أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الملحد ...حريتك ... دليل عبوديتك !


إن من الثابت و المحكم أن السائل عن وجود الله المهتم بتلقي الجواب ، ذو وعي و اختيار و حرية تفكير و مشيئة تحمله على السؤال !****و إلا ما كان ليهتم بالمسألة -أو بأي شيء- ، و ما كان ليبحث عن جواب أو ينشىء السؤال عنه !
و حرية الاختيار و المشيئة أمر وجداني ضروري كضرورة الحس و كضرورة صدق المبادىء العقلية البدهية !
و هذه الحرية التي حيرت الفلاسفة و المتكلمين و خاض فيها البشر أحيانًا بحق و كثيرًا بباطل ، لا تجد من ينكرها ! و من يدعي إنكارها من القائلين بالجبر لا تجده إلا و هو - بممارسته للإنكار - يثبتها عمليًا ! بل و لا يعمل بمقتضى هذا الجبر ، فلا يقبل منك صفعه أو ركله على قفاه مثلا !
و هي في حقيقتها تتنافى تنافيًا ظاهرًا مع القول بإحدى الخستين :
- الوجود الصدفي الذي لا يكون لسبب أو علة غائية ..
- و الطبيعة المادية للوجود التي تحكم كل شيء بقوانين مادية حسية مجردة من أي غيب ..

فالأولى يلزم منها انعدام مشيئتك كما تنعدم مشيئة كل شيء واقع بالصدفة ، و إلا أي صدفة في أمر يشاء مسبقًا ؟
فسبق المشيئة و الاختيار و التفكر في الفعل يناقض صدفيته و ظهوره إلى الوجود لا عن سبب أو غاية ، و كونك حرًا تتردد في اختيار الفعل تدرك كون فعلك لم يصدر عنك بصدفة تفاجئك بنتيجتها اللاغائية يوجب سؤال : لم استثنيت اختيار نفسك بداهةً من الصدفية ؟ و لم كنت أنت المميز عن باقي - المصادفات - في الكون ؟

و الثانية تتناقض مع الحرية لغةً و عقلًا ، فالجبر بالقانون الطبيعي المادي نقيض حرية الاختيار و المشيئة ، و القانون الطبيعي الجبري معلوله لا يتخلف ، و لابد و أن يقع بتحقق شروطه و انتفاء موانعه - الطبيعية كذلك - ، فكيف يا ترى تشاء أنت الشيء ، و تغير رأيك فيه ، و تتقلب بك القناعات ، قبل أن تنشىء فعلًا عن اختيار أدتك إليه خبرة الماضي، و إدراك الواقع الحاضر، و استشراف المستقبل، و آلية تفكير و اتخاذ قرار حرة ؟

قد يقول قائل : خياري مادي بحت لأنه بني على معلومات ذهنية مأخوذة من خبرتي المادية و مشاهدتي للمادة ، و قام ذهني - المادي - بترتيبها - أي الخبرة و المشاهدات - لينتج عنها اختيارًا هو نتيجة طبيعية و مادية لما سبق من الماديات ؟

فلا يدرك بقوله مدى انحرافه عن محل البحث و السؤال الحقيقي !
فنحن لا نتكلم عن مجرد تحقق الاختيار في الخارج كتحقق أي حدث مادي نتيجة أسبابه المادية ؟
و إنما نتكلم عن آليته -أي آلية اختيار الفعل الاختياري - و المشيئة و حرية التفكير التي كانت وراء إنتاجه ، فبما سبق من اعتراض حصل خلط بين الإنسان الشائي الحر الاختيار ، و بين البرامج الحاسوبية التي تستقبل المعطيات ، فتمرها على ما برمج فيها سابقًا من معلومات قبلية ، و تقيس و تقارن ، و تلحق النظير بنظيره، و تخالف بين الضد و ضده، و كل هذا وفق منهجية و آلية ثابتة برمجت عليها مسبقًا ، لتعطي مخرجًا هو نتيجة لكل تلك الأمور (المعلومات المستقبَلة + المعلومات الأصلية+ آلية التحليل و العمل) ،****و إن كنا نسلم أن الإنسان يتلقى أيضًا الأحداث و المشاهدات الحسية و يحفظ ذهنه خبرات سابقة و معلومات حصولية و حضورية يقيس وفقها و عليها و يبني ، فإن محك الخلاف يكون في الآلية !
و هذه الآلية هي ما نسميه : الإرادة أو المشيئة ..
فبينما لا يخرج الحاسوب عن آلية و منهجية واحدة لا تتزعزع إلا بتدخل خارجي من مبرمجها أو خلل تقني ، نجد الإنسان تنازعه نفسه و يتردد و يختار شيئًا ثم يعود عنه ، و يغير رأيه في آخر لحظة ، و يبقى حائرًا ريثما يتخذ القرار ، و تجري في داخله معارك عقلية و عاطفية تكون الغلبة فيها لما يختاره ، بل و يختار أحيانًا بعشوائية و لا مبالاة بالعواقب ، بل قد يختار ما يدرك خطأه لعناد أو شهوة أو عاطفة ، و كل هذا حاصل من نفسه و في ذاته !
فأين هذا من الأول الأوتوماتيكي الذي لا تختلف نتائجه إن تساوت المعطيات ، و يبقى على نسق واحد وفق آلية واحدة نتائجها ثابتة بثباتها !
أليس في هذا مساواة بين مختلفين أيما اختلاف : كالمساواة بين الارتعاش و الحركات غير الاختيارية - نتيجة قوانين أو سنن الطبيعة - ، و بين الاختيار الحر عن مشيئة و إرادة ؟ ( و هذه إحدى حجج أهل السنة في الرد على الأشاعرة و الجبرية فهم لا يذكرون فرقًا وجوديًا بين الأمرين مع تسليمهم بالفرق )
فبكل هذا ندرك أن هذه المشيئة لا تكون إلا بخلق و إيجاد من يعلو فوق الأسباب الطبيعية المادية ، من يملك هو وحده أن يجرد مشيئة الإنسان - نسبيًا لا مطلقًا - عن تلك السنن المادية ، لكونه هو فوقها سبحانه و حاكم عليها لا محكوم بها - مطلقًا - ..
و خالقها سبحانه وحده كما جردها - نسبيًا - من تلك الأسباب المادية ، جعل لها تعلقًا غيبيًا بمشيئته سبحانه ( و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين )****

و أحفظ معنى قول أعرابي - لا أستحضر نص كلامه - :
" عرفت ربي بنزعات النفس ، و تقلب الرأي ، و ترددي في الأمر "

كتبه/ ماهر أمير


(!) استفدت الموضوع من منشور للأستاذ عبدالواحد في منتدى التوحيد جزاه الله خيرًا فزدت عليه ، و الله أعلم ..