أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مما ظهر في الآونة الأخيرة ، و أسفر عن وجهه القبيح في دولنا الإسلامية ، الانحراف الفكري و الفطري العميق المسمى بــ " الإلحاد " ، و إنه بالنظر إلى أسباب و عوامل ظهور هذا الإنحراف ، بإمكاننا أن نقسم الإلحاد إلى نوعين :
1- إلحاد علمي عقلي.
2- إلحاد عاطفي انفعالي.
أما الأول ، فهو إلحاد ظهر نتيجة المصادمة التي ظنها الملحد بين الدين و بين مكتسباته في الفلسفة و العلوم المادية و الإنسانية و غيرها من المعارف العلمية ، و هذا النوع هو الأقل في عالمنا العربي نتيجة الضعف العلمي و الكسل المعرفي المتفشي فيه ، بل هو الأقل مقارنة بالنوع الثاني و غالباً ما يكون نتيجة له .
أما النوع الثاني ، فهو الإلحاد الناتج عن عواطف ظهرت و تمكنت من نفس الملحد نتيجة أحكام باطلة و أخطاء منهجية أنتجت تلك العواطف و أنتجت توهمه للمصادمة بين الدين و الواقع ، و توهمه كون الصدام علمياً من النوع الأول ، مما زرع نفرة في نفس الملحد و تردداً و نتائج مبنية على مقدمات خاطئة لا تلزم تلك النتائج ، و من ثم كانت سبباً في إلحاده ، و يتسم هذا النوع بكثرة الخلط و التحكم و البناء على الشعور و الظن ، و في هذا المقال أتناول هذا الصنف الثاني لكونه هو الأكثر ، و هو الأساس و البداية للصنف الأول ، حيث يكون هو الموقف المسبق المحرك للصنف الأول و الصانع لنتائجه المسبقة التي يبحث عما يبرهنها علمياً .
إن تيار الإلحاد العاطفي ينطلق في ما ينتجه من نتائج خاطئة و عواطف صادمة من أربع مغالطات رئيسية في تبرير إلحاده ، و من أدرك كونها مغالطات منفكة عما يبنى عليها من نتائج ، سهل عليه إبطال كثير من الشبهات و الإشكالات التي يطرحونها بهوى و عاطفة لا بعلم و منطق ، و سنوردها و نناقشها بهدوء و عقلانية :

المغالطة الأولى : الخلط بين احباط التطبيق و كمال المنهج :فالإحتجاج بتخلف المسلمين أو زلات أفرادهم أو قياداتهم أو غيرها من الأخطاء التطبيقية ، ليس من العلم في شيء ، لأن العقل يقضي بانفكاك جهة المنهج عن كيفية تطبيق أتباعه التي تحكمها عوامل أخرى مختلفة ، كالهوى ، و العجز ، و الجهل ، و الكسل ، و الشهوة ، و غيرها ، هذا في حال كانت الممارسة المنتقدة فعلاً تحاول تطبيق المنهج من غير حياد عنه ، و إلا فالمنهج بريء ممن يحيدون عنه و من أخطائهم التي تخالفه ، و لا وجه للطعن فيه بالطعن في أتباعه أو بفهمهم السقيم له ، و إنما يحكم عليه بما ورد فيه و يفهم بقواعد الفهم العقلية المعتبرة التي ترشد إلى التطبيق السليم للمنهج و الذي يصح أن يحكم به عليه بعدها .

المغالطة الثانية : الخلط بين عدم تصور عالم الغيب و تصور عالم الشهادة :فالعقل يقضي أن خالق العالم و خالق سننه و قوانينه و ثوابته الفيزيائية و الكمية و كل ما هو مشاهد و نستمد منه كلياتنا العقلية المطردة ، لابد لهذا الخالق أن يكون مستغنياً عن هذه القوانين و اللوازم العقلية التي تلزم مخلوقاته بما وضع فيهم من خواص و صفات ، لأنه كان موجوداً قبلها و مستغنياً عنها ، فلا يمكن عقلاً أن تشمله هذه القوانين و اللوازم و يحكم عليه بها و هو قبلها و خالقها ! و إلا لزم الدور المنطقي الباطل ( هو المؤثر في وجودها و هي المؤثر في وجوده بحيث يفتقر إليها )كما أنها لا تلزم ما غاب عنّا و لم نعرف خواصه لنحكم عليه و نطرد فيه مكتسباتنا العقلية التي استخلصناها من المخلوقات المشاهدة ، فالطعن في العقائد الغيبية بزعم مخالفتها للعقل مخالف للعقل في ذاته ، و بعيد عن العلم و المنطق ، و ليس إلا مغالطة عاطفية .

المغالطة الثالثة : الخلط بين عدم الاستسلام للتشريعات الدينية ، و نفي وجود المشرع :
فكونك لا تعجبك الشرائع ، أو تتمنى لو كانت دائرة حريتك أوسع ، أو تتمنى لو أن المرأة لم تلزم بالحجاب و لم تمنع من الاختلاط ، لا يعني أن تنكر وجود المشرع !! فالجهة منفكة تماماً .حتى حين تجعل مناقضة لصفات العدل و الحكمة ، فإن هذه المعاني فضفاضة لا يدرك العقل تفاصيلها و مصاديقها الخارجية المطابقة لها ، ثم لم يقل أحد أن الله خلقك ليرضيك وحدك ! و إنما خلقك لتعبده ، و لترضا بشريعته و تحبها بحبك إياه ، و لتؤمن أن فيها صلاحك إما مباشرة ، و إما على المدى الطويل ، و إما على الجماعة ككل و إن كان فيها مشقة شخصية عليك ، فتبرير الإلحاد بانتقاد تشريعات معينة و الزعم بأن فيها إجحاف أو ظلم أو تخلف أو غيرها من الأحكام العاطفية المبنية على غير أساس ، هو بحد ذاته خطأ عقلي و رجعية منطقية لا مشروعية لها في ميزان العقل لانفكاك جهة رضاك بالتشريع عن إيمانك بوجود المشرع .

المغالطة الرابعة : الخلط بين النقمة على الشيء و بين نفي وجوده :فكونك تألمت لفقد أبيك أو أمك ، أو تدهور صحة أختك ، مع أنهم يصلون و يصومون و يمارسون حياة إسلامية سليمة ، لا يعني أن تنقم على ربك و تنكر وجوده لمجرد أنه آلمك أو آلم من تحب !فالدنيا في ميزان أهل الدين لا تساوي جناح حشرة ، و لو عذبت و قطعت 70 سنة أو 100 سنة ، أو لنقل 1000 سنة ، في مقابل نعيم أبدي ، لكان ثمناً زهيداً نسبياً بما ستناله من سلعة غالية لا تقدر بثمن و لا تحد بزمن .و كما قلنا سابقاً ، لم يزعم أحد أنك خلقت لتتنعم و تعيش في حياة جميلة وردية مليئة بالورود و العصافير المغردة ، و ما يصيبك من ألم و عذاب ؛ فإنما هو لحكمة كبرى لا يزعم أحد أنه أحاط بها و بغايتها ، فهي صفة إلهية لا يعلم حكمها إلا المتصف بها سبحانه ، و من عدله و رحمته أنه سيجزيك عليها الجنة إن صبرت و احتسبت و لم يتزعزع إيمانك ، مع أنها غالباً تصيبك نتيجة أسباب و سنن كان عليك أنت أن تتوقاها و تستشرف نتائجها و قد علمت إمكانها مسبقاً .فحقدك الشخصي الغير مبرر ، و صدمتك النفسية العاطفية ، ليس كل هذا مبرراً و لا دليلاً علمياً تنكر به خالقك ، و كما قال أحدهم : إنكار الملحد وجود الرب ، لمجرد أنه آلمه و من يحب ، كمن يقول لأمه التي لطمته : أنتِ لست موجودة فقد آلمتني !