أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قصة الحي الشعبي
بقلم : عماد بن حسن المصري
هناك في الحي الشعبي ، في تلك العشوائيات التي لا نظام فيها ، ولا تخضع لقانون ، يعيش بشر قد انقرضوا منذ مئات السنين ، هؤلاء البشر قد يكونوا في طرف مدينة ، أو مخيم ، أو في مقبرة قرية ، لا يهم ، المهم أن هؤلاء البشر هم خارج الزمن ( في نظر بعضنا ) فهم قادمون من المجهول ، وذاهبون إلى المجهول ، نسبة الفقر فيهم 99 % ، نسبة البطالة فيهم 99 % ، نسبة التعليم فيهم 1 % ، نسبة الشفاء والحياة الصحية الطبيعية 5 % ، نسبة المرض بينهم لا تخضع لإحصائية فهم لا يذهبون لطبيب ، لأن الطبيب أي طبيب يحتاج منهم للكشف على أحدهم نصف ما يملك ، هذا إذا كان يملك ما يعطيه للطبيب العام لا المختص ، يرون في أحلامهم المياه المعدنية ، ويرون كابوساً فضيعاً اسمه فاتورة الكهرباء والماء ، ترتعد فرائضهم إذا رأوا اللحم ، وإذا لبس أحدهم قميصاً أو بنطالاً من البالة ( والآن لا أحد يستطيع الدخول للبالة ) كأنه حاز الدنيا وما فيها .
إذا أتم تعليمه الابتدائي فذلك الذي حاز جائزة نوبل ، وإذا حلم بأكثر من ذلك أتم الإعدادية وهو يعمل عتالاً في الأسواق ، وإذا ازدادت أحلامه وأراد الزواج نظر حوله فرأى المتزوجين من أهله في تلك العشوائيات ، بصق في وجه نفسه وقال : ( أحلام اليقظة أحلى ) .
وإذا رأى طرقات العشوائيات في الشتاء تمنى لو عاش مثل زوجة المعتمد بن عباد ( اعتماد ) التي كانت تسير في قصرها على وحل ملطخ بالمسك والورد والعنبر ، ولو في الأحلام ، وإذا أمطرت السماء كان مع اخوته يشكلون جيشاً يحملون الطناجر الفارغة لاستقبال ما جادت به السماء على صفيحهم الذي هو أشبه بالصفيح الذي تغطى به الزرائب ، حتى لا تتلطخ ( حراماتهم الكهربائية بماء السماء ) ، وينتظرون بفارغ الصبر الربيع حتى يذهب برد الشتاء الذي أكل من أجسادهم الكثير وبقي عليه أن يتحلى بأمعائهم التي لم تعد تنفع فيها الميرمية واليانسون ، وينتظرون من الربيع الكثير الكثير ، فهو يجود بالخبيزة ، والعلكة ، أو العلتة ، فهما طبختان يعرفهما أصحاب العشوائيات ( أو الحي الشعبي ) .
ينظر في محفظته ( إذ كان لديه محفظة ) فلا يجد فيها ما يسد الرمق ، وإذا كان لديه ولدان أو أولاد وجاء رمضان أو العيد فالويل والثبور وحلت عليه عظائم الأمور ، فلا مال يسكت به هؤلاء الأفواه الأرانب ، ولا لديه جاه وسلطان من خلالهما يأتيه المال فينفقه آناء الليل وأطراف النهار ، فإلى أين المفر ؟
يمشي الحيط الحيط ، وإذا لم يجد حيطاً يسير ( بذله ) آسف ( بظله ) فإنه يشتري حيطاً ليسير ( بذله ) فإن عقدة الحيط في أدبياته مطلوبة جداً ، بل هي فلكلور ينقلها في سوامره لأولاده وأحفاده لكي تبقى قواعد يجب السير عليها .
لا يستطيع حتى تلبية رغبته الجنسية أن يعيشها كما يعيشها البشر ، فالغرفة ومنافعها ( والمنافع هنا مشغولة أيضاً في نوم البعض فيها ) لا تفي حتى بأبسط مقومات ممارسات العصافير ، أو حتى الخفافيش الجنسية ، فأين المفر ؟
إذا أكل في ذلك اليوم شيئاً غير الكعك والشاي ، نظر حوله هل من ناظر عليه يرى صحن الحمص أو المسبحة المليئة بالملونات ، أو حبات الفلافل ( فلافل بندول اكسترا ) التي لا تغطي أفواه أولاده ، مخافة الحسد .
وإذا أراد التنفس كعادة خلق الله الذين يذهبون للحدائق العامة ، لا يجد في حيه أو عشوائيته مكاناً حتى ليقف فيه لا أن يتنزه فيه ، وإذا أراد الذهاب بأطفاله إلى الحديقة كانت ملابسهم وخلقهم لا تليق بالمكان ولا الزوار .
إذا اعتدى عليه بالضرب ( سواء من زعران العشوائيات ) أو غيرهم بسكين ، أو حتى بسيف ، أو بلكمات متعددة ، أكلها بجلده وقال : حسبي الله ونعم الوكيل على ابن الحرام ، وهو لا يستطيع دفع ابن الحرام ، وابن الحرام هنا يأتيه بأشكال متعددة ، ربما أزعر ، أو الفقر ، أو المرض .
تلك هي بعض من صور الحي الشعبي أو العشوائيات فلا تنظروا إلى صفيحها ، وأوساخها ، ولكن انظروا بنور الله لأهلها وشبابها ، فمنهم من يفتي على المذاهب الثمانية ولا يحمل شهادة جامعية ويعمل عتالاً في سوق الخضار .