التربية الحركيةأ.م.د ناهده عبد زيد الدليمي
المقدمة :
التربية الحركية مدينة بالفضل إلى ر ودلف لابان وذلك من خلال دراسته الحركة أبان إقامته في إنكلترا ، ولقد ركز لابان على حقيقة إن جسم الإنسان عبارة عن أداة التحرك بها ومن خلالها مع اعتبار إن الإنسان نوعا" خاصا" في الحركة أهم ما يميزها ذلك التنوع الواسع في أنماطها وأساليب أدائها .
ولقد تطورت مفاهيم التربية الحركية وانتشرت في أمريكا وأوربا في النصف الأخير من هذا القرن وازداد عدد المتحمسين لها بشكل كبير ، ويوضح دو تري وودز ( 1976 ) إن مفهوم التربية الحركية هو التدريج الذي يحدث من خلال محاولات تحديث التربية الرياضية لتحقيق أهداف التربية الأساسية وتعرف التربية الحركية في جوهرها (هي تكيف الطفل حركيا مع جسمه) ، وعرفها جود فري ( هو ذلك الجانب من التربية البدنية أو التربية الأساسية التي تتعامل مع النمو والتدريب لأنماط الحركة الطبيعية الأساسية باعتبارها منزلق من المهارات الحركية الخاصة بالأنشطة الرياضية ) ، ويعرفها ديور( بأنها التعلم للحركة والتحرك للتعلم ).
تعد الحركة جوهر حياة الطفل فمن خلالها يتعلم الطفل الكثير عن نفسهم وعن المحيط الذي يعيشون فيه ، وتعتبر الحركة وسيلة الطفل للتعبير عن نفسه فالكبار يمكنهم التعبير عن أنفسهم من خلال اللغة أما الأطفال فيعبرون عن أنفسهم من خلال الحركة ، لذا يجب على المربين أن يوفروا للأطفال فرص التعبير عن أنفسهم من خلال اشتراكهم في الأنشطة البدنية الحركية وبالتالي يتم استخدام التربية كنظام اجتماعي مركب ثقافي يتصل بالحركة اتصالا وثيقا في تنمية وإعداد الطفل لممارسة التعليم من خلال الحركة ، ويتم ذلك من خلال ثلاث أبعاد رئيسيه هي:
1- تربية عن الحركة :
ويقصد به الشكل العقلي للبحث والاهتمام الذي يناقش أسئلة مثل : ما هو تأثير الحركة على الطفل ؟ وكيف يرتبط النمو الحركي للطفل بالتحكم الحركي ؟ وما هي المسببات التي تقرر اكتساب الطفل للحركة ؟
2- التربية من خلال الحركة:
وهي تربية تتم عن طريق الحركة الرياضية فهي تعرف الطفل بنفسه وبجسمه ومن خلالها ينمي الطفل لياقته ومفاهيمه وقيمة ، لا على المستوى الحركي فحسب بل المستوى الانفعالي والاجتماعي وهو مفهوم اقرب ما يكون للتربية الرياضية .
3- التربية في الحركة :
وهي تربية تتم بهدف الحركة وجوهرها في حد ذاتها وهي تتشكل من القيم الداخلية والحصائل التي تعد من المكونات الأصلية للنشاط الحركي مثل الوعي الجسمي ، إدراك الذات والوعي بالمفاهيم الحركية وهو اتجاه يرى إن الأنشطة الحركية يجب أن تؤدي كهدف في حد ذاتها ، لذا فان التربية الحركية من أفضل الأساليب التعليمية التي تساعد الأفراد لاسيما في مراحل رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية في تنمية القدرات العقلية والحركية والبدنية والوجدانية ، وتعد التربية الحركية كما يذكر ( احمد عبد الرحمن وفريدة إبراهيم ) ، في نظر العديد من التربويين ( الطريقة المثلى ) والأسلوب الأفضل لتشجيع ودفع التجربة الفردية ، وتعضيد القدرة على الاستكشاف والابتكار للوصول إلى انسب وأفضل الطرق للأداء الحركي وحل المشكلات الحركية بما يتناسب مع القدرات والإمكانيات والاستعدادات الفردية للأطفال ، كما يتماشى أسلوب التربية الحركية مع مراحل التطور الحركي والنمو الجسماني التي يمر بها الطفل أثناء تعلمه وإتقانه الحركات المختلفة والأنشطة المتعددة بهدف الارتقاء بقدرات الطفل المختلفة .
لذا فان التربية الحركية تعد المدخل العام لممارسة أنشطة التربية البدنية والرياضية والأسلوب الذي من خلاله تحقيق الأهداف المرجوة التي تشمل اللياقة البدنية والحركية والعقلية والخلقية ، ثم النتيجة النهائية وهي النمو المتكامل للفرد والذي يشمل على كل من أنواع اللياقة .
تعريف التربية الحركية :
إن للتربية الحركية مفهومان ، المفهوم الأول يرى إن التربية الحركية تشير إلى تربية الفرد من خلال الحركة وهذا ينظر إلى الحركة من حيث كونها وسيلة ، أما المفهوم الثاني فيرى إن التربية الحركية تشير إلى تنمية القدرات الحركية للفرد وهذا المفهوم ينظر إلى الحركة على أنها هدف تسعى إلى تنميته لدى الطفل ، وبالتالي فان المفهوم الثاني أكثر دقة وشمول حيث انه أثناء تنمية او تربية الحركة يمكن إكساب الطفل ضمنا صفات ومعلومات معينة ( الشجاعة ، حسن اتخاذ القرار ، ....) فللإنسان العديد من القدرات ، كالقدرات العقلية ، والقدرات الحركية وهذه القدرات يجب تنميتها لدى الفرد منذ الطفولة حتى يتمكن من التفاعل مع البيئة المحيطة بصورة صحيحة.
يعرف (جود فرى) كادت التربية الحركية بأنها ( جانب من التربية الرياضية أو التربية الأساسية التي تتعامل مع النمو والتدريب لأشكال الحركة الطبيعية الأساسية حيث تختلف عن المهارات الحركية المتعلقة بالأنشطة الرياضية ). وعرفها(أمين الخولي) على إنها ( نظام تربوي مبني بشكل أساسي على الإمكانيات النفس حركية الطبيعية المتاحة لدى الأطفال )، ويعرفها (عبد الحميد شرف) على إنها ( مظهر من مظاهر التربية الرياضية للمراحل الأولى من عمر الطفل تهدف إلى تعليم الحركة وتنميتها والتعلم من خلال الحركة) .
أهداف التربية الحركية :
إن أسلوب التربية الحركية يسهم في تحقيق الأهداف المرجوة إذا ما أحسن تعليمه وتطبيقه وفق منهاج علمي يتماشى مع التطور الحاصل لهذا الأسلوب ، وتتلخص هذه الأهداف في:
1- تطوير فهم الحركات الأساسية وأهميتها في حياة الطفل .
2- إحساس الطفل بالمرح والمتعة بممارسة الحركة .
3- التعزيز الناتج عن نجاح الطفل في أداء الحركات مما يكسبه الثقة بالنفس .
4- إعطاء الفرصة للطفل كي يبتكر ويبدع ويفكر .
5- تعويد الطفل على توجيه ذاته والتعبير عن الذات .
6- إحساس الطفل بالمتعة والسرور والرضا عن الذات .
7- تعليم الطفل بعض الصفات الاجتماعية والبيئة المرغوبة .
8- تكسب الطفل كيفية السيطرة على جسمه وحركاته .
9- استخدام الأنشطة الحركية والخاصة بالتربية الحركية في المساعدة في تعليم مواد دراسية أخرى .
10- المساهمة في تنمية بعض عناصر اللياقة البدنية .
11- تعليم الطفل الحركة بأسلوب سليم وصحيح .
12- تعويد وتعليم الطفل تصحيح أخطائه .
أهمية التبكير بالتربية الحركية:
تعد فترة ما قبل دخول المدرسة ( 6 ) فترة طويلة في حياة الطفل ولا ينبغي لنا أن نهملها ونتعامل معها بمثل هذا التقصير الواضح فيجب أن نبدأ التربية الحركية للطفل مبكرا ما أمكن بمجرد أن يتمكن من الجري بسهوله ويسر بل إن التربية الحركية يمكن أن تساهم في تنشيط النمو بالنسبة للأنماط الحركية غير المتعلمة ـ على الرغم مما قيل في هذا الصدد ـ فيما قبل مرحلة الجري .
وتتلخص خطورة إهمال هذه الفترة من الناحية التربوية الحركية ، إن الطفل كثيرا ما يصاب بالعيوب والانحرافات القوامية وضعف في القدرات والبراعات الحركية ، الأمر الذي يجعل برنامج التربية الرياضية ( في المدرسة الإعدادية وما بعدها ) مجرد برامج لإصلاح ما فسد وعلاج ما أهمل في فترة التربية الحركية بدلا من أن تتركز برامج التربية الرياضية على تحقيق أهدافها المعروفة كاكتساب المهارات واللياقة البدنية .
قيام التربية الحركية :
تتشكل قيم التربية الحركية الإطار العام لفوائدها ومبررات وجودها كنظام مستقل ، كما تعبر عن المساحة العرضية التي تحققها من الحاصل وما يشتق منها من أغراض، وتعتقد إليزابيث لود وينج ( lowing ) إن القيم الناشئة عن برامج التربية الحركية تتلخص في :
1- خبرة النجاح متاحة لمعظم الأطفال لان الأهداف شخصية تماما وفي نفس الوقت توقعات لأداء نوعي جيد على كل المستويات .
2- الانضباط الفردي والتوجيه الذاتي حيث يتمكن الطفل من اتخاذ القرارات بشكل مطرد ويتعود على تحمل المسؤولية كاملة عن سلوكه .
3- الموقف التعليمي في حد ذاته يخلق حرية وابتكار وتعبير من خلال محاولات الطفل تقديم البدائل والحلول الذاتية بدون تخوف من الفشل .
4- على الرغم من الاهتمام البالغ للأطفال خلال عمليات التعليم واندماجه فيه ، إلا أن الموقف لا يخلو من الرضا والنتائج السارة .
أغراض التربية الحركية :
إن الأغراض الأساسية التي يمكن أن تشتق من التربية الحركية كما يذكر ( أمين أنور الخولي وآخرون ) عن ( lawther ) هي: -
1- الاكتشاف وحل المشكلات .
2- تنمية فهم الحركة .
3- الخبرة الحركية في حد ذاتها .
4- التحليل والدراسة لفهم مفردات العمل الحركي .
5- تحليل عناصر الحركة عامه كخطوة أساسية في تحليل المهارة الحركية .
إن مفهوم التحليل الحركي كما يعقب عنه ( lawther) من خلال مفاهيم التربية الحركية بأنه رد المهارات الحركية إلى عناصرها الأساسية مثل الفراغ ، الزمن ، القوة ، الانسياب .
الخطوات المستخدمة في تعلم الحركة باستخدام أسلوب التربية الحركية :
يذكر( احمد عبد الرحمن وفريدة إبراهيم ) إن هذه الخطوات يمكن تلخيصها بخمسة متتابعة ومرتبطة كالأتي: -
1- اختيار وتحديد مهمة حركية مناسبة تشكل جزء فرعي من موضوع حركي في التربية الحركية مثل التواصل إلى شكل من أشكال الطيران حيث تكون المهمة الحركية تعليم شكل من أشكال الطيران والموضوع الحركي هو الوثب الطويل .
2- محاولة الأطفال التوصل للأساليب المختلفة ( استعراض الحلول الحركية ) التي تساعدهم على القيام بهذه الحركات تنفيذا للمهمة الموكلون بها ومحاولة اختبار قدراتهم على التنفيذ ويتم ذلك من خلال مشاركتهم الايجابية في التفكير والعمل .
3- التوصل للحركات والأساليب التي بمقتضاها التوصل للهدف في نطاق المهمة المطلوبة .
4- القيام بالتكرار والتدريب الذي يعمل على التوصل والإتقان عن طريق تصحيح الأخطاء .
5- التوصل لمرحلة الإتقان عن طريق التكرار والصقل المستمر للأداء الحركي .
وينحصر دور المعلم في حالة استخدام أسلوب التربية الحركية على الاستشارة والتوجيه والمساعدة سواء كانت فردية أو جماعية بحيث يتمكن الأطفال من استخدام عقولهم ومشاعرهم وقيمهم وقدراتهم البدنية والحركية .
الأسس العلمية التي تقوم عليها التربية الحركية :
ان محور التربية الحركية هو ( الحركة ) بصرف النظر عن كونه هدفا أو وسيلة أو مضمون ولكي تحقق التربية الحركية أهدافها بصورة صحيحة وعلى المستوى المطلوب يجب أن تستمد مقوماتها من عدة عوامل تكون متضامنة ومتشابكة هي :
1- الفرد المتعلم وطبيعته حيث يشكل الفرد موضوع التعلم وغاية العملية التعليمية لذلك أصبحت عملية الوقوف على خصائص نموه والاتجاهات المرتبطة بها لاسيما النمو الحركي ومراحل تطوره ، كذلك مستوى النضج والاستعداد للتعلم والقدرة على تعلم الحركة والفروق الفردية بين المتعلمين غاية في الأهمية ، وقد اتفق المختصون في مجال التربية الحركية على تسمية هذا العامل ( بالأساس النفس حركي ) .
2- الحركة وطبيعتها وما تعنيه من أشكال أو حالات وما يحكمها من عوامل وما تتطلبه من امكانات وقدرات ومالها من حدود وما يرتبط بها من علوم حركية وفسيولوجي ، وتم الاتفاق على تسمية هذا العامل ( بالأساس العلم حركي ) .
3- المجتمع وخصائصه يهتم هذا العامل بالمجتمع الذي ينتمي اليه الفرد من حيث البيئة وما تحمله من عادات وتقاليد وميول واتجاهات بالإضافة إلى الإمكانيات ، ويسمى هذا العامل ( بالأساس الاجتماعي الثقافي ) .
4- العامل الأساس الفلسفي ويشكل هذا العامل الهدف المباشر للتربية الحركية ويشمل على اللياقة البدنية والحركية ويحتوي داخلة على عناصر القوة والسرعة والتحمل والمرونة والرشاقة والتوافق والتوازن وليس هدف هنا إكساب الفرد السلامة البدنية والصحية فحسب بل أيضا تحقيق الذات والاستمتاع بوقت الفراغ كذلك مساعدته ليكون عضوا عاملا في المجتمع .
المصـــــادر
* أمين أنور خولي و إسامة كامل راتب : التربية الحركية للطفل ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، ط5 ، 1998 .
* أمين أنور الخولي( وآخرون) : التربية الحركية للطفل ، ط5 ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1998 .
* احمد عبد الرحمن وفريدة إبراهيم عثمان : الأسس العلمية للتربية الحركية وتطبيقاتها لرياض الأطفال والمرحلة الابتدائية ، الكويت ، دار القلم للنشر والتوزيع ، 1990 .
* حسن السيد أبو عبدة : أساسيات تدريس التربية الحركية والبدنية ، الإسكندرية ، مطبعة الإشعاع الفنية ، 2002 .
* عبد الحميد شرف : التربية الرياضية والحركية للأطفال الأسوياء ومتحدي الإعاقة ، ط2 ، القاهرة ، مركز الكتاب للنشر ، 2005 .
* طلحة حسام الدين )وآخرون( : التعلم والتحكم الحركي ـ مبادىء ـ تطبيقات ، ط1 ، القاهرة ، مركز الكتاب للنشر ، 2006 .
رد مع اقتباس
رد: التربية الحركية
