صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 22

الموضوع: فلتمطـــــر السمـــــــاء " محاولة قصصية أخرى "

  1. #1

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103

    فلتمطـــــر السمـــــــاء " محاولة قصصية أخرى "

    فلتمطــــــر السمـــــــاء
    السلاام عليكم ورحمة الله

    اخواني الغالين على قلبي .. اعضاء منتدى غرابيل..

    بصراحه بعد الصدى اللي شفته بعد كتابة قصتي الاولى " دروب كفيفة" تشجعت وايد اني اكتب قصة يديده تختلف في مضمونها وهدفها عن القصة الاولى .. اتمنى من كل قلبي ان تكون ارائكم صريحه مثل ما عودتوني , واتمنى ان القصه تكون احسن من مستوى القصه الاولى اذا ما كانت تماثلها ..

    تحياتي لكم

    -------------------



    فلتمطــــــر السمـــاء



    في بداية الأمر, هي مجرد قطرات متثاقلة من المطر .. تتكاثف وتتجمع لتشكل قطرة كبيرة تسقط على رف النافذة الخشبي .. سقوطها ! لقطة بطيئة تمنحك من الوقت لتتأمل صفائها .. ونقاءها .. لتذكرك بأنك رمز من رموز الطبيعة , وأن الطبيعة رمز من رموز الحياة !

    ولكن ! لم يكن هذا ما يدور في خلد عامر وهو يتكئ بيد واحدة شاردا من خلال النافذة , هائما بفكره , يشارك قطرات الأمطار هبوطها المريح على نافذته, ويساعدها لتتكاثف وتسقط، بطَرْقِه ِعلى النافذة ! يراها تسقط ويبتسم .. ثم يعاود الطّرْقَ لتليها الأخرى وتزيد ابتسامته! لتبرز تجويفا كبيرا ورائعا ً في خده , فرحا برؤية شيء نقي آخر يسقط ويتلاشى ! كما سقط هو خلال أيام قليلة .

    كان لدى عامر الكثير من الوقت للتفكير ! ورغم مكوثه الطويل في السجن .. إلا ان أفكاره لم تحمل لونا رماديا مائلا للسواد !مثلما هي الآن , في أحضان الحرية , وبين جنبات ذكرياته السعيدة ! كانت أفكارا تبعث في نفسه الراحة والاطمئنان .و كان الأروع بين أربعة مساجين غريبي الأطوار ! أحمد , سالم , صاغر , والملقب ب" الصقر" ! , عامر ! هو الاسم الأكثر شعبية في السجن المركزي , إنسان ذو مبدأ , خيالي , حالم , وأقرب الى البساطة . الا ان هذه السمعة الطيبة لم تدم طويلا , اذ لم يكن عامر حين دخوله السجن محبوباَ , الى ان أنهكته هذه الرفقة الرباعية بالتجارب والخطط !وأفقدته ما كان يملك من مبادئ شريفة وعينان تعكسان بريق الحياة !

    دخل عامر السجن في لمحة بصر ! لمحة هي أشبه بكابوس استيقظ منه وثلاثة من الوجوه تنظر إليه بفضول ! كان أحمد وسالم وصاغر يجلسون حوله كما تجلس الضباع على بقايا غزال ميت ,,تنظر الى ما خلفته لهم الأسود ! فتح عامر عينيه ليجد أحمد ينفث في وجهه السيجار . ينظر إليه وآلاف الخطط تتطاير من عينيه !وابتسامة خبيثة تطالب بالخروج , وما أن مشى عامر بنظره للاثنين الباقيين , وجد صاغر ينظر الى ملابسه عاقدا حاجبيه وعيناه جاحظتان من الفضول . ظن عامر بأن سيلا من اللعاب سيمطره به صاغر خلال أجزاء من الثانية ! وكمحاولة أخيرة , أشاح عامر بنظره الى سالم ! ليجد به مواسيا أسوأ من الاثنين أحمد وصاغر , فقد استقبله سالم بلكمة على وجهه صائحا:

    - أتظن بأنك في فندق يا هذا؟؟ قم وتناول طعامك .. أم أنك تفضل بأن نحضر لك أكواب من فضة , وحسناء تقوم بخدمتك؟؟

    "يا الهي ! ما الذي كان ينتظرك يا أبي في مكان مثل هذا؟؟؟" قالها عامر في نفسه بخوف كبير , ممزوج بالندم والخيبة , والرضا في الوقت ذاته !

    كان عامر راضيا عن نفسه , فقد أنقذ والده من نفسه , أنقذه من تهم كثيرة وكبيرة جدا بالنسبة لعامر , إلا أنها لم تكن كذلك لأبيه! صحيح بأن دخول عامر السجن لم يؤخر من وفاة والده ! إلا أنه قضى آخر أيامه بين عائلته وأقربائه , ولم يقضها بين أربع جدران ملوثة برائحة السجائر , وذكريات المساجين , وألوان الكآبة , ونفحات البرد القاتلة !

    لطالما راود عامر إحساسا بأن والده لم يكن شريفا , وبأنه كان يتاجر بالممنوعات ! ولطالما أدرك عامر بأن ثروتهم ليست حلالا ! لسبب بسيط , لم يكن أبدا سعيدا بذلك الثراء , على عكس والده الذي كان فخورا بتأمين كل مستلزمات الحياة لأبنائه , عامر ومها .

    مسكينة مها , لابد أنها تبكي بحرقة على وفاة والدها , وعلى دخول عامر السجن أيضا ! فتاة حساسة مثل مها , لا يجب أن تعلم سبب دخول عامر السجن , فهي المدللة من والدها , وكان تهيم به حبا , وتفخر به بين صديقاتها وأقرانها من الفتيات .

    "آه يا مها , هنيئا لك ِ حبه لك , فقد أدركت للتو بأن أبي لم يحبني يوما ً !"

    في ثورة أفكاره , لكمه سالم لكمة أخرى ! وأجبر عامر على الجلوس , الجلوس؟؟ بل هو أشبه بالجلوس , فقد كان الجزء الأكبر بين يدي هذا المتوحش , مذكرا عامر بأنه لن يقوم بخدمته أبدا , كما أمره الضابط المسئول .

    إنه اليوم الأول لعامر في السجن المركزي , بعد نقله مباشرة من المستشفى الى هنا , إذ بعد حجزه في السجن لحين انتهاء الحكم , أبلغوه بالأمرين معاً ! وفاة والده والحكم بالسجن لمدة ثلاثة سنوات بتهمة المساعدة في تجارة الممنوعات ! وكنتيجة لذلك , أدخل عامر المستشفى لسوء حالته الصحية , ومن ثم , الى هنا ! الى هذه الضباع المتوحشة !

    - لا بأس , أرجوك ابتعد عني , فلست بحاجة الى عناية من هذا النوع !

    - عجبا! أيعرف صاحبنا أي عناية يتأمل بالحصول عليها هنا ؟

    أغمض عامر عينيه منزعجاً . مهلا ً انه صوت بعيد ! ربما في الزاوية المستترة عن أعين الناس ! صوت هادئ , غامض , مسيطر . أدار عامر رأسه للزاوية التي يجلس عليها صاحب هذا الصوت الرخيم . ليجد رجلا في أواسط الأربعين من عمره , هزيل البنية , هزيل بشكل لا يصدق ! إلا أن لديه عينين كالصقر !

    - من أنت؟؟

    كان هذا عامر ,, يتساءل عمن يكون من يملك عينين مثل هذه , ويوجه له كلاما مسيطرا ! كأنه مالك قصر , أو دولة ما ؟؟ وليس سجيناً في مكان قذر كهذا !

    قام هذا الأخير من زاويته متثاقلا , حتى بانت نحافته الغير طبيعية أكثر من قبل , واضطر عامر الوقوف لمجابهته , فهو على الأقل , يملك جسدا يفتخر بامتلاكه ! مدّ هذا الغريب يده اليسرى مصافحاً :

    - مرحبا , أنا خالد , قاسم , جمال , كل ما لديك من أسماء , إلا أنني أٌلقّب بالصقر !

    - إنه الاسم المناسب لك بدون شك .

    حاول عامر اصطناع ابتسامة , إلا انه لم يستطع بسبب تلك الوجوه الغريبة التي تراقبه , كأن حالته الصحية والنفسية لا تكفيه ليواجه أشخاصا غريبي الأطوار ! نافث السجائر الخبيث , ومسيل اللعاب , والملاكم , وهذا الأخير ذو الأسماء المتعددة !

    +++++++++++++++++++++++++++++++++++

    توقف عامر عن الطرق على النافذة وإسقاط قطرات المطر , ولكنه بدأ بسلسلة من البحوث , عن ورقة كانت موجودة هنا قبل مجيء الشرطة لسحبه بذاك اليوم !

    " أين وضعتها؟؟ لابد أنها في مكان ما " قال معاتبا نفسه على إهماله الذي اعتاد عليه , حسنا انه لشيء ٌ جميل بأن يبقى بيت العائلة متواجدا لمن لا مكان له . أمثال خريجي السجون !

    " ها هي هنا " قالها فرحا , وأخيرا وجد هذه الورقة اللعينة التي أضاعت من حياته ثلاث سنوات ونصف , بين السجون وجدران الكآبة !

    في ذلك اليوم , حينما طلب أباه الاتصال بهذا الرجل ومقابلته ليسلمه بضاعة مهمة مستعجلة , لأن أباه وقع مريضا في اليوم ذاته الذي سجن فيه عامر . وذهب عامر لملاقاته ظنا منه بأن يسدي خدمة كبيرة لأبيه , غير أن الشرطة كانت بالانتظار ليقبضوا عليه متلبسا بتهريب هذه الممنوعات لذلك الشخص الكريه .

    ما هي إلا ثوان ٍ قليلة ’ ليرى أنوار الشرطة تتقدم نحوه , ليفر ذلك الرجل الصغير الجسم تاركا ما كان بيده بسرعة فائقة , كأنه مدرّب لمثل هذه الأمور , وكأن الهروب فطرة فُطر عليها منذ الصغر !
    إلا ان بساطة عامر لم تسعفه للهروب , ومبدأه الغبي بأن البريء لا يخاف , جعله يقف شامخاً واثقا بانتظار من يخرج من تلك الدوريات المتلألئة في منتصف هذا الليل ! سحب بعدها بدون رحمة وبدون تحقيق إلى ذلك الجحيم المطبق .

    وكأن العالم توقف عند هذه الورقة . نظر إليها عامر مطولا , يحلم بأنه ممثلا في أحد الأفلام التي يستطيع فيها البطل الرجوع للعدد الذي يريد من السنين , ويغير فيها الأحداث كما يشاء , ولكن ! هيهات بأن يستطيع عامر القيام بذلك .

    تملكته رغبة عنيفة بتمزيق الورقة , للآن لا يعرف عامر لم كان يبحث عنها بعدما جلبته له من عناء !لابد بأن القاموس يحتوي كلمة أكبر تأثيرا من عناء , ربما ! السعادة مع عدد من أصفارها الشمال !

    بالطبع , ليس من طبع عامر الانتقام , والسعي لإفساد حياة الآخرين ! إلا انه سيحتفظ بالرقم للضرورة, فقد علمته الحياة بأن كل ما لا يخطر ببال المرء قد يكون مهما ً .

    نظر من حوله الى غرفة العزوبية التي انتهت باكراً , ودفن جسده الهزيل في كرسيه الوثير , بعد ان فقد الكثير من وزنه في السجن , وأخذ يقلب فكره على ما فات , والغريب بأنه لم يلم نفسه على الثلاث سنوات . بل لام نفسه على تلك المدة التي حكم عليه بها نظرا لما حدث معه بسبب الرباعي السجين .


    __________________
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  2. #2

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    ++++++++++++++++++++++++++++



    بعد عدة شهور من محاولة التكيف مع غريبي الأطوار , استطاع أخيرا فهم شخصياتهم جميعا , واستطاع ان يقولب نفسه للتعامل معهم . فنافث الغبار يتصيد الفرص لوضع المخططات , وصاغر جاحظ العينين يسمع هذا وذاك , ولا يفقه الا بطريقة سالم , اللكمات ثم اللكمات ! وسالم , إنسان يرفض الأوامر , ويرفض الالتزام بالقوانين , فغالبا ما كان يسرق من محافظ الحراس , ويضطر الى القتال مرارا وتكرارا حتى يحل مشاكله , اما الصقر ! فهو قضية مختلفة تماما !

    عرف عامر بأن التعامل معه يتطلب منه حنكة وخبره لا يملكها , ولكن الدرس الأهم الذي علمته له الحياة , هو عدم الثقة بالآخرين , ولو كانوا أقرب الناس له , لذا تمكن عامر من اتقاء الشر الذي قد يوقعه به التعامل مع الصقر !

    لطالما راقبه عامر دون رغبة منه , فلقد كان احترام الثلاثة الاخرين للصقر أمرا غريبا ً ! هو أضعفهم بنية وأقلهم كلاما , وأكثرهم ابتساما ً ! و مراقبة ! .

    غالبا ما كان يراه عامر متكئا على زاوية غرفة السجن المظلمة . تحيط به دوامة من الدخان الذي ينفثه أحمد ,, تشكل سحابة بيضاء في زاوية سوداء , وتوحي لمن يراه بقصص الرعب التي تدور في الِبرَك السوداء اللون ,, بيضاء السماء ! لتتحول نفاثات الدخان الى أشباح تداعب قلوب الضعفاء !

    وفي يوم من الأيام , وحينما كان عامر يقرأ بعض الكتب التي جلبتها له مها , وفيما كانت عيناه تلتهمان الحروف التهاما ً , أسقط أحدهم مفتاحا ً بين طيّات الكتاب . يبدو بأنه مفتاح السجن , فعلا , انه يشبه مفاتيح السجن ,, لا أكثر ولا أقل !

    نظر عامر للأعلى ليرى أي سماء أمطرت هذا المفتاح بين طيّات الكتاب؟؟
    الا انها لم تكن سماء ًكما تصورها عامر . كانت وبكل بساطه سماءً هزيلة الجسم . كثيرة الترقب !

    - ما هذا؟
    - انه نجاتك يا عامر .

    ابتسم ابتسامة واثقة , تقود أصغر الجيوش لخوض أعظم المعارك !

    - ماذا تقول؟؟ هل هذا هو مفتاح السجن؟

    - لقد سمعت عن غبائك . ولكني لم أكن أعلم بأنه صافح السماء !

    غضب عامر لقوله هذا وقام من مكانه . يدور كما تدور النحلة قبل موتها ! يفكر ويفكر ويفكر . الكثير من التفكير لن يجديه نفعا ! يجب ان يستفسر أكثر ولا بأس من تعريض ذكائه للسخرية !

    - ولكن . من أين أتيت به؟؟ ولم تعطيني إياه بدل أن تهرب انت بدورك؟؟

    - هذا هو مسكني وملاذي الوحيد . لن أتعب نفسي بمحاولات فاشلة للحياة !

    - اذا . احمد.. صاغر .. وربما سالم ! فهم أصدقاؤك وأتباعك رغم كل شي !

    - أخفض صوتك . ألا يكفيك ما تلقيته من سالم ليلة البارحة حين أفاق على تأوهاتك ؟
    ثم , انت قلت بنفسك بأنهم أتباعي , انهم لا يريدون الخروج .

    - وكيف أعرف بأنها ليست مكيدة أخرى ؟؟ أو ربما مثل ما أوقع بي أحمد عند مائدة الطعام؟؟

    - انه لك .

    اكتفى الصقر بتمليكه المفتاح لعامر . وعرف عامر بأن حرية التصرف تعود له . هل يحاول الهرب بعدما قضى ربع مدة السجن ؟؟ ام ينتظر أن يفرج عنه وبدون مشاكل ؟

    عاود عامر الجلوس . ونظر مطولا لذلك الجسد الهزيل الذي انطوى في زاويته لينام !

    " تبا ً له , لم ينام مطمئنا َ هكذا؟ ! "

    زادت تأوهات عامر , ليستفيق سالم هذه المرة ويمسك بزي المساجين محاولا خنق عامر .

    - كم أكره تأوهاتك هذه ! أيها المدلل , سوف أخنقك كي أتمكن من النوم بسلام !

    لم يحرك عامر ساكنا , لم يقاوم ولم يدفعه عنه بقوة كما كان يفعل مرارا ً . انه يريد الموت . فما يحصل في هذا العالم فوق قدرته على الاحتمال . وبدأ يصدق بأن الله أعطاه عقلا ينفذ أمر التنفس والهضم والنوم فقط !

    لاحظ سالم سكون عامر . وخاف خوفا شديدا ً ظنا منه بأنه أودى بحياة الرجل ! فما حكم عليه من تهم النصب والاحتيال تكفيه عن قضايا القتل المتعمد ! . سحب ما كان يحاول خنق عامر به لينظر في وجهه مليا ً .


    " تبا ً لك . حتى في موتك لن أجد راحتي ! لا تمت أيها الجبان "

    قالها سالم بينه وبين نفسه الى ان راى عامر يتنفس . مغمض العينين . ومستلق ٍ كالقطط الحديثة الولادة ! مستسلمة ومغمضة العينين . وتنفس بدوره الصعداء لكون الرجل حيا يرزق . وأنب نفسه لما لقيه عامر من عذاب بسببه . ألا يكفيه كونه غبيا في هذه الدنيا ؟؟ أم لكونه غبيا يد ٌ في غضبه المستعر عليه ؟؟

    ++++++++++++++++++++++++++++++++++

    في زاوية الشارع المقابل لمنزل عامر , وقفت فتاة تحاسب بائع الخبز , وتفاصله بالسعر كأكبر التجار !هي فتاة بالاسم فقط , فما كان يظهر منها هو شعرها القصير , وكتفان قويان , وساقان طويلان ,, ولباس هو أنسب للفتيان أكثر من الفتيات !
    انها سارة . أخت لأربعة شبان . تبلغ من العمر 15 سنة وهي التي تقوم بإدارة منزل الذكور هذا . بيت صغير جدا . غرفتان وحمام واحد , وصالة للجلوس ومطبخ يكاد أن ينفجر من الدخان المتصاعد !

    كانت سارة تدرس في المدرسة الإعدادية , ولكنها كانت فاشلة دراسيا ً . كانت معلمتها كثيرة الشكوى , وقليلة الرحمة . لم تأخذ بالحسبان ما مرت به هذه الفتاة المسكينة من مصاعب في الحياة . حتى أجبرتها هذه الظروف لتصرف النظر عما يدرّسونه لها في الكتب ! فما تراه في الواقع ليس هو ما ُيكتب في صفحات المبادئ .. وأروقة الثقافة !

    وكونها الأنثى الوحيدة بين أربعة شبان , قررت أن تكمل العدد الى خمسة ! فكانت تلبس كالفتيان , وتتصرف بغير لباقة مع من يسئ إليها ! المظهر الأنثوي الوحيد الذي كانت تظهره هو طهيها المميز.

    لم يلتفت إليها أحد من هؤلاء الاخوه , فكان الأخ الأكبر مسجونا في السجن المركزي , وكما اعتادته كان كثير التذمر , وعصبي المزاج . ولا تتوانى يداه عن التقدم لوجه أحدهم ! لا لشيء وانما كبطاقة تعريف عن صاحبها , كانت بطاقة حيوية تترك أثرا أزرق اللون ! ويالهذه الصدف . كان يدعى سالم ! في الحقيقة , هي أقربهم اليه , قلبا وقالبا ً !
    وكانت تفتقد حزمه ووجوده في المنزل , الثلاثة الآخرون كانوا أيضا أكبر منها سنا , ولكن لكل منهم حياة خاصة , غريبة , وحركية أكثر منها هادئة !

    تقريبا هي عائلة مفككة ظاهرياً , ولكنها متماسكة جدا في الأزمات . كانت سارة تكسب رزقها من الأعمال الحرة , تقوم بتوصيل الطلبات , وفعل ما يأمره به الأغنياء , وتتألق عينيها حين ترى أموالهم الغالية تتدفق في يديها الصغيرتين . لتسرع في تخزين الجزء الأكبر منه , وتصرف منه الجزء المتبقي على المنزل علاوة على ما يعطيه إياه إخوانها من حين لحين .

    حتى هذه اللحظة حياة هذه الصغيرة سارة كحياة المتسولين , ولكن هي في الحقيقة لم تتوانى أبدا عن إيجاد ذلك الرجل الخفي الذي يرسل لها الهدايا من وقت لآخر . سمعت من بعض المعلقين بأن السيارة الفارهة التي كانت تصل محملة بالهدايا لها هي من أحد الأغنياء المجهولين , ويتبرع لها رغبة منه في التكفير عن أخطائه الكثيرة ! وكانت تكتفي بمثل هذه التعليقات عنه . إلا ان خروجها من المدرسة , أنْبتَ في عقلها الصغير شجرة مليئة بالأفكار والهواجس ! حتى أنها سألت أخيها خالد ذات مرة :


    - خالد , هل انت متأكد بأنني شقيقة لكم من الأب والأم ؟

    ضحك خالد بشدة على سؤالها الغريب , وأجابها بالتهام ما تبقى في طبقه من طعام .

    لذا , أبعدت هذه الأفكار الغريبة من مخيلتها , وأصبحت تبحث عن أعذار أكثر قبولا وواقعية تجعل رجلا مسنا يبعث لها بالهدايا الثمينة , رغم أنها تسارع ببيعها للاحتفاظ بالمبالغ في خزنتها السرية !

    ++++++++++++++++++++++++++
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  3. #3

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    ++++++++++++++++++++++++

    مازال عامر يصارع ذكرياته خلال السنين الماضية , وكأنه يقلب كتاب قديم كلما تصفح منه صفحة مزقها إربا إرباً ! حتى تتلاشى وتنتهي من حياته. مازال يشتم تلك الروائح النتنة المنبعثة من فضلات طعام حراس السجن , وأنواع التبغ لكل منهم . ها هو يتنسم رائحة المطر النقية .. لعلها تغسل شيئا من تلك الروائح القديمة المستهلكة ! هذه هي بالضبط الكلمة المناسبة , مستهلكة كما هو حال المساجين !

    أدرك عامر بأن حياته عرفت الكثير من الغباء , بحيث أصبح صيدا سهلا للصقر وأعوانه . لم يعلم أبدا السبب الذي يدعوهم لكرهه لهذه الدرجة . والسعي المستمر لإيذائه ! ربما لم يكن كرها بالمعنى الدقيق , وإنما أداة يتسلون بها في وحدتهم تلك .

    كان عامر حائرا بذلك المفتاح الذي وضعه الصقر بين يديه , ولم يعرف ما هو السبيل لاستخدامه .
    الى ان وقعت عيني صاغر على المفتاح وأقبل لعامر لاهثا يكاد لسانه يقطر من الفضول :

    - هل هذا هو المفتاح الذي أراه في منامي كل ليلة؟

    - ظننت أن الخروج من هذا الملحق الملكي لا يروق لك ولا لأصحابك !

    - ماذا؟

    " شكرا يا إلهي , لوجود من هو أغبى مني في هذا العالم ! "

    - أقول , هل يهمك الخروج من هذا السجن؟؟


    - يا الهي ماذا تقول؟ وهل سيتركني الصقر أفعل ذلك؟

    - ولم تظنه يريد إخراجي أنا بالذات؟

    - لأنك.. غبي.. وأحمق ,, وتنوح كالنساء !

    قال تلك الكلمات وبينها فواصل كثيرة ,, كأنه يتذكر كل الصفات لعامر .. ولكن طريقته في التذكر كانت غريبة ! لان تنظيف أظافر رجليه للتذكر يعتبر غريبا ! الا توافقونني الرأي؟
    إلا انه ضحك ضحكة هي أشبه بالنهيق منها الى القهقهة .

    فكر عامر مليّا بما يمكن أن يحويه كلام هذا الصاغر , فالمقولة تقول خذ الحكمة من أفواه المجانين , ويا له من فاه ٍ رطب ٍ يملكه !

    ربما يكون كلامه صائبا ً , قد يرغب الصقر في خروجه من السجن , فهو لم يكن يوما طوعا لأوامره , ولم يكن يوماً مؤهلا لذلك أيضاً. وكما يبدو, يملك الصقر من السلطة ما يمكّنه من الحصول على مفتاح السجن !

    " فليكن هروبي قائماً الليلة , لقد ضقت ذرعاً بهذا المكان الموحش وحدي ."

    كان عامر معمي البصيرة , يرى أمامه دربا سهلاً وطوعا لرجليه الطويلتين , وكأنه يشعر بدفء الشمس .. ويشتم عبير الورود .. ويسمع زقزقة العصافير !

    كم تبدو الحرية خيالية حينما يفقدها المرء ,, وكم تبدو كالحلم الجميل عند خط الانتظار الطويل للمطالبين بحياة سعيدة !

    أخذته الأحلام الوردية , وقام بما سيقوم به كل من يملك حق الحرية .. ومن لا يملك الحق كذلك .
    لقد هرب , هرب وهو يلقي النظرة الأخيرة ورائه , على منظر ألفه منذ شهور ,,الرباعي التعيس وقت النوم ! أحمد وهو يقاوم النوبات الصدرية التي تنتابه كل ليلة , وصاغر بفمه الكبير .. وسالم عاقد الحاجبين ,, يا لوسامة سالم ! لو أنه فقط يتخلى عن تلك اليد الثائرة . لأصبح صديقا جيدا عند الأزمات !

    الصقر .. منطويا في زاويته المظلمة .. كما هي حال صاحبنا عامر في هذه اللحظات .

    فتح السجن بكل هدوء , , ويكاد قلبه يسبقه للخروج ,, ويداه ترتجفان خوفا ورعبا مما قد يحول دون هروبه . كان يتمنى لو أنه يملك جنّية صغيرة تسبقه لاستكشاف الممرات ! حتى أنه بدأ يراها تركض أمامه سعيا لمساعدته !

    نجح في فتح القفل بدون أي صوت , وكما اعتاد دائما في هذا الوقت .. الهدوء التام , حيث يتم استبدال المناوبة بين حرّاس السجن , ومن السجن الى السلم الخلفي ..كان مقفلا , الا أنه كسره بعنف كبير ,, كيف لا وهو يرى حريته تستقبله بالأحضان !



    تبع هروبه ممرات طويلة وعديدة ! كان سريعا في حركته وحذرا بدرجة لا توصف , حتى توقف قلبه عندما كان يحاول القفز من الحاجز .. حينما أوقفه شرطي بابتسامة خبيثة !

    - ما رأيك لو أساعدك في القفز ؟؟

    صحيح بأن قلب عامر توقف حينها . إلا أن لكمات سالم كانت دروسا عظيمة ! طبقها بحذافيرها على الشرطي .. محاولة الهروب , كانت تلك بداية دخوله عالم العنف , لقد أوسع الشرطي ضربا حتى سالت الدماء منه وسقط مغشياَّ !

    ثم هرب !
    ++++++++++++++++++++++++

    فتح عامر عينيه , ليجد ثلاثة من الوجوه تنظر إليه بفضول ! كان أحمد وسالم وصاغر يجلسون حوله كما تجلس الضباع على بقايا غزال ميت ,, تنظر الى ما خلفته لهم الأسود !

    " تبا ,, لم على هذا المشهد الكريه أن يتكرر ؟؟"

    قالها عامر في نفسه بقهر شديد , وهو يتذكر الشرطي الذي لحق به بعد قفزه من الجدار , وانتقم لصديقه بضرب عامر ضربا مبرحا ً ! حتى أدخل المستشفى ثم عاودوا سجنه مره أخرى . وتمديد الثلاث سنوات الى ثلاثة سنوات وستة شهور . تذكر عامر تلك اللحظات المشئومة وعاود النظر الى تلك الوجوه التي ألفها .

    - أرى بأن نعيد التفكير بإمكانياتك يا هذا .

    قالها أحمد ثم نفث الدخان في وجه عامر بسخرية كبيرة ..

    - تبا لك ولدخانك الكريه . سأوسعك ضربا كما ضربت ذاك الشرطي الغبي .

    إنها لبداية دخول عامر عالم العنف فعلا , لم يتوقع أبدا بأن تجعله الظروف شخصا عنيفا ويحل مشاكله بدون تفكير , وهذا أول ما دار في خلد عامر بعد قوله هذا . رغم أن أحمد لم يتأثر البتة بهذا التغير العنيف , لابد أن يكون اعتاد على هذا من سالم حتى أصبح الأمر سيان بالنسبة له !

    - أين هو صاحبكم ذو الأرجل النحيلة ؟؟

    ما أن استوعبت هذه الوجوه الثلاثة قصد عامر حتى انقض عليه سالم يريد لكمه بشدة ! ولكن عامر كان له بالمرصاد هذه المرة , فدفعه عنه بقوة حتى وقع عند قدمي هذا الملقب بالصقر !

    حتى رآه عامر واقفا شامخا كالقلم حين يكتب قصيدة ً ما ! وتوجه اليه حتى تكاد تقسم الأعين على تطاير الشرر من عيني عامر , توجه اليه وهو حانقا غاضبا لما ورطه به الصقر , والذي ساق السجن لزيادة اقامته في هذا الجحيم المغلف بورق الاستقامة والانضباط !

    - لن أغفر لك ما فعلته بي .

    - كل ما فعلته هو اعطاؤك فرصة للخروج من هنا أيها الأحمق , ولكن كان يجب أن أعرف بأن غبياًّ مثلك لا يمكنه القفز من ذاك الجدار القصير القامة !

    في حقيقة الأمر , كاد عامر يقر لنفسه بهذا , ولكن هيهات أن تبرد النار التي في جوفه مع خروج تلك الافكار على العلن ! , وكردة فعل طبيعية قام عامر بضرب الصقر , حتى سالت الدماء منه , ومن سالم أيضا حينما حاول الدفاع عنه ! وكأنه يقول لسالم بأن دروسه لم تذهب سدى ً , ولطالما تفوق التلميذ على استاذه !

    بعد انتهاء تلك المعركة التي شهدها حراس السجن بمتعة كبيرة !ومع كثير ٍ من الهتافات والتحيات ! جلس عامر في مكانه يلتقط أنفاسه بصعوبة , ويحاول أن يجمع شتات عقله الذي فقده من لحظات . نظر لقبضة يده وأعطاها قبلة مطوّلة , فهي من سترافقه لحمايته بقية حياته , وهي من أخمدت بركانه الذي ثار منذ لحظات !

    إنها لوجوه ضباع فعلا , فما أن رأت عامر بحالته تلك , حتى ابتعدت تلك الوجوه , كلن في زاويته , ينظر بعجب لذلك المخلوق الضعيف الذي ثار فجأة ! وأدركوا أخيرا , بأن الحرية تعني له الكثير , وربما أكثر بقليل من الكثير !

    +++++++++++++++++++++++++
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  4. #4
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل
    Apr 2003
    الدولة
    ..
    المشاركات
    819
    كاتبة قصصية رائعة ...
    تملكين (( مَلَكَة )) الكاتبة القصصية الجيدة .. الكاتبة بأسلوب مترابط وسرد رائع مميز..
    ننتظر باقي القصة .....
    لي عودة بكل تأكيد إن شاء الله ...

  5. #5
    إدارة عامة الصورة الرمزية أبوعبدالرحمن
    تاريخ التسجيل
    Dec 2002
    الدولة
    غرابيل
    المشاركات
    34,173
    فيجن

    ابحرنا مع حرفك ومع هذا الخيال الخصب ,,,

    ننتظر باقي الاجزاء

    تحياتي لك
    (خريفك) مع (ربيعك) مع (شتاء قلبك) مع( حرّه)=( فصول العشق ) تاخذني كذا من ( زحمة الأيام )
    لسانك لا سكت وإلا حـــكى ( لله يا درّه ) = سكوتك ( حكمة العاقل ) وهرجك ( قمة الأنغام )



    [email protected]

    www.aait.sa
    www.mta.sa

    0503444442

    اللهم إن لنا أخوان وأخوات في هذا المنتدى
    منهم من غاب عنا لأي سبب
    ومنهم من هو غائب حاضر
    ومنهم من هو مستمر حتى الآن
    شاركونا بعلمهم .. وخبراتهم .. وتجاربهم
    ناقشونا ونصحونا وعاتبونا
    واسونا في أحزاننا وشاركونا أفراحنا
    نتمنى لهم الخير والسعادة أينما كانوا
    وندعو لهم بظهر الغيب أينما حلوا
    اللهم احفظهم وأغفر لهم وأنزل عليهم رحماتك أحياءً وأمواتاً

  6. #6
    تفاحة غرابيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2003
    الدولة
    أغصــ KSA ـان
    المشاركات
    956
    تنسج كلماتك من خيوط الشمس .. رائعه تصوير..
    نعيش معها.. بعذوبه التعبير..وجمال التشبيه
    فهنياً .. لتلك الحروف التي تنصاغ بشكل فريد..
    من بين أناملك تنهمر العبارات .. تسقط وتجيب..
    ف سلمت اناملك الكاتبه وحروفك الغدقة..

    ~ V!$!0N ~

    أطلالة رائعة
    وقصة مؤثرة
    ولطولها لي عودة مرة ثانية

    وتحياتي لك..
    [IMG]http://bigsaleh.********************************************/s173.JPG[/IMG]


  7. #7

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    لن أعلق على روائعكم .. بل سأكمل مسيرة كتابتي بانتظار ان تبقى روائعكم ثابتة ..

    شكرا لكم

    =============


    +++++++++++++++++++++++++

    أشعل عامر السيجار الفاخر وعاود الوقوف على النافذة , انه السيجار الذي وجده في درج والده بعد خروجه من السجن , وأدرك عامر بأن والده أورثه عادات سيئة , ومستقبل مظلم , وسيجار فاخر ليكمل مسيرة الحرق التي بدأت حين دخوله للسجن .

    فكر عامر بينه وبين نفسه بسخرية , بأنه أًصبح نسخة مصغرة عن والده المتوفى , باستثناء الفرق البسيط الذي يفرقهما , إذ ان الجرائم التي ارتكبها والده غير مسجلة في سجـِلّه, واللا جرائم التي ارتكبها عامر مسجلة جميعا , وبالبند العريض أيضا ً !

    انها النافذة نفسها التي كان يرقب من خلالها الفقراء وهم يتسولون من بيته الكبير . كانوا يتصافون عند رجلي الحاجب حتى يرمي لهم القليل القليل .. والذي يرونه هم الكثير الكثير ! حتى ان منظرهم كان يثير في قلبه الحزن , وينتزع منه دمعه تلو الدمعة شفقة بحالهم هذا .

    أدار وجهه عن النافذة , فهي كما يبدو منظارا لكل ما كان في حياته قبل دخوله للسجن. وما أن أشاح بوجهه حتى رأى مها واقفه شامخه .. تبدو عليها ملامح الجديه والحزن . نظرت اليه مطولا ونظر اليها دهرا , قبل ان يستطيع أي منهما البدء بالكلام .

    حتى بادرت عينيها بومضه خلّفت بعدها دمعة حارة حرقت وجنتيها الورديتين . ثم نظرت شزرا للسيجار الذي يدخنه عامر , فهي تعرف تماما كم كان عامر يكره هذاالسيجار الفاخر المغلف بورق المرض والتلوث . ثم تحول نظرها تدريجيا لهيئة أخيها , وتساءلت ! أي حال ٍ كان يعيشه عامر ليصبح هكذا؟ نحيلا , شاحبا , ومدخنا أيضا ! لم كان عليه رمْي نفسه في ذلك الجحيم ؟؟ منذ متى كان يمارس تلك العادات السيئة ؟؟ ولماذا قام بها رغم ثراء والدها !! أيعقل أن يكون هذا عامر الذي كانت تتهافت عليه صديقاتها ؟؟ والذي كانت تسرق الفتيات صورة له بالخفاء عنها ؟؟

    كانت بعد دخول عامر السجن ووفاة والدها . وحيدة , بائسة .. لم تجد من يحميها رغم صغر سنها , حتى أنها احتفلت بتخرجها من الثانوية بجلوسها وحيدة في المنزل , تتلقى التهاني من صديقاتها , ولكنها تهاني مذيّلة دوما بالشفقة على حالها !

    لطالما جلست مها وحيدة أمام المدفئة , تفكر بتلك الأيام القليلة التي أفقدتها أخاها , ووالدها في الوقت ذاته ! كانت تجلس في وسط كومة من الأوراق , والتي تتطلب توقيع ولي أمرها على انضمامها لإحدى الجامعات .. ! كم كرهت حياتها في ذلك الوقت .

    أطفأ عامر السيجار خجلا من اخته الصغرى وهي تؤنبه بنظرة ملؤها الغضب والتعالي , كما ألفها دوما , رقيقة, مثالية ومدللة !

    ها هو يرى مدللته الصغيرة تذرف دموعا حارقة , ويستاءل لم َ لم ْ يفكر قبلا ماذا سيفعل حين مقابلتها ؟؟
    اذ حينما كانت تزوره في السجن , لم يكن يطيل بقاؤها , كان يسالها عن حالها ويصرفها سريعا , خوفا عليها من جو السجون , ومن العرق الذي ينضح من جدرانها . كان يتمزق مع نظرات حراس السجن الوقحه لاخته . وهي تقف بكل براءة تبكي وتسأله مئات الأسئلة . كي يقف هو صامتا تدور عينيه مهددة لكل الأعين الفضولية التي تراقب اخته الغالية .

    لم يكن مستعدا بعد لمقابلتها , فهذه هي الساعات الاولى من حريته , والتي سرقت ذكرياته الحزينه الجزء الأكبر منها . لانه حين دخوله منزله لاول مره بعد ثلاث سنوات ونص , بحث عنها ولم يجدها , ثم بحث في درج والده المتوفى كي يجد ميراثه الصغير , السيجار الفاخر , والذي يبدو انه لن يستفيد منه بوجود اخته بالمرصاد !

    وأخيرا قررت مها البدء بالكلام , وكان عامر ينتظرها بخوف شديد , وهو يؤنب نفسه لعدم تجهيز الإجابات التي تحتاجها مها لتعيش بسلام .

    - أخبرتني الخادمة بأنك عدت .

    - نعم , ألست سعيدة لرؤيتي حرّاَ؟؟

    - كنت حزينة .

    قالتها ثم أجهشت بالبكاء . لم يستطع عامر ان يحرك ساكنا . وقف جامدا ينظر اليها , ومع كل دمعة تنزل من عينيها , ينزف قلبه دما !

    لم لا يضمها ببساطة؟؟ لم لا يخفف عنها ما أصابها من حزن بسبب غباءه ؟؟ أيعقل أن يكون السجن سرق منه حنانه وعطفه؟؟

    تقدم خطوه اليها .. مد يده للإمام ليضمها ! ولكن شيئا ما كان يسحبه للتراجع , نظرت مها لتلك اليد الممدودة بتردد نحوها , حاولت سبر غور عينيه لتستشف منه سبب تردده .. ولكنها لم تجد سوى ظلاما دامسا .. وكأنه المطر حين غياب القمر ! يتساقط ببطء وخفية , لا يعلم بسقوطه أحد .. كانت تلك دموع عامر .. وهو ينظر لأخته الصغرى بعد سنوات من العذاب , وهي من اعتادت الدلال والعناية .

    " كم أكرهك يا أبي "

    +++++++++++++++++++


    هنا , اجتماع الضباع .. وقت الطعام .. والبقاء للأقوى ! جلس كل المساجين حول تلك المائدة القذرة البنية اللون . تخرج منها آلاف الروائح الكريهة , وهي كفيلة وحدها لمنع شهية أكثر الناس شرها للطعام ! كانوا يتهافتون على أشباه الطعام الذي كانوا يتناولونه كل يوم , ولا يخلو الأمر من لكمات جانبية على أفواه مليئة بالطعام , ليتناثر على باقي اطباق المساجين . وكأن شيء لم يكن , يكمل بعضهم طعامه بكل شراهة وبدون أي تفكير بتلك البقايا التي تجمعت في طبقه !
    وكعادتهم .. اجتمع أحمد وصاغر وسالم على تلك المائدة . وخصصت طاولة جانبية للصقر , ومئات العيون ترقبه بحسد كبير وبالخدمة التي يتلقاها هذا النحيل !

    - اسمعوا جميعا , بعدما خرج ذلك الغبي من السجن , أرى بأن علينا الخروج أيضا .

    كان سالم يتحدث لصديقيه بصوت منخفض , لان الصقر لا يسمح لمثل هذه الأحاديث بالمناقشة . رد عليه أحمد وكأن الغيث قد وصله , فهو يعتبر نفسه منفذ الخطط , ولطالما افتخر بالمقالب والحيل التي كان يحيكها لعامر المسكين قبل خروجه من السجن .

    - هاهو عقلك الصغير بدأ يفكر بدلا من يدك المتهورة . لدي خطة محكمة للهروب من السجن . كل ما عليكما فعله هو الهاء الصقر عني .

    - وما هي خطتك؟ أرجو ان تكون طويلة المدى , لان خططك تبوء بالفشل دائما . سطحية وسخيفة مثلك تماما .


    - ألديك حل آخر ايها البروفيسور ؟

    قالها بتهكم كبير , ولكنه ممزوج بمراقبة تلك اليد خوفا من مداعباتها الغير مستساغة ! وفعلا .. كان سالم يربت على قبضة يده مهدئا . ولولا أنه يناقش أمر مصيره هنا .. لقلب طاولة الطعام وما يحتويه من قذارة على رأس أحمد . وليس بمستبعد أن يقيم على تلك الطاولة مرقصا أيضا !


    هنا , طرق سالم مفكرا بخطة أحمد . وما هي الا عبارة نطق بها صاغر بدون إدراك منه . حتى تغيرت فكرة سالم عن الهرب .. وأغض البصر عنها :

    - ولكن . ما هي الا شهور قليلة حتى تخرج .

    فكر سالم بكلماته بعمق . فعلا .. كل ما تبقى له هو شهور قليلة .. ستتضاعف ان فشلت خطة أحمد للهروب . وسيكون هاربا من العدالة دائما !

    " لقد سئمت حياة السجون هذه .. اشتقت لحريتي "
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  8. #8

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    "هل هذه هي الحرية التي أريد؟؟"

    سؤال طرحه عامر على نفسه لأول مره بعد خروجه من السجن بثلاثة شهور . كان يتوق للخروج , والبدأ بعمل جديد , والعناية بأخته وإصلاح ما هدمته مدة سجنه الطويلة . الا انه ومنذ خروجه , لم يفكر الا بتلك الثلاث سنوات ونصف التي قضاها بين قضبان ذلك الجناج الملكي . هذه هي حديقة المنزل الفاخرة , مازالت تتمتع بالجمال الذي عهده دوما ! كان والده يهتم بالحديقة بشكل شخصي, وحريص على زرع كل انواع الزهور والنباتات . حتى أصبحت معلما شهيرا لمنزل أبو عامر . بدأ بإرضاء عينيه ببعض المناظر الخلابة التي خلفتها الأمطار . وكأنه يعتذر لها عن كل تلك الألوان السوداء التي اعتادت عيناه النظر اليها في السجون .

    كان عامر يمشي رويدا رويدا ويتفقد ما فاته من النباتات الغريبة الشكل والنادرة الوجود . أغمض عينيه ورفع رأسه للسماء . لحظه صامتة غالية لطالما كان يروي ظمأه في السجن بتخيلها ! لحظةُ يكون الندى متزاحما على أوراق الأشجار ! ويسمع صوت العصافير وكأنها تنشد له أنشودة الحرية ! حتى أصبحت حقيقة في واقعه الجديد .. حقيقة خاف من أن يكتشف بأنها أحد أحلامه الكثيرة أذا عاود فتح عينيه .

    ولأنها لحظات سلام يعيشها لأول مرة .. كان لابد من ظهور النقيض في فكره ! شرد عامر بتفكيره نحو أشباح ماضيه ..

    " يا ترى ماذا يفعل الرباعي في السجن.؟ هل رمى لهم القدر ضحية أخرى يتسلون بها ؟؟"

    مازال عامر يتساءل بينه وبين نفسه عن سبب كره الصقر واعوانه له , لطالما كان عامر محبوبا من الجميع ,,لذلك فهو يجد صعوبة في التصديق .

    كان الصقر يرقبه بنظرات قاسية , لئيمة , لم يعلم عامر كنهها أبدا ! ولم يتجرأ كذلك على معرفة السبب .

    " هاأنا ذا , أعاود غرق نفسي في تلك الدوامة مجددا ! "

    لم يعرف عامر أبدا السر الذي يجعل خريجي السجون ,, يبتسمون عند مرور ذكرى السجن وأهواله ! ولكنه الآن أًصبح يعرف جيدا , فها هو يبتسم حين يتذكر كل تلك المقالب التي كرهها من أحمد , وصاغر المسكين , وسالم الثائر ! كم تؤثر الأماكن على نوعية أفكار المرء .. إذ أن تلك المقالب كانت تنغص عليه عيشه في السجن . وكان يغضب منها أيما غضب ,, أما الآن ,, هو يتذكرها بابتسامة ,, لانها وببساطة ..أصبحت من الماضي ! ويتذكرها بينما هو جالس في أحضان الحرية ,, ينعم بدفئها ويشتم عبيرها !

    وفي غمرة افكاره , وقف أحدهم عند باب منزله , شخص يبدو عليه الارتباك والتوتر .. وكأنه لص جريء يقف عند المنزل الذي سرقه قبلا !

    تردد عامر في التقدم لذلك الشخص الغريب , فهو ليس مستعدا بعد لمواجهة الأشخاص , فمن رآه في السجن يكفونه لعشر سنين قادمة . الا انه وجد نفسه يتقدم ببطء كأنه هو أيضا أحد زوار هذا المنزل الكبير.

    ما أن رآه هذا الشخص حتى ابتسم ابتسامة عريضة . لم يستطع عامر سوى الرد بمثلها . ولكنه ما أن رفع رأسه لذلك الشخص حتى دُهش !

    " يا إلهي إنها فتاة "

    ولكن لم تلبس هذه الفتاة ملابس الرجال .. ويكاد المرء يظنها فتى ً يافعا في مقتبل العمر . ظن عامر بأنها متسولة أو جاءت تطلب عملا ما ! .. وفكر ساخرا بأنه سيطلب منها ذات الشيء إذا تجرأت ونطقت بتلك الكلمات !

    حيته الفتاة ومدت يدها للمصافحة , يبدو أن هذه الفتاة جريئة كثيراً للقدوم وحدها لبيت غريب .

    - مرحبا , بم أخدمك آنستي ؟

    - جئت أسأل عن صاحب هذا البيت . من أنت ؟

    إنها لجريئة فعلا , رغم كونها فتاة إلا انها تتكلم كما يتكلم رجال الأعمال ! وتسأل بكل ثقة كأنها تملك العالم بين يديها الصغيرتين .

    - هل تفكرين في شراء المنزل آنستي.؟

    قالها عامر مداعبا , لكي يبرز التجويف الرائع في خده للمرة الثانية في أيام قليلة ! ولكن كما يبدو , لم يعجبها الرد أبدا :

    - سأفكر بالأمر , ولكني في الوقت الحالي أريد معرفة صاحبه . هل أنت هو ؟

    - حسنا , إنه ملك لي ولأختي أيضا !

    - ولكن الجيران أخبروني بأن العجوز الذي توفي , ترك لابنته المنزل بأكمله ! ولم يذكروا بأن لديه ابنا أيضا ً !

    - يا لوقاحتك ! قلت لك بأنني ابنه , أي خدمة أخرى؟

    - ولم كل هذا الغضب ؟ ربما كنت مسافرا لمكان ما ؟؟ ولم يعلم أحدٌ بوجودك !

    - نعم , كنت في الجحيم , وشكرا لتذكيري بذلك !

    كان عامر يدّعي بأنه نسي مكانه في الثلاث سنوات السابقة , ولكنه لن يخدع نفسه أبدا , إذ ان ذكرى ذلك المكان لا تزال تلوح له في الأفق ! غضب عامر لما تناقلته الألسن عن عدم وجود أبن لوالده , وإنكار ما ضحى لأجله عامر سنوات طويلة . أيعقل أن تكون هذه المشاكسة تتلاعب بي؟ كيف يمكن أن ينسى الناس وجوده في السجن رغم كل شيء؟

    - حسنا لا بأس , أنا آسفه , ولكنني فعلا أود معرفة المزيد عن العجوز .

    - وهل هناك سبب مقنع لهذا التحقيق الدقيق؟

    - نعم هناك سبب مقنع جدا , ولكنني لا أستطيع إخبارك به .

    - إذن , لا يوجد لدي ما أقوله لك .

    - هكذا إذا , لا بأس , يسعدني التعرف لاختك الكريمة , سوف تفهمني بالتأكيد .

    قالت قولها هذا وانصرفت بكل ثقة , وبعد أن رمته بنظرة تحدي .

    نظر اليها عامر مطولا , وتساءل بينه وبين نفسه عن السبب الذي يدفع فتاة يافعة للسؤال عن والده المتوفى ! ثم هز رأسه ساخرا من نفسه ككل مرة , واكتشف بأنه فشل في اشياء كثيرة تلزمه لحياة مشّرفة , كالمساومة مثلا ! لقد تغلبت عليه تلك الفتاة بكل سهولة , وتركته في غمرة أفكاره الكئيبة عن والده .

    ثم قرر أخيرا معاودة تفقد النباتات والأشجار , فهي على الأقل تكتفي بالتضليل عليه بدون أن تُظهر له شيئا من مساوئه !
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  9. #9

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    +++++++++++++++++++++++++++++

    غادرت سارة المنزل الكبير وهي حانقة غاضبة , لأنها لم تستطع الحصول على إجابة على تساؤلاتها ! حسنا لا بأس , توقعت أن يستقبلها أحد الخدم الذين يحبون الثرثرة , وليس أبن العجوز الذي تدور حوله الأسئلة .

    حاولت تذكر ما كان يقوله الجيران عن ابن صاحب هذا المنزل الكبير .. وِفعْلته التي أدخلته السجن قرابة الأربع سنوات . صحيح بأنها نقلت إليه ثرثرة خاطئة فقط لتغيظه , ولكنها كانت تعلم جيدا بأنه كان في السجن , وليس بأي سجن ,, كان في السجن المركزي . وهذا يعني بأن جنحته كبيرة . والغريب , بأن وجهه طفولي كثيرا ولا تظهر عليه أبدا ملامح المجرمين . حتى أنه مهذب في حديثه !

    ماهذا؟ هل بدأت بالإعجاب الآن ؟ يجب أن تركز جيدا على ما خططت له , وقررت بأن أسلم طريقة لتقصي الأخبار عن ذاك العجوز , هي بالتعرف الغير مباشر على ابنته المدللة !

    " كم يلزمني كي أكون كفؤا لمصادقة فتاة ثرية مثلها ؟" فكرت بذلك بحسرة كبيرة , ولكن ! هذا ما استطاعت أخذه من الحياة , وفي الحقيقة .. هي فخورة بما استطاعت إنجازه لوحدها وبدون مساعدة أخوانها .

    وبما أن تفكيرها وصل لإخوانها , تذكرت فرحة بأن عودة أخيها سالم الى المنزل باتت قريبة , هي مسألة شهور قليلة ويملأ البيت من صراخه ومزاجه العكر . الا انه خدوم . خدوم جدا !

    ها هي وصلت الى المنزل ," كم يبدو الطقس جميلا بعد هطول الأمطار ".
    قالتها مبتسمة , وكادت تضحك لسرعة ما تلاشى غضبها عند خروجها للمنزل , هل السبب خروج سالم من السجن , أم انه مثلما يقول المثقفون.

    " مع كل خطوة على رجليك , تُطوى صفحة عريضة مليئة بالغضب "

    عبارة , استبقتها سارة بحركة مسرحية أمام الأزهار الرخيصة أمام منزلها , وما ان انتهت منها حتى قطفت زهرة جميلة جدا .. ولكنها بدون رائحة !

    " أعترف بأنك زهرة رخيصة , فقيرة الحظ مثلي , الا أنني أقسم على جلب تلك الزهرة الرائعة لزرعها هنا بجانبك .. كي تعيرك قليلا من شذاها الفريد .. تماما كما كانت سابقا ! "

    وأشارت بإصبعها للمكان الفارغ الذي اعتنت به سارة مطولا.. وحرصت على بقائه خاليا حتى تجد تلك الزهرة التي كانت تزرعها أمها! . إنها بقعة صغيرة من الأرض , اعتادت والدتها زراعة زهرة رائعة الجمال . يُسحِـر شذاها كل من يمر بالقرب منها !

    أكملت سارة طريقها لداخل المنزل الصغير . كم هو صغير بالمقارنة بذلك المنزل الفخم الكبير . ودخلت لغرفتها المربعة الشكل , ونظرت اليها بغرام . صحيح بأنها صغيرة جدا , وتملأ جدرانها الرفوف الكثيرة المبعثرة , الا انها حاضنة أحلامها , وملجأها الصغير !

    ومن تلك النافذة الصغيرة .. اعتادت سارة مراقبة القمر حين اكتماله , لطالما حاولت الإمساك بحزمة الضوء التي تتسلل الى غرفتها كل صباح , كانت تفيق من نومها وتمد يديها الصغيرتين لتلك الحزمة الضوئية الرائعة . كأنها يد والدتها تمتد اليها من السماء لتخبرها بابتداء يوم ٍ جديد .

    تنهدت ساره ثم بدأت بالبحث عن لبس نسائي مناسب , كي تلبسه عند زيارتها لابنة العجوز . لا تريد أن تكون في موقع شك بسبب ملابسها الصبيانية !

    وحينما لم تجد شيئا .. قررت استخدام اموالها التي ادخرتها للعازة . وكم أثبت لها هذا أهمية المعلومات التي تريدها عن ذلك المتوفى .. لانها لا تنفق مالها على ملابس نسائية أبدا .. أبدا !

    جلست ساره على كرسيها الخشبي الصلب . وتذكرت تلك الليلة المشئومة , يستحيل أن تتمكن يوما من نسيانها . إذ ما زالت تذكرها بعد مضي ثلاث سنوات وأكثر .. وتذكر كم بكت ليلتها كثيراَ خوفا وندما !

    تلقت ليلتها رسالة . وصلتها بهدوء من أحد الأشخاص الذين اعتادت على توصيل طلباته لزبائنه , ولكنه هذه المرة كان يريد منها أن توصل شيئا مهما لأحد الأشخاص في مكان منعزل . وعرض عليها مبلغا كبيرا من المال !

    كانت سارة تتلقى مثل هذه الأعمال نظرا لشهرتها بين تجار المخدرات والممنوعات . لانها تتمتع بسرعة كبيرة في الهروب . كما أنها متكتمه جدا .. وصغيرة في السن كي يشك بها أحد !

    هي ببساطة .. الشخص المناسب لمثل هذه الأعمال . وكانت هي سعيدة بهذه السمعة لانها تدر عليها مالا لا بأس به .

    ولكن يومها . كان هو الأسوأ . ذهب في منتصف الليل لتسلم تلك اللفافة التي كانت تعلم جيدا ما هي . وكما هي عادتها . تلبس ملابس صبيانية وتغطي وجهها كي لا يعرفها أحد . وحين وصولها , وجدت ذلك الشاب البليد بانتظارها . وفكرت بينها وبين نفسها بأنه جديد على هذه المهنة . وكم حزنت في نفسها على إقبال شاب مثله على تلك الأمور .

    وما أن سلمته اللفافة , حتى تراءت لها أنوار سيارات الشرطة . وما هي الا لحظات .. حتى وجدت نفسها تلهث بقوة وهي في منزلها . هربت بسرعة فائقة , وكانت تعلم بأن الشرطة خططت مسبقا للأمر !
    وكم شكرت الله على نجاتها من ذلك المأزق الكبير .
    لن تنس تلك الليلة أبدا ! لم تستطع وقتها النوم أو الأكل لأيام متتالية .. وهي تفكر بذلك الشاب المسكين وهو بين القضبان . بينما هي تنعم بدفء فراشها . وحريتها المطلقة !

    +++++++++++++++++++++++++++++++

    صفحة تليها صفحة أخرى .. تنهدت مها وهي تقلب كتاب التاريخ . وتنظر لكل تلك الصور التاريخية القديمة . حتى فكرت بتنظيف كتابها بالمحارم .. لتبعد عنه الغبار ! غبار هي فقط تراه متراكما على كل تلك الصور .

    " لم بحق الله اخترت دراسة التاريخ ؟!"

    وكما هي عادتها , كانت تدرس على سريرها . رغم المكتب الفاخر الذي اشتراه لها والدها قبل وفاته . قال يومها فخورا :

    - اتمنى بأن يكون هذا المكتب لتقديم دراسة الدكتوراة .

    تذكرته بحزن عميق .. لم تتوقع أن تفقده في أجمل أيام حياتها , كانت تراه في مخيلتها يداعب أحفاده ويغرقهم بالألعاب .. كما كان يدللها في طفولتها . ولكن خيالاتها شيء والواقع شيءٌ آخر ! كان للقدر كلمته الأخيرة بحرمانها من والدها وأخيها ضربة واحدة !

    أخيها ! عامر ! ماذا فعلت به السنين كي يصبح هكذا ؟ لم يرفض إخبارها بما حدث معه بالضبط !
    أيراها صغيرة على معرفة حقيقته ؟

    أين هو حينما كانت تسمع الثرثرات في كل مكان ؟ أين هو حين وقفت ضعيفة مهددة بالهلاك , تتقبل التعازي والمواساة من أناس لم تعلم بوجودهم قبلا !

    ألم تكن صغيرة حينما وجدت نفسها محاطة بخدم ينتظرون أوامر تسيّرهم .. ومنزل كبير يحتاج لمن يديره ويحافظ عليه كما كان ؟

    جعلتها ثورة أفكارها تغلق كتاب التاريخ , وتتجه نحو غرفة عامر .

    " يجب أن يخبرني كل شيء. لم أعد تلك الصغيرة المدللة التي يعرفها "

    وحينما همت بفتح الباب , تفاجأت بأول زيارة من عامر لغرفتها بعد سنوات طويلة . شعرت بخجل كبير لحقدها عليه وغضبها الذي لم يهدأ . إذ يبدو عليه الحزن أيضا !

    - كنت ذاهبة لأراك .

    - حقاّ ؟ حسنا .. اختصرت لك الطريق إذا .

    كم يبدو عامر وسيما حينما يبتسم . وبدا التجويف في خده أكثر عمقا بعدما خسر الكثير من وزنه .
    كان هادئا . يمشي ببطء كبير , كالأطفال حين تلامس الأرض أرجلهم لأول مرة . يتوقع كل منهم الوقوع عند كل خطوة . وكأن أرضهم تتعمّد الاهتزاز بغية إيقاعهم !

    أخذ ينظر لغرفتها , كانت كما كان عهده بها في آخر مرة . مع بعض التغييرات . وقع نظره على كتاب التاريخ .. وابتسم مجددا . ونظر لشقيقته :

    - هل كنت ِ تدرسين التاريخ ؟

    بادلته ابتسامة خجولة ومستسلمة :
    - نعم , هذا هو مجال دراستي .

    - كم تغيرت أمور كثيرة بك يا مها . أخبريني عن امورك قليلا .

    - هناك الكثير لأخبرك به . ولكن هذا ليس الوقت المناسب .

    - ولماذا؟

    - أود لو نطلب عشاء ً دسما كي تستعيد قليلا من وزنك . لقد أصبحت نحيلا جدا !

    أحس عامر بالخجل من شقيقته . وقال في نفسه بحزن :

    " لقد خذلتها "

    - ما رأيك لو نطلب عشاء في الحديقة ؟ كما كنا دائما ً ؟

    - لقد هجرت الحديقة منذ أن توفي والدي المسكين . لا أستطيع مقاومة ذكراه وهو يسقي تلك ويحفر تحت الأخرى !

    " كم هي جميلة ذكراك عن والدنا يا مها , أتمنى لو أكون مكانك لحظات قليلة "

    لم يشـأ عامر بأن يجادلها , فأي أمر يخص والدها هو أمر محتوم غير قابل للمناقشة . كما قيل سابقا , هي رهينة مشاعر رقيقة رائعة ونادرة وأبوية جدا . لا يمكن أن تُمس بسوء !

    - حسنا فليكن , أي شيء تريدينه يا عزيزتي .

    وابتسامة باهتة تحمل الكثير من الهموم والخوف من كشف الحقيقة !

    +++++++++++++++++++++++++++++
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  10. #10
    زاحف نمـــــرة واستمــــارة
    تاريخ التسجيل
    Jun 2003
    الدولة
    الشرقيه_الخبر
    المشاركات
    176
    الله عليك وعلى قلمك لرائع

    لكي كل التحيات والاحترام لقلمك الغالي علينا

    *******************

  11. #11

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    تسلم اخوي ريفو على هالكلام المشجع .. واسمح لي ارفق جزء ما قريتوه وكلي شكر لتواجدك العطر .

    ================================================== =========

    +++++++++++++++++++++++++++++

    كانت غرفة الطعام كبيرة جدا بالنسبة لشخصين . طاولة طعام مستطيلة الشكل ومفارش حريرية راقية . وتلك الأطباق التي تتوالى عليه الواحدة تلو الأخرى ! نظر عامر لكل تلك الرفاهية التي اعتاد عليها منذ صغره وحرم منها فجأة وبدون سابق إنذار. ولكن الغريب في الأمر أنه لم يكن حزينا ً جدا .. بل ضحك حين تذكر موعد الطعام في السجن , حيث يتصارع الجميع على الطعام البسيط الذي تقدمه إدارة السجن .

    سألته مها عن سبب ضحكه المفاجئ حين رؤيته للطعام :

    - هل انتي أكيدة من أنك تودين معرفة السبب؟

    - نعم ! ماذا ؟

    - تذكرت موعد الطعام في.. أقصد حيث كنت , حينما رأيت كل هذه الرفاهية هنا .


    هنا .. حيث كنت .. قصد عامر استبدالها بالسجن ,, و ,, منزلي !
    مازال يراوده هذا الشعور بالغربة , حيث يضيع الإحساس بالزمان والمكان , ويتساءل آلاف المرات عن مفهوم الأمان في حياته . لا يكفي تسمية مكان ما منزلاً , ولا يكفي بأن نسمي القضبان الحديدية سجناً !
    ها هو عامر يسكن منزله منذ خروجه من السجن , ولكنه لم يعرف الأمان . ينظر باستمرار للجدران المطلية والمزخرفة وكأنها المرة الأولى التي يراها فيها . ويعيش تحت سقفها . وذاك هو الصقر , ينام وراء قضبان حديدية ويعيش ضمن مجموعة وحوش , إلا انه سعيد حيث هو , ولا يفكر بالخروج أبدا !
    فما هو يا ترى السر في كل ذلك؟ ومتى سيجد عامر المكان الذي سيعتبره حينها منزلا , حيث الدفء والأمان !

    قاطعت مها أفكاره الكئيبة , وكأنها عرفت تماما ما كان يفكر به أخيها المسكين .

    - هل تفكر في هذه الدجاجة التي تنام بسلام على الطبق؟

    - ماذا ؟ لا بد بأن الجيران سرقوا لها رأسها إذا .

    ضحك الاثنان , وشكر عامر الله على تداركه للموضوع , وهو على الأقل استطاع رسم الابتسامة التي يحبها على شفتي شقيقته الصغيرة .

    " هل ما زالت تنام أختي مع تلك الدمية الغبية ؟"

    - ها أنا ذا أحشو جسدي بكميات كبيرة من الطعام , أصبح دورك كي تخبريني ماذا فعلت ِ في غيابي .

    - لا بأس هذا هو اتفاقنا منذ البداية . في الحقيقة لقد كنت كثيرة الانشغال .

    - انها بداية جيدة , وما هي الأشياء التي شغلت فتاتي الصغيرة ؟

    - كثير من الأمور , لم أكن أتصور بأن إدارة المنزل معقدة لهذه الدرجة .

    - أظن أنك اكتسبت ِ مزايا عديدة من هذا الأمر ,ولكن لا تقولي لي بأنك تجيدين الطبخ .

    - لم تكن لتسمح لي سميرة . فهي كما تعلم تُهان حين يدخل أحدٌ ما المطبخ .

    سميرة هي الطباخة التي جلبها أبو عامر منذ سنين طويلة , كانت فتاة بسيطة جدا وبحاجة للعمل , وكان المنزل يفتقد للتدبير المنزلي نوعا ما , وساعدها أبو عامر حين طلب منها الاعتناء بالمطبخ وأمور الولائم التي كان يقيمها دوما في منزله الكبير .

    علم عامر بينه وبين نفسه بأن مها لا تقول الحقيقة , لأنها تعلم جيدا بأن عامر يريد معرفة أمورها الشخصية وكيف استطاعت مواجهة هذه المشكلات , إلا أنها لم تذكر سوى أمورها السطحية .
    لذا , قرر عامر أخذها بالسياسة كي يعرف ما حصل لها كل تلك السنين التي عايشتها وحيدة بدون ولي أمر وبدون أي رقيب سوى نفسها .

    لطالما كانت مها تقوم بأمور جنونية نظرا لإفراط والدها في تدليلها , وهو ما يبعث الخوف في نفس عامر , ويثير فيه رغبة بانتزاع تلك النظرة التي ترمقه بها مها .

    هدوءها الآن غريب جدا , علم عامر بأنها تراقبه بدقة , وتحاول تهيئة الجو كما يبدو كي تطلق عليه قنابل من الأسئلة المتتالية . كيف دخل السجن .؟؟ ولم؟؟ وما هي الظروف التي مر بها ليصبح كما هو الآن ؟

    - عامر ؟ حان دوري في الاستجواب .

    - تفضلي يا مها , ولكن تذكري بأنني متعب ولا أستطيع الحديث عن الماضي .

    - لم كل هذا التكتم يا عامر , إنه ماض ٍ وانتهى ألا يسهّل ذلك الأمر عليك؟

    - ولم تريدين معرفته إذن ؟ انه كما قلتي .. ماض ٍ وانتهى .

    " نعم انتهى , في أعين الجميع , ولكنه بدأ لتوه في حياتي , ولن ينتهي أبدا ما حييت يا مها "

    كان يود بالصراخ بتلك الكلمات , كان يريد أن يملك القوة التي يحوّل فيها حزنه الى غضب .. فذلك أهون من أن يكون كالبقعة على الرداء الأبيض , والتي فشلت كل مساحيق التنظيف في نزعها !

    نهضت مها من مكانها غاضبة , فهي تظن بأن عامر ما زال يعتبرها فتاة مدللة وصغيرة , لا تقوى على مواجهة الأمور ! وهذا ما يسحب منها كل ما تستحقه من تكريم على تحملها كل تلك السنوات وحيدة بائسة وتناضل للبقاء .

    وظل عامر ساكنا في مقعده في مائدة الطعام , وكل ما يفكر فيه هو سيجار قوي المفعول , ُيخرج مع كل نفاثة دخان قليلا من همومه الكثيرة .


    ________________
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  12. #12

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    +++++++++++++++++++++++++++++++
    "لم يتبق سوى شهر واحد فقط على خروج سالم من السجن , وهذا أمر يجب أن أتدبر أمره جيدا ."
    الصقر , يجلس في تلك الزاوية المشئومة , وكأنها زاوية بُنيت خصيصا لتناسب مقاسه الصغير .. وبٌعثت فيها أرواح تحيط به .. هذا يحدّثه وهذا ينفخ فيه من روحه الشيطانية , وآخر يسحب منه كل الحروف الزائدة عن حاجته .

    كان يراقب أتباعه وهم يلعبون الورق , وكعادتهم دائما يسعى الجميع لاستغلال صاغر أسوأ استغلال . وهو , أي صاغر .. يضحك وينهق كالحمار حين يستشيط أحدهم غيظا ً.

    " كم أنت غبي يا صاغر " أخذ الصقر يهز رأسه بأسف على حال هذا المسكين , رغم أن صاغر هذا أظهر في مناسبات نادرة نظرات طبيعية وحاقدة وهادئة جدا ! حتى أثار مخيلة الصقر وظن أنه يعتمد ‘إظهار هذه الملامح الغبية , والتصرفات القرفة ! ولكنه ما لبث أن غيّر رأيه حين شاهده في إحدى المرات يضع إصبعه في فمه الكبير كالأطفال حين يفتقرون الحنان !

    نهض الصقر من مكانه وتقدم قليلا لوسط غرفة السجن , لا بد بأن للصقر هيبة كبيرة , إذ نهض الثلاثي أيضا معه احتراماً وتقديراً منهم , أشار إليهم بحركة خفية بإكمال ما كانوا يفعلون وفورا نفذوا أمره وأكملوا اللعب بالورق . ثم توجه الصقر للقضبان الحديدية , يمرر يده عليها برفق كمن يلمس تحفة من الكريستال , ويقرب أنفه كي تتشبع روحه من رائحة الحديد الصدأ !

    نادى بصوته العميق أحد حراس السجن . ولبّى الأخير النداء راضيا وممتنا ً , ثم قال الصقر :

    - أين هي وسادتي أيها الغبي؟

    - في الحال سيدي .


    وبلباس حراس السجن .. وكل تلك الأسلحة والمفاتيح , ذهب الحارس مهرولا يبحث عن المسئول عن هذا الإهمال الكبير . فلقد تلقى أوامر واضحة بطاعة هذا السيد النحيل . وفورا , عاد بوسادة كبيرة الحجم , اعتاد الصقر النوم عليها من دون أي غطاء أو سرير . هكذا كان مزاج هذا الصقر في النوم أيها السادة !

    عاد الصقر مكانه ومعه وسادته الكبيرة الحجم , وألقى بها أرضا وجلس هو بجانبها . يمرر يده عليها ويتحسس نعومتها برفق , وعيناه لا تفارقان سالم .

    مازال يفكر بطريقة تجعل إدارة السجن تمدد مكوثه هنا , فهو لن يرض أبدا باستقلال أحد أتباعه بهذه البساطة . ويجب أن يبحث عن طريقة جديدة , إذ ان جميع مخططات الصقر كان ينفذها سالم وأحمد , وتكرار أحدها قد يكشف أمره ويقلب الأمور عليه .

    أصبح معتادا على إرسال تلك النظرات الخفية الى سالم كي يقوم بضرب أحدهم . وبدون أن ينبس ببنت شفة ! يستقبل سالم تلك الإشارات اللاسلكية بينه وبين رئيسه النحيل .

    " لا , لن أدعه يخرج من هذا السجن أبدا "

    قرر قراره هذا ثم وضع رأسه على الوسادة بسلام , واختار كعادته وضع الوسادة في أقصى الزاوية , حيث يعم الظلام , ويظهر له أطهر ما رآه الصقر في حياته .

    أمه بوجهها الملائكي , تنظر اليه بتلك النظرة التي لن ينساها أبداً ... نظرة تبعث فيه الإرادة .. وتخبره بآلاف الكلمات والقصص . تنظر إليه كما ينظر الغريق للطائر المحلق فوقه .. عل وعسى يهبط نحوه وينتشله من الغرق !و كما ينظر الطفل لأضواء العيد .. والهدايا المزخرفة !

    تلك هي والدة هيثم الملقب بالصقر , والذي هو أملها في هذه الحياة , بعد أن استشهد والده في الحرب . أصيبت بنوبة قلبية بعد سنوات كثيرة من الصبر والكفاح . وكم هي ذكريات الصقر دقيقة لتلك الأيام !

    كانت عائلتهم فقيرة جدا , تكاد لا تجد قوت يومها . وكانت والدته تعمل كخادمة عند كبار الشخصيات , ورغم كبر سنها , الا انها كانت تعمل باجتهاد وصدق بهدف إعالة ولدها الصغير هيثم .

    كان يدرس في المدرسة الحكومية , شأنه كشأن أي طفل , هادئا ً مطيعا , ذكياً بحيث يفهم المطلوب من حروف قليلة . وكبر هيثم وهو يتخبط ما بين المدرسة والخدمات المختلفة . فقد عمل في سن الثانية عشرة ساقيا في أحد المطاعم , وفي سن الخامسة عشر عاملا في البريد , وانتقل من عمله هذا الى عمل كان يعتبره هيثم ووالدته المغيث من هذا التقشف الذين يعيشانه.

    ففي أحد الأيام , وأثناء توصيله لأحد الرسائل البريدية لأحد البيوت الكبيرة , توقف هيثم أمام هذه البوابة الضخمة ,, آملا بأن يملك مثله يوما ما ... ولم يكن لديه أدنى فكرة عن كيفية حصول أمر كهذا !
    طرق تلك البوابة الضخمة وفُتح له الباب الصغير منها ,, وكان ذاك الحاجب ذو الحواجب الكثيفة , وابتسم وقتها هيثم حين ربط بين عمل ذلك الحاجب وبين وجهه ذو الحواجب الكثيفة .

    - ماذا تريد يا هذا؟

    - انه البريد سيدي . لدي رسالة مهمة جدا ودُفع عليها مبلغ محترم كي يتم توصيلها شخصيا ً.

    - شكرا لك .

    امتنع هيثم عن إعطائه تلك الرسالة المهمة بحجة التوقيع الذي يحتاجه من صاحب الرسالة .
    ولكن الحقيقة هي رغبة هيثم في رؤية صاحب هذا المنزل الكبير , ورؤية ما قد يحتويه هذا البيت من نفائس.

    وفعلا , أخذ له الحاجب إذنا من صاحب المنزل الكبير , بالدخول وأخذ التوقيع الذي يريد , ودخل هيثم ومعه قائمة طويلة من الأحلام التي يطالبه عقله بالتأكد من وجودها في الواقع .

    وفور اجتيازه البوابة الضخمة , استقبلته حديقة المنزل , ويالها من حديقة يبيع المرء ما يملك كي يقضي فيها ثوان ٍ قليلة . كان هيثم ينظر اليها وكأن أبوب الجنة فتحت له في لمح البصر ! ورغم زجر الحاجب لهيثم كل دقيقة , الا انه جمع كل ما يمكن جمعه من مناظر وذكريات عن تلك الحديقة الخيالية !

    صحب الحاجب هيثم لغرفة المكتبة , وبدأ هيثم بلبس قناع الجدية والصرامة التي يتطلبها عمله . وأخذ يذكر نفسه بأنه تقاضى أجرا كبيرا كي يتم توصيل هذه الرسالة بأمان .

    وها هو هيثم دخل لمقابلة السيد ويحمل في يده تلك الرسالة المهمة , وهو يتساءل ما قد يحويه هذا المغلف البسيط في شكله والعظيم في موضوعه !
    استقبله رجل كبير في السن , ينظر اليه بتفحص كبير .. في الوقت الذي تضم فيه شفتاه نوعية جيدة من السيجار . في الحقيقة لم يكن متكبرا , كان مبتسما ويبدو عليه التواضع والتسامح . وطلب منه الجلوس . وسأله أيضا ان كان يرغب في شرب شيء ما !

    وهذا أمر زاد من توتر هيثم أكثر مما هو عليه , لم يتوقع أبدا الجلوس على أحد تلك المقاعد الوثيرة , وأن يسأله صاحب هذا المنزل الكبير عن رغبته في شرب شيء ما .

    - شكرا سيدي , أرغب ببعض العصير .

    وما أن نطق بكلماته هذه حتى أشار السيد لحاجبه بإحضار ما طلبه هيثم . ثم جلس في الكرسي المقابل لهيثم ينظر اليه كما ينظر الأثرياء الى أحد الأيتام ! ثم سأله بهدوء :

    - كيف حالك يا بني؟

    - بخير والحمد لله .. شكرا لك سيدي !

    - هل جلبت لي المغلف ؟

    صحيح , نسي هيثم إعطاء السيد المغلف , لشد دهشته مما يحدث له . ثم أعطاه المغلف بيد متوترة , وبعد أن عاود الوقوف بدون أن يعلم السبب .أخذه السيد بعدما ترك سيجاره الفاخر جانبا ً. . وألقى نظرة جانبية على هيثم يطلب من معاودة الجلوس ! ثم بدأ بتفحصه من الخارج . لم يبد على هذا السيد الثري الفضول لمعرفة ما يحتويه هذا المغلف . وإنما تركز اهتمامه على تفحص شكله الخارجي .

    وما انتهى هذا السيد من تفحصه حتى نظر بابتسامة كبيرة لهيثم . ولم يعرف هيثم سببها إلا حين نطق السيد بتلك الحروف .

    - يبدو بأنك إنسان أمين جدا . أرى بأن المغلف سليما ولم يحاول أحدهم اكتشافه .

    هذا هو الأمر إذا , كان يتفحص المغلف باحثا عن تطفل أحدهم لمعرفة ما تحتويه هذه الرسالة !
    وكم شكر هيثم ميزة الأمانة التي يمتلكها . وبعد إدراكه للأمر , بادل السيد ابتسامته الكبيرة بابتسامة فخر مشوبة ببعض التوتر .

    - ألم يعتريك فضول لمعرفة ما يحتويه المغلف ؟ ربما يكون مبلغ كبير من المال ! أو معلومات مهمة تمكنك من ابتزاز أحدهم لتحسين معيشتك !

    ثم أطلق عينيه الباردتين على هيثم .. ينظر لملابس العمل البسيطة .. وشملت نظرته نحافة هيثم الواضحة للعيان . وكأنه يذكر هيثم بحالته هذه . ويدفعه للتحدث عن نفسه .

    - في الحقيقة سيدي , رغم صغر سني إلا أنني أحب أن أؤدي عملي بإخلاص وبدقة . ولا أحب التلاعب بأسرار الآخرين .

    رفع هذا السيد حاجبا ً علامة التعجب والإعجاب , واسترجع السيجار الفاخر ليضعه في فمه . ثم قال :

    - اسمع يا بني , أقدر فيك تلك المزايا النادرة , وأود فعلا لو تعمل لدي , ما هو رأيك ؟

    نظر اليه هيثم بنظرة ملؤها البلاهة , وحاول أن يصدق ما يقوله هذا السيد من درر !
    أين كل تلك الشهادات التي يطلبونها للحصول على عمل محترم ؟؟ وهل يعقل أن تكون الأمانة شهادة تكفيه للحصول على عمل ؟؟ .. وحدث هيثم نفسه بأن الحديقة التي رآها في الخارج .. هي فعلا أبواب الجنة ! ثم تراجع عن تلك الأفكار البلهاء .. وقال بفخر وتعالٍ لنفسه :

    " لا بد بأنه يختبر فيّ ميزة أخرى ..وهي قوة الشخصية" . لذلك رد عليه هيثم بهذا الرد :

    - لا شك بأن سيد مثلك .. حريصٌ على اقتناء النفائس .. وأنا أشهد بأن الإخلاص أحدها .

    ضحك السيد على منظر هيثم المتفاخر .. وعرف فورا بأنه أصبح بين يديه .. وما هي سوى كلمات بسيطة كي يملك قلب هذا الشاب البسيط . ثم قال له مبديا ً احترامه :

    - اذا .. يسرني أن أدعوك لتصبح إحدى النفائس المفضلة لدي .

    دُهش هيثم للجدية التي يُظهرها هذا السيد لمنحه عملا محترما . ويبدو أيضا بأن الراتب كبير . وتساءل عن هوية الشخص الذي يرفض عملا كهذا . في منزل كهذا . وخدمة كهذه !

    " لابد بأنه شخص مجنون .. وبالتأكيد ليس أنا هو "

    حدث هيثم نفسه بذلك . ثم استقام من جلسته والتي أجبرت السيد على ذلك أيضا .. ومد له هيثم يده مصافحا , دليل قبوله العمل عند هذا السيد .

    في الحقيقة . كان هيثم جامدا في ملامحه , وبرزت نظرة الصقر تلك التي كانت تظهر من حين لحين . وكان يصافح السيد بفخر كبير . ويقطع له ألاف الوعود بالالتزام والوفاء .. فقط .. من خلال تلك النظرات الثاقبة التي ربطته بسيده بشكل غير مباشر !

    ابتسم السيد الكبير , ولأول مرة , لمح هيثم ذلك التجويف الجميل الذي يزيّن خده الذي اختبر سنوات طويلة ,, وأخذ ينظر لسيده الجديد مبتسما . وفي قلبه عرسا ً أقامته الزهور ,, ورقصت على ألحان الموسيقى الآمال والأحلام .

    خرج هيثم من ذلك المنزل الكبير وتقوده خطوات واسعة , بعدما أخبره السيد بأنه سيتصل به متى ما احتاجه . كل ما عليه فعله هو الانتظار , والانتظار فقط ! كما أخبره بأنه سيتولى دفع مصاريف دراسته , ومصاريف المنزل ومتطلباته . كل ذلك .. وما على الصقر سوى الانتظار !!

    ولحظة خروجه من البوابة الكبيرة , راح يسابق الريح كي يزف النبأ السعيد لوالدته المسكينة . يطير بها فرحا , ويخبرها بأنها لم تعد بحاجة للعمل كخادمة في منازل الأثرياء , كل ما عليها فعله هو الراحة , والاهتمام بصحتها .

    شريط طويل من الذكريات مر أمام عيني الصقر . وتأوه بألم كبير , وأغمض عينيه كي يشارك زاويته الظلام , ويدفن نفسه في ظلمتها .. وغفت عيناه وهو يسمع الثلاثي يتشاجرون على نتيجة لعبهم بالورق .. وقهقهات صاغر تُغلق أبوابه على عالمه الصغير كي ينام بهدوء !
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  13. #13

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    +++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

    ما أجمل الصباح حين يكون الإنسان حرا , وما أجمل صوت العصافير حين يتسلسل بدفء ونعومة الى إذني من نال حريته أخيرا .

    خرج سالم من السجن صباح الأمس, ومنذ خروجه من ذلك الجحيم حتى ركع على ركبتيه مغمض العينين بجفنيه الثقيلين من أشعة الشمس .. ونطق بعهود تلزمه نحو نفسه وحريته بأن يكون إنسانا نبيلا شريفا يرفع ذقنه فخرا وليس غضبا وتمردا ً .

    وقف سالم على رجليه مجددا وسط دهشة الحراس الذين فلتوه بدون وداع ..ظنا منهم بأنهم سيروه قريبا جدا خلف تلك القضبان الحديدية كما هي عادته. كان منظر سالم وهو راكع مستسلم لعهوده منظرا فريدا من نوعه, مقارنة بما كان يظهره من عدوان وعنف لكل من يعترض طريقه .

    وها هو هذا الصباح بعد أن قضى ليلته بين إخوته في هذا المنزل العتيق . يشربون ويأكلون احتفالا بعودته . وخصوصا سارة , التي كانت أكثر فرد من عائلته احتفالا به , ولم يخف َ عليه بأنها كانت تعد الأيام التي تُرجع لها أخاها من ذلك السجن الذي حرمها منه . ويعلم أيضا بأن نظرة صغيرة منه إليها تُشعرها بالأهمية وبالأمان , ولم يكن هو بدوره يبخل على أخته الصغيرة بهذه النظرة أبدا.

    نهض سالم من فراشه سعيدا. ها هو أخيرا يتنعم بالحرية وبدفء الشمس ونعومة السرير . والتي لم يظن أبدا بأنه سيعيشها بعد المصيبة التي أوقعه بها الصقر .

    تذكر سالم ما حدث بينه وبين ذاك النحيف المسبب للمشاكل . وأدرك بعد فوات الأوان بأنه أخلص لشخص كريه بغيض محب لذاته وجاحدا للخدمات التي كان يقدمها له الآخرون .

    لم يعد سالم نفسه يوماً أحد أتباع الصقر , كان الأمر بالنسبة له هو ولاء لشخص بحاجة إليه, إذ كان يرى بصورة جلية بأن الصقر عاجز عن حماية نفسه .

    صحيح , بأن لديه السلطة والحنكة والقدرة على اكتساب الاحترام . ولكن سالم ظل ينظر لنحافة الصقر نظرة دونية , بالنسبة له , الرجل بما يملك من عضلات . وان لم يكن يملكها , تضيع كل مساعيه وتطير كما يتطاير الريش مع هبوب رياح النسيم .

    نفض سالم تلك الذكريات كي يستعيد السعادة التي سرقتها منه . وخرج من غرفته الضيقة والتي حرصت سارة على ترتيبها بشكل لا يصدق . في الحقيقة كان سعيدا بوجود هذا العنصر النسائي مجددا في حياته , بعد تلك الوجوه الرجالية القاسية التي يراها يوميا منذ دخوله للسجن .

    وبعد أن تناول فطوره , ذهب مسرعا ليبحث عن عمل يكسب منه ..معانقا الدروب التي قد تحمل له الكثير من المفاجئات . ولكنه لم يتوقع أبدا هذه المفاجأة التي لم يعرف بعد هل هي مفاجأة سارة أم لا !

    ففي طريقه للدخول لإحدى محلات بيع الأدوات الكهربائية . وفور دخوله من ذلك الباب . استقبله وجه من الماضي , وجه اعتاد سالم على تسديد اللكمات له ,, واحدة تلو الأخرى بدون رحمة ولا هوادة .

    كان عامر يقف خلف تلك الطاولة الزجاجية ينظر اليه بعينين واسعتين . وكأنه رأى شبحا ً!
    حسنا , لم يكن سالم بأحسن منه حالا , إذ بادر بالتكشير وإظهار تلك التجاعيد بين حاجبيه علامة الغضب.

    - أنت ؟؟؟

    - سالم !! ماذا ؟ متى خرجت من السجن ؟؟

    - ولكن .. هل حُكم علي برؤية وجهك البليد مجددا !!

    أخفض عامر رأسه وأغمض عينيه محاولا أن يسيطر على غضبه, فهذا هو اليوم الأول له منذ استلامه هذا العمل , ولا يريد أن يسبب المشاكل لنفسه في أول أيام عمله... ولكنه برغم استيائه من كلمات سالم ,, الا انه ضحك لتلك المصادفة الغريبة التي جمعته مع سالم . ولم يكن ضحكا فقط , بل كان أكثر من ذلك ,, كان اعترافا صريحا ً باشتياقه لهذا الوجه العابس للأبد . والذي لم يظن يوما بأنه شعور سيخالجه نحو هذا الملاكم بالذات .

    ظل سالم واقفا عند باب المحل , يسد بجسمه الضخم الطريق لكل من يفكر بدخوله . وكانت دهشته عظيمة لرؤية عامر يضحك بعد ما قاله . وأدرك هو أيضا بأنه اشتاق لهذا الوجه ذو التجويف الجميل . ومعلومة صغيرة جدا استحسنها سالم .. فهي المرة الأولى التي يرى فيها عامر ضاحكا ً .. بعد رفقة عمرها ثلاث سنوات ونصف !!

    - مازلت غبيا ً كما عهدتك يا رجل !

    في الواقع , إنها صفة شنيعة يجب أن يتخلص منها سالم , وهي حبه لإهانة الضعفاء وتسديد الكلام الجارح لهم .. فهي هواية عشقها سالم منذ نعومة أظافره ولم يعلم ما هو مصدرها !

    - إذا , أنت حر مجددا ,, كيف هو حال البقية ؟؟

    تناول سالم كرسيّا وجلس عليه بدون دعوة من عامر , والذي قام بدوره بالجلوس أيضا لتجاذب أطراف الحديث بودية , ولأول مرة في تاريخ علاقتهما !

    - أعتقد أنهم بأسوأ حال . ولكنني بخير وهذا هو الأهم .

    - ظننت أنكم لن تبرحوا ذلك القصر الملكي .

    - صدقني , ظننت ذلك أنا أيضا , ولكن الله أنقذني من ذلك الجحيم .

    - حسنا , أعتذر عن عدم تقديم شيء لتشربه , فأنا وحدي في هذا المكان وهو أول يوم ٍ لي فيه.

    - لا بأس , لطالما عرفت بأنك من النبلاء . وفي الحقيقة أستغرب وجودك في محل متواضع مثل هذا . ألم يكن والدك ثريا ؟؟

    - بلى , هو كان ثريا ّ . ولكن أنا لا .

    قالها عامر بابتسامة حزينة , وهو يفكر في نفسه .

    " لم هي المرة الأولى التي نتجاذب فيها الحديث يا سالم ؟؟ لو أنك تحدثت معي كما أنت الآن لكانت الأمور أفضل بكثير ! "

    قاطع سالم أفكاره بعبارته وبصوت جهوري :

    - حسنا , سوف أنصرف الآن .. إن لم يكن لديكم شواغر هنا .

    - أنت لم تسأل !

    - هل تعني بأنكم بحاجة لشخص يعمل هنا ؟؟

    - نعم , ولكنني لست المسئول عن هذا الأمر , انتظر حتى يأتي صاحب المحل كي يقابلك .

    - أتمنى أن يكون كذلك , أدركت مع دخول أشعة الشمس هذا الصباح بأنه سيكون يوم سعدي .

    - أنت محظوظ, فلقد تقرحت رجلي وأنا أبحث عن وظيفة تناسبني . وبعد عناء طويل استطعت الحصول على هذا العمل .

    - تلفّك حبال مشئومة يا رجل ! ماذا اقترفت كي تمطر عليك السماء كل ذلك الشؤم !

    رسم الابتسامة الحزينة مجددا وقال :

    - صدقني , لم أفعل سوى التواجد في هذا العالم !


    __________________
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  14. #14

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    ++++++++++++++++++++++++++++++++++

    انتهت سارة من تنظيف المنزل في وقت قياسي . صحيح بأن المنزل صغير جدا , ولكن منذ عودة سالم أصبح كومة قذارة بدون أن يدرك سالم بأنه السبب في ذلك . وقالت سارة في نفسها بأن عليه التخلص من عادات السجن التي اكتسبها بجدارة .

    وبعد انتهائها من الغسيل أسرعت كي تلبس الثوب الذي اشترته خصيصا لمقابلة مها ابنة العجوز الثري الذي تسعى لمعرفة سره منذ وقت طويل . وبعد مراقبة دامت لأسابيع علمت سارة بأن اليوم هو اليوم المناسب للتعرف على تلك الفتاة , فهو اليوم الذي تذهب فيه مها الى المكتبة . وهو المكان المناسب كي تفتعل سارة الصدف وتتعرف إليها .

    خرجت سارة مسرعة حاملة بعض الأوراق والأقلام وحقيبة جديدة اشترتها كي تجيد دورها . ويا له من توتر تحس به من ذلك الثوب الذي تلبس , فهي لم تعتاد على لبس مثل هذه الأثواب النسائية والمفرطة النعومة . ولو لم تساعدها البائعة لما اختارت سارة شيئا شبيها بلباس الفتيات !

    ها هي وصلت أخيرا للمكتبة . نظرت اليها سارة بحسرة , فهي لم تكن أبدا من روّاد هذه الأماكن الراقية والمثقفة . وخطر ببالها بأنها مخطئة كي تتصرف بمثل هذا الجنون .

    والآن ! انها المكتبة , بكل هدوءها وثقلها . الكل يتحرك بهدوء كبير , ويهمس بالكلام همسا ً ,, كأن السماء وهبتهم للتو سراّ عظيما .. ! لا بأس ,, ولكن لم يجب أن يكون في جميع المكتبات امرأة مسنة تلبس النظارات وتحدق من فوقها بحدة لكل من يدخل من ذلك الباب الضخم !

    اختارت سارة طاولة مطلة على باب المكتبة , بحيث يتسنى لها أن تلمح مها حين تدخل المكتبة . يجب أن يسير الأمر كما خططت له , و إلا تكون قد تكبدت عناء لبس ثوب مثل هذا سدى ً!

    وبعدما اختارت طاولة مناسبة , اختارت لها كتابا لا تعرف عما يتكلم , ولكن شكله الخارجي أعجبها , كتاب قرمزي اللون , يحمل صورة حديثة تضم جنيناً ينام في كف ٍ كبير .. وكُتب على غلافه " كيف تصنع المعجزات " ! رفعت حاجباً رفيعا ثم قالت :
    " يبدو بأنني أسأت تقدير ما قد يضمه هذا المبنى "

    جلست بين مجموعة يبدو أنهم حفنة من الطلاب يحضرون لبحث ما . تنظر إليهم بحسد كبير , وهو شعور يراودها لأول مرة بعد طردها من المدرسة . ورفعت رأسها محاولة التظاهر بالرزانة . وما هي سوى لحظات حتى ظهرت مها تلبس كما تلبس سارة وتضم بعض الكتب الصغيرة الحجم .

    رغم مظهرها اللائق وثرائها وعراقة أصلها , كانت مها تمشي ببطء خافضة رأسها , وكأن ذيلا من الفضائح تجره ورائها !

    وكالعادة , اختارت أبعد مكان كي تنجز ما عليها انجازه من فروض , بدون أن تنظر أن تلقي التحية على أي شخص .

    سارعت سارة الخطى ورائها , ولم يكن ذلك صعبا .. فمها تمشي ببطء وبدون أن تتكبد عناء البحث عن طاولة مناسبة .

    وأخيرا , جلست مها بعد أن جلبت جميع الكتب اللازمة , وبدأت بالكتابة والبحث فوراً .

    هنا بدأت سارة إتباع خطتها بحذافيرها . تقدمت ببطء متظاهرة بالحياء . وحاولت تقليد ما تفعله الإناث من حين يشعرن بالحياء .. "احمرار الخديّن " ! ولكن سرعان ما اكتشفت فشلها في هذه المهمة , فقد كانت حمرة خدّي مها طبيعية حين ألقت عليها سارة التحية . ثم قالت :

    - هل يمكن أن تساعديني في البحث؟

    - يمكنك الاستعانة بإحدى الموظفات .

    لم تتوقع سارة أبدا ردّا كهذا ! كيف لها أن تعرف بأن المكتبة تضم مساعدين للطلاب ؟؟ لذا , علمت بأن المهمة ستكون أصعب مما ظنت . فكما يبدو , تتعمد مها البقاء وحيدة . ولكن إصرار سارة كان قوياّ ولن ترضخ لرغبات هذه الثرية أبدا .

    مدّت سارة يدها لمها بثقة :

    - مرحبا , أنا سارة .. أتمنى أن نصبح صديقتين .

    ترددت مها في مبادلتها هذا الحماس , إنها المرة الأولى التي يتقرب أحدٌ منها بعد وفاة والدها , وكل الفتيات اللاتي تعرفهن ابتعدن عنها بطريقة أو أخرى , وعزت ذلك بالتغير الذي حصل في شخصيتها منذ حدوث كل تلك الأمور معا ً. ورأت بأن الوقت قد حان كي تساعد نفسها في الخروج من هذه الدوامة التي سجنت نفسها فيها .

    - أهلا سارة , أدعى مها , وأود أيضا لو نصبح كذلك .

    ابتسامة عريضة ارتسمت على شفتي سارة . يبدو بأن القناع الذي تضعه مها هو قناع مؤقت ولا يستدعي عملا جبّارا ُ لإزالته .

    جلست سارة مقابل مها , وأخبرتها بأكاذيب كثيرة حول مولدها والدراسة التي تدرسها , بحيث أصبحت الحقيقة أبعد ما تكون عما سمعته مها من فم سارة .

    وهكذا , خطت سارة الخطوة الأولى نحو هدفها , وعادت إلى المنزل وهي تهنئ نفسها على ما أنجزته. بالإضافة لذلك .. أشفقت على مها لتصديقها كل تلك الأكاذيب التي تفوهت بها سارة كي تغطي حقيقة واقعها المرّة .

    حسناً , إنه سالم كان ينتظرها بفارغ الصبر في غرفة الجلوس , كي يخبرها بأنه حصل على وظيفة جيدة وفي أول يوم ٍ له من الحرية !

    - أليس ذلك رائعا ً؟؟ أن تُقدّم إلي السعادة مع خيوط الشمس الذهبية ؟؟

    - فعلا , أهنئك يا أخي العزيز , أعتقد بأنها رسالة من الله ترسم لك خطاك نحو الصلاح !

    - دعك من هذه الأمور الآن , أنا جائع جدا , أين كنت ِ بلباس الفتيات هذا ؟

    - لم ؟ ألا يليق بي لباس الفتيات ؟؟ والحقيبة ؟؟ نعم , أنت لم ترَ حذائي بعد !

    قالته بفخر مصطنع , فهي أبعد ما يكون عن الفخر بمثل هذه الملابس , والحقيقة أنها تتوق كي تلبس كما اعتادت أن تلبس , ولكنها أرادت أن تضيّع سالم عن هدفها من ارتداء هذا الثوب الغالي الثمن .

    - ولكن , من أين أتيت بالمال يا سارة لشراء مثل هذه الأمور ؟؟

    - كنت أقوم ببعض الأعمال المختلفة كما تعرفني يا أخي .

    - لست مضطرة للعمل يا سارة , عليك إكمال دراستك الإعدادية .

    - أنت مخطئ يا سالم , كنت مضطرة للعمل , فلم يكن ليستمر المنزل باحتمالنا لولا تلك الأعمال التي تحتقرها . ثم أنه تم طردي من المدرسة , وأنا لا أريد العودة أبدا .


    - سوف تتغير الأمور من الآن وصاعداً , لن تعملي خارجا أبدا , وسوف تكملين دراستك شئت أم أبيت , أتسمعين ؟؟

    هناك دمعة تهدد بالخروج من عينيها , ولكنها لن تدعها تخرج أبدا .. حتى لا يفسرها سالم كما يشاء . الأمر الغريب ,بأنها لم تكن دمعة حزن أو غضب , بل كانت دمعة سعادة وارتياح . ها هو سالم قد عاد إلى المنزل , وسوف يتولى رعايتها والاهتمام بأمورها الخاصة , وهذا ما لم يفعله أشقائها الثلاثة منذ وقت طويل .

    " سوف أعد له طعام العشاء , وسأحرص على أن يكون مميزا ً "

    هكذا حدثت سارة نفسها بعد أن عادت سارة الحقيقية , تلبس كما يلبس إخوانها الأربعة , وتعد طعام العشاء .

    دخل سالم المطبخ الضيق الذي يهدد بطرد أحداهما منه لعدم اتساع مساحته لكليهما . واكتفى بمراقبتها تعد له العشاء وتجاذبا حديثا أثار اهتماما بشكل كبير :

    - لقد رمت لي الأقدار شخصا كنت أعرفه في السجن .

    - يا إلهي , إنه فأل سوء يا أخي .

    - في الحقيقة سوف أعمل معه في المحل .

    - سيكون المحل في خطر إذا .

    قالتها مداعبة , إلا أنه صرخ في وجهها بقوة :

    - ماذا قلت ِ؟؟ ليكن في الحسبان أنني لن أدخل السجن ثانية .

    - هذا أمر أقدره لك يا سالم , أرجوك ابتعد عن المشاكل كلما سمحت لك الأقدار بذلك .

    - في الحقيقة , أن عامر هذا لم يكن مجرما ً . بل تم الاحتيال عليه كما يبدو , فهو ليس بحاجة لأن يكون لصا أو محتالا أو قاتلا حتى !

    - عامر ؟؟ هل هو من يقطن في ذلك المنزل الكبير ؟؟؟

    - لا أعرف أين يقطن , ولكن والده ثري بكل تأكيد .

    ازدرقت سارة ريقها بصعوبة , وهي تتظاهر بالبرود إزاء ما سمعت , الآن أصبحت على يقين عن مكان ذلك الشاب ابن العجوز الثري . وكم كانت ملامحه محرّمة على مرتادي السجون !

    أكملت عملها بكل إتقان بينما ذهب سالم يستحم , وكان بعد ذلك عشاء مميزا كما حرصت سارة أن يكون , ليتهالك كل منهما على سريره بانتظار فجر جديد . وإشراقة جديدة تحمل بين طياتها الكثير من الأمل .

    +++++++++++++++++++++++++++++++++
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

  15. #15

    فريـــق التطوير


    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الامــــارات
    المشاركات
    103
    +++++++++++++++++++++++++++++++++

    توقف عصفور بوزن الريشة على نافذة مبللة .. تشاركه التغريد عصفورة تماثله بالوزن .. وتشاركه بعض ٌ من ألوانه الجميلة .. وتلت ذلك التغريد قفزات ناعمة . في محاولة ناجحة لتلافي قطرة المطر المتساقطة .

    ثم طارت هذه العصافير في محاولة ثانية لتلافي قطرات الأمطار التي بدأت في التزايد .. وبدأت بإصدار صوت رائع على تلك النافذة الخشبية ... وساهمت في فتح عينين ثقيلتين .. يملكهما صاحبنا عامر بعد أن شهد ليلة عصيبة في النوم .

    إذ بعد مغادرته العمل في الساعه السادسة مساء .. وبعد التقائه بسالم .. وبكومة الذكريات التي هاجمته بشكل عنيف فور مغادرة هذا الأخير .. وصل متعبا الى المنزل .. يحمل قلبه الكثير من المشاعر المتضاربة .. الشعور بالسعادة لكونها المرة الأولى التي يحس فيها بسالم قريبا منه .. والشعور بالتعاسة لأن ماضيه المؤلم سقط أمامه بكل قسوة .. وامتثل بجسد بشري شرير يدعى سالم ! والذي لن يترك مجالا للنسيان والتأقلم .. ولن يفتح أبوابا جديدة تضيّع تلك المشاعر التي عايشها عامر طوال السنين الماضية .

    وافق صاحب المحل على الفور بتوظيف عامر .. فهو كما قال لعامر بحاجة لمن يتمتع بقوة جسدية حتى يقوم بنقل جميع حاجيات المحل والأجهزة بسرعة وسهولة .. وسببت مقولته هذه الإحراج لعامر .. وانتبه بشكل مزعج بأنه فعلا فقد جسده الرائع واستبدله بجسد هزيل يصلح فقط لنقل رأسه الثقيل من مكان لآخر !

    استقبلته مها بوجه بشوش .. وكان ذلك المساء ممطراً .. ثقيلا .. ساعدت النيران التي أشعلتها مها في المدفئة بتهدئة أعصابه بشكل كبير . وجلست مها الى جانبه تخبره بسعادة عن تلك الصديقة التي التقتها في المكتبة .. وبأنها أخيرا أصبحت قادرة على مصادقة إحداهن .. وهي تجهل تماما بأن تلك الصديقة لا تنتمي للفئة التي تظن مها بأنها منها .

    أحس عامر بالسعادة لرؤية فتاته الصغيرة تستعيد حياتها مجدداً .. وبأنها قادرة على كسب الأصدقاء بالرغم مما حصل لها وما أصبح عليه تاريخ هذه العائلة الأسود . وهذا شيء كثيرا ً ما سبب التعاسة لعامر .

    وبعد العشاء , استلقى قليلا و غفا على ذلك الكرسي الوثير أمام المدفئة .. وظن بأنه وجد السلام أخيرا الى أن راوده كابوس مزعج !

    أنوار الشرطة في منتصف الليل .. وجسد صغير يفر هاربا تاركا ما كان بيده من ممنوعات .. ومن ثم المستشفى .. ونعش والده المتوفى .. ولكمة قوية من سالم !

    فزّ عامر من نومه فزعا ً لاهثا يقطر صدغه عرقا ً برغم الشتاء .. وأعاد ذلك الشريط المزعج .. وأطلع صرخة ً مكتومة .. تراكمت في دوامتها الأفكار وتزاحمت .. ليظهر أمامه وجه سارة فجأة ً وبدون سابق إنذار وبدون أن يعلم عامر ما دخل تلك الفتاة المشاكسة في كل هذه المصائب في حياته !

    عندها .. عندها فقط ! تذكر كلماتها المهددة حين تقول بأنها ستصبح صديقة لأخته لمعرفة ما تود معرفته .. وأدرك مع كثير من الآهات بأنها الصديقة التي حصلت عليها اليوم مها .. والتي رسمت الابتسامة على وجهها الغالي مجددا ً !

    وهكذا .. لم يستطع إكمال ليلته بهدوء كما بدأها .. ولم يستطع أن يتوصل لقرار بالنسبة لتلك الفتاة الغريبة الأطوار .

    وما زال هطول الأمطار مستمرا ً .. وما زالت عيناه ثقيلتين .. إلا أنه استيقظ وتوجه مباشرة لتلك النافذة التي تتزاحم عليها قطرات الأمطار .. لينظر إليها مدركا ً بأنها تشبه حياته الحالية .. بكل ما تحمله من غموض .. لا يستطيع من خلالها معرفة ما ينتظره بنهاية هذا اليوم !

    الشيء الوحيد الذي استيقظ معه هذا الصباح هي فكرة ثابتة وليست قابلة للنقاش . وهي أن يعرف تماما ما قصة تلك الفتاة التي تشبه الصبيان .. وتسأل عن والده .. وتسخر منه .. وتقوم بمصادقة أغلى ما بقي له في هذه الحياة !

    " هذا أقل ما أستطيع تقديمه لفتاتي الصغيرة "

    +++++++++++++++++++++++++++++++++++


    مرت ثلاثة أسابيع على قرار عامر التحقيق بأمر سارة .. ولكنها لم تكن أسابيع فاشلة .. بل بالعكس تماما ً .. يستطيع المرء القول بأنها أسابيع جنونية وخيالية .. لا يمكن أن تحصل فيها أمور كبيرة مثل هذه !

    من المؤكد بأن الجميع يتساءل عن سر هذه الأسابيع الثلاثة .. حسنا يا سادة إليكم ما أصبحت عليه الأمور في أيام معدودة من قرار عامر !

    في ذات الصباح .. وحينما كانت مها تهم بالخروج من المنزل تقصد المنتزه .. لحق بها عامر كي يتأكد من الفتاة التي تنوي الشر بأخته الصغيرة .. وتوجهت هذه الأخيرة لمتنزه يعم بالهدوء .. وتخيم عليه ملامح الصفاء والجمال .

    جلس عامر بمعطفه الدافئ على كرسي بعيد عن اخته .. ينتظر وصول من زارته البارحة في أحلامه وثورة ذكرياته . ومن اتجهت اليها جميع أصابع الإتهام مطالبه بالتفسير !!

    وأخيرا .. اقتربت فتاة يافعة ,, تلبس ثوب صوفي جميل .. يبرز لون شعرها الداكن .. وجلست بجانب أخته التي كانت تنتظر في ذلك الصباح بابتسامة مشرقة .. ظن عامر لوهلة بأن فكرته كانت هواجس لا داعي لها .. فهذه الفتاة لا تشبه تلك الفتاة التي تسأل عن والده المتوفى .. ولم تكن تلك الفتاة لتصبح بهذا الجمال والثراء أبداً ! .. لا بد بأنها ابنة أحد الأثرياء في المدينة .. !

    ولكن الحذر واجب . لم يبرح عامر مكانه ً .. الى ان قررت الفتاة أن تعود الى ديارها ... وعادت أدراجها من حيث أتت .. ولكنها هذه المرة لم تكن وحيدة .. فقد كان عامر يتبعها كظلها .. وفي الحقيقة .. لم يكن نادما ً أبدا ً !

    ففي منتصف الطريق .. رأى تلك الفتاة تستبدل حذائها العالي بحذاء رياضي يلبسه الصبيان .. وأصبحت تمشي بسرعة وأقرب الى الهرولة نتيجة لفحات البرد القاسية .. ولمح عامر بأنها كانت تبكي لسبب ما .. أو ربما يُخيل له ذلك.

    ومشت في طريق يعرفه عامر جيدا .. فلقد مر على تلك المنطقه آلاف المرات .. ولطالما وقف متسمرا ً يرغب باللعب مع أطفال الفقراء بلعبتهم الصغيرة .. وتلك الكرة التي اكتسبت اللون الأسود.. يتقاتلون عليها حتى تسلم الشمس وتغيب .. ويرجع كل منهم الى بيته الصغير .. وعامر يرجع الى بيته الكبير وكله أمل بأن يلمس تلك الكرة السوداء في يوم ٍ ما !

    وصل معها لتلك البيوت المتراصة .. الى أن دخلت في ذلك البيت الصغير الذي يحميها من البرد القارص . وتوقف عامر مغمض العينين .. تصفعه لفحات قاسية على وجهه البريء .. وهو موقن تماما من هي تلك الفتاة التي سلبت عقل فتاته الصغيرة بكل دناءة وجرأة .

    أطلق نظره لتلك البيوت البسيطة المتشابهة .. بعضها جميل ونظيف وبعضها الآخر قذر ويجمع الكثير من الألوان القاتمة .. فكر عامر في نفسه بنوعية القصص التي قد تحملها بيوت مثل هذه .. وخصوصا .. ذلك المنزل الصغير والذي تزين واجهته بعض الورود الجميلة .

    نظر عامر لساعته .. انه وقت العمل .. ويجب أن يسرع كي لا يطرد من ذلك العمل..فقد اجتهد كثيرا لإيجاده .. وبينما يهم بالتحرك .. لمح رجلا يخرج من ذات البيت الذي كان يرقبه منذ لحظات !

    " سالم !!! "

    تسارعت دقات قلبه بقوة .. واختبأ خلف سيارة قديمة قد طـُليت بالغبار ... وينبعث الدخان من فم عامر وعيناه مسمرتان على ذلك الرجل الذي لن يصدق أبدا بأنه وراء كل ذلك !!

    كان سالم مسرعا .. في الحقيقة كان يشبه أخته حين يمشي بتلك الطريقة .. يلبس المعطف ويشده على جسده القوي .. وعلم عامر بأنه يتوجه للمكان الذي يعملان فيه .. ولكن , ما علاقة سالم بكل تلك الأمور وبتلك الفتاة المتنكرة ..؟؟

    " يجب أن أعلم ما يخططان له هذان الماكران "

    وهكذا .. مر ذلك اليوم في العمل وهو يسأل السؤال تلو السؤال .. حتى غضب منه سالم لكثرة ما يلح عليه بالأسئلة .. ورغم عصبيته الظاهرة . الا أنه يحمل في تينك العينين براءة عظيمة .. لا يمكن أن يخطئ عامر في فهمها !

    علم بأنها أخته الصغيرة .. وبأن ثلاثة من الأخوة يشاركونهم المنزل ! مما استغربه عامر بشدة .. فكيف لذلك المنزل الصغير أن يضم أربعة من الرجال وفتاة ؟ حسنا , إنها اخته الصغيرة .. ولكن ما هو هدفها من كل ما تفعله مع شقيقته ؟ ولم ظهرت فجأة في ثورة أفكاره الكئيبة !

    ويظل السؤال قائما ً , هل يخبر أخته عن حقيقة صديقتها الجديدة ؟؟ أم يترك للأيام واجباً لتقوم به ؟؟

    ++++++++++++++++++++++++++++++++++


    __________________
    [img]http://hroof.********************************************/visiiii.jpg[/img]

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •