تــــخـــيـــل..!
محمد عبد الله المنصور
تحذير! ..قد يسبب لك المقال بعض الإحباط ، ننصحك بالاستعداد لذلك!
توجهت الى منزلك بعد يوم عمل حافل بالنشاط وبادرت ابنك الصغير: ما أخبار المدرسه ؟ فأعطاك السي دي (القرص المضغوط) وأجاب: انظر بنفسك! استعرضت السي دي التي تحوي جميع المناهج والواجبات ونتائج الاختبارات وملاحظات المدرسين وقمت بالتعليق عليها شاكرا اهتمامهم . ثم التفت إلى ابنك قائلا: هل تصدق أننا كنا نحمل شنطاً تزن حوالي عشرة كيلوجرامات من الكتب والدفاتر؟ فاستغرب قائلا: ولكن أنا ليس لدي سوى هذه السي دي وكراسة نصفها للرسم والآخر للخط!
* تبحث عن ابنك الكبير الذي أنهى لتوه اختبارات المرحله الثانوية فتجده منهمكا في العمل على الحاسب الآلي فتسأله: ما الأخبار؟ فيدعوك للجلوس قائلا: أنظر يا أبي ، لقد أكملت اختبار تحديد المستوى هذا الصباح ثم أجريت تقييما لمواهبي وميولي وكلاهما في موقع «المركز الوطني للتعليم والتدريب والتوظيف» . بعد ذلك اقترح لي النظام أربعة تخصصات يمكن أن تناسبني وحدد لي الجامعات التي يمكن أن تقبلني الآن . ليس هذا فحسب بل إنني أستطيع بعد تحديد التخصص معرفة عدد الفرص الوظيفية التي ستتوافر لخريجي هذا التخصص عندما أتخرج ومواقع العمل ومعدل الرواتب والمميزات وقد تحصلت على معلومات إضافية عن طريق الاتصال بالمستشارين التعليميين على الرقم المجاني للمركز! ثم أضاف: كنت أرغب في التخصص في هندسة البيئة وذلك بسبب النقص الكبير فيها الآن ومستقبلا لكنني فوجئت بعدم وجود هذا التخصص في جامعاتنا ! ملاحظة جديرة بالاهتمام وتحتاج لتحرك من المسؤولين. فكرت أنت قليلا ثم قمت بالاتصال بالرقم المجاني لمجلس الشورى، وطلبت لجنة التعليم العالي فأجابك سكرتيرها الذي سجل الاقتراح وشكرك بعد أخذ المعلومات مع وعد بأن يتصل بك أحد الأعضاء إذا لزم الأمر.
* نظرت فإذا ساعتك تشيرالى الخامسه عصرا ولم يبق سوى عشرين دقيقة على وصول صديقك من المدينة المنورة عن طريق القطار، انطلقت سريعا واستقبلت ضيفك وتوجهت به الى الفندق عبر الطريق الدائري . وجدت الفرصة ملائمة أن تأخذه في جولة حول المدينة فتبسمت وأنت تشير إلى مستشفى الأطفال الذي بناه بنك ... ثم مررت به على المنتزه الكبير الذي أقامه البنك السعودي الـ.... وبعد إلحاح من الضيف مررت بمجسم بوابة الجوازات القديمة التي كان الناس يصطفون أمامها منذ ساعات الفجر للحصول على رقم لاستخراج جواز! وقبل الانعطاف تجاه الى الفندق لمح ضيفك مبنى جميلا على ضفاف البحر فبادرته قائلا: هذا هو مركز العلاج التلطيفي ومركز أبحاث السرطان اللذان أقامهما مصرف الـ... وكيف أنه حاز على أجمل تصميم بعد دار المعاقين التي أقامها البنك الـ... على كورنيش الخبر! رن جوال ضيفك واذا بابنه الذي واجه مشكلة في عمله يبلغ أباه بأنه اتصل بالرقم المجاني لمستشاري مكتب العمل وانهم أخبروه بأن النظام في صفه وأن أحد المستشارين سيزوره في مقر عمله غدا للتحدث مع مديره.
* ودعت ضيفك متوجها الى المنزل ، في الطريق وأنت تقف في المسار الأيمن عند إحدى الإشارات المرورية استلمت رسالة تذكير بموعد تجديد الجواز فقررت تغيير مسارك إلى الأمام للتوجه لمكتب تجديد الوثائق الرسمية . وصلت الى مكتب التجديد فطلب منك إبراز البطاقة الشخصية التي حلت مكان البطاقة المدنية ودفتر العائلة والرخصة ثم تم تصويرك وأخذ بصمتك دون أن تنزل من السيارة وأعطيت موعدا لاستلام الجواز بعد عشر دقائق . بعد أن غادرت المكتب وصلتك رسالة بالجوال نصها: عزيزي السائق نظرا لعدم التزامك بالمسار المخصص لك في طريق رقم .. وخلال مرورك بالإشارة رقم .. فقد تم تحرير مخالفة عن طريق كاميرا المراقبة الالكترونية نرجو تسديد المخالفة خلال أسبوع.
* مررت بمركز الصيانة المنزلية المجاور لمركز التسويق وحصلت على موعد لأحد الفنيين السعوديين لإجراء بعض الأعمال في المنزل ثم اشتريت بعض الاحتياجات من مركز التسويق وتبسمت وانت تشاهد أول عامل وافد وهو يحمل مشترياتك! فلم يعد هناك من الوافدين إلا من يشغل وظائف متدنية أو بعض الوظائف المتخصصة. فجأة أحسست بزخات من المطر فانطلقت مسرعا إلى المنزل لتتمتع بها مع ابنائك لانها ستختفي بعد توقف المطر بسبب نظام تصريف الأمطار الذي لم يدعك تتمتع ببحيرات الماء في الشوارع كما كان سابقا! وصلت فلم تجد الأم فقد ذهبت مع ابنتها الى المبنى النموذجي لمركز الحي حيث تقدم دورات متنوعة وأنشطة دائمة أما ابنتك فمشغولة في عمل تصاميم داخلية على جهاز الحاسب الآلي حيث تعمل من المنزل مع أحد المكاتب الهندسية . في المساء اجتمع شمل العائلة واستمتعتم بالعشاء والأحاديث الأسرية فالأسواق تغلق أبوابها في التاسعة أما الاستراحات والمقاهي فهي لمن تجاوز الخامسة والعشرين فقط . تشاهدون جميعا برنامجا شيقا عبر شبكة الكيبل التليفزيوني التي تبث قنوات مختارة لا تقدم الرقص والعري أو البرامج المنحرفة اخلاقيا وفكريا.
* قد يظن البعض أن مثل هذه المواضيع نوع من العبث السخيف ولكن لا شيء يتحقق إلا بعد أن يوجد الحلم أولاً . ترى هل كان أحدنا يتخيل أن الجوال سيوفر جميع هذه الخدمات أو أن الأطباق ستنقل كل هذه القنوات أو أننا سنستخدم شيئا اسمه الفاكس أو الانترنت؟ أو حتى نستمتع بالمصرفية الالكترونية؟ وقبل أن تغادر هذا الخيال الجميل تذكر أن لكل منا دورا مهما كان صغيرا في تشكيل مستقبلنا فلتكن همتنا عالية ولنعمل ولو شيئا بسيطا لنحقق هذا المستقبل الجميل.
م ن ق و ل
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة muk6
