أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد :
فقد نصحني بعض من صدقت في الله محبته أن أجمع كل ما كشفت النقاب عنه من كتبنا التراثية ، أو صححت عنوانه ، أو اسم مؤلفه ؛ في التفسير ، وعلوم القرآن ، والتجويد ، والرسم ، والوقف ، والعد ، والقراءات ، والنحو ، واللغة ، في مصنف مفرد ، فوجدتها فكرة صائبة ، وقد زادت بفضل الله – حتى الآن - على الألف وخمسمائة كتاب ، وقد انتهيت من جمع مادة الكتاب العلمية ، وضممت إليها الكثير من الفوائد كالسرقات العلمية في القراءات وعلوم القرآن ، وأثرها الخطير.
ومن أخطرها تلك السرقة التي تولى كبرها أحد رجالات تبريز ؛ حيث لم يكتف فيها بسرقته ، وإنما قلب الحقائق ، فاتهم قراء العرب بمعايب قراءات قراء العجم.
وكان أحد علماء الموصل في أواخر القرن السابع الهجري قد رحل إلى مدينة شيراز ، وأقام بين أهلها فترة من الزمن حتى أدركته الوفاة ، ودفن بها ، وقد صار شيخ قرائها ، وصنف لهم بإلحاح شديد ، ولِما رآه من أخطاء قراء العجم ومعايبهم في القراءات : مفردات القراء السبعة ، وبعد وفاته بشهور رحل أحد علماء تبريز إلى عراق العرب ، لكنه لم ينزل إلى الموصل بلد المسروق منه حتى لا يفتضح أمره ، بل نزل بغداد ، وصنف أيضاً مفردات القراء السبع ، وذلك – كما ادعى - بإلحاح من بعض أصدقائه ، ولما رآه من أخطاء قراء العرب في قراءة القرآن ( ! ) ، والحمد لله الذي فضح سرقاته بعد أكثر من سبعة قرون.

وكان من بين ما ألح فيه علي صديقي الصدوق إماطة اللثام عن ثلاثة كتب في القراءات تهم الباحثين في القراءات والنحو واللغة ، كنت قد تحدثت معه حولها ، وقد بالغت في الاعتذار ، وبالغ في الإلحاح ؛ نظراً لانتشار هذه الكتب بين الباحثين ، وقيام دراسات حولها ، وخطورة نسبتها إلى غير أصحابها.
وهذه الكتب الثلاثة نسب أحدها إلى راوي الكتاب ، والثاني إلى ناسخه ، والثالث إلى والد الناسخ ، وقد حققت في ثلاث رسائل دكتوراه ؛ بالسعودية والعراق ومصر.
وسأبدأ بالكتاب الثالث منها :
وقد نسب إلى والد أحد نساخ إحدى النسخ ، وهو : الشمعة المضية بنشر قراءات السبعة المرضية لسبط ناصر الدين الطبلاوي ( ت 1014 هـ ) - حققه الدكتور/ علي سيد أحمد جعفر الأستاذ المساعد بكلية اللغة العربية في المنوفية في رسالة دكتوراه بالقسم الذي أتشرف بالانتماء إليه ، وهو قسم أصول اللغة في كلية اللغة العربية بالقاهرة ، وقد حصل عنه على جائزة مجمع اللغة العربية في تحقيق التراث سنة 2005 م ، ثم نشرته مكتبة الرشد في الرياض سنة 1423 هـ ، ثم سطا عليه اللصان عبد الرحمن بدر ، وجمال شرف ، ونشرته دار الصحابة للتراث بطنطا سنة ( 1427 هـ/ 2006 م ).
أما مؤلف الكتاب فهو : كمال الدين محمد بن أبي الوفاء ، المعروف بابن الموقع المصري ثم الحلبي الشافعي المقرئ الصوفي ( ت بعد 973 هـ ).
وقد اعتمد المحقق على ثلاث نسخ خطية ، اتخذ إحداها أصلاً ، وهي نسخة دار الكتب المصرية ، وقد جاء اسم المؤلف صريحاً واضحاً على صفحة العنوان ، وحاشيتها : كمال الدين بن القاضي أبي الوفاء ، إلا أن المحقق ظنه شعلة الموصلي ( ت 656 هـ ) الذي خلط حاجي خليفة والزركلي بينه وبين ابن الموقع ، وبين منظومة الشمعة في قراءات السبعة أو مختصر الشاطبية لشعلة الموصلي التي يقول في أولها :
ألا اللهَ فأحْمَدْ من تعالى تكبُّرا ** وعُمَّ وخَلِّل بالصلاة لِتُغْزِرا
ودونك بِكراً مهرُها الفكرُ ** حُلَيَتْ بدُرٍّ به دَرُالمعانى لمن دَرَا
حوا عقدُها عقدَ القراءات سبعِها ** فعن نافع قالونُ مع ورشٍ اذكرا
وله في مدح هذه القصيدة :
هذه شمعة تضيء وتهدي ** لفتى طالب سبيل الرشد
في قراءات سبعة جمعوا الفضل ** وكانوا هدى لمن يستهدي
حوت السبع ذات ضبط وحصر ** في قصار التقريب للمستهدي
وإلى الله جل أرغب في أن ** ينفع الراغبين فيها ويهدي.
وهي واحدة من أصول النشر ، أثنى عليها الجعبري في آخر كنز المعاني ، وابن الجزري في أكثر من مصنف له ، وعرفه بها شمس الدين الذهبي في السير والتذكرة ومعرفة القراء ، ورواها عنه شيوخه وتلاميذه ، وأثنوا عليها وعلى ناظمها.
بل يقول أحد شيوخ قراء اليمن في زمانه ، وأبرز تلاميذ الحافظ ابن الجزري فيها ، وهو الشيخ عفيف الدين عثمان بن عمر الناشري ( ت 848 هـ ) في ( الفصل الثاني : في من شرح الشاطبية والعقيلة أو علق عليها فيما بلغني ) ، من مقدمة الحواشي التي علقها على الشاطبية والعقيلة وأتمها في مكة المكرمة سنة 844 ، التي اشتملت على فوائد عجيبة وفرائد مستحسنة غريبة كما يقول مؤلفها ، والتي جمع فيها من الفوائد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت كما يقول تلميذه عفيف الدين عبد الله بن محمد الطيب الناشري كاتبها ومن أجاز له رواية المقدمة والحواشي المذكورة والقراءات السبع والعشر وأذن له أن يقرأ ويقرئ :
(( ... والموصلي هذا مات في سنة ست وخمسين وستمائة ، وله نظم سماه : الشمعة ، وقد رويناها وغيرها من مصنفاته )).
ثم يقول في الفصل الثالث : في فضل الشاطبية وفضل حفاظها : (( وقد نظم في القراءات جماعة بعد الشاطبي كالإمام أبي إسحاق إبراهيم بن عمر الربعي نظم النزهة في قراءة العشرة ... والإمام أبي حيان له : عقد اللالي في القراءات الثمان العوالي ، والإمام محمد بن محمد [ كذا ] الموصلي له : الشمعة في قراءة السبعة ، وهي قصيدة رائية ، والإمام محمد بن عبد الله بن مالك له قصيدة دالية مرموزة في قدر الشاطبية ، والإمام عبد الله بن عبد المؤمن الواسطي مؤلف الكنز ، له الكفاية في العشر ، والإمام أبو الخير محمد بن محمد الجزري ، له الألفية الطيبة ، وقد رويت هذه القصائد كلها إلا قصيدة ابن قيصر ، بل قرأت الطيبة كلها على مؤلفها ، وقرأت عليه بمضمنها ، وقرأت من أول الكفاية لابن عبد المؤمن إلى باب مخارج الحروف على شيخنا العلامة محمد بن عبد القادر السكاكيني في حرم المدينة تجاه الحجرة الشريفة سنة 835 ... )).

وبين الشمعة المضية بنشر قراءات السبعة المضية لابن الموقع ، وقد فرغ من تصنيفه في أوائل ربيع الآخر سنة ( 962 هـ ) ، فاستبعده المحقق ظناً منه أنه شعلة الموصلي المتوفى سنة ( 656 هـ ) ؛ ونسب الكتاب إلى سبط الطبلاوي والد ناسخ إحدى نسختي المكتبة الأزهرية.

وقد نسب الكتاب إلى ابن الموقع ثلاثة من أعيان حلب ، هم : معاصره محمد بن إبراهيم بن الحلبي ( ت 971 هـ) في در الحبب ، وتبعه نجم الدين الغزي في الكواكب السائرة ، والطباخ في إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء.
وعلاوة على النسخ الثلاث التي اعتمدها المحقق هناك نسخة أوقاف صنعاء المبتورة من أولها ، فنسبت وهماً لشعلة الموصلي ، ونسخة مكتبة فاتح باستانبول ، وقد نسبت نسبة صحيحة لابن الموقع.
كما أن ابن الموقع قد جمع في هذا الكتاب مفردات القراء السبعة التي صنفها قبل الشمعة ، مع بقاء غالبها على وضعه الأول في مجموع لطيف ... إلى آخر ما ذكره في مقدمته ، وقد وقفت على ست من مفرداته هذه ، فضلاً عن رسالته في رواية حفص ، التي ذكرها في مقدمته أيضاً ، والعجيب أن عنوان المفردة الأولى قد ورد في أول نسخة الأصل هكذا : القول النافع في قراءة نافع ، كما ورد على موقع دار الكتب المصرية ، ولم أجد من المحقق تعليقاً !

وأختم بكشف النقاب عن هذه النسخ الخطية الخمس ، وقد من الله علي بذلك بعد وصولها إلي بدقائق معدودات ، فأقول :

إن كتاب الهداية المنسوب لابن عمار المهدوي ، والمحفوظة نسخته الخطية في مكتبة رشيد أفندي بالسليمانية في استانبول ، تحت رقم : 23/ 1 ، في 44 ورقة ، ضمن مجموع ، من ورقة 1 – 44 ، إنما هي نسخة مختصرة ، خالية من الأسانيد من كتاب " الهدية إلى الحضرة العلية في القراءات السبع " للحافظ محمد بن عمر بن علي بن أحمد العمادي الموصلي المقرئ ( ت 783 هـ ).
وأن مفردة أبي عمرو ، والهداية للقراء في الطرق العلا = مفردة يعقوب ، ومجتمع الثلاثة في القراءات الثلاث ، ورسم البرهان في هجاء القرآن – مجموع الغازي خسرو ، وعنه مصورة في مركز جمعة الماجد - نسبها البعض ؛ منهم : د. عمار الددو في مقدمة تحقيقه لمفردتي يعقوب للأهوازي وابن الفحام إلى ناسخ المجموع محمود بن عيسى ( ت بعد 966 هـ ) ، وذكر أنه من تلاميذ الشيخ محمد بن محمد العلويني ، ونسب بعضها إلى الجعبري ، والكتب الأربعة إنما هي من تأليف طاش كبرى زاده.

وللحديث بقية إن شاء الله.