التحذير من الاعتداء في الدعاء


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إنَّ من الضوابطِ المهمة للدعاء أن يحذر المسلم أشد الحذر من الاعتداء فيه؛ ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد نهانا عن الاعتداء وحثنا على الالتزام بآداب الدعاء المشروعة، يقول الله تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (سورة الأعراف الآية: 55) ، فأرشد تبارك وتعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ عباده إلى دعائه بخشوع وخضوع وبعيدا عن الأنظار؛ لأنه أليق بالإخلاص، ثم نهاهم سبحانه في هذا السياق عن الاعتداء في الدعاء بالتعبير عن عدم محبته للمعتدين، فدل ذلك على أن الاعتداء مكروه له مسخوطٌ عنده، لا يُحب فاعلَه، ومن لا يحبه الله فأي خير ينال، وأي فضلٍ يؤمل.


معنى الاعتداء في الدعاء:

والاعتداء هو تجاوز ما ينبغي أن يقتصر عليه في الدعاء ثم إن النهيَ عن الاعتداء في الآية وإن كان عاما يشملُ كل نوع من الاعتداء، إلاَّ أنَّه لمجيئِه عقِب الأمر بالدعاء يدل دلالةً خاصة على المنع من الاعتداءِ في الدعاء والتحذير منه، وبيانِ أن الدعاء المشتملَ على الاعتداء لا يحبه الله من عباده ولا يرضاه لهم؛ ولهذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (سورة الأعراف الآية: 55) ، قال: "في الدعاء ولا في غيره".


كلام السلف في معنى الاعتداء في الدعاء:


وعن قتادة في معنى الآية قال: "اعلموا أنَّ في بعض الدعاء اعتداء فاجتنبوا العدوان والاعتداء إن استطعتم ولا قوة إلاَّ بالله".
وعن الربيع في معنى الآية قال: "إياك أن تسأل ربك أمرا قد نهيت عنه أو ما ينبغي لك".
وعن ابن جريج في معنى الآية قال: "إن من الدعاء اعتداء، يُكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة" ، إلى غير ذلك من كلام السلف.

وخلاصة الكلام أن نقول:

إن الاعتداءَ في الدعاء بابه واسع؛ إذ هو كما تقدَّم تعريفه: تجاوز ما ينبغي أن يُقتصرَ عليه، وعلى هذا فكل مخالفةٍ للسنة ومفارقة للهدي النبوي الكريم في الدعاء يُعد اعتداء، ومن المعلوم أن المخالفات متنوعة وكثيرة لا يجمعها نوع واحد، ثم هي أيضا متفاوتة في خطورتها، فمِن الاعتداء ما قد يبلغ حد الكفر، ومنه ما هو دون ذلك، فمن اعتدى في دعائه بأن دعا غير الله أو سأله أو طلب منه كشف ضره أو *** نفعه أو شفاء مرضه أو نحو ذلك، فقد وقع في أعظمِ أنواع الاعتداء في الدعاء وأشدها خطرا، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ (سورة الأحقاف آية: 5).
وحاصلُ كلام المفسرين في معنى هذه الآية أن الله تبارك وتعالى حكم بأنه لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة، ومعنى الاستفهام في الآية إنكار أن يكون في الضُلاَّل كلِّهم أبلغُ ضلالاً مِمن عبَد غيرَ الله ودعاه، حيث يترك دعاء السميعِ المجيبِ القدير، ويدعو من دونه الضعيف العاجز الذي لا قدرة له على الاستجابة، فهذا أخطرُ أنواع الاعتداء في الدعاء وأشدُّها ضررا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فهؤلاء أعظمُ المعتدين عدوانا، فإن أعظم العدوان الشرك وهو وضع العبادة في غير موضعها، فهذا العدوان لا بد أن يكون داخلاً في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (سورة الأعراف آية: 55).
وأيُّ اعتداء أعظم وأشد من هذا، أن يصرف العبدُ حق الله الخالص الذي لا يجوز أن يُصرف لأحد سواه إلى مخلوقٍ لا يَملكُ لنفسه ضرًّا ولا رَشدا، ولا موتا ولا حياةً ولا نشورا، فضلا عن أن يملك شيئا من ذلك لغيره.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من الزلل وأن يوفقنا باتباع السنة في القول والعمل،،
وصلى الله على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.