أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


(الإمام الألباني رحمه الله وخطأه رحمه الله في تفسيره للفظة «الـمثناة»)
بينما كنت أشتغل في كتابي (تصحيح الاخطاء) دفع إليّ شيخنا العلامة شعيب الارنؤوط حفظه الله المجلد السادس من نسخته وقال لي: انظر هاهنا وانظر تفسير الشيخ ناصر لهذا النص والنص جاء في السادس من السلسلة الصحيحة حديث رقم 2821 للشيخ العلامة ناصر الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتراب وفي رواية أشراط الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار ويفتح القول ويخزن العمل ويقرأ بالقوم المثناة ليس فيهم أحد ينكرها» قيل: وما المثناة؟ قال: «ما استكتب سوى كتاب الله» أخرجه الحاكم 4/554 وأورده الهيثمي في «المجمع» 7/326 مرفوعاً عن عبد الله بن عمرو وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح وفسر الشيخ العلامة ناصر المثناة بأنها كتب المذاهب، ونظراً لأنني كتبت كتابا في اليهودية والنصرانية كنت درست ولمدة سنة كاملة التوراة والإنجيل وبعض تفسيراتها فالمثناة: هي ما يُسمى بالمشنا بالشين في العبرية، وتالياً الدليل وهو مستل من كتابي المخطوط (اليهودية والنصرانية):
التلمود: التلمود الإسرائيلي الذي يتوفر بين أيدي اليهود وهو الدستور الذي يحتكم إليه اليهود ومعلوم أن جميع دول العالم العلمانية وغير العلمانية لديهم جميعا دساتير وضعية إلا إسرائيل فهي لم تضع دستوراً لها بل جاءت بالتلمود وجعلته دستوراً لها ويا ليتها اكتفت كما يفعل أصحاب الدساتير الوضعية بل زادت على ذلك أن نسبوا هذا التلمود لله الواحد القهار والتلمود مشتق من لفظ عبري (lamad) ومعناها تعليم وهي مجموعة من الروايات الشفوية التي كانت تنقل من جيل إلى جيل في شؤون العقيدة والشريعة والتاريخ والسير على السنة الأحبار وفقهائهم شرحا للتوراة وهذه الشروحات جمعها يهوذا في القرن الثاني الميلادي وسماها المشنا ومعناها شرح التوراة ثم قام علماء اليهود بشرح المشنا فسموه الجمارا أي فقه شريعة موسى ويذكر د. محمد ضياء الأعظمي في كتابه اليهودية والمسيحية أن المشنا ستة مجلدات أما الشروح فقد زادت على حجم المشنا فصار التلمود من المشنا والجمارا في أربعين مجلدا ويحتوي المشنا على ست رسائل:
الأولى: في الزراعات وتشمل نظام الحبوب والمحاصيل والاحتفال بالمحاصيل والأدعية بالقداس( ).
الثانية: المواعيد وهي تظم نظام المواسم والأعياد من حيث بدأها ونهايتها والاحتفال بالسبت والأيام الأخرى.
الثالثة: النشاء وهي أحوالهم الشخصية كالزواج والطلاق والإرث والخطبة والنذور والأيمـان.
الرابعة: نزكين وهي التعويضات والجزاءات والعقاب.
الخامسة: كودشيم يعني المقدسات من قرابين التي تقدم للهيكل.
السادسة: طوروس وهي الطهارات وتشمل الملابس الأجسام والأمتعة والخيام.
ويرى المستشرق ول ديورانت في قصة الحضارة 3/4 ص 29 أن محتوى التلمود ليس موسوعة في التاريخ والدين والشعائر والطب والأقاصيص الشعبية فحسب فوق ذلك كله رسالة في الزراعة وفلاحة البساتين والصناعة والمهن والتجارة وشؤون المال والضرائب والملك والميراث والرق والسرقة والمحاكمات القضائية والقوانين الجنائية وأول ما نذكره أن التلمود أولا قبل كل شيء قانون أخلاقي. اهـ وينبثق من التلمود اليهودي تلمود فلسطين وبابل وهو من عمل مجموعات (تيبرياس) و(سيفوى) و(كايزاريا) العبرية في فلسطين وهذا التلمود وهو تلمود أورشليم وهو أصغر من البابلي واحتوى على علم السحر المسمى (هاجاده) يقول المؤرخ أتلخان في كتبه الإسلام وبنو إسرائيل ص56 ولا يحب اليهود أن يبحث غيرهم في التلمود حتى على عامة اليهود الذين لا يقدرون على حفظ سريته ذلك لاحتوائه على أسرارهم الرخيصة التي لا تليق بالبشر والتي تصور حياتهم الخاصة المنغلقة عليهم كما تصور عنصريتهم المتعالية التي تدعو إلى تنظيم الشعب اليهودي بالأساليب الجهنمية للسيطرة على مقدرات العالم وتم حرق التلمود في سنوات عدة على أيدي حكام أوروبا سنة 1244 - و1248 و1299 و1309 و1319 و1322 و1353 و1557 و1558 و1559 وجميع ما حرق كان بأمر البابوات وعلماء النصارى.
وقال ابن الأثير في «النهاية» 1/225: «وقيل: إن الـمثناة هي أن أحبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام وضعوا كتاباً فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله».
أما تشبيه الشيخ الـمشنا بكتب المذاهب الإسلامية حيث قال في السلسلة الصحيحة 6/ قسم2/82 عن أتباع المذاهب: «قد جعلوا المذهب أصلاً، والقرآن الكريم تبعاً، فذلك هو المثناة دونما شك أو ريب»، فأقول: إن النور الذي ينبثق من طيّات وجنبات كتب فقه أئمتنا وتلك العبارات الدالة على الخير لهي من أجمل ما كُتِبَ في تاريخ الإنسانية، فليس فيها رائحة العصبية والغلو ولا الضلال وليس فيها عنصرية ولا دعوة لهدم حضارة وأخلاق إنسانية ولا فيها انحلال ولا فساد، نعم، قد يكون في بعض كلام المتأخرين أشياء قد أغضبت المحققين أمثال الشيخ فهؤلاء بشر يخطئون ويصيبون، لكن كتبهم لا تشبه المشنا والجمارا، ولو نظر الشيخ رحمه الله إلى كلمة ابن قدامة في مقدمة «المغني» 1/4 حيث قال: «اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة» لكان غيَّـرَ كلمته.
والشيخ الألباني رحمه الله أكثر من النقول من كتب الفقه لأولئك الأئمة والمتأخرة خصوصا وللناظر ببصره لو طوّفه قليلا في أي كتاب للشيخ رحمه الله لوجد العشرات بل المئات من نقوله من كتب المذاهب المتقدمة أو المتأخرة مثل صفة الصلاة، تمام المنة، السلسلة الصحيحة، والضعيفة، وغيرها الكثيرالكثير، وسأسوق بعض النّقولات للشيخ رحمه الله من كتبه في نقله عن كتب المذاهب:
01 صفة الصلاة صفحة 46 ابن عابدين في الحاشية 1/63 وفي رسالته رسم المفتي من مجموعة رسائل ابن عابدين والشيخ صالح الفلاني في إيقاظ الهمم وشرح الهداية لابن الشحنة الكبير شيخ ابن الهمام.
02 صفة الصلاة ص46 ابن عبد البر في الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص145 وابن القيم أعلام الموقعين 2/309 وابن عابدين في حاشيته على البحر الرائق 6/293 وفي رسم المفتي والشعراني في الميزان.
03 وفي صفة الصلاة ص56 الفوائد البهية والبحر الرائق.
04 تمام المنة ص53 عن ابن حزم المجموع للنووي ص55 والمجموع للنووي 84 وعن الظاهرية والسيل الجرار وصديق حسن خان ص99.
قلت : هذا ما وقفت عليه سريعاً، فلو نظرت إلى الجنائز فلقد أحصيت للشيخ أكثر من ستين نقلا معظمها عن ابن حزم والشوكاني وباقي المذاهب وفي النهاية لعل الشيخ رحمه الله لم يقصد تفسير المثناة على أنّها تماثل التلمود والجمارا، ولكن العبارة خانته ففسَّـر ما فسَّـر. والله أعلم.