[grade="4B0082 008000 2E8B57 FF4500 00008B"]الطبيعة تتحدث [/grade]
[grade="00008B FF6347 008000 800080"]في كيان كل منا يكمن الكون ، والطبيعة كلها تتحدث بما لديها وتعمل دون جهد أو بذل أو تفسير يعقل أو أي اعتراض ، الآم المخاض ، جنين يتحرك بصمت في ظُلمات ثلاث ، يصرخ ليكون واقعاً محسوساً ملموساً ، ذاك الطفل البريء ، له رائحة فواحة كالمسك ، وعبق الورد وعبير الزهور ، نشم رائحتها الندية ، تصل إلى أعماقنا كنغمات اللحن ودندنة العود ، وحفيف الشجر ، إنه نبراس الحياة والأنشودة الحية تعزفها الطبيعة الأم في كل يوم ، عند الأصيل وفي زوال الشمس وانحدارها نحو المغيب ، نسمعها ونشم تلك الرائحة الطيبة ، إنها البراءة بكل ما تعنيه الكلمة ، والمحبة تلو المحبة ، إنه المنطق يحكم والعقل يسيطر .[/grade]
فللبراءة صفاء كزرقة السماء ، ورقة كرذاذ المطر وقطرات الندى ، إنها كالحلم في روعته جامحة ثرية وعنفوانية كأمواج البحر ، إنها اللحن الجميل الذي ينساب ليلامس غمامة في الأعماق ، ينحيها ويضيء النفس لتكشف عمّا بداخلها من جمال وتلقائية .
فالطبيعة هي البراءة الحقيقية والبساطة ، هي تلك العذوبة التي تنساب كالماء العذب ، تخرج من القلب لتصل إلى القلب مباشرة دون أدنى اعتراض ، لا تعيقها أي قواعد وقوانين مشروعة أو حواجز يفرضها (الإتكيت ) بل إنها تقفز إلى حشاشة الأعماق بتلقائية حميمة ، رقراقة كالجدول ، ندية كغثاء الصغير .
[grade="00008B FF6347 008000 800080"]
كل هذه العبارات الرقيقة كائنة فينا ، وإلا لما أحسسنا بوجودنا على هذه الأرض ، لكننا وفي أغلب الأحيان نتجاهلها لمواكبة عصر أشبه بحوت كبير يلتهم كل ما هو جميل ورقيق ، فالكثير من هم يعتبرون أن البراءة صفة مرزولة ، وأن صاحبها جاهلاً بعدُ لم يتعلم وقد لا يعي شيئاً أو أنه لا يحس بشيء لأنه أكثر تحملاً من غيره ، كما انه ليس أهلاً للتقدم والرقي الذي يحسبه بعض المتفلسفين منطقاً ، لكن ما يخفى على هؤلاء ذوو النظرة القاصرة والتي لا تصل إلى عمق الأشياء بل تقف عند حد القشور ، إنها علم وفهم ومعرفة ، وأكثر شيء يميزها أنها المعاناة الحقيقية التي قد لا يشعر بها أولئك المتحذلقين المتملقين بالكلمة ، وليس أصدق تعبيراً من البراءة والسذاجة على حد سواء .[/grade]
[grade="00008B FF6347 008000 800080"]فالبراءة هي القوة الصارمة التي تفتك بكل من يتصدى لها بكل هدوء وسكينة ، فمن لا يعلم من هي ومن تكون قد يستهين بها ويمقتها في معظم الأحيان ، لكنها البراءة .. مدعاة لغضب غاضب في جنباته، تراهُ حاقداً ناقماً ويغار منها لأنه لم يعترف بها يوماً ، ولا يريد التعرف عليها لأنها تخالفه تماماً في كل شيء وفي أبسط الأشياء التي يفتقر إليها .
فكثير ما نسمع مقولة يرددها البشر ( أن الطيب ليس له نصيب ، أو أن الطيب لا يعيش طويلاً ) فالبريء لا تجده إلا طيباً وإن قسا بالكلمة أو التصرف ، لكنه يظل نقي النفس طاهر السَرِيرَة ، ولم تظهر القسوة فيه إلا من جراء معاناة أجبرته لأن يرتدي ثوب الصرامة وهو لا يلائمه ، فمن ذا الذي يفهم الشخص البريء .. ؟[/grade]
[grade="00008B FF6347 008000 800080"]والأحرى أنه لا يوجد من يفهم تلك النفس البريئة التلقائية البسيط ، ولا أحد يعلم خباياهَ ويقدر عفويتها التي نشأت كوردة برية من بين الأشواك ، وعلى الرغم من الحقيقة المختبئة . لا نتيجة نلمسها إذ يخيم الصمت والكلمات تتواري خلف الصدور ؛ ويبقى شيء غير الحس وغير اللغة والكلمة المنمقة يعمل فينا ، ونسير نحن حيث يوجهنا ، فما كان مرفوضاً وإن كان مرزولاً في الماضي أصبح مقبولاً وهو الأجمل في الحاضر ، وإن كان يخالف الحقيقة ، وما كنا نحسبه خيالاً ، بات حقيقة ماثلة أمام أعيننا ، بل إنه الواقع أصبح كالخيال ، وقد يتريث العقل فيه ليستوعب واقعيته التي باتت أشبه بالحلم .
وتبقى البراءة هي الطبيعة التي تتحدث فهي لغة غير اللغة ، ليس لها قواعد أو حروف تحكمها ، لا تعوقها أي حواجز من اللحم والدم ، بل إنها تنفذ إلى القلوب بتلقائية مباشرة ، تغوص في الأعماق وإن كانت مرفوضة ظاهرياً عند البعض لكنها تخترق النفس بحميمية ، فتنبه قوى ورؤى وأحاسيس وتكشف عن منابع الجمال والذكاء والفطنة ، وتهذيب أعشاب ونتوءات برية توارثتها النفس ونمت دون أن تمتد إليها يد الترويض ، وتثير كوامن من الحب والسماحة والرحمة والغفران كأنها براعم لم تتفتح بعدُ ، وتظل براعماً لكنها تكشف عن نبل وإنسانية وجمال يفتقر إليه البعض وقد يتجاهله رغم أنه بحاجة إليها ( البراءة )
رأي حكيم :
علمتني : أجمع قوتي من سر ضعفي .
نشر قبلاً في عدة مواقع .. وصحيفة
أ/ سلوى عبد العزيز دمنهوري
المرأة الحديدية
[/grade]