المَرءُ ابن بِيئته، والمُجتمعَات التي تَهتَم بالصّناعة؛ تَجد هَاجسها الصّناعة، والمُجتمعَات التي تَهتَم بالزِّراعة؛ تَجد أنَّ حيَاتها وأمثَالها تَدور حَول الزّراعة، والمُجتمعَات التي تُبدع في كُرَة القَدَم؛ تَجد أنَّ أحلَام وطمُوحَات شَبابها تَدور حَول الكُرَة، أو مَا يُسمّيها بَعض أهل الفَضل والعِلم: “بيضة إبليس”..!
ونَظراً لأنَّ المُجتمع السّعودي يَمتاز بالتديّن –وهَذا شَيء إيجَابي-، فإنَّ الأفكَار دَائماً والأمثَال والتَّشبيهات؛ وكَذلك الصّور البَلاغيّة، تَنبع وتُستولد مِن بِيئة التَّديُّن، ومَن يَقرأ كِتَاب “معجم الدّيانة والتديّن” لشَيخنا “محمد العبودي”؛ سيُدرك كَثَافة التديّن والعبَارات، والأمثَال الدِّينيّة التي تَتمدَّد عَلى كُلِّ المَشهد الاجتمَاعي..!
خُذ مَثلاً: يُروَى أنَّ أحَد الخُطبَاء جَاء إلَى قَرية، وبَدأ يَخطُبُ في النّاس يَوم الجُمعة، فقَال أثنَاء خُطبته: (أيُّها النَّاس أطعمُوا إمَامكم الدَّجاج، وزوّجوه البِنت المغنَاج، تَدخلوا الجنَّة أفوَاجاً أفوَاج).. وكَان النَّاس يَعتقدون أنَّ هَذه مِن الخُطبَة، إلَّا مُستمعٌ حَصيف، انتَبَه إلَى أنَّ الإمَام يَتسوّل المُصلِّين، فأخَذَ يَتنَحْنَح، فانتَبه إليهِ الإمَام وقَال: (أيُّها المُتنَحْنون: لا تَتنحْنَحوا، فالشَّرط ثَمانون، لَكُم أربعون ولَنَا أربعون)..!
ومِن كَثَافة التديّن وتَطوير الأفكَار فيهِ؛ أنَّ أهل قَرية مِن قُرَى نَجد يُسمّوْن “مسبّحة الدِّيك”، فهُم –مِن بَاب التديُّن والوَرَع- يسبّحون الدِّيك قَبل الفَجر –أي يَغسلونه بالمَاء- حتَّى يَكون في كَامل طَهارته قَبل أن يُؤذِّن..!
والمِثَال التّالي لَيس بَعيداً عَن المِثَال السَّابق، وهو أنَّ الدَّجاج يُطلق عَليهنّ “بَنات المُؤذِّن” وهو الدِّيك..!
ومِن عَادة البَدو الأصليين؛ أنَّهم يَنتقدون مَن يُقيم مَأدبة أو عَزيمة؛ وتَكون وَجبتها الرَّئيسية الدَّجاج، قَائلين ومُنكرين عَلى صَاحب الوَليمة: كَيف تَعزمنا عَلى بَنَات المُؤذِّن؟! وهُم يَقولون ذَلك انتقَاداً، لأنَّ العُرف الاجتمَاعي يَقتضي أن تَكون الوَليمة عَلى خَروفٍ أمْلَح يَسرُّ النَّاظرين ويُشبِعُ الجَائعين..!
ومِن طريف ما يُروى في كُتب التُّراث أنَّ أحد الأذكيَاء كَان يَستغفل أهل قَرية، وكَان كُلَّما سَمِعَ القُرآن خَرَّ مَغشيًا عَليه مِن شدّة تَأثُّره بالقُرآن، وقَد كَان يُمثِّل في هَذا الخشُوع، فأرَاد أحد الأذكيَاء في القَرية أن يَفضحه، فقَال: ضَعوه فَوق جِدَار ولنَقرأ القُرآن، وسنرَى هَل سيَسقط مَغشيًا عَليه أم لَا، حِينها أدرَك هَذا المُمثِّل القَصد، فهَرَبَ مِن القَرية إلى قَريةٍ أُخرى لا يَعرفون عَنه التَّمثيل..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّ هَذه أمثلَة بَسيطة، وإلَّا في جُعبتي الكَثير، وكُلُّ مَا أقصده هُنَا التَّوصيف والتَّحليل، ولَيس الانتقَاص -لا سَمَحَ الله- أو التَّقليل، إذ كُلّ الشّعوب لَديها مِن المَزايا والخَصائص والعيوب؛ مَا يَكفي لكِتَابة ألف مَكتوب ومَكتوب..!!!

رابط مصدر المقال