أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله اما بعد :
قال الحافظ ابن رجب :
وفي " المسند " و" سنن أبي داود "، عن الحكم بن حزن الكلفي أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول على المنبر يوم الجمعة: " أيها الناس! إنكم لن تطيقوا - أو لن تفعلوا - كل ما أمرتكم؛ ولكن سددوا وأبشروا انتهى
قوله وهو على المنبر وهم فليس في حديثه ذكر للمنبر
قال الشيخ الألباني رحمه الله : في الضعيفة عند حديث :
964 كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر ".
لا أصل له بهذه الزيادة و" وهو على المنبر ".
فيما أعلم وقد أورده هكذا الزرقاني في " شرح المواهب الدنية " (7 / 394) من رواية أبي داود والصنعاني في " سبل السلام " (2 / 65) من روايته من حديث البراء بلفظ: " كان إذا خطب يعتمد على عنزة له ". والذي رأيته في " سنن أبي داود " (1 / 178) من طريق أبي جناب عن يزيد بن البراء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نوول يوم العيد قوسا فخطب عليه، وكذا رواه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 146) وابن أبي شيبة (2 / 158) ورواه أحمد (4 / 282) مطولا وكذا الطبراني وصححه ابن السكن فيما ذكره الحافظ في " التلخيص " (137) ، وفيه نظر فإن أبا جناب واسمه يحيى بن أبي حية ضعيف، قال الحافظ في " التقريب ": " ضعفوه لكثرة تدليسه ".
فأنت ترى أنه ليس في الحديث أن ذلك كان على المنبر، ويوم الجمعة، بل هو صريح في يوم العيد دون المنبر، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يخطب فيه على المنبر، لأنه كان يصلي في المصلى، ولذلك لم يصح التعقب به - كما فعل الزرقاني تبعا لأصله: القسطلاني - على ابن القيم في قوله في " زاد المعاد " (1 / 166) : " ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره، وإنما كان يعتمد على عصا، ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف، وما يظنه بعض الجهال أنه
كان يعتمد على السيف دائما، وأن ذلك إشارة إلى الدين قام بالسيف فمن فرط جهله، فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا ألبتة، وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس ". فقوله " قبل أن يتخذ المنبر " صواب لا غبار عليه، وإن نظر فيه القسطلاني وتعقبه الزرقاني كما أشرنا آنفا، وذلك قوله في شرحه: " كيف وفي أبي داود: كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر "! فقد علمت مما سبق أن هذا لا أصل له عند أبي داود، بل ولا عند غيره من أهل السنن الأربعة وغيرهم، فقد تتبعت الحديث فيما أمكنني من المصادر، فوجدته روي عن جماعة من الصحابة، وهم الحكم بن حزن الكلفي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وسعد القرظ المؤذن، وعن عطاء مرسلا، وليس في شيء منها ما ذكره الزرقاني .... انتهى
وما ذهب إليه الشيخ الألباني و قبله ابن القيم من أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما توكأ على العصا قبل اتخاذ المنبر مرجوح مخالف لظاهر الحديث ولما عليه جماهير الأئمة
قال الإمام مالك " وَذَلِكَ مِمَّا يُسْتَحَبُّ لِلأَْئِمَّةِ أَصْحَابِ الْمَنَابِرِ أَنْ يَخْطُبُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَعَهُمُ الْعَصَا، يَتَوَكَّئُونَ عَلَيْهَا فِي قِيَامِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا.
وفي الموسوعة الكويتية : وَاسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ اتِّكَاءِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِخْصَرَةِ فِي حَال الْخُطْبَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ: قَال: وَفَدْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدْنَا مَعَهُ الْجُمُعَةَ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصَا مُخْتَصِرًا انتهى
ففي حديث الحكم بن حزن ليس فيه التعرض لذكر المنبر لا نفيا ولا إثباتا فالاعتماد على العصا عام يشمل ما إذا خطب على الأرض أو خطب على المنبر والعلة شاملة للحالتين وهو أنه من عادة العرب خلافا للشعوبية في طعنها على العرب في ذلك كما قال الخطابي وأيضا فيه منع اليد من العبث وفيه ربط للقلب وايضا فيه استعانة له على طول القيام كما قال أهل العلم
نعم اعتراض القسطلاني والزرقاني ليس بصحيح لكن لا نسلم من الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على العصا قبل الاتخاذ من المنبر فلا دليل على ذلك و في المقابل لم يثبت العكس يعني الاعتماد على العصا قبل اتخاذ المنبر ففي صحيح البخاري : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الجِذْعُ فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ فليس في هذا الحديث أنه كان يخطب متوكئا على العصا قبل أن يتخذ المنبر فالخلاصة أنه لا علاقة للمنبر بالاعتماد على العصا وهو مذهب الجماهير
وهذا ظاهر حديث الحكم بن حزن وإليك نصه "
قال أحمد في المسند : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: عَبْدُ اللهِ، وَسَمِعْتُهُ مِنَ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ، وَلَهُ صُحْبَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، قَالَ: قَدِمْتُ إلَى (1) رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ، أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ، قَالَ: فَأَذِنَ لَنَا فَدَخَلْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَيْنَاكَ لِتَدْعُوَ لَنَا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَدَعَا لَنَا بِخَيْرٍ، وَأَمَرَ بِنَا، فَأُنْزِلْنَا، وَأَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنْ تَمْرٍ، وَالشَّأْنُ إِذْ ذَاكَ دُونٌ، قَالَ: فَلَبِثْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا، شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ، - أَوْ قَالَ عَلَى عَصًا -، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ، طَيِّبَاتٍ، مُبَارَكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تَفْعَلُوا، وَلَنْ تُطِيقُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا