أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أوصيكم ونفسي بتقوى الله ...
وأوصيكم بوصية الله التي أوصانا بها فقال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}.
عباد الله:
بدأت الإجازة وبدأ الفراغ وببدايتهما تبدأ المشاكل وتكثر الجرائم ويحدث الإزعاج والشغب فوضى عارمة وفراغ قاتل وأطفال لا يدرون ماذا يفعلون في هذه الإجازة وإلى أين يتجهون وماذا يصنعون في هذه الساعات الطوال؟.
قليل منهم من يستفيد من وقته ويغتنم فراغه وأكثرهم يسرحون ويمرحون ويذهبون ويأتون ويلعبون وينامون لا هدف لهم ولا شيئاً يسد فراغهم ولا عملاً يذهب هموهم ويسد حاجتهم ويقضي على بطالتهم.
حالهم يرثى له فمنهم من يفترسه أصدقاء السوء ويغرقونه في بحر من الضياع ويوقعونه في حفر عميقة وجرائم مخيفة وخاصة جرائم الحبوب والمخدرات.
ومنهم من يقضي فراغه في توليد المشاكل وإثارة الزوابع مع الآخرين ويدخل على أهله كل يوم مشاكلاً فوق مشاكلهم وهموماً فوق همومهم.
ومنهم من يأتيه الشيطان فيزين له السوء ويرسم له الخطط الشريرة ويدله على فعل الأفعال القبيحة ويشجعه على ارتكاب الموبقات الكبيرة كالسرقة والنهب والتحايل على الآخرين.
ومنهم والعياذ بالله من يقع فريسة للأنذال والمخنثين يتداولونه كل يوم ويمارسون معه الفاحشة بشكل مستمر ويقومون بتخويفه وتهديده إن ردّ لهم طلب.
ومنهم من يقضي وقته على الفيس بوك والدردشات والمحادثات التي لا تقدم ولا تؤخر وبدلاً من أن يستفيد من الحاسوب والانترنت في أمور تفيده وتنفعه إذا به يصرف وقته معه في أشياء ربما تضر ولا تنفع
وكان بإمكانه أن يستفيد من الكمبيوتر في تعلم البرامج المفيدة والحصول على التطبيقات النافعة ولكنهم يتركون هذا كله وينصرفون إلى الشات والنمبز والوتس آب وغيرها مما لا فائدة كبيرة فيه.
إننا جميعاً مسئولون في الدنيا قبل الآخرة عن هؤلاء الأطفال والشباب ماذا عملنا لهم؟ وهل قمنا بدورنا في توجيههم وإرشادهم؟ وهل أخذنا على أيديهم حتى لا يقعوا ضحية لهذه الأخطاء القاتلة والمشكلات الخطيرة؟ ومتى سيتجاوز دورنا تجاههم دور الكلام والقول إلى دور العمل والفعل؟ وإلى متى سنبقى ننظر إليهم وهم يتساقطون وينحرفون ونحن نسترجع ونتحوقل ونكتفي بأن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله ثم ننساهم ونتركهم.
إنها أمانة ملقاة على عاتقنا جميعاً وحمل ثقيل موضوع فوق كواهلنا كلنا فلا عذر اليوم لأحد منا ولا يستطيع أحد أن يتخلى عن مسئوليته ودوره ويزعم أنه لا دخل له ولا علاقة له تجاه هؤلاء الأطفال والشباب.
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب : 72].
أصحاب القرار معنيون والآباء مسئولون والمسجد دوره عظيم والمدرسة مهمتها لم تنتهي بانتهاء الدراسة وبدء الإجازة والشخصيات المهمة والعقلاء والوجهاء في المنطقة يتحملون المسئولية الأعظم والناس الآخرون لا يظنون أنه لا مجال لهم في هذا الأمر والنساء في البيوت يتحملن الجانب الآخر من الحمل والمسئولية وكلنا مسئولون كما قال نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ".
المشكلة العظمى اليوم يا عباد الله أن بعض هؤلاء الأطفال يعيشون واقعاً مريراً ويكابدون حياة صعبة وعيشة ضنكة ليس في الجانب المادي فقط وإنما يعانون أشد المعاناة من جوانب أخرى.
فهناك أولاد يعيشون في غربة موحشة وحياة مرة فأبوه لا يسأل عنه ولا يهتم به ولا يدري عنه شيئاً إما أن يكون أبوه مسافراً أو مشغولاً لا يأتي إلا في الليل أو منصرفاً مع القات والجلسات لا يبالي بأبنائه ولا يسأل عنهم بل ربما يطالبهم بأن يوفروا له حق القات ويأمرهم أن يتصرفوا ويعملوا في أي عمل ومع أي أحد المهم أن يأتوا له بدخل يسد حاجته وحاجة البيت.
والله مأساة عظيمة وقصص كثيرة تحصل من أباء يدفعون أبنائهم إلى أن يذهبوا إلى القمائم يبحثون عن شيء يبيعونه أو يدلهم على الورش ومحلات التصنيع ليأخذوا منها الأسلاك واللفات والنحاس والحديد ليبيعوه على أصحاب الخردة ثم ينتزع منهم هذا المال نزعاً ويضربهم ويهينهم ويذلهم إن لم يتصرفوا ويأتوا له بشيء.
وربما يكون الأب مخدراً أوفي حالة سكر والويل كل الويل لهذا الولد إن جاء وليس معه شيء يعطيه إياه ومن هنا يحدث الانفلات ويقع التسيب ويشعر هؤلاء الأبناء أن آباءهم يرخصون لهم في فعل أي منكر ويعطونهم الضوء الأخضر في ارتكاب أي جريمة فيسرقون ويسطون ويبيعون أعراضهم وشرفهم حتى يتخلصوا من ضغط أسرهم وأوامر أهلهم وآبائهم والسبب هو القات والمخدرات.
هذا واقع نعيشه في واقعنا ويحدث في مجتمعنا ولا يظن أحد أني أتحدث من فراغ أو أسرد قصصاً خيالية أو أذكر وقائع تقع بعيدة عنا أو تحدث خارج مجتمعنا.
وبعض الأبناء يرى فقر أهله وشدة حاجتهم وازدياد معاناتهم وكلما طلب منهم حاجة لم يلبوا له طلبه ولم يوفروا له حاجته فيذهب إلى هذه الطرق الملتوية ويسلك هذه المسالك المنتنة حتى يغني نفسه ويسد حاجته كما يظن إلى أن يقع في الفخ ويسقط في المصيبة فيتفاجأ أهله بما لايتوقعون ويندم هو وهم على ما وقع.
وهناك أنباء آباؤهم قد طلقوا أمهاتهم أو يعيش الأب مع الأم في حالة نفرة ومشاكل فيتيه الأبناء ويضيع الأولاد فلا أباً يرعاهم ولا أماً تهتم بهم أو تستطيع أن توفر لهم شيئاً والنهاية هي الضياع والقصص المؤلمة والوقائع المبكية وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ويقول جلا وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}.
الخطبة الثانية:
عباد الله:
المأساة كبيرة والواقع مخيف والقصص التي تصل إلينا أو نسمعها مؤلمة جداً والخرق قد اتسع على الراقع والفراغ كبير وسده يحتاج إلى إمكانيات أكبر من الامكانيات المتاحة والطاقات الموجودة.
لكن هذا لا يعفينا من المسئولية ولايدفعنا إلى الهروب من الواقع أو السكوت عن الأحوال الخطيرة التي نعيشها.
أولاد صغار يضبطون مع أولاد كبار أو مع أولاد صغار مثلهم يمارسون اللواط ويرتكبون الفاحشة بسذاجة وبهلوانية وفي أماكن معروفة وشبه مكشوفة وبإغراءات بسيطة وفي كثير من الأحيان بدون مقابل وعندما يسألون عن الدافع الذي دفعهم لهذا الأمر يحكون أسباباً محزنة تدل على الخلل الكبير والتربية المفقودة.
تخيلوا طفلاً صغيراً يمارس الفاحشة مع شبان أكبر منه ويبتزونه ويضحكون عليه بمبلغ تافه أو مقابل جوال أو مقابل عمل بسيط يعملونه له وبالأمس القريب صرح مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بأن عدد الحالات الجديدة في الساحل بلغت خلال الربع الأول من هذا العام بلغت خمسة عشر حالة جديدة وأشار إلى تزايد أعداد المصابين على مستوى اليمن وحضرموت منوهاً إلى أن أكثر الإصابات تتم عن طريق الممارسات الجنسية الخاطئة.
هناك أبناء صغار يضبط معهم حشيش وحبوب ومخدرات ونشوق وغير ذلك فمن أين لهم مصاريف وتكاليف هذه الأشياء التي تكلف مبالغ باهظة؟!.
وأولاد صغار تم ضبطهم هنا يطبون على البيوت فيسرقون ما فيها ويأخذون منها ما يستطيعون أخذه وعندما انكشف أمرهم واعترفوا وتم الجلوس مع بعضهم ذكروا أعمالاً عملوها وسرقات وجرائم قاموا بها يستحي الإنسان من ذكرها ولا يصدق الواحد أن تحدث هذه الأفعال من هؤلاء الصغار وإذا كان هؤلاء الصغار يفعلون هذا فماذا سيفعل الكبار؟.
عباد الله:
إني والله لكم ناصح أمين وإني لا أريد أن أذكر وقائعاً وأحداثاً تحدث هنا في منطقتنا هذه ولكن كل واحد منا يجب عليه أن يهتم بأبنائه ويحافظ عليهم ويتتبع أحوالهم ويسد فراغهم حتى لا يأتي يوم من الأيام يقول ما كنت أظن أن يفعل ابني هذا ولم أربيهم بهذه التربية ولم أتوقع أن تحصل منهم هذه الأمور.
وفي الختام أدعوا كل أخ لديه فكرة أو مشروع أو مهنة أو دورة أو أي شيء يريد أن يساهم به في سد فراغ هؤلاء الأطفال فليضعه وليشارك به وليأتي بما عنده ونحن له شاكرين فالمسجد مسجد الجميع والمسئولية مسئولية الجميع.
من يستطيع أن يدرس بعض المواد الدراسية للأولاد فليدرسها مشكوراً ومن لديه حرفة أو مهنة يود أن يعلمها الشباب فليعلمها
ومن عنده خبرة في مجال معين يريد أن ينفعهم به فلينفعهم ومن عنده نشاط نافع يرى في نفسه القدرة على أدائه فلا يتردد لحظة واحدة ...
ومن فتح الله عليه في مهارة معينة كالخط أو الإدارة أو المشاريع أو الحاسوب أو غيره فليفعل ونحن مستعدون لأن نضع أيدينا في يده
المهم هو أن نسد فراغ شبابنا وأولادنا بما نستطيع أن نقوم به ونعمل لهم ما نقدر عليه فإن الله سبحانه وتعالى يقول {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".
صلوا وسلموا ...