أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


وَقَالَ الشَّافِعِيّ : اِحْتَمَلَ قَوْله تَعَالَى : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) جَمِيع الرَّأْس أَوْ بَعْضه ، فَدَلَّتْ السُّنَّة ‏عَلَى أَنَّ بَعْضه يُجْزِئ . وَالْفَرْق بَيْنه وَبَيْن قَوْله تَعَالَى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ) فِي التَّيَمُّم أَنَّ الْمَسْح فِيهِ ‏بَدَل عَنْ الْغَسْل وَمَسْح الرَّأْس أَصْل فَافْتَرَقَا ، وَلَا يَرِد كَوْن مَسْح الْخُفّ بَدَلًا عَنْ غَسْل الرِّجْل لِأَنَّ ‏الرُّخْصَة فِيهِ ثَبَتَتْ بِالْإِجْمَاعِ . فَإِنْ قِيلَ : فَلَعَلَّهُ اِقْتَصَرَ عَلَى مَسْح النَّاصِيَة لِعُذْرٍ - لِأَنَّهُ كَانَ فِي سَفَر ‏وَهُوَ مَظِنَّة الْعُذْر ، وَلِهَذَا مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَة بَعْد مَسْح النَّاصِيَة كَمَا هُوَ ظَاهِر مِنْ سِيَاق مُسْلِم فِي ‏حَدِيث الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة - قُلْنَا : قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَسْح مُقَدَّم الرَّأْس مِنْ غَيْر مَسْح عَلَى الْعِمَامَة وَلَا ‏تَعَرُّض لِسَفَرٍ ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيّ مِنْ حَدِيث عَطَاء أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ‏فَحَسَرَ الْعِمَامَة عَنْ رَأْسه وَمَسَحَ مُقَدَّم رَأْسه ، وَهُوَ مُرْسَل لَكِنَّهُ اُعْتُضِدَ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْه آخَر مَوْصُولًا ‏أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَنَس . وَفِي إِسْنَاده أَبُو مَعْقِل لَا يُعْرَف حَاله ، فَقَدْ اِعْتَضَدَ كُلّ مِنْ ‏الْمُرْسَل وَالْمَوْصُول بِالْآخَرِ ، وَحَصَلَتْ الْقُوَّة مِنْ الصُّورَة الْمَجْمُوعَة ، وَهَذَا مِثَال لِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيّ ‏مِنْ أَنَّ الْمُرْسَل يَعْتَضِد بِمُرْسَلٍ آخَر أَوْ مُسْنَد ، وَظَهَرَ بِهَذَا جَوَاب مَنْ أَوْرَدَ أَنَّ الْحُجَّة حِينَئِذٍ بِالْمُسْنَدِ ‏فَيَقَع الْمُرْسَل لَغْوًا ، وَقَدْ قَرَّرْت جَوَاب ذَلِكَ فِيمَا كَتَبْته عَلَى عُلُوم الْحَدِيث لِابْنِ الصَّلَاح .(فتح ‏الباري)‏