أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

إن رسالة الإسلام العظيمة هي رسالة حرية وبالتالي لا يحمل هذه الرسالة العظيمة إلى البشرية جمعاء إلا الأحرار وذلك للأسباب التالية: أولا: الإسلام لا يكره أحدا على الدخول في الإسلام، قال تعالى (( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الله عزوجل يمنع المسلمين من إجبار غيرهم على الدخول في الإسلام، لأن الله الملك العظيم الهادي الكريم يُبين ويُوضح للإنسان طريق الهداية ومن بعد ذلك يخيره ما بين الدخول في الإسلام بكامل حريته أو إتباع طرق الضلال، وكذلك قوله تعالى (( قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد* لكم دينكم ولي دين)). ثانيا: من متطلبات عبادة الله سبحانه وتعالى في الإسلام هو عبادته وحده لا شريك له وبالتالي هذا يعني أن الإسلام يُحرر الإنسان من أي عبودية لكل ما هو غير و دون الله عزوجل، قال تعالى (( قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوا أحد )) وكذلك قوله تعالى عن سيدنا يوسف عليه السلام ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ))، فعبادة الله عزوجل مع الإشراك به هي عبادة غير مقبولة وأعمال صاحب هذه العبادة محبطة، قال تعالى ((وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين )) وكذلك قوله تعالى ((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ )). ثالثا: العبودية لله الملك العظيم في الإسلام هي الخضوع والإنقياد والذل عن ضعف وليس عن مهانة لله عزوجل على وجه التعظيم بطاعته والإلتزام بشرائع دين الإسلام، ومن يظن من غير المسلمين بأن عبادة الله عزوجل في الإسلام يوجد فيها قدر من إهانة المسلم أو التقليل من منزلته الإنسانية فهو واهم ومخطئ بشكل كبير لأنه الذي يحط من المنزلة الإنسانية ويحقر ويهين الإنسان هو عبادته لبشر مثله وذلك لسبب واضح هو أنه إذا ما علمنا بأن البشر متساوون في إنسانيتهم لإشتراكهم في ضعفهم وحاجتهم وفقرهم إلى الأسباب الدنيوية من طعام وشراب وهواء وضوء والتخلص من الفضلات وغيرها من أجل الإستمرار في الحياة، وبالتالي عندما يعبد الإنسان بشر مثله فإن المعبود البشري سوف يسعى بكل ما أوتي من قوة وسلطان ونفوذ إلى تحقير وإصغار وإنزال عبيده إلى درجة أو درجات أقل منه وهذا منطقي لأنه هو ربهم (والعياذ بالله من هكذا قول ) والإله المعبود يجب أن يكون أعلى درجة من عبيده وبالتالي يعمل هذا الإله البشري على ترتيب عبيده إلى درجات ومنازل ذات تسلسل هرمي يكون هو في قمة الهرم بينما عبيده يتفاضلون فيما بينهم حسب إستفادة إلههم البشري المعبود منهم فأقربهم منه منزلةً هو أكثرهم منفعةً له، قال تعالى عن فرعون اللعين الذي إدعى الألوهية (( ما علمت لكم من إله غيري )) وكذلك قوله تعالى (( فقال أنا ربكم الأعلى )) وكذلك قوله تعالى (( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )) وكذلك قوله تعالى (( قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )). وطبعا ما دام عبادة البشر تُحقر وتُهين الإنسان العابد فبالتأكيد عبادة الإنسان للأصنام أو لغيره من المخلوقات فيها تحقير وإهانة أعظم وأشد. بينما في المقابل، لقد بعث الله عزوجل الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام السماوية العظيمة رحمة للعالمين ومن أجل تكريم الإنسان وليس من أجل إهانته، فالإسلام يجعل من العبد المسلم ملاك في روحه حيث تَسمو وتَعلو روحه بالعمل الصالح وبالطاعات وبالتالي يسعى العبد المسلم إلى الإقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعا وعلى رأسهم الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أجل الإقتراب منهم في المنزلة والإحسان والتكريم والطاعة، مع العلم بأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعا هم يتصفون بالكمال البشري، فهم بمثابة الملائكة البشرية، وذلك لأنهم معصمون عن معصية الله عزوجل بشكل مقصود ومتعمد، ولكنهم ليسوا معصومين عن ترك الأولى أو الإجتهاد الخاطئ الغير مقصود أو الوقوع في الخطأ الغير مقصود أو النسيان وبالطبع هم معصمون عن الإقرار على الإجتهاد الخاطئ الغير مقصود وعن الخطأ الغير مقصود، فمن أجل ذلك هم عبارة عن نموذج للبشرية في عباد ة الله عزوجل. أيضا إضافة لذلك تجد في الإسلام العظيم أنه كلما زادت أيام وسنين عبادة المسلم وطاعته لله عزوجل، سواء كان فقير أو غني، قوي أو ضعيف، شاب أو كهل، وجيه أو مسكين، فإن رحمة الله سبحانه وتعالى له في الدنيا تزداد بتثبيته على الحق وعلى طريق الإسلام المستقيم وكذلك تكريمه في الآخرة يزداد بالإنعام عليه بالدرجات الرفيعة في جنات الخلود بمشيئة وإرادة الله الملك العظيم الهادي الكريم فالتكريم والحرية متلازمتان فالحر يُكرم، بينما الرق والإهانة متلازمتان فالرقيق يُهان لأن عبيد الدنيا سواء عبيد الهوى، أو عبيد المال، أو عبيد السلطة أو الجاه، أوغير ذلك من عبيد مظاهر ومتاع الدنيا الفاني ،دائماً في ذل ومهانة مستمرة بسبب لهثهم وإنكبابهم الغير منقطع على مظاهر دنيوية حقيرة ودنيئة وزائلة فكلما إزدادت أيام وسنين عبادتهم للدنيا، إزداد ضعف القوي منهم وإزداد هرم الشاب منهم وإزداد فقر الغني منهم وإزداد ظلم الظالم منهم وهكذا دون أن يتوقفوا عن عبادة الدنيا حتى يلاقوا يومهم الذي كانوا يوعدون فَيُجزَون سوء الخاتمة والخلود في عذاب الهون في جهنم أذلاء صاغرين وبئس المصير.

وفي هذا السياق نجد للأسف ظاهرة مؤسفة وخطيرة تخدش وجه الإسلام العظيم، وهي ظاهرة تكفير مسلمين يعتنقون دين التوحيد وهو دين الإسلام ما لم يأتوا بنواقض الإيمان والتوحيد. وهذه الظاهرة تأخذ إتجاهين، الإتجاه الأول: وهو تكفير بعض من يشهد بوحدانية الله سبحانه وتعالى ويُصدق بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث النبوي الشريف (( لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان )) فهذا الحديث يشير إلى أنه من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فإنه لن يخلد في النار مع الإشارة إلى أن هذا الإيمان يترتب عليه تصديق وعدم إنكار أركان الإسلام وأركان الإيمان جميعها بدون أي إستثناء كضرورة للدخول في دائرة دين الإسلام العظيم، لأنه إنكار ركن من كل هذه الأركان يُبطل الإيمان بالباقي وأيضا يترتب عليه الإلتزام بأداء الفرائض والواجبات كفرض وواجب وترك المعاصي والمنكرات كمُحرم ومنهي عنه للفوز برحمة الله عزوجل بدخول جنات الخلود والنعيم وتجنب دخول نار جهنم أوالخلود فيها، بحيث يكون معيار هذه الطاعات والمعاصي حسب ميزان مصادر الشريعة الإسلامية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والقياس والإجماع. وطبعا المقصود بالدخول هنا الخلود، لأن المسلم العاصي يدخل النار ويعذب على إرتكاب بعض المعاصي أو ترك بعض الواجبات إلا إذا شاء الله الملك العظيم الغفار الكريم أن يغفر له ويرحمه وفق عدله ورحمته وحكمته لقوله تعالى ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء)) ، ولكنهم لا يخلدون في النار، بخلاف الكفار وهذا ما يؤكده المقطع ( لا يدخل ) لأنه كما هو معلوم الدخول لا يلزم الخلود في النار لأنه يمكن أن يدخل المسلم النار ولكنه لا يُخلد فيها، بينما الخلود يلزم الدخول لأنه لا يمكن أن يُخلد أي إنسان في نار جهنم إلا بعد الدخول إليها. وبناءا على ذلك، فإن إنتفاء الدخول كما هو في المقطع ( لا يدخل ) يفيد إنتفاء الخلود، مما يعني أنه من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فإنه لن يُخلد في نار جهنم بمشيئة وإرادة ورحمة ومنة الله الملك العظيم الرحمن الكريم.

بينما الإتجاه الثاني: وهو تكفير النظام الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية،و في الواقع هنالك ثلاث حالات للنظام الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية وهي كالآتي: الحالة الأولى، وهي أن النظام الحاكم الذي لا يؤمن بوجوب تطبيق الشريعة الإسلامية وينكر ذلك ولا يعترف به لأنه يُنكر صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق كنظام حاكم يحكم البلاد من جميع النواحي كالناحية السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها، هو يُعتبر نظام كافر خارج عن ملة الإسلام لأن هكذا نظام بالواقع يُنكر حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بالشريعة الإسلامية عندما أسس الدولة الإسلامية ويُنكر أيضا الخلافة الإسلامية إبتداءا من خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإنتهاءا إلى الخلافة الإسلامية العثمانية. أما الحالة الثانية، وهو النظام الحاكم الذي يؤمن ويعترف بصلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق كنظام يحكم الدولة الإسلامية ولكنه لا يُطبق الشريعة الإسلامية بالرغم من أنه في إستطاعته وفي مقدوره ذلك ولكنه لا يفعل ذلك إتباعا لهواه، إما لأن تطبيق الشريعة الإسلامية يتعارض مع مصالح أو مكانة نظامه السياسية والإقتصادية أو ما شابه ذلك من الأسباب، فالحكم الشرعي لهكذا نظام يقع تحت حكم الشرك الأصغر وهذا ما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى)) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) وكذلك في قوله تعالى (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) وأيضاً في قوله تعالى (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ))، بأنه هو كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق. فكفر دون كفر هو الشرك الأصغر الذي لا يُخرج من الملة وينسحب عليه ظلم دون ظلم وفسق دون فسق فالكفر هو أعم وأشمل من الظلم والفسق لأن كل كافر هو ظالم وفاسق ولكن ليس كل ظالم أو كل فاسق هو كافر مما يعني أن (ظلم دون ظلم) تعني ظلمٌ دون ظلم الكفر، (وفسق دون فسق) تعني فسقٌ دون فسق الكفر. والدليل على ذلك هو أن عدم إنكار صلاحية ووجوب تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام حاكم هو يُبقي ذلك النظام داخل ملة الإسلام مع التأكيد على أنه ليس مُعفى كمسلم على وجوب تطبيقها والعمل بها في أقواله و أفعاله لأن الشريعة الإسلامية، أي أحكام الله عزوجل هي تصديق وتطبيق، وذلك لكون ما يخرج من ملة الإسلام هو إنكار أوامر أو نواهي الله عزوجل والجحود بها، وبالتالي فإن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية إتباعاً لأهواء ذلك النظام المختلفة من حرص على المصالح الإقتصادية والسياسية وغيرها هو يُعتبر شرك أصغر لأنه كفر دون كفر وما يؤكد ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )) وكذلك قوله (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه )) فهذه الأحاديث الشريفة تشير إلى أن من يُفضل محبة نفسه بإتباع هواه على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم إتباعه وطاعته وبالتالي بعدم طاعة الله عزوجل، لقوله تعالى (( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ))، فإنه تنتفي صفة الإيمان عن ذلك المسلم لوقوعه في الشرك الأصغر لأن الشرك الأصغر والإيمان لا يجتمعان في حال المسلم وهذا ما يتفق مع قول ابن عباس رضي الله عنه وهو كفر دون كفر (والله أعلم). بينما الحالة الثالثة، وهو النظام الحاكم الذي يؤمن ويعترف بصلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق كنظام يحكم الدولة الإسلامية ولكنه لا يُطبق الشريعة الإسلامية لأنه لا يستطيع تطبيقها وليس بمقدوره فعل ذلك وبالتالي هو مكره على عدم تطبيقها لإعتبارات سياسية وإقتصادية قاهرة أو أحيانا إجتماعية. وفي الواقع الحكم الشرعي لهذه الحالة هو جائز وأن هذا النظام يُعتبر معذور (والله أعلم ) لأنه إذا كان الله عزوجل أجاز للمسلم أن يكفر أو يجحد بالله سبحانه وتعالى، الذي هو الشارع، مما يعني أن ينكر وحدانية الله عزوجل وعظمته رغم علمه بها ولكن بشرط أن يكون ذلك الكفر تحت وقع الإكراه وقلبه مطمئن بالإيمان النابع من علمه بوحدانية وعظمة الله عزوجل، قال تعالى ((مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ ))، مع الإشارة إلى أن الكافر الغير مُلحد هو يكفر أو يجحد بالله الملك العظيم الواحد الأحد من خلال إنكاره وحدانية الله عزوجل بالإشراك به ومن خلال إنكاره لعظمته سبحانه وتعالى بتشبيهه بما لا يليق بعظمته سبحانه وتعالى كتشبيهه بالبشر أو غير ذلك بالرغم من علمه بوجوده سبحانه وتعالى، فحتى الكافر الذي يعبد البشر أو الصنم أو غير ذلك فإنه لا ينكر وجود الله عزوجل وإنما يعتقد بأن الله عزوجل يتجسد في المعبود البشري أو الصنم أو غير ذلك (والعياذ بالله من هكذا قول )، فبناءا على ذلك فإنه من المؤكد أنه جائز للمسلم إما أن يُنكر وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام حكم تحت وقع إكراه الأمر الواقع ولكنه يؤمن في قلبه بوجوب تطبيقها ويعمل بها في أقواله و أفعاله لأن الشريعة الإسلامية، أي أحكام الله عزوجل هي إيمان أو تصديق وتطبيق ، أو أن يُقر ويعترف بعدم إلتزامه تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام حكم تحت وقع إكراه الأمر الواقع، ولكن مع عدم إنكاره وجوب تطبيقها نظرياً، ومع إيمانه في قلبه بوجوب تطبيقها وعمله بها في أقواله وأفعاله. لأنه جواز الكفر بالشارع تحت وقع الإكراه وهو سبحانه وتعالى الذي سن ووضع وبين الشريعة الإسلامية ، بالتأكيد يشمل جواز إنكار أو عدم الإعتراف بتطبيق الشريعة الإسلامية تحت وقع إكراه الأمر الواقع، لأن الكفر بالشارع يفيد تلقائيا الكُفر بما يسُن ويُشرع الشارع وهنا أعطي مثال تقريبي ولله عزوجل المثل الأعلى، فإذا تم الطعن والتجريح في شخص العالم وكفاءته فإن ذلك يشمل أيضا عدم الوثوق والطعن فيما يصدر عنه من علم لأنه ليس ثقة.

وأيضاً من جانب آخر، الإكراه هو الإجبار والإرغام على شيء ما، وكما هو معلوم فإنه على وجه العموم الإنسان السوي يُكره على الشر أي على كل ما يضره ويضر غيره، وعلى وجه التحديد المسلم يُكره على كل ما يضره في دينه لأن الضرر في دين المسلم يضر صاحبه ويضر غيره لأن الإسلام يصون حقوق المسلم وحقوق الآخرين حتى ولو كانوا كفار، وبالتالي يبدو واضحا كيف أن الإكراه والضرر هما متلازمان مما يعني أننا نستطيع أن نستعين بالقاعدة الفقهية (( يجوز الأخذ بالأقل ضرر من أجل دفع الأكثر ضرر ))، أي بمعنى آخر أنه إذا ما أُكره المسلم على ضررين فإنه يجب عليه أن يأخذ بالأقل ضررا من أجل دفع الأكثر ضرر، وإذا ما حاولنا تطبيق هذه القاعدة الفقهية في الواقع المعاصر فيمكننا القول أنه يجوز للإسلاميين أن ينكروا وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام حاكم أو يعترفوا ويقروا بعدم وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام حاكم تحت وقع إكراه الأمر الواقع ( وهذا ما يعتبر بأنه ضرر ) لخشيتهم من أن مطالبتهم بتطبيق الشريعة الإسلامية سوف يؤدي إلى إستئصالهم أو إقصائهم ( وهذا ما يُعتبر بأنه الأكثر ضرر ) وبالتالي يتسلم السلطة أو الحكم نظام فاسد يُفسد على الناس دينهم وحياتهم، أو نظام كاره للشريعة الإسلامية بسبب أهوائه الفاسدة والضالة فيعمل هكذا نظام على نسب تحقيق النجاحات والإنجازات، إن حدثت، إلى فلسفته وأفكاره حتى ولو كانت غريبة على الأمة الإسلامية وهذا ما حدث في السابق من تبني الأفكار الإشتراكية أو الرأسمالية وما زال يحدث. بينما عندما يحكم الإسلاميون، حتى ولو لم يطبقوا أحكام الشريعة الإسلامية فإن أي نجاح أو إنجاز سوف يُنسب تلقائيا إلى نهج الإسلام العظيم لأن الإسلام هو من رباهم على الأمانة والصدق والإخلاص لأمتهم ولوطنهم إبتغاءا لمرضاة ورحمة الله الملك العظيم الرؤوف الرحيم، وهنا أعطي مثال تقريبي ولله عزوجل المثل الأعلى فإذا ما وجدت إبنا مهذبا وصاحب أخلاق حميدة فإنك تلقائيا سوف تنسب هذه التربية الحسنة لأبويه. كذلك من جانب آخر، نجد في قوله تعالى عن سيدنا شعيب عليه السلام ((قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )) أنه عليه السلام يريد الإصلاح أي يطلب تطبيق شرع أي أحكام الله عزوجل لأنه كما هو معلوم فإن كل نبي كريم هو مُرسل من الله عزوجل من أجل هداية أقوامهم إلى تطبيق أوامر الله عزوجل ونواهيه ولكنه عليه السلام يشير إلى أنه سوف يسعى إلى تطبيق شرع الله سبحانه وتعالى بقدر المستطاع وهذا ظاهر في لفظ (( ما استطعت ))، أي أنه لن يحاول طلب إصلاح ما لا يمكن أو يقدر على تحقيقه مع التأكيد على أنه على سبيل الإفتراض عدم إستطاعة سيدنا شعيب عليه السلام من الإصلاح تماما، وهذا يمكن حدوثه ووقوعه لأنه هنالك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من عجز عن هداية أحد من الناس الذين بُعث إليهم لقوله عليه الصلاة والسلام (( عُرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان، و النبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد ... ))، فإنه قطعا وبدون أي ذرة شك أنه لن يتزلزل إيمانه ويقينه الراسخ في قلبه بوجوب الإصلاح بتطبيق شريعة الله عزوجل لأنه نبي عليه السلام والأنبياء طاهرون وهم سادة البشر، وهذا ما نجده متوافق تماما مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان )) فعند تدبر هذا الحديث الشريف نجد أنه من مقتضيات إزالة المنكرات بكافة أنواعها هو تطبيق الشريعة الإسلامية لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وبالتالي نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين بتطبيق الشريعة الإسلامية إن كان بإستطاعتهم ذلك من أجل أن يستطيعوا أن يغيروا أي منكر يرونه بيدهم، فإن لم يكن بمقدورهم ذلك فيجب عليهم على أن ينبهوا بلسانهم أي مسلم عاصي يرتكب أي منكر بأن ذلك مخالف للشريعة الإسلامية من أجل تغيير المنكر وبالتالي يكون ذلك بمثابة إحياء الشريعة الإسلامية بألسنتهم أي بالقول دون تطبيقها، فإن لم يكن بمقدورهم ذلك فيجب عليهم أن ينكروا أي منكر بقلبهم أي يكرهونه بعدم محبته له وذلك أضعف الإيمان لأن من متطلبات الإسلام هو كراهية وعدم محبة وعدم الإعتراف وإنكار كل ما يُغضب الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لكونه ضرورة، بينما محبة كل ما يُرضي الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى ولو خالف الهوى هو من متطلبات الإيمان لكونه من الإخلاص، وبالتالي يكون ذلك بمثابة إحياء الشريعة الإسلامية في قلوبهم وبالتالي صيانة قلوبهم وأرواحهم وأنفسهم من الإرتداد إلى الكفر أو النفاق (والعياذ بالله من هكذا مصير) فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد : جهادٌ بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر قلبه المنكر انتكس ". وبالتالي إذا ما قسنا ذلك على وقتنا المعاصر فنستطيع أن نقول أنه يجب علينا السعي لتطبيق الشريعة الإسلامية على قدر إستطاعتنا مع الأخذ بعين الإعتبار مآلات وعواقب أي خطوة نخطيها في سعينا لتحقيق هذا الهدف النبيل والسامي والمصيري وهو تطبيق الشريعة الإسلامية ( والله أعلم ). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.