أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( حفظه الله)، نفعنا الله بها.

الحذر من مكر الله جلَّ وعلا !

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن بعض من أغدق الله جل جلاله عليهم بالصحة في الأبدان والسعة في الرزق، والأمن في الأوطان مع ما يرتكبون من المعاصي والآثام،والتجرؤ على ما حرم عليهم الملك العلام،ليطنون أن تتابع هذه النعم وتزايد هذه المنن ، لهو دليل على حب المنان و رضى الرحمن! فأصابهم بسبب ذلك العُجب، وتسلط عليهم الغرور، وأنستهم أنفسهم وتزيين الشيطان أن حقيقة هذا ما هو إلا استدراج!انخدع به من كان قبلهم!فأخذهم رب العزة جل وعلا أخذ عزيز مقتدر،فتركهم لمن خلفهم عبرة ولغيرهم عظة!،قال سبحانه:(فلما نَسُوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أَبْوَابَ كل شيء حتى إذا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فإذا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام :44].
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- :"(فلما نسوا ما ذكروا به) أي: أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم، ( فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) أي: فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم عياذا بالله من مكره، ولهذا قال:(حتى إذا فرحوا بما أوتوا ) من الأموال والأولاد والأرزاق ( أخذناهم بغتة ) أي: على غفلة ( فإذا هم مبلسون) أي: آيسون من كل خير ".تفسير ابن كثير ( 2 / 133)
إن هؤلاء الغافلون!غرتهم الحياة الدنيا،وتعلقت قلوبهم بزخرفها الفاني،فغفلوا عن تحذير المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي أخبر أن إقبال الدنيا على أهل المعاصي والذنوب إنما هو في الحقيقة استدراج من علام الغيوب،قال صلى الله عليه وسلم:"إذا رَأَيْتَ اللَّهَ يعطي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا على مَعَاصِيهِ ما يُحِبُّ فَإِنَّمَا هو اسْتِدْرَاجٌ".رواه الإمام أحمد في المسند (4/145)من حديث عقبة بن عامر-رضي الله عنه-،وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(413)
أيها الأحبة، إن ترك فعل الطاعات والاسترسال في المعاصي والمنكرات مع الاتكال فقط على رحمة الكبير المتعال ، هو في الحقيقة أمن من مكر الله جل وعلا،وهو الذي حذرنا منه سبحانه،فقال تعالى:(أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون (97) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون (98) أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) [ الأعراف:97-99].
قال الشيخ السعدي –رحمه الله-:"وهذه الآية الكريمة،فيها من التخويف البليغ على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنا، على ما معه من الإيمان،بل لا يزال خائفا وجلاً، أن يبتلى ببلية،تسلب ما معه من الإيمان وأن لا يزال داعيا بقوله:(يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )،وأن يعمل ويسعى في كل سبب يخلصه من الشر عند وقوع الفتن،فإن العبد ولو بلغت به الحال ما بلغت فليس على يقين من السلامة".تفسير السعدي(ص 298)
أيها الأفاضل الكرام،علينا أن نحمد ربنا وخالقنا جل وعلا،الذي حلمه وسع السماوات والأرض، حيث أمهلنا لنتوب ولم يعاجلنا بالعقوبة إذا عصيناه،ولو شاء سبحانه لأخذنا بذنوبنا فور صدورها منا.
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"وسبحان الحليم،الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة،بل يعافيهم ويرزقهم،كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم". تفسير السعدي (ص 790)
وعلينا أن نحذر أشد الحذر من الإصرار على المعاصي والتهاون فيها مهما كان حجمها،فالذنوب مهما كانت ثمارها سيئة وعواقبها وخيمة على أصحابها،وقد حذرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم من استصغارها،الذي يولد الاستهتار بها،فقال صلى الله عليه وسلم:"إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا في بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ،وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ،حتى انضجوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بها صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ".رواه الإمام أحمد في المسند (5/331 ) من حديث سهل بن سعد الساعدي –رضي الله عنه-، وصححه الشيخ الألباني–رحمه الله-في السلسلة الصحيحة(389)
قال الإمام ابن القيم–رحمه الله-:"إن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه،وذلك علامة الهلاك فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله".الجواب الكافي (ص 38)
وعلينا أن نبادر وفقكم الله،إلى التوبة والاستغفار،ونخشى أن نؤخذ بذنوبنا من العزيز الجبار،لأن المؤمن هو الذي يخاف من ذنبه مهما كان حجمه،والفاجر هو الذي لا يبالي مهما كان ذنبه، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في سياق الموت فقال:كيف تجدك؟فقال:أرجو الله يا رسول الله و أخاف ذنوبي،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن،إلا أعطاه الله ما يرجو وأمَّنَه مما يخاف".رواه ابن ماجة (4261)من حديث أنس-رضي الله عنه- وحسنه العلامة الألباني –رحمه الله-.
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- :"إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، و إن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا ،وأشار الراوي(بيده فوق أنفه)".رواه البخاري في صحيحه( 5949)
قال ابن الجوزي-رحمه الله-:"إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من العقوبة،لأنه على يقين من الذنب، وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله،فلذلك قل خوفه فاستهان بالمعاصي".كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/287)
اللهم إنا نعوذ بك من أمن مكرك، ونسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تجنبنا الشرور وتجعلنا من أهل السرور ،يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى بقلب سليم،فأنت سبحانك قدير وبالإجابة جدير.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي