صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 16 إلى 22 من 22

الموضوع: فلتمطـــــر السمـــــــاء " محاولة قصصية أخرى "

  1. #16

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    كم يبدو المكان كئيبا ً بدون سالم , فمنذ خروجه لم يعد لتلك الزنزانة أي صدى , ولم تعد صرخات أحمد وصاغر تسمع من مسافات بعيدة ! ولم يعد الصقر يحس بأنه الصقر أبداًَ .

    خرج سالم بالرغم من الصقر , وبالرغم من السلطة التي يتمتع بها , وعرف على الفور بأن أيامه أصبحت معدودة . إذ انشغل الصقر عن تنفيذ الخطة الثانية لمنع سالم من الخروج بوفاة أمه الحنون .

    استلقى هيثم بضعف وهزال شديدين بعد أن تذكر ذلك النبأ المحزن . صحيح بأنه لم يكن يريد الخروج , وبأنه بنى له عالما ً مختلفا وخاصا في تلك الزنزانة القذرة , إلا أنه كان يشتاق لأمه العجوز , والتي نبذته حين علمت بأنه أصبح شريراً ويعمل بالممنوعات ويؤذي كل من حوله بتلك الأعمال التي عشقها الهيثم حتى الموت , فقط ! كي يصبح غنيا ً وتترك والدته الذل والهوان الذي كانت تواجهه من أجل مستقبله .

    ابتدأ ذلك العشق لحظة دخوله ذلك المنزل الكبير , والذي دخله زاحفا ً وخرج منه طائرا ً.. تتقاذفه الأمنيات والأحلام !

    اتصل به السيد الثري بعد أسبوع من خروج الهيثم من منزله , وطلب منه أن يقوم بتوصيل تلك الحقيبة الغالية لبلاد أخرى , ويعود بما لديه من أموال ليحصل الهيثم على الربع منها , الربع الذي يجعله ثريا بين ليلة وضحاها !

    أصبح الهيثم يقوم بجميع أعمال ذلك الرجل الثري , وعلم الكثير عن تلك المهنة الخطيرة التي كان يمارسها .. وعرف أيضا بأن السيد الثري كان مأمورا ًمن رجل آخر , له سلطة كبيرة . في الحقيقة , هو من يؤمن للهيثم كل ما يريده في السجن , شرط ألا يبلغ عن أي من تلك الأسماء التي علمته كل تلك الأعمال الممنوعة .

    رويداً رويداً , أصبح تعامل الهيثم مع الرأس الكبير , وأصبح المقرب إليه بدلا من السيد . ومع مرور الأيام .. أصبحت تلك العلاقة الجيدة التي بدأت بين أبو عامر والهيثم , علاقة مهددة , متوترة وتشوبها الكثير من التعقيدات.

    وأدرك الهيثم بأنه في خطر من ذلك السيد , إذ أصبح التحدي بينهما كبيرا ً , وأصبح الهيثم نداً قوياً له .
    ولكنه لم يدرك أبدا ما يكنه له من حقد وما يحيكه له من مكائد . فقد قام بإخطار والدته العجوز بما يفعله ولدها الوحيد , مما سبب لها أزمة نجت منها بأعجوبة , ونبذته من حياتها إلى الأبد , وهو ما لن يسامحه الهيثم عليه أبدا !

    ولم يتوقف ذلك السيد عند هذا الحد , بل أصبح الهيثم همه الوحيد , وتشويه العلاقة التي تربطه بالرأس الكبير وإدخاله للسجن هاجسا ً ملحاً !

    وفعلا , دخل الهيثم السجن المركزي , وتعقدت حياته البائسة أكثر مما كانت عليه . حتى قرر الصقر بأن يصبح السجن ذلك العالم الذي لم يحصل عليه في الخارج , إلى أن رمت الأقدار عليه صاحبنا عامر , وردت له الأقدار القليل من جزائه ! ووضعت بين يديه الابن الوحيد للسيد أبو عامر , والذي جعل من حياة الهيثم جحيما ً لا يطاق .

    وهكذا , بدأ الصقر سلسلة التعذيب , وبدأ مع دخول عامر السجن الانتقام , ومع كل آهةٍ تخرج من صدر عامر هي ابتسامة رضا وارتياح بالنسبة للصقر !

    لم تكن نظرات عامر البريئة والمتسائلة تعني شيئاً عند الصقر . ولم يكن ذلك التجويف الذي ورثه عامر من أبيه شيئا ً عاديا .. بل كانت الزيت حين يُصب ّعلى النار ! وكانت الذكرى التي تعصر قلبه حزنا وألما وغيظا ً, إلا أن كل تلك المشاعر الغاضبة كانت تُخلف ورائها ابتسامة عريضة , ماكرة , يوجهها الصقر لعامر المسكين . كي تليها مصيبة أخرى من كومة المصائب التي تتوالى على عامر .

    قطع صاغر حبل أفكار الصقر , فقد كان الأول قلقا على حالته , ويائسا ًمن وضع تلك الزنزانة المظلمة .

    - لم لا تدعني أخبر الحارس كي يجلب الطبيب إلى هنا !

    قالها , والكثير من اللعاب يتقاطر على وسادة الصقر الكبيرة , أصيب الهيثم بالقرف من تلك السوائل التي يستمر صاغر باخراجها . ولكنه لم يستطع النهوض , ولم يعد يستطيع أمر سالم بطرد هذا الغبي المزعج بعيدا كي يرتاح .

    هنا فقط , ذلك الماكر أحمد , والذي ظهرت في عينيه ابتسامة خبيثة وسعيدة حين علم بأن الهيثم يموت !نعم , يموت .. حزنا ًوألما ً لم أصبح عليه حاله بعد وفاة والدته العجوز .

    يموت وهو لم يكمل ما بدأه مع عامر , ولم يكمل ما بدأه من سلسلة الانتقام التي رسمها في طريق عامر .
    قال وقد أعياه التعب الشديد ,, مغمض العينين يائساً :

    - لم لا تدعني بسلام أيها الغبي .

    - ولكنك ستموت هكذا .

    أشفق الصقر على ذلك المسكين الذي أحبه بصدق . أشفق عليه وهو يرى تلك الدمعة الحائرة تتراقص في عينيه البليدتين .

    - دعني أموت يا صاغر , فلم يبق في حياتي شيء ٌ يدفعني للحياة .

    مضت ساعات من الصمت المطبق .. ولحظات من الآهات المكتومة . وكأنه وقت الصلاة .. صمت .. رهبة وترقب !

    أغمض الهيثم عيني الصقر . أغمض الهيثم عينيه للأبد ... فلم يعد بها حياة , ولم تعد تلك النظرة الثاقبة تندفع من عينيه كالسوط على أحدهم .

    نظر صاغر لذلك الجسد الهزيل , لن يتنفس ! لن يرفع يده قليلا كي يسكته !

    هو كما كان دائما , منطويا في زاويته المظلمة .. ساكنا ً بلا حراك !

    أحمد , يرقب الموقف بكل هدوء , يسمع روح الصقر وهي تنظر ,, تودع ,, وتنسحب بكل هدوء .

    تنسحب الى عالم ينتمي إليه الأموات , وتبيت فيه الأرواح بسكون !

    قالها بكل برودة أعصاب , ومع قليل من القسوة وهو ينظر لصاغر يذرف دموعه حزنا ً .. ويتحسس ذلك الجسد النحيل ,, عل وعسى تدب فيه الروح من جديد !

    - لقد مات .

    +++++++++++++++++++++++++++++++++++

    قفزت سارة من سريرها .. حاقدة ومكابرة .. لا لن تبكي .. لن تذرف الدموع أبدا على أمر كهذا .. لن تترك لتلك المعلومات الكريهة ان تقودها لطريق ٍمشبوه ومليء بالغموض . مسحت عينها بظاهر يديها الصغيرتين .. ووقفت شامخة أمام مرآتها الصغيرة المكسورة ... انعكست أربعة وجوه بائسة وحزينة .. كلها لسارة !

    نظرت بحدة .. وتمنت لو أنها لم تكن فضولية لهذه الدرجة الجشعة .. تمنت لو أنها لم تكن تلك الفتاة التي تتلقى الهدايا من ذلك الثري الذي اكتشفت لتوها بأنه وبكل سهولة ,, عمها ,, !!!

    وكأنه شريط صامت .. يعاد بكل وضوح لذاكرتها .. ساره وهي تتلقى الهدايا .. سارة وهي تبيعها كي تعيش .. سارة وتلك السيارة الفارهة تقف بكل بغض أمام بيتها الضئيل .. سارة وهي تسمع الهمهمات من الجيران ..

    كان البعض يظن بأن العجوز يستغلها .. والبعض الآخر ظن بأنها ابنته الغير شرعية .. ! ورغم كل تلك الأقاويل .. كانت تحس ببهجة عارمة حين تبيع تلك الهدايا الثمينة وتخزن النقود في صندوقها الصغير !

    لم يعترض أحد اخوانها أبدا على تلك الهدايا .. بل أن تلك السيارة الفخمة كانت تختار أوقاتاً مناسبة كي تعلن عن وجودها !

    وها هي تثور على أفكارها .. وتتحدى نفسها بمعرفة حقيقة ذلك العجوز .. لتكتشف في النهاية بأنه عمها !!


    رسمت ساره خطة محكمة , كان هدفها تلك الفتاة الثرية المدللة .. حيث علمت منها قصة أخيها عامر ودخوله للسجن .. وفي غمرة الأحاديث دار هذا الحوار الذي قلب حياة ساره رأساً على عقب :

    - كنت وحيدة , لم يكن لوالدي أي أقرباء غير أخيه المتوفى , لذا كنت كاليتيمة حين توفي وتركني أعاني كل تلك الأمور البشعة .

    - ألم يكن لعمك أي من الأبناء ؟؟

    - بلى , ولكنها قصة طويلة لا تودين معرفتها .

    - أرجوك , ربما أستطيع التخفيف عنك .

    - حسنا . كان والدي شابا ً حين نبذته العائلة , لم يوافقوا أبدا على زواجه من أمي , لان ,, !

    صمتت مها وخفضت رأسها وكأنها تخجل من أن تكمل .. إلا أن ساره لم تسمح لها أبدا ,, فهنا هو مربط الفرس ويجب أن تكمل هذه المها حديثها مهما يكون .

    - لقد كان جدي من أمي يتاجر بالممنوعات ..كانت سمعته سيئة جداً .. وكانت عائلة أبي فقيرة للغاية , وظنوا بأن والدي سيتبع ذات الطريق , ولكنه بالطبع لم يتبعه بل أصبح رجل أعمال ناجح وأحب والدتي بكل صدق .

    كانت مها تتحدث عن أبيها بكل ثقة ,, وبكل غرور وفخر .. وكأنها تتكلم عن عجينة صنعتها بيديها الاثنتين .. وتؤكد بأنها لم تضع سوى ذرة ملح صغيرة !

    - ألم يحاول أن يصلح أموره مع عائلته ؟؟

    - بلى ولكنهم نبذوه بشكل كلي .. لم يستطع أبدا أن يزورهم .. أتعلمين ؟؟ أنا اكرههم جميعا ً.. فلم يكن لوالدتي ذنب كي يكرهوا وجودها بينهم لهذه الدرجة !

    تحدثت بكل براءة , وحزن .. في حين كانت الأخرى كالمجنونة ,, تتقاذفها الأفكار ,, تتذكر فجأة غضب والدها حين يتكلم عن أخيه الفاسد .. كانت صغيرة جدا لتدرك ذلك , ولكنها في ذات الوقت سمعت بأنه توفي بمرض خبيث , وهكذا ,, هي بلا ولي حتى هذه اللحظة ! ولكنها لن تسمح بتلك الصدف بالمرور هنا بالذات .. سؤال واحد وتتيقن ساره من الأمر .. سألت بهستيريا عظيمة .. ودقات قلبها تتصارع في جسدها النحيل :

    - مها ,, أرجوك أخبريني ,, ما هو اسم والدك بالكامل ؟؟

    نطقت مها باسم والدها وفي عينيها نظرة استنكار لسؤال ساره .. ما دخل اسم والدها في كل ما كانت تعانيه ؟؟

    استأذنت سارة وعادت قبل الأوان لمنزلها في ذلك البرد .. كانت تخطط للخروج مع مها ولكن هيهات !
    تدافعت الدموع في عينيها بكثرة ولن تستطيع اخفائها بعد الآن .

    وها هي هنا في غرفتها الصغيرة تصارع تلك الحقيقة المرة .. استسلمت للبكاء .. خرّت في مكانها كي تُخرج كل ما بداخلها من حزن .

    كل تلك الفترة وهي تظن بأنها يتيمة لا تملك في هذه الدنيا سوى إخوتها الأربعة !
    هل تضحك ؟؟ تبكي ؟؟ أم تنسى كل ذلك !!

    اكتشفت وجوده بعدما اختفى .. وجهلت وجوده حين كان حاضراً ! يا لها من حياة غريبة .. لا بد بأنه كان يكفّر عن ذنبه بكل تلك الهدايا .

    مها تحبه كثيراً , لا شك بأنه أحبها أيضاً .. لم لا تحبه وقد غمرها بلطفه وحبه ورعايته ؟؟ وإن يكن فاسداً ؟؟ لا بأس فهو على الأقل يعتني بأبنائه .. وهو ما لم تلقاه سارة منذ أمد ٍبعيد !

    لطالما شعرت بالخزي لما تقوم به من أعمال مشبوهة .. كان والدها مستقيما ً .. يرسم للفقر لوحة مزخرفة ومليئة بألوان الربيع !! مسكين ,, لم يعلم أبدا ً بأن ابنته الوحيدة ستكون خير معين لتلك الأعمال .. وبأن ابنه البكر أصبح خريج سجون مع الأيام !

    بكته سارة في ثورة دموعها ,, بكت ذلك الوالد الذي لن تسامحه أبدا على قتل أخيه وهو حيَ يرزق !

    كم كانت الأمور لتختلف لو أنهم علموا بوجوده .. ليشكلوا عائلة من جديد .. ويؤمّنوا قوت يومهم بكل سهولة .

    في مكانها .. وفوق تلك السجادة الصغيرة بالتحديد .. نامت سارة .. استنفذت دموعها كلها خلال ساعات قليلة .. وهي التي ظنت أنها لا تبكي أبداً !

    ++++++++++++++++++++++++++++++++++
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  2. #17

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    عاد عامر من عمله .. وما زال أمر تلك الفتاة يحيره , والأدهى من ذلك هي قرابتها بسالم , لم الحياة غامضة هكذا ؟؟ لم لا تنتهي مشاكله بكل بساطة ويعيش بسلام ؟؟

    استلقى عامر على ذلك الكرسي الوثير في غرفة المعيشة , ينتظر فتاته الصغيرة كي تنضم إليه للعشاء .
    أغمض عينيه قليلا إثر الإنهاك والتعب الشديد .. فقد كان يوما ً حافلا مليئاً بالمفاجئات . وما أن أغمض عينيه حتى ارتسمت تلك البيوت المتراصة أمامه بكل وضوح .. وأحس عامر بأن المنظر مألوفاً بشكل مزعج .. لم يعلم أبدا سر هذه الأفكار الغريبة التي تراوده مؤخرا !!

    مرت ثلاثة أيام على ذلك الكابوس المزعج الذي حوّل بروده لنار تنتظر من يطفئها , ولم يستطع بعد أن يقوم بذلك .

    كانت غفوة بسيطة , استيقظ منها إثر هزات رقيقة من اخته مها :

    - استيقظ يا عامر , سوف يبرد الطعام .

    فتح عينيه ليجد فتاته بعينيها المنتفختين , وكأنها كانت تبكي سراً ..

    اعتدل في جلسته وقرر أن يسألها بعد العشاء عن سبب بكائها .. وهذا ما فعله تماما .

    اخفضت مها عينيها حزينة .. ولكنها كعادتها رفضت الإفصاح عما بداخلها حفاظا على كبريائها .. ولكنه أصر على معرفة الحقيقة حتى اعترفت بصوت متهدج :

    - أتذكر تلك الفتاة ؟؟ صديقتي التي كنت أحدثك عنها ؟؟

    - نعم نعم أذكر ,, هل أساءت إليك ؟؟؟

    - لا

    - إذا !

    - أخبرتها عن والدي .. في الحقيقة لم استطع أن اخفي أموري عنها .. فهي صديقتي كما تعلم !

    - أكملي .

    - لا أعرف ولكنها هربت مني بعدما أخبرتها عن والدي وقصته مع عمي . لابد بأنها تشعر بالعار من صداقتنا .. كنت غبية وخسرتها كما خسرت الأخريات .. أصبحت وحيدة كما في السابق .

    - لا تبكي عزيزتي , لابد بأنها تذكرت شيئا ما واضطرت للذهاب .

    أخذ عامر يواسيها ويخفف عنها , ويتفوه بكلمات يعرف بأنها أبعد ما يكون عن الحقيقة , كان يمسك بيديها وعيناه سارحتان بتلك الفتاة الخبيثة ..

    " لابد بأنها أوقعت بفتاتي الصغيرة . كي تحصل على ما تريد .. أخيرا وجدت ضالتها كي تعود أدراجها بكل سهولة ,, ولكني لن أسهّل عليها الأمر كما تظن "

    وهكذا .. قرر عامر بين الدخان المتصاعد من سيجاره ملاقاة تلك الصغيرة المليئة بالغموض , يجب أن يعلم عامر ما يدور في ذهنها , ولم هي فضولية بهذا الشكل المخيف !

    وفي الصباح الباكر , لبس معطفه وخرج مسرعا ً .. يطوي تلك الشوارع بخطوات واثقة ومصممة .. وأمامه صورةٌ له وهو يخنق تلك الفتاة الفضولية المزعجة ...

    وصل لذلك الشارع المطل على المنزل ذو الورود الجميلة , ومرت فكرة طائشة في رأسه الثقيل :

    " يالها من ورود مزيفه كأصحابها "

    انتظر حتى خرج الجميع من المنزل .. في ذات الموقع بجانب تلك السيارة الغبراء .

    خرج الجميع إلا هي ,, طبعا ,, لم تعد تهمها تلك الفتاة المسكينة وقد أخذت منها ما تريد !

    تلك فكرة عفوية شرسة تشبه نوعية الأفكار التي برأس عامر في هذا الوقت .

    وأخيرا ً .. تقدم من المنزل بكل ثقة ,, قرع الجرس مطولا .. وملأ صدره بالهواء .. ونظر مجدداً لتلك الورود .. وأجزم هذه المرة بكل ثقة بأنها مزيفة ..

    طال انتظاره لفتح الباب ,, حتى اكتشف بأن الجرس معطل !

    " يا إلهي كم أنا غبي "

    قرع الباب بقوة ,, وفتح ببطء .. انفتح بنفسه نتيجة الطرق القوي ,, إذ لم يكن مغلقا أصلا !

    - هل يوجد أحد في البيت ؟؟

    لم يرد عليه أحد ,, تردد عامر في الدخول .. كم هو بيت صغير وحميم !

    عاود الطرق مرة أخرى وظهرت هذه المرة ضالته التي يراقبها منذ فترة .. خرجت سارة وهي ترتدي قميصاً رثاً .

    لم ينطق أحدهما .. وطالت تلك النظرات بينهما .. نظرة مهددة من عامر تقابله نظرة خائفة من سارة .
    كانت نظرتها طبيعية بالنسبة له , فهو يظن بأنها ماكرة خبيثة ومرادها أكثر خبثا ً.. وكانت نظرته طبيعية بالنسبة لسارة كذلك ,, فهي تظن بأنه علم بالأمر وأتى كي يهددها بعدم المطالبة بأي من حقوقها !

    وأخيراً .. نطق عامر بتلك الكلمات الثابتة :

    - هل أستطيع الدخول ؟؟

    - نعم , تفضل أرجوك .

    دخل عامر المنزل الصغير , في الحقيقة هو أصغر مما كان يتوقع , وجلس على أول كرسي قابله كي ينهي ما أتى من أجله بسرعة .

    كانت سارة شديدة الارتباك .. وتساءل عامر في نفسه ..

    " أين اختفت تلك الفتاة الواثقة القوية التي تشبه الصبيان ؟؟ أيعقل أن تكون هذه الفتاة المرعوبة هي نفسها ؟؟ "

    - أتود شرب شيء ما ؟؟ عصير مثلا ؟؟

    - لا شكرا , أتيت لهدف ما ولا أنوي الخروج من هذا المنزل قبل بلوغه .

    أظهرت عزيمته ذلك التجويف في خده مجددا ً ... نظرت إليه سارة بخوف شديد .. وجلست بدورها على الكرسي المقابل .. فلن تستطيع رجليها الصغيرتين تحمل ما يحدث لها الآن ..

    - اسمعي ,, أنا أعلم بأنك أصبحت بطريقة أجهلها صديقة فتاتي الصغيرة . وما أريد معرفته هو هدفك من ذلك .

    ظنت سارة بأن سؤاله هذا سيكون بعد عشرات الأسئلة , ولكن ما أرعبها حقا هو طرحه هذا السؤال الجوهري في بداية حديثه .. وهو ما لن تستطيع الإجابة عليه أبدا ! ورغم ذلك لبست قناع الجرأة والثبات .. وقالت بكل وقاحة .. فهو على الأقل أبعد عما يكون عن معرفة الحقيقة .. وان كان كل ما يهمه هو فتاته فالأمر أبسط مما توقعت فعلا ! :

    - قلت لك أنني أود معرفة العجوز أكثر .

    - ولم يهمك أمره لهذه الدرجة ؟؟؟

    " لانه عمي "

    أغمضت سارة عينيها كي تمنع الدموع .. وكي تمنع عيناه من إجبارها على النطق بهذه الحقيقة .

    - كان أحدهم يرسل لي الهدايا بالخفاء .. وظننت بأنه والدك ولكني كنت مخطئة .

    - وهكذا , تركتها وتخليت عن تلك الصداقة الزائفة ما أن علمت ما تريدين .

    - نعم .

    - ولم كنت ِ تبكين ؟؟

    دُهشت سارة لمعرفته بهذا الأمر .. كيف له أن يعلم ببكائها ؟؟ أيعقل أن تكون مها لاحظت دموعها وأخبرته ؟؟

    أكمل عامر حديثة مجيبا ً عن أسألتها :

    - لقد كنت أتبعك أيتها الخبيثة .. ورأيتك وأنت تتنكرين بذلك الثوب الغبي .

    ظلت سارة صامتة .. فلقد أدركت لتوها بأن الشخص الذي أمامها هو ابن عمها , وهو الذي سجن لثلاث سنوات بتهمة التجارة بالممنوعات .. وكان في الزنزانة ذاتها مع ابن عم يجهل وجوده !

    كانت تنظر إليه وهو منزعج .. وبين اللحظة والأخرى يبرز ذلك التجويف الجميل الذي لاحظته منذ أول لقاء بينهما !

    أخذت تجول في رأسها فكرة جنونية .. تلح وتلح وتلح كي تخرج أخيرا من فمها بدون أن تستطيع ردعها :

    - إنه عمي .

    صمت عامر من ثرثرته فاغرا فاه بكل دهشة :

    - ماذا ؟؟

    - والدك .. هو عمي . انت ابن عمي .. ومها ابنة عمي .

    - انتي مجنونة حقا !!

    - هل تظن بأن والدك سيزعج نفسه بتقديم الهدايا كل تلك السنين ان لم يكن عمي ؟؟

    - قلت للتو بأنه لم يكن هو من يرسل الهدايا !! أنا لم أعد أفهم شيئا ً !

    تركته سارة وهو يدور في غرفة المعيشة الضيقة .. يحاول أن يصدق ما تفوهت به منذ لحظات .. ذهبت كي تحضر له بطاقتها الشخصية .. وترميها أمامه بكل ثقة .. لا لم تكن مجنونة أبدا .. بل هو ابن عمها بكل تأكيد .

    قرأ عامر بطاقتها ولم يصدق .. ادعى في البداية بأنه تشابه أسماء .. وبأنه من المستحيل أن يكون عمه على بعد شارع من هنا هو وأبنائه ولم يعلم هو بشيء طوال تلك السنوات !

    خرج مسرعا من منزلها .. وقصد الحديقة فورا ً .. وكأنه يبحث عن والده هناك .. يناجي أزهاره .. وتلك الأتربة التي لامست يديه الاثنتين ..

    يريده حيّاً أكثر من أي وقت مضى .. ولو كان بيده لحفر قبر والده وانتشله من بين عظامه كي يجيبه عن تلك الأسئلة !

    ظل كالحصان الجريح لبضع ساعات .. حتى هدأ قليلا .. وأدرك بأن بطاقة سارة لازالت في يده ..
    عاود النظر إليها .. صورتها الشخصية .. واسمها الثلاثي .. وباقي تفاصيل ميلادها !

    انها لا تشبهه .. لا يوجد ما يجمع بينهما سوى هذا الإسم الطويل ذاته !!

    سالم !!! إنه الآخر ابن عمه !

    " يا إلهي اجعل كل هذا إحدى كوابيسي الليلية "

    هل يعلم هو بذلك ؟؟ أم أن سارة أخفت هذه الحقيقة عن اخوتها ؟؟؟

    هل يخبره ؟؟ هل يخبر مها ؟؟

    مها المسكينة .. تظن بأن سارة تركتها بسبب تاريخ العائلة المظلم .. لم تكن تعرف بأن العكس هو ما حدث تماما ً !

    ++++++++++++++++++++++++++++++++
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  3. #18

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    ++++++++++++++++++++++++++++++++

    مر شهر كامل ولم ينبس أحدهما ببنت شفة .. كلاهما تلقى صدمة أخرسته لبضع أسابيع . ولكن كان من الضروري جدا أخبار باقي أفراد العائلة بالأمر ... ولم تكن هذه مشكلة أبدا بالنسبة لعامر ولكنه كان أشبه بالقفز من الجبل بدون مظلة بالنسبة لسارة .. فهي تعلم بأن كل ما يهم أخوتها هو المال , وربما يفكرون في مشاركة مها وعامر ما يملكون .. وكم سيكون موقفا محرجاً لها . لذا قررت إخبار سالم فقط كي يتولى هو الأمر بعد ذلك .

    وكان ذلك حين جلس سالم ينتظر العشاء بعد عودته من العمل , تخوفت كثيرا من أن يقوم عامر بإخباره .. ولكن بعد مرور كل هذه الفترة بدون حدوث شيء .. أصبحت مهمتها أكثر سهولة .

    تقدمت إليه ببطء شديد وبارتباك , وكانت قد جهزت الكلمات كي تطلقها دفعة واحدة وهذا ما حصل !

    - سالم .. أريد إخبارك بشيء مهم .

    - أجلي ما تريدين قوله لبعد العشاء أرجوك .. أنا أتضور جوعا ً.

    - لقد عرفت من هو عمنا الذي أخبرنا والدي بأنه توفي منذ زمن طويل !

    - عمنا ؟؟ من أدخل هذه التفاهات لرأسك الصغير ؟؟

    كان الغضب قد بدأ بتملكه , ووقف باستقامة ومشى خطوتين واسعتين وأمسكها بقوة :

    - من أين أتيت بهذه الترهات !

    - ليست ترهات , إنه ذلك العجوز الذي توفي في الوقت الذي دخل ابنه السجن .. إنه أبو عامر صديقك .

    - عامر ؟؟ لا شك بأنك مجنونة ! كان والده ثريا .. وللعلم هو يبعد عن منزلنا مسافة شارع فقط !!

    - نعم كنت أعلم , إذا لم تصدقني تحقق من الأمر بنفسك . تصبح على خير .

    انصرفت سارة وقد تشنجت من منظر سالم الغاضب وهو حائر فيما تقوله .. أغلقت على نفسها الباب كي لا يبحث عنها سالم .. أغلقت بابا ًكي تهرب من عالمها ومن تلك المسألة .. تمنت لو أنها تنام لبضع أسابيع مقبلة كي تستيقظ وقد حلت هذه المشكلة .

    ونامت بالفعل ! ولكنها نامت كي تستيقظ في الصباح الباكر , وكالعادة أيقظتها خيوط الشمس المحببة إليها , ولاحظت أنها منذ زمن لم تشعر بهذا الدفء .. ولم تحاول الإمساك بتلك الخيوط الذهبية التي ترسلها والدتها كل صباح !

    أغمضت سارة عينيها .. وتحدثت بصوت مبحوح تخاطب تلك الخيوط ..

    " أمي .. هل نصبح عائلة من جديد؟؟ لقد مات والدي .. ومات عمي .. بقينا نحن فقط .. ألا نستطيع بناء عائلة مترابطة من جديد !! "

    عاودت الوقوف بتثاقل كبير .. وارتدت ملابسها استعدادا ليوم جديد . تذكرت الحوار الذي دار بينها وبين أخيها .. تساءلت ماذا سيفعل بعدما علم بأن عامر هو ابن عمه . حسنا لن تعرف شيئا بوقوفها هنا جاهلة ما يدور بين جدران هذا المنزل الصغير .

    خرجت لتجد المنزل فارغاَ .. أيعقل هذا ؟؟ إنها السادسة صباحاً ! أين سيكون إخوتها في هذا الوقت المبكر ؟؟
    قررت إشغال نفسها بتنظيف المنزل وإعداد الفطور , وما ان انتهت من إعداده حتى وصل سالم , وتبدو عليه ملامح الهدوء أخيرا بعد ذلك الوجه الغاضب !

    - صباح الخير .

    - صباح الخير ,, أين كنت في هذا الوقت يا سالم ؟؟

    - انا جائع .

    شعرت ساره بالخزي من نفسها , فلقد حرمته عشاءه ليلة أمس وها هي تحاسبه قبل أن تشبع جوعه القديم .. قدمت له الفطور بابتسامة صادقة , وكل ما يهمها الآن أن تعرف ما يدور في خلده . لزمت الصمت حتى انتهى من طعامه .. ولكن لا يبدو عليه بأنه ينوي إخبارها بشيء عن الموضوع .. وحين هم بمغادرة غرفة المعيشة .. أمسكته من ذراعه القوية بكل حزم وقالت :
    - سالم . ألن تخبرني أين كنت في هذا الوقت ؟؟

    - أريد أن أنام .

    انصرف عنها بكل برود .. وبدون أن يصرّح لها بأي كلمة . وقفت كالبلهاء ترقبه وهو يدخل غرفته لينام .
    ينام بكل هدوء !! ويتركها هنا تصارع أفكارها وحيدة !!

    وبدون أي تفكير .. ارتدت معطفها القديم .. وحذائها الرياضي وأسرعت لذلك المنزل الكبير . لا تنوي فعل شيء غير السير في الدرب الذي تظن سارة بأن أخاها سار فيه البارحة .. حتى وصلت إليه .

    دخلت هذه المرة بدون أن تستأذن .. أرادت غزو تلك الأبواب حتى تصل لهدفها بسرعة .. مرت بتلك الحديقة .. وكأنها قطعة من تلك الجنة التي تسمع بها ..

    " إنها فعلا تستحق ما يقال عنها .. إنها لجنة الله في الأرض ! "

    نسيَت ما أتت لأجله .. ودارت كي تصل لتلك الحديقة الغناء .. كم تبدو جميلة في هذا الصباح ..
    كانت تتنفس ببطء خوفاً من إفزاع الطيور .. وتمشي ببطء أكبر خوفا ًمن إفساد الزهور ..

    وفجأة , لمحت طيفا يجلس تحت ظل شجرة وارفة , أحست بالإحراج وبأنها مجرد متطفلة لحوحة وفضولية .. ومن ليس كذلك حين يتعلق الأمر بهذه الحديقة التي تحبس الأنفاس ؟؟

    يبدو بأن هذا الظل بدأ بالتحرك , والتقدم نحوها .. وعرفته فوراَ .. انه عامر وتبدو عليه ملامح الإرهاق والتعب تشبه تلك الملامح التي ظهرت على سالم . واعتدلت في وقفتها استعدادا له .. ورسمت ابتسامة باهتة تفي بالغرض .

    - مرحبا . أنا آسفة على تطفلي ولكني كنت أبحث عنك .

    - هل تفكرين في شراء المنزل آنستي ؟؟

    عجبا !! يمازحها في موقف كهذا ؟؟ كم هو مختلف عن سالم !

    - لا , أتيت أسأل عن سالم .. هل كان هنا ؟

    - آه , نعم لقد كان هنا .

    - حسنا ؟؟

    - لقد أتى كي يستفسر عن الموضوع , هل قررت أخيراً إخباره بالأمر ؟

    - لقد واجهت صعوبة في إخباره , أنت تعرف كيف هو سالم . هل علمت مها بشيء ؟

    - أتمنى لو تذهبي إليها .. لا أعرف لم ولكنها سعيدة !

    سعيدة ؟؟ على الأقل هناك من هو سعيد بهذا الأمر .. وهذه بداية طيبة . وأحست سارة بأن الأمر بدأ يعجبها أيضا .

    - إن الوقت باكر جدا للزيارات , ولكن سالم أخافني قليلا . سآتي لزيارتها في وقت آخر .

    - لم لا تبقي معي قليلا , أود لو أعرف المزيد عن أموركم .

    - أظن بأن سالم لم يعطك ما تريد .

    ابتسم كلاهما .. لمعرفتهما الوطيدة بسالم وطباعه الشرسة . وأحبت سارة فكرة البقاء هنا وسط كل هذا الجمال . وأعلمته بموافقتها حين تقدمت لتشتم عبير وردة غالية لطالما تمنت الحصول عليها منذ وفاة والدها .

    - إنها زهرة الأوركيد .

    - نعم أعرف .. اعتادت والدتي أن تزرعها أمام المنزل .. ولكنها ماتت معها ووضعت على قبرها .. ووعدت والدتي بزراعتها أمام منزلنا الصغير في يوم من الأيام .

    تلألأت عيني عامر بالدموع , ان حديقة منزله الكبير مليئة بهذه الورود .. ولكنها لم تحفر يوماً مشاعر كهذه في قلبه كما حفرت في قلب هذه الصغيرة !

    - سوف أعطيك منها كي تزرعيها .

    قال ذلك ثم رفع رأسه بشكل مسرحي وهو يقول :

    - فلتسامحني يا أبي .

    ضحك كلاهما , وبرز ذلك التجويف المحبب لسارة مجدداً , تلاشت ضحكتها أمام ضحكاته العذبة . وقالت في نفسها ..

    " لو ضحك هذا العامر أمامي مجدداً .. سأكون من عداد الأموات "

    عاد عامر لجديته رغم ما يظهر عليه من ملامح الإرهاق .. ثم قال :

    - اسمك هو سارة.

    - نعم , إنه اسم جدتي وجدتك .. هل كنت تعلم ؟

    - لا .

    تقبل عامر أمر جهله لتفاصيل عائلته بسبب المشاكل التي فرقتهم عن بعضهم البعض . من الآن وصاعداً سيكون ملماً بكل ما يتعلق بأمور العائلة . أحست سارة بحزنه وتداركت الأمر كي تضحكه قليلا :

    - لم أر وجهها إلا في الصور . أتعلم ؟ كانت قبيحة نوعاً ما .

    اتسعت عينا عامر لقولها هذا .. وكان منظره مضحكا ً جدا .. وبدل أن يضحك هو.. ضحكت هي من كل قلبها لمنظر عامر المندهش . وقالت له :

    - كم أنت مهذب !!

    وبعد قولها هذا شاركها الضحك بدوره .

    لا بد بأن كل هذه الضحكات من فعل هذه المناظر الخلابة .. فهي لم تضحك منذ أسابيع , ولم يكن هو بأحسن حال ٍ منها !

    تأخر الوقت وسارة مازالت تتجاذب أطراف الحديث مع عامر .. وقررت أخيرا المرور بمها .. ولكن عامر ألفت نظرها لحساسية مها بالرغم من سعادتها . وعلمت سارة منه بأن مها لا تعلم عن طبيعة عمل أبيها الذي كان يقوم به .. وطلب منها عدم إخبارها بالأمر كي لا تصبح سعادتها حزنا لا يطاق .

    وهكذا .. دخلت سارة لأول مرة ذلك المنزل الفارغ الكبير .. وأخبرتها الخادمة بأن تنتظر وصول الآنسة !
    أحست سارة بأنها غريبة على هذا النمط من الحياة .. وشي جيد بأنها لن تضطر الى الخضوع لمثل هذه الأمور .

    وأخيراً وصلت مها .. وقفت سارة بدورها كي تحضنها مها وتبكي . تجمدت دماء سارة في عروقها ولم تعلم ماذا يجب أن تفعل !!

    - أرجوك لا تبكي . قال لي عامر بأنك سعيدة .. لم تبكين إذا ؟؟

    - أنا سعيدة جدا , قبلا كنت ِ صديقتي والآن أصبحت قريبتي .. وغدا تصبحين شقيقتي .. مارأيك ؟؟

    ابتسمت سارة ابتسامة خوف , أيعقل أن تكون مها بهذه الحساسية واللطف ؟؟

    - سنكون شقيقتين يا مها .. لن تصبحي وحيدة أبدا! .
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  4. #19

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    +++++++++++++++++++++++++


    هطلت الأمطار بغزارة هذا الصباح .. وتلبدت السماء بالغيوم تعد بهطول أمطار غزيرة .. فكر عامر في نفسه بأنه اليوم المناسب كي تمطر السماء . فاليوم هو اليوم الموعود .. والذي تم التخطيط له منذ شهور طويلة .

    وفعلا , هطلت الأمطار بغزارة وغسلت كل مشاعر الشك والكره .. وهطلت مع قطراتها مشاعر جديدة .. مبهجة وترسم خيوطا ًمن نور لكل منهم .

    كان عامر يقف على تلك النافذة التي حفظت بصمات أنامله جيدا ً .. وأصبحت تنتظره كل صباح كي تظهر له صورة جديدة .. ويا لها من صورة جميلة رسمتها اليوم .

    قطرات المطر النقية .. وهي تتكاثف وتتكاثف لتشكل قطرة كبيرة صافية ونقية جميلة المنظر تعكس صورته بشكل أوضح .. وهكذا يجب أن تكون عائلتهم بعد اجتماع أفرادها من جديد .

    حسناً .. بما أنها الصفحة الأخيرة التي ينوي أن يطويها إلى الأبد .. كان عليه أن يقوم ببعض الأمور . وقرر عامر بأن الزيارة الأولى يجب أن تكون للسجن المركزي . يجب أن يواجه ذلك الماضي الذي يظهر له كل حين !

    استأجر سيارة كي توصله للسجن المركزي .. ومر أمامه ذلك الشريط الكريه الذي طالما أرهقه التفكير به .. وآلمه السير فيه . حتى وصل أخيرا ً! احتار من يريد أن يقابل من الثلاثي الباقي في السجن .. صاغر .. أحمد .. ام الصقر ؟؟

    وطلب رؤية صاغر .. لأنه سيتحدث بحرية وبعفوية .. وسيعلم عامر كل ما يريد معرفته بسهولة أكبر من الأثنين الآخرين .

    وطبعا ,, أصيب صاغر بالرعب من هذه الزيارة المفاجئة , فلم يكن أحدٌ يزوره منذ دخوله لهذه الزنزانة .. ولم يكن أحمد بأحسن حال منه أيضاً !

    وهكذا , اقتيد صاغر لمقابلة عامر .. ولم يتوقع الأول أبدا بأنه سيرى هذا السجين مرة أخرى .
    استقبله عامر بابتسامة جميلة , فهو يعلم القلب الكبير الأبيض الذي يملكه هذا المخبول .. في حين استجاب لعاب صاغر لابتسامته بشكل كبير !

    - مرحبا يا صاغر , كيف حالك ..؟؟

    - أنا بخير , ماذا تريد مني ؟

    - أردت الاطمئنان عليكم .. كيف حال أحمد والصقر ؟؟

    - لقد مات .

    - من الذي مات !

    - أحمد هنا .

    خبر وفاة الصقر أسقطته على الكرسي بكل ثقله , لم يتوقع أبدا ردٌ كهذا .. !

    - ماذا حصل ؟؟

    - لقد مات غاضباً مني .

    قال قوله هذا وأجهش بالبكاء ..

    أشفق عامر على هذا المسكين الذي يذرف دموعه حزنا ً وألما ً على شخص لم يكن يحبه إطلاقا ً !
    كان يعلم بأن الصقر مات بسبب آخر غير غضبه على صاغر ,, ولكنه لن يستطيع فهم الأمور من حوله كعادته دائما ..

    - إذا .. لم يبق َ غيرك أنت وأحمد في الزنزانة . وكيف تسير أموركم ؟؟

    - يوجد شخص ضخم الجثة , وهو ينام في فراشي .

    ضحك عامر سرّا .. وقال في نفسه :

    " إذا لديكم ضحية جديدة تتسلون بها ,, أو بالأحرى يتسلى بها أحمد "

    ظل صاغر يثرثر عما يدور في تلك الزنزانة إلى أن انتهى وقت الزيارة . وانتهت معه مأساة عامر وذلك الكتاب المفزع الذي توجب عليه قراءته على مر السنوات الأربع !

    عاد كل منهما لمكانه , وتزامن خروج عامر من السجن دخول صاغر لتلك الزنزانة الكئيبة .. وما هي إلا خطوات معدودة كي يعود لأحضان منزله من جديد .

    وأخيراً , أصبح المنزل منزلا , والسجن سجناً بالنسبة لعامر ,, وأخيراً .. أصبح النور الذي يخرج من عينيه حلالا ,, وأنفاسه الثابتة حياة بكل ما تحمل من معنى !

    حسناً , اليوم هو اليوم الموعود كما قلنا ,, وهو اليوم الذي سينضم فيه كل أفراد العائلة معا ً لأول مرة .. وهو الأمر الذي فشل الآباء بالقيام به .

    دخل عامر المنزل .. وأخذ تلك الشتلة التي وعد سارة بها .. وقرر أن يقدمها عربون محبة .

    إنه موعد الغداء .. وقد أعدت سارة بعض الأطباق , وقامت مها بالتوصية ببعض الأطباق كذلك .. المهم في الأمر هو اجتماع أفراد العائلة .

    وحين وصوله , أخذ بيده زهرة الأوركيد , وتقدم لغرفة المعيشة .. والتي تضم لأول مرة منذ أمد بعيد , أشخاصاً يجلسون على تلك الأرائك الكبيرة .. وتجول عليهم مها كالفراشة .. تحدث هذا وذاك .. كما لو كانت طفلة تطلق المسميات على ألعابها الجديدة ..

    تقدم إليهم عامر وألقى عليهم التحية .. وكانت هذه المرة الثانية التي يقابل فيها أبناء عمه الآخرين .. خالد وأمين وقاسم .. لم يبدُ عليهم الارتباك , وكأنهم اعتادوا المرور بمثل هذه المواقف الحساسة !

    جلس على آخر كرسي في المجموعة وأخذ يتأمل عائلته الجديدة .. هذا الوجه القاسي الذي اعتاد توجيه اللكمات لوجهه .. واعتاد الصراخ والتذمر من آهاته الطويلة .. ها هو يستقبله في بيته ويفتح له قلبا ً محبا ً مخلصا ً كي يدخل فيه بكل سهولة !

    وهكذا .. كان غداء دسماً من جميع النواحي ,, تمثلت دسامته في السعادة الغامرة التي رسمتها وجوههم ,, وبالضحكات التي احتضنتها شفاههم .. علم من خلال جلستهم العائلية أن سارة استعادت ثقتها بنفسها , والتحقت مجدداً بالمدرسة كي تعوض ما خسرته بسبب تلك الظروف التي مرت بها . وهو أمر أسعد عامر بشكل خاص , أصبحت تعني له هذه الفتاة أكبر مما توقع . أعجب بجديتها وعقلها الكبير رغم سنها الصغير .. وخصوصا حين علم بأنها من يتدبر أمور المنزل في غياب سالم .. وهو أمر افتقده كثيراً في شقيقته بسبب دلالها . ولكنه اعترف بصدق بأنها تدبرت أمورها جيداً هي الأخرى بغيابه . لا بد بأن هذه صفة النساء في العائلة !

    بقي أمر واحد في هذه الحكاية .. ظل مختبئا ً بين السطور.. ولكنه سيظهر جلياّ في السطور المقبلة ..

    آن الأوان لمغادرة المنزل الكبير .. وبعد جلسة عائلية مثالية .. وما بين ضحكات متناثرة هنا وهناك .. أخذ عامر سارة في زاوية المنزل .. وأعطاها تلك الزهرة الموعودة .. وقال لها :

    - انظري ,, ثلاث وردات ووردة صغيرة حديثة النمو .

    قالها ونظرة ماكرة تظهر في وجهه البريء لأول مرة .

    ابتسمت سارة بخجل شديد وقالت :

    - انها ورود جميلة جدا يا عامر , شكرا لك .

    أحنى رأسه قليلا كي يصل لطولها .. وهمس قائلا :

    - كنت أتمنى أن تكون تلك السنوات الثلاث في السجن التي تسببتِ بها جميلة كهذه الورود .

    - تسببت بها ؟؟ أنا ؟؟

    - نعم , ذلك الهارب المحترف الذي رمى ما بيده كي يفر بجلده .

    وسط دهشتها , أطلق عامر ضحكة جنونية , أدمعت عيناه من جّرائها .. علم عامر بأنها من كانت تسلمه تلك البضاعة المشئومة منذ وقت قصير فقط ! وعن طريق الصدفة أيضا ..

    عاود حديثه الهامس مرة أخرى , في الوقت الذي كان الخجل يتآكل سارة بشكل لا يوصف :

    - أنا أسامحك , بشرط أن تنتظريني ثلاث سنين مقبلة كي نتزوج !
    +++++++++++++++++++++++++++++++++
    وكانت .. مجرد قطرات متثاقلة من حياة عامر ... سقطت أمامنا بكل وضوح .. وكانت السقطة الأولى التي تسببت بحفر كل تلك الأراضي الشائكة في حياته البسيطة !

    عاش مدللا , خلوقا , مرهف الإحساس كي ينتهي بنفس الطريقة .. رغم ما مرت به شخصيته من تقلبات ومصاعب . ورغم تلك العصا التي آلمته في مواقف عديدة !

    فالإنسان يبقى إنسان , وتبقى نفحات الحب في طفولته تنمو بداخله حتى يصبح طاعنا ً !

    لن تكون الورقة الأخيرة .. ولن تكون حكاية عامر فريدةً من نوعها .. بل هي ما ستكون عليه كل الحكايات بوجود أشباه أبو عامر .. وباقي مفسدات المجتمع .

    سٌردت لكم حكاية عامر كي تثمر حكماً وعبر عل وعسى تتغلغل إلى قلوبكم بكل حب ... وحتى ذلك الحين ..

    فلتمطـــر السمـــاء !


    تحياتي لكم ..

    ~ V!$!0N ~
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  5. #20

    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    ..&جـ غيـــرــدة&..
    المشاركات
    2,183
    اختي ~ V!$!0n ~

    قصه في قمة الروعه...

    اسلوبك في سردها جميلة...


    نهاية جميلة....لاكن اكثر شي حزني موت ام هيثم ...

    يعطيك ألف عافية...

    دامتي ودام قلمك النير...

    ليالي الشوق..
    &&لا شــئ يستحق ان يدوون هــنـــــــا&&

  6. #21
    شــــــاعر
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    قطــــر
    المشاركات
    202
    قصـــــة في منتهى الــــروعة ,, وفي إنتظــار جـديدك




    [grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]عبــــدالعــــزيز[/grade]
    [align=center][/align]

  7. #22

    مشرفة سابقة


    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    1,699
    ~ V!$!0N ~

    بدايةً أشكرك على هذه الرحلة
    التي مافتأت أتركها حتى أكملتها..!!
    جذبتني حرفاً حرفاً..
    وتسللتي بين شراييني وخلايا جسمي..!!
    هكذا ومن دون سابق إنذار
    تساقطت أحرفك أمام ناظري..!!

    أخيتي الغالية
    أغبطك على هذا الإبداع
    سرّني جداً أن أكون من ضمن
    قُرّائك المتواضعين..!!
    أجدت السرد والوصف
    والتغلغل في النفوس البشرية..!!
    رحلتي بنا إلى ذكرياتهم وأحلامهم
    فرداً فرداً.. ألماً ألماً..!!
    أمتعتني حقاً قرائتي لها
    ويسرني أكثر أنك بيننا
    أعجبتني نهاية القصة..!!


    تقبلي مني كل الود والمحبة
    والإحتــــــــرام لشخصك النبيل..!!
    دمتي بألف خير

    "
    "
    التوقيع


    الغوص في غياهب الزمن..!!
    لا لقــاء بعد اليوم

    وداعـاً

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •