في المفهوم السائد (الشعبي المتداول) لمعنى كلمة "تنظير" هو الترويج لفكرة أو وجهة نظر من خلال سلسلة من الأطروحات غير الواقعية أو غير المنطقية البعيدة عن أرض الوقع إلى خارج نطاق المجموعة الشمسية، حيث تلقى استحسانا مؤقتا من اللجنة العليا للخيال التنظيري المتقبلة لأي طرح يخرجه عن إطار الوعي الحسي وينطلق به إلى آفاق الفضاء ويحلق به في سماء الأوهام المخملية، بينما يلقى هذا الطرح استهجانا من سكان كوكب الأرض الذين يعيشون الواقع الفعلي، ليخرج علينا بالتالي تصنيف جديد لفئة عزيزة على قلوبنا هي "المنظرين" ذوي الأفكار ذات القدرة على الطيران الحر.
إلى هنا تنتهي المشكلة لتبدأ الإشكالية في "عالم التنظير الاقتصادي" .. إنه فن صناعة الأحلام والإغراق في الخيال دون أمل في إنقاذ، واستخدام الإضاءة والألوان للتمويه على الأنظار والأسماع عن ضحولة الطرح والأفكار.
في عملية "التنظير" هناك شبه كبير بين فرز الكلمات والألوان، حيث يتم اختيار الكلمات الأكثر رنيناً والأقدر على مخاطبه الوجدان والإحساس في عملية "التنظير" لا يمكن تصل إلى نهاية أو هدف ولكن نستطيع أن نعدك بخيبة الأمل، التنظير ظاهرة صوتية هي الهدف والغاية والنهاية الأبدية، وقد نتأخر في اكتشاف تعرضنا لعمليات تنظيرية وذلك يعتمد على نوعية وكمية الإشعاعات التنظيرية التي نتعرض لها.
أدوات التنظير "كلمات ليست كالكلمات" مع إعطاء أفضلية لطريقة تركيبها، لذلك كانت الخبرة في التعامل مع الكلمات المتقاطعة مطلوبة لاكتساب تلك الاحترافية في عملية التنظير، وفن صناعة التسويق، والترويج والإبهار للأفكار التنظيرية، كلها متطلبات حيوية لمن سيسخر حياته للاحترافية في عالم التنظير.
يميل إخواننا المنظرون بشكل شامل إلى التقليل من إنجازات الآخرين، حيث إن أي عمل هو أفضل لو تم تنفيذه حسب أفكارهم التنظيرية، وتسيطر الروح الانتقادية على طرحهم وحواراتهم مع الأطراف الأخرى، وعدم الرضا عن مدى تقابل وتقدير أفكارهم غير التقليدية الإبداعية الفذة، ويتم تبرير ذلك بعدم قدرة المجتمع على استيعاب تلك الأفكار السابقة للعصر والزمان والمكان، وتنشط عمليات "التنظير" تحت الأضواء الساطعة، وعلى مرأى من جمهور محب لتلك العمليات من الخيال العلمي المسمي "تنظير".
النجاح لعمليات التنظير على المدى القصير والمتوسط لا شك فيها، خاصة مع قدرة إبداعية في تسويق بضاعة الكلمات الرنانة، مع سرد مسهب للأمجاد والإنجازات التاريخية الزائفة، يساعد في ذلك ثقة طاغية نابعة من إقناع النفس بقدرته الذاتية الخارقة وغير العادية، التي تنعكس في قدرته على التحليق ببعض المستمعين في رحلة طيران قصيرة المدى محفوفة بالمخاطر.
الموروث الشعبي في الكثير من البلاد يقدم تعريفات عدة في وصف عملية التنظير بكلمة "خرطي" في دول الخليج العربي، إلى وصف المنظر نفسه بأنه (فنجري بوق) في مصر و(بياع حكي) في بلاد الشام ويتغير ذلك في بلاد الفرنجة إلى big mouth، بينما لم تخل المكتبة العربية من المصنفات التي تختلف حول عملية " التنظير" ومنها كتاب "خذ وخل" و"اشتر دماغك" و"كيف تصبح مطلبا إعلاميا وجماهيريا في عشرة أيام" وجميعها متخصصة في التنظير الاقتصادي، بينما فشل المؤتمر الدولي للتنظير الذي عقد في مدينة "تنظير خان" العام الماضي بسبب المنافسة الحادة في عمليات التنظير بين زملاء المهنة في ذلك المؤتمر.
لي تعليق بسيط
كم مرة شفنا تحليل وسوقكم اخضر .. و و و ... وطلع كله مع الأحترام واحسان النية بالجميع "خرطي"
تقبلوا ودي واحترامي للجميع