلاة ولا صيام ......."
وقال حفظه الله عن دلائل اليقين :" إن اليقين بالله له دلائل، وهذه الدلائل تجدها في نفسك، وتجدها في قلبك، ومن أعظمها: أنك لا تمسي ولا وتصبح وفي قلبك أحد أحب إليك من الله، فإذا أمسيت وأصبحت وأخوف ما يكون في قلبك هو الله، وأحب ما يكون في قلبك هو الله فاعلم أن الله قد أعطاك اليقين، فلا تمسي ولا تصبح وفي قلبك حب لغير الله أكثر من حبك لله، وتمسي وتصبح وليس في قلبك خوف من أحد إلا الله جل وعلا.
لذلك ما انصرفت شعبة من شعب المحبة والخوف إلى أحد غير الله إلا نقص يقين الإنسان، ولذلك قد يصيبك الله عز وجل ببلية لا قدَّر الله، فتصاب في نفسك، فتضيق عليك الأرض بما رحبت، حتى إذا بلغ بك الأمر غايته فاعلم أن اليقين عند الضيق، ولذلك كان يقول بعض العلماء: (كلما اشتد البلاء كان اليقين أكمل في الإنسان، وكان الفرج قريباً).
الدليل الثاني على دلائل اليقين: فهو أن يجعل الإنسان الآخرة نصب عينيه.
فكما أن اليقين يكون بالفرج، يكون كذلك بيقين الإنسان أنه إلى الله صائر، وأنه منقلب بين الجنادل في الحفائر، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحركون القلوب باليقين بالآخرة ...."
وعن التعلق بغير الله وكيف أنه ينافي اليقين قال حفظه الله :" أيها الأحبة في الله! الكلمة الأخيرة عن اليقين كلمة تقطع قلوب المؤمنين، كلمة تدل على بعدنا عن الله وطول غربتنا عن داعي الله وجهلنا بعظمة الله عز وجل، فكم من أناس بيننا إذا نزلت بهم الشدائد وأحاطت بهم الهموم والغموم تعلقوا بغير الله والعياذ بالله! وكم من أناس بيننا يقولون: لا إله إلا الله؛ ولكن يعظمون الأسباب ويحبونها أشد من حبهم لله، فكم من مريض أصابه المرض ظن أن طبيبه يداويه وأنه يعافيه ويشفيه، فنقص الإيمان من قلبه على قدر ما فات من يقينه، وكم من مديونٍ ظن أن عبداً يفك دينه ويقضي حاجته فخيب الله ظنه وقطع رجاءه، فأصبح فقيراً صفر اليدين من اليقين به جل جلاله. لذلك لا يليق بالإنسان أن يعلق رجاءه بغير الله، والله تبارك وتعالى إذا امتحن الإنسان باليقين فتعلق بغير الله، فإن الله تبارك وتعالى يمكر به، ومن مواطن المكر بالإنسان أن يصرف قلبه لغير الله عز وجل، ولذلك تجد بعض من يستعين بالسحرة وبالمشعوذين -والعياذ بالله- يمهلهم الله جل جلاله، ويستدرجهم بتفريج الخطوب والكروب حتى يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، والله ثم إنه -والله- إذا أراد الله بك الضر فلن ينجيك منه أحدٌ سواه، ولذلك استحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل مؤمن إذا وضع خده ليسلم نفسه للموتة الصغرى أن يقول الدعاء المأثور: (اللهم إني أسلمت نفسي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك) .
فلا يظن الإنسان أن أحداً ينجيه من الله عز وجل، ولذلك أول ما يفكر فيه الإنسان إذا نزلت به المصيبة أو حلّت به بلية أن يتجه إلى الله وحده لا شريك له.
فمن أيقن بالله عز وجل في أي شدة أو أي خطب فإن الله لا يضيعه.
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه وصفاته أن يرزقنا وإياكم حلاوة اليقين، وأن يرزقنا وإياكم كمال الإيمان بالله رب العالمين.
اللهم إنا نسألك يقيناً لا يخالطه شك، ونسألك إيماناً لا يخالطه شرك، ونسألك الصدق في حبك والشوق إلى لقائك، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين. "
انتهى كلامه كتب الله أجره ونفع به