أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




أسهل طريقة لتحصيل العلم!!
أبو مالك العوضي


يعجز بعضهم عن حفظ القرآن فيقول: وما فائدة حفظ القرآن؟!! المهم فهم المعنى!

وبعضهم يعجز عن حفظ السنن فيقول: وما فائدة حفظ السنن والكتب بين أيدينا!! المهم الفهم!
وبعضهم يعجز عن حفظ المتون ويقول: هذه المتون لم تُرَبِّ في الناس إلا التقليد!!
وبعضهم يعجز عن قراءة كتب أهل العلم فيقول: وما فائدة هذا الركام من الكتب!! كلها يقلد بعضهم بعضا!!
وبعضهم يعجز عن فهم دقائق مناقشات أهل العلم فيقول: وما فائدة كل هذه التهاويل؟!! المهم هو ما كان عليه السلف!!

فإذا سئل عن معرفته بفقه السلف وعما يحفظ من أخبار السلف؟ قال لك: وما فائدةُ الحفظ!! الكتبُ بين أيدينا!

وبعضهم يعجز عن فهم المسائل الفرعية، فيذهب مباشرة إلى التقعيد والتأصيل!!

يقول: إن الخلف صنفوا هذه الكتب المتأخرة التي لم تعرف عند السلف!! إذن لا بد أن تكون كتب الخلف باطلة وكلام السلف هو الصحيح، وهو أصلا لم يطلع لا على كلام السلف ولا على كلام الخلف!!

أخي الكريم:
إن من أسهل ما يكون أن يدعي الإنسان التقعيد والتأصيل، ولكن حقيقة الأمر أنه لما عجز عن معرفة الفروع (التي يتوصل بها إلى التقعيد) صار يقعّد على أساس ما لديه من مسائل يسيرة (إن أحسنّا به الظن!!) فبدلا من أن ينظر ويقرأ ويطلع ويذاكر ويجتهد!! صار يلقي كل هذا وراء ظهره (لأنه لا فائدة فيه!!) والمهم هو كلام السلف!!

... وما علمك بكلام السلف؟!!
ماذا تحفظ من أخبار السلف ونصوصهم؟!!

وبعد هذا كله يأتي ليقول: إجماع السلف ليس بحجة!! وإنما الحجة في الدليل!!

وأين هذا الدليل يا عاقل؟!
الدليل هو القطعيات والمعلوم من الدين بالضرورة!!
وما هذا المعلوم من الدين بالضرورة؟!! لا يدري
وكيف تفرق بين القطعي والظني؟!! لا يدري

من الصعب جدًّا أن تحفظ كتابًا في علم من العلوم!
ومن الصعب كذلك أن تجرد مطولات هذا العلم!
ومن الصعب جدًّا أيضا أن تحيط علما بأكثر ما صنف في هذا الفن!
ومن الصعب جدًّا جدا أن تستحضر جل مسائل الفن بأقوالها ومناقشاتها!

ولكن من السهل جدًّا أن تقول: كل هذه الكتب لا فائدة فيها؛ لأنها مبنية على التقليد!!
ومن السهل جدًّا أن تقول: كلام هؤلاء لا حجة فيه، والعبرة بالدليل!!
ومن السهل أن تقول: كل كلام هؤلاء مبني على الفلسفات والمنطق الأرسطي والكلام الفاسد!! وقد أفسد هؤلاء العلم بمثل هذه المصنفات!!
ومن السهل جدًّا أن تقول: لم يؤلف في هذا الفن كتاب واحد جيد!! (مع أنك لم تقرأ فيه كتابا واحدا كاملا!!)
ومن السهل جدًّا أن تقول: الصواب في المسألة كذا وكذا، وكل ما قاله هؤلاء ألقه في الحش!!
ومن السهل جدًّا أن تقول: ليس المهم هو الفروع!! المهم الأصول!! وأين أنت من هذه الأصول وكيف حصلتها بغير فروع؟!!
من السهل جدًّا أن يأتي معاصر فيقول: جناية سيبويه على النحو!!
ومن السهل جدًّا أن يأتي فيقول: جناية البخاري على الحديث!!
ومن السهل أيضًا أن يقال: جناية عبد القاهر على البلاغة!!
ومن السهل كذلك أن يقال: الأصوليون أفسدوا علوم المسلمين!
ومن السهل كذلك أن يقال: المفسرون أفسدوا علم التفسير!!

وإنما كان كل ذلك سهلا جدا؛ لأن واحدًا من هؤلاء عند التفتيش والبحث يظهر أنه لا ناقة له ولا جمل في هذا الفن الذي يتقحَّم فيه!! ولا يحفظ فيه متنًا، ولم يجرد فيه مطولا، ولم يطلع على دقائق كلام أهله، ولم يفهم غور أقوالهم، ولم يقف على حقيقة مرادهم!!

والحقيقة الواحدة المؤكدة أنه صار عنده عقدة من هذا الفن نتيجة جهله به وعدم استطاعته لتحصيله؛ لأن الناس أعداء ما جهلوا، فلما كان جاهلا بهذا الفن صار من أكثر الناس عداوة له، فأَبَتْ هذه العداوةُ إلا أن تَظهَرَ على يده ولسانه ووجهه!!

ولكن هؤلاء مع ذلك أعطونا فائدةً عظمى تُقصِّر علينا الطريقَ في تحصيل العلم!

فصار الآن أسهل طريق لتحصيل العلم أن تتجرأ على الأصول مباشرة دون أن تعرف شيئًا من الفروع، وأن تتسوَّر على قُنَنِ الاجتهاد قبل أن تتدرج في مراتب التعليم، وأن تهجم على التأصيل والتقعيد بحسب ما تفهم (إن كنت تفهم!) مُسْتَقِيًا ذلك من الأدلة مباشرة (إن كنت تفهم أصلا معنى كلمة دليل!!)

فهنيئًا لهؤلاء هذا العلم اللدُنّي!!
وهنيئًا لهؤلاء هذه المرتبة التي تقصر عنها مراتبُ الأولين والآخرين!!
وهنيئًا لهؤلاء هذه الطريقة السريعة في تحصيل العلم، فقد حلوا بها مشكلة استعصت على الحل في القرون الماضية!

والله المستعان.