أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الأستاذ: مصطفى باحو

بسم الله الرحمن الرحيم.
لقد استمعت إلى أشرطة للشيخ رفيقي (أبو حفص) المغربي أحد زعماء ما عرف إعلاميا بالتيار السلفي الجهادي وخريج الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فوجدته يترضى عن الصحابة عموما ويرى حفظ حرمتهم وعدم جواز النيل منهم. لكن في نفس الوقت رأيت في تلك الأشرطة أشياء مريبة واتهامات بالغة الخطورة بحق بعض الصحابة. واتهامات لعلماء السنة بتعمُّد ستر وطمس فضائل علي رضي الله عنه تأثرا بالوضع السياسي ومجاراة له.
مع أننا لم نعرف فضائل الصحابة إلا عن طريق أولئك العلماء، فهم من رووها وخرجوها، وكتبهم خير شاهد على ذلك. كما سنبين قريبا.
واستغرَب حكاية الإجماع على ترتيب الصحابة في التفضيل: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. وأن الجو السياسي هو الداعم له.
ولا غرابة في ذلك فقد حصل إجماع أهل السنة على تفضيل أبي بكر ثم عمر، وتنازعوا في الباقي والجمهور على تقديم عثمان ثم علي. كما سنذكر قريبا. وإدخال الاعتبار السياسي في اجتهاد العلماء وإجماعهم اتهام خطير للعلماء بالرضوخ للسياسيين ونزواتهم وأهوائهم، فيتركون ما أداهم إليه اجتهادهم نزولا عند رغبة الحكام. ومن أولئك العلماء: صحابة رسول الله الذين زكاهم الله في كتابه ورسوله في سنته وأئمة الفقهاء وعلماء الأمصار. فهل كان الصحابة رضوان الله عليهم منساقين وراء الجو السياسي لزمانهم؟. ويكفي هذه المقولة قبحا أنها ديدن العلمانيين والرافضة. وسيأتي مزيد كلام حول مسألة التفضيل قريبا.
ورأى أن الأمة أهملت وحذفت ذكر الآل في الصلاة عليه كما كان يفعل المتقدمون، وهذه أحد مظاهر النصب التي سرت في الأمة. وسرى هذا في أهل العلم، وتأثروا بالكتابات قبلهم والتي تأثرت بالسياسة، وتناسوا أو تغافلوا أو جهلوا على حد زعمه أن هذه الكتب ألفت في ظروف سياسية قاهرة وضاغطة وتماشوا مع هذا النصب الموجود في كتب المتقدمين فبدأوا يأصلون له. ومثَّل بابن حزم حيث ضعف كل الأحاديث الواردة في حق علي إلا حديثين. وهكذا فعل ابن تيمية فلقد حاول تضعيف الأحاديث الواردة في فضله رضي الله عنه. وتحسر على ما فعله ابن تيمية في باب فضائل آل البيت وأنه تأثر بالبيئة لكونه شاميا -وأهل الشام أعداء آل البيت- فأنكر عدة أحاديث في فضلهم. لذلك فكثير من مظاهر النصب موجودة في كتابات ابن تيمية فيجب الحذر منها كما يقول رفيقي. وحاول ابن تيمية أن يتكلم في حديث الموالاة وأنكر قسما منه. وذكر أن ابن تيمية أجهد نفسه في أن يبطل كون علامة المنافق عدم حب علي، مع أنه ثابت بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا نصح عند القراءة عن الصحابة بتجنب كتابات أمثال هؤلاء -يقصد علماء السنة كابن تيمية وابن العربي كما صرح بنفسه-، لأنهم ينطلقون من خلفية.
وهذا كلام مليء بالمغالطات. وعلماؤنا رحمهم الله صادقون عدول في ما يكتبون، وهذا لا ينفي وقوع الأخطاء منهم في بعض ما يكتبون. وليسوا تجارا للدين حتى يتلاعب بهم السياسيون في أمور دينهم، وهم المعروفون بصدق اللهجة والصدع بالحق. وأما زعمه أن الأمة هجرت السلام على الآل فيكفي أن تطالع كتب أهل السنة الفقهية والعقدية والحديثية لترى فيها آلاف بل مئات الآلاف من الأمثلة لقولهم: صلى الله عليه وآله وسلم. وقد تتبعت ذلك بنفسي فوجدته كما قلت. مع أن ذلك غير لازم بل هو مستحب فقط، وتركه لا يدل على نَصْب، والنَّصْب –يا من درس التوحيد في الجامعة الإسلامية-: معاداة أهل البيت أو تنقصهم. ولم يعرف في زماننا من يلهج بكلمة النصْب إلا الرافضة اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين. وقد سمعت ذلك بنفسي من كثير منهم مرارا.
وفي مجموع الفتاوى (3/154) أن النواصب هم الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل. وفي منهاج السنة النبوية (5/44): النواصب الذين يتبرؤون منه (أي: علي) ولا يتولونه ولا يحبونه بل قد يكفرونه أو يفسقونه. وفي الاستيعاب لابن عبد البر (2/ 493): وأما ربيعة بن يزيد السلمي فكان من النواصب يشتم عليا رضي الله عنه. وفي فتح الباري لابن حجر (1/ 543): النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه.
وكَوْنُ بعض أهل السنة يضعف حديثا في فضل علي مع إقراره بأحاديث أخرى، لا يشينه فقد أداه اجتهاده إلى ذلك، فكان ماذا؟ ولا يدل على النصب بأي حال من الأحوال. وليتك صححت الحديث وبينت خطأ مَن ضعفه بالمنهج العلمي السديد مع احترام كلام من خالفك. ولكن تحوير المسألة من اجتهاد يخطئ ويصيب إلى تقصُّد ستر فضائل آل البيت!! وتعمُّد تضعيف الأحاديث الواردة في فضلهم!! والنصب!! وما أشبه ذلك أقل ما نقول فيه: إنه اتهام خطير لعلمائنا الذين بهم حفظ الدين ووصل إلينا.
وكم قفَّ شعري مِن ذكره أن العلماء تأثروا بالكتابات قبلهم والتي تأثرت بالسياسة، وتناسوا أو تغافلوا أو جهلوا على حد زعمه أن هذه الكتب ألفت في ظروف سياسية قاهرة وضاغطة وتماشوا مع هذا النصب الموجود في كتب المتقدمين فبدأوا يأصلون له.
ولولا ما اشترطت من الحوار الهادئ لكان هذا الكلام يحتاج إلى لون آخر من الكلام. ولكن لنصبر والله حسيبه. ولا بأس أن نُذَكِّره بأن الله سائله يوم القيامة عن هذه الاتهامات الشنيعة بحق علماء السنة وسيقفون أمام الملك الجبار فليُعد للسؤال جوابا. ومتى كان علماؤنا يُأَصِّلون للنصْب الذي هو العداء لآل البيت وتنقصهم؟ ويا ليت الأستاذ أراحنا من تكلف الجواب عن أقواله هذه، فلنا في العلمانيين أعداءِ الدين ما يشغلنا.
وابن تيمية شيخ الإسلام وإمام الأئمة جهبذ متثبت ناقد خبير، ولسنا في وزن من يتكلم في تلاميذه فضلا عنه هو نفسه. فلا نطيل. ولا نعلم من يتهم ابن تيمية بالنصب إلا الروافض. والأحاديث التي ضعفها أغلبها هو مسبوق بمن تقدمه من الحفاظ، وما تكلم فيها من قِبَله هو أهل للكلام فيها ونقدها بإجماع حفاظ عصره فمن بعدهم.
ولنقرأ هذا الحوار الذي دار بين ابن تيمية ومقدم المغول بولاي، لعل فيه جوابا من ابن تيمية نفسه عن هذه الشبهة: قال في مجموع الفتاوى (4/487): وبذلك أجبت مقدم المغول بولاي لما قدموا دمشق فى الفتنة الكبيرة وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات فسألني فيما سألني: ما تقولون في يزيد فقلت: لا نسبه ولا نحبه فإنه لم يكن رجلا صالحا فنحبه ونحن لا نسب أحدا من المسلمين بعينه. فقال: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالما؟ أما قتل الحسين؟. فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن: ألا لعنة الله على الظالمين. ولا نحب أن نلعن أحدا بعينه وقد لعنه قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن. وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. قال: فما تحبون أهل البيت؟ قلت: محبتهم عندنا فرض واجب يؤجر عليه، ثم ذكر حديث " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي" . وقال: قلت لمقدم: ونحن نقول في صلاتنا كل يوم: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. قال مقدم: فمن يبغض أهل البيت؟ قلت: من أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. ثم قلت للوزير المغولي: لأي شيء قال عن يزيد وهذا تتري؟ قال: قد قالوا له: إن أهل دمشق نواصب. قلت بصوت عال: يكذب الذي قال هذا ومن قال هذا فعليه لعنة الله. والله ما في أهل دمشق نواصب وما علمت فيهم ناصبيا. ولو تنقص أحد عليا بدمشق لقام المسلمون عليه. لكن كان قديما لما كان بنو أمية ولاة البلاد: بعض بنو أمية ينصب العداوة لعلي ويسبه، وأما اليوم فما بقى من أولئك أحد. انتهى.
وفي كلام ابن تيمية هذا ما يكفي لمن أراد الله به خيرا.
علما أن بعض ما ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمته يحتاج إلى أدلة واضحة عوض إرسال الكلام على عواهنه إنه قيل وقيل... ولم نجد شيئا من ذلك في كتبه. وابن تيمية جهر بمعارضة الصوفية والأشاعرة والرافضة والدروز وغيرهم من الفرق التي كانت في زمانه، وعارض التعصب المذهبي، وكان يشتد أحيانا على بعضهم، وكل ابن آدم خطاء، فرموه عن قوس واحدة وألبوا عليه الحكام والعامة وسجن مرات وأوذي ومات في سجنه رحمه الله. وأشاعوا عنه أكاذيب بحق علي رضي الله عنه وتناقلتها ألسن بعض المغرضين، فصار المؤرخ إذا تعرض لترجمته لزمه نقل ما ذُكر عنه من باب الأمانة العلمية، فيظن من وقف على ذلك أنه فعلا كان يرى ذلك. مع أن كتب الرجل منتشرة وموجودة، فلِمَ نلجأ إلى قال وقيل، ونترك كتبه ماثلة بيننا؟ وهذا شيء غير خاص به، بل علي رضي الله عنه في ترجمته أخبار كثيرة باطلة عنه وأقوال مكذوبة، فليست العبرة بأنه ذكرها فلان وعلان ولكن العبرة هل صحت عنه أم لا؟
وخصوصا وأن بعض الذين ذكروا بعض ذلك عنه كالسبكي الأب والابن مثلا بينهم وبينه خلاف في العقائد يمنع من قبول قول بعضهم في بعض لأنهم أقران كما تعلمتَ في الجامعة الإسلامية. وكما فصلتُ ذلك في كتابي "كلام الأقران بعضهم في بعض".
وأنصحك بمطالعة كتاب "شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن ناصبياً" لسليمان بن صالح الخراشي الذي نشرته دار الوطن بالرياض سنة 1419 هـ / 1998 م. ففيه بيان شاف في الموضوع.
وذكر أن كتابات ابن العربي وخاصة في الصحابة غاية في الرداءة بل غاية في القبح بل غاية في الشناعة. وذكر منها كتاب العواصم من القواصم، الذي هو عمدة المنتسبين للسلفية في هذا الباب حسب زعمه، بل لا يخلو منه بيت من بيوتهم كما يقول. مع أن الكتاب مملوء بالشناعات وهو كتاب نصب من أوله لآخره، كما قال.
وكتاب العواصم جيد في مجمله لكن فيه هفوات غير مقبولة وشدة في الرد من ابن العربي، وما في كتب الروافض من الكفر والشرك لا يقاس بخطأ هنا أو هناك لأهل السنة. وكتاب العواصم ليس عمدة السلفيين كما ذكر الأستاذ، بل عمدتهم كتاب الله وسنة رسوله ففيها ما يكفي من الحجج لإثبات عدالة الصحابة وإمامتهم والذب عنهم التي لا يحتاجون معها لا للعواصم ولا لغيرها. ولا أعلم من يطعن في ابن العربي وكتابه إلا الروافض أعداء آل البيت.
وتفوه الأستاذ في حق علي رضي الله عنه بكلام لا يرضاه الله ورسوله ولا علي بن أبي طالب، فادعى أنه لم يرد في فضل أحد من الصحابة بما فيهم كبار الصحابة ما ورد في فضل علي رضي الله عنه. وأنه خُص بمناقب دون غيره من سائر الناس بما فيهم كبراء الصحابة وبما فيهم فضلاء الصحابة. وأن النبي ذكر حديث الموالاة "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " في مجمع عظيم في أواخر حياته وأنه يجب على المؤمنين موالاته ولم يذكر لا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان. ولكن خصَّ عليا بالذكر. وتساءل لماذا خص عليا بالذكر في هذا المجمع دون باقي الصحابة؟. وطلب منا أن نتأمل في هذا السؤال. وضعف ما أجاب به بعض أهل السنة على هذا واختار أن النبي صلى الله عليه وسلم قرُب موعد موته فلذلك أكد على أن يوصي أصحابه بمثل هذه الوصايا في أهل بيته عموما وفي علي بن أبي طالب خصوصا. وأنه جعله مركز الموالاة ومركز المعاداة. ويدور عليه الحب ويدور عليه البغض. وهو ما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم لغيره. ولهذا يجب أن يكون له من الحب والموالاة ما ليس لغيره، ويجب إسقاط حديث "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" وغيرها من الأحاديث على من خاصمه كالخوارج ومعاوية ومن كان معه من الصحابة. وأن عليا رضي الله عنه ليس شخصية عادية، بل كان يُعرف المنافق من غير المنافق بعلي بن أبي طالب، وأن كلما ثبت من الفضل لهارون عليه السلام ثبت لعلي من كونه أخا لموسى وكونه وزيرا له وكونه أقرب الناس إليه من أهله وكونه استخلفه حين ذهب وكونه أعلم الناس بعده، إلا النبوة، وحتى النبوة فقد اقترب كثيرا من هذه المرتبة بل هو في الدرجات التي قبلها مباشرة بحيث أنه يشم روائح النبوة وعليه لوائح النبوة وعليه أنوار النبوة. النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرع حينما يذكر حديث الموالاة فهو يضع منزلة علي وسط هذا الدين. لما كانت موالاة الله وموالاة نبيه متعلقة بالولاء لهذا الرجل إذن هذا الرجل في هذا الدين وَزْنُه خطير ووزنه عظيم وشأنه كبير. هكذا قال. وأنه كلما قرب موعد وفاة النبي إلا وعظُم الفضل إلا وعظُمت المناقب (الشهادة بالحب في خيبر حديث المنزلة في تبوك حديث الموالاة عند الرجوع من حجة الوداع). وأن بعض المفسرين ذكروا أن سبب نزول قوله تعالى {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} حديث الموالاة، يشير إلى أن موالاة علي مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغه. بل جعل النبي الموالاة فيه كالموالاة في الله والمعاداة فيه كالمعاداة في الله. وذكر أشياء أخرى كثيرة لا نطيل بتتبعها.
وهذا غلو خطير حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منه. ومركز الموالاة والمعاداة هو الله ورسوله وعقائد الإسلام وتشريعاته، ويوالى الأفراد بحسب إقامتهم للشريعة من عدم ذلك. وعلي رضي الله عنه ممن تجب موالاته موالاة شرعية لا غلو فيها. وهكذا كل الصحابة. وقد أمرنا الله بالموالاة وحذرنا من الغلو. والرافضة ومن شايعهم والوا عليا وغلوا حتى نسبوا له عظائم. وهكذا فعل النصارى في حق عيسى. وما رأيك في قوله صلى الله عليه وسلم: الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله. رواه البخاري ومسلم. وفي الصحيحين كذلك: آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار. وعند مسلم: لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر. قال ابن حجر في فتح الباري (1/63): بعد أن ذكر هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها وذكر حديث علي: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" قال: وهذا جارٍ باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الإكرام لما لهم من حسن الغناء في الدين. قال صاحب المفهم (أي: القرطبي): وأما الحروب الواقعة بينهم فإن وقع مِن بعضهم بُغضٌ فذاك من غير هذه الجهة، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة، ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد، والله أعلم. انتهى كلامه.
فالصحابة جميعا لا يواليهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق وليس أمرا خاصا بعلي. ولا يغلو فيهم إلا مبتدع ضال. وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين، كما قال نبينا عليه السلام. رواه النسائي (5/3057) وأحمد (1/215-347) وغيرهما بسند صحيح.
وأولى الناس بالخلافة هو ما أجمع عليه الصحابة وتبعهم علماء الأمة عليه هو أبو بكر ثم عمر كما سنذكر قريبا.
والثناء على علي رضي الله عنه بما هو أهله ومحبته والذب عنه وبغض وتبديع من تكلم فيه بسوء لا يدفعنا إلى الغلو فيه.
وقول أهل السنة أعدل الأقوال في آل البيت فلاهم جفوهم وانتقصوهم كما فعل النواصب، ولا هُم غلوا فيهم ورفعوهم أكبر من منزلتهم وجعلوا لهم قداسة ما، كما فعل الروافض. بل هم وسط بين الغالي والجافي. فاعترفوا بفضلهم وحفظوا حق قرابتهم كما أمر الله ورسوله.
وذكر أنه كان موقف الصحابة سيئا من عثمان رضي الله عنه، وأول مؤلب على عثمان وأول ناقم عليه هم الصحابة وكبار الصحابة، ولهذا لم يحمه الصحابة يوم قتله. لأنهم كانوا ناقمين عليه وكان عندهم موقف سيء من عثمان.
وهذا باطل عن الصحابة وخرق للإجماع. وقد حكى الإجماع على صحة إمامته أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف (76) وغيره. وروى البخاري (6/6781) أن الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون بايعوا عثمان بن عفان على الخلافة.
فهل بايعوه جميعا وهم ناقمون عليه؟. ثم جمهور العلماء على تفضيل عثمان على علي. قال الإمام الحافظ المتفق على جلالته أبو الحسن الدارقطني: اختلف قوم من أهل بغداد، فقال قوم: عثمان أفضل، وقال قوم: علي أفضل. فتحاكموا إلي، فأمسكت، وقلت: الإمساك خير. ثم لم أر لِدِيني السكوت، وقلت للذي استفتاني: ارجع إليهم، وقل لهم: أبو الحسن يقول: عثمان أفضل من علي باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا قول أهل السنة، وهو أول عقد يحل في الرفض. نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء (16/ 457) وقال معلقا عن تفضيل علي على عثمان: قلت: ليس تفضيل علي برفض، ولا هو ببدعة، بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين، فكل من عثمان وعلي ذو فضل وسابقة وجهاد، وهما متقاربان في العلم والجلالة، ولعلهما في الآخرة متساويان في الدرجة، وهما من سادة الشهداء رضي الله عنهما، ولكن جمهور الأمة على ترجيح عثمان على الإمام علي، وإليه نذهب. والخطب في ذلك يسير، والأفضل منهما - بلا شك - أبو بكر وعمر، من خالف في ذا فهو شيعي جلد، ومن أبغض الشيخين واعتقد صحة إمامتهما فهو رافضي مقيت، ومن سبهما واعتقد أنهما ليسا بإمامي هدى فهو من غلاة الرافضة أبعدهم الله.
وأكد رفيقي على أن الذين بغوا على علي رضي الله عنه في صفين ليسوا مجتهدين متأولين!!!! وذكر أن ما ادعاه أهل السنة كابن تيمية والذهبي والنووي وابن حجر وابن كثير أنه يكتب لهم أجر واحد لا يصح.
وماذا كانوا يا ترى؟ ضالين مضلين؟ واحتجاجك بحديث عمار "ويح عمار تقتله الفئة الباغية" لا يفيدك لأن البغي قد يكون عن اجتهاد خاطئ فيأجر صاحبه على ذلك أجرا واحدا. وقد بيّن هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/542) وبيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مواطن من الفتاوى ومنهاج السنة. وقال النووي في شرح مسلم (18/40): قال العلماء: هذا الحديث حجة ظاهرة فى أن عليا رضي الله عنه كان محقا مصيبا والطائفة الأخرى بغاة لكنهم مجتهدون فلا إثم عليهم لذلك. وتقدم قول القرطبي الذي نقله ابن حجر في فتح الباري (1/63): وأما الحروب الواقعة بينهم فإن وقع من بعضهم بغض فذاك من غير هذه الجهة بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد.
وأما احتجاجك بحديث "قاتل عمار وسالبه في النار". ففي نفس الحديث : فقيل لعمرو (أي: ابن العاص): فإنك هو ذا تقاتله؟ قال: إنما قال: قاتله وسالبه. رواه أحمد (4/198) بسند جيد. يشير إلى أن المراد قاتله المباشر. وعمرو بن العاص هو راوي الحديث فهو أدرى بما روى. كما تعلمتَ في الجامعة الإسلامية. ثم حمله على هذا الوجه -إن ثبت ضعفه- هو اجتهاد يثبت معه الأجر الواحد. والاحتمال ولو كان ضعيفا أولى من تضليل الصحابة، فكيف إن كان الاحتمال قويا؟ فكيف وقد جاء مصرحا به في نفس الحديث؟
وأنا أتعجب ما هذا الحرص الشديد على تضليلهم وإخراجهم من دائرة الخطأ!!!
وزاد رفيقي أن معاوية باغ من البغاة، وحكمه ليس خلافة. واعتذر عن قوله في درس سابق "خلافة معاوية" واعتبر أن هذا سبق لسان منه.
علماء أهل السنة يرون أن معاوية صحابي جليل لأنه أسلم وتاب، وأغلب الصحابة كانوا يعبدون الأصنام. ولا ذنب أكبر من ذلك. والإسلام يجُب ما قبله. وخلافه مع علي رضي الله عنه كان فيه مجتهدا متأولا، وكان معه صحابة كثيرون على هذا الرأي. وعلي رضي الله عنه أفضل منه بمراحل عديدة وهو الأحق بالأمامة. قال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله (أي: أحمد بن حنبل)، وسئل عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص، أيقال له رافضي؟ فقال: «إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحد أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا له داخلة سوء» . السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 447) والبداية والنهاية (8/132).
وقال النووي في شرح مسلم (15/149): وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه، (ثم ذكر حربه مع علي)، ثم قال: ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين. انتهى.
والمجتهد خطؤه مغفور، وقد شهد له ابن عباس بالفقه: عن ابن أبي مليكة: قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: إنه فقيه. رواه البخاري (3764). فهذا ابن عباس أحد فقهاء الصحابة المتفق على جلالتهم وفقههم شهد لمعاوية بالفقه، إذن فاجتهاد معاوية إما له به أجر أو أجران. فبطل ما زعم الأستاذ.
بل زاد رفيقي فأكد أن كل من كان ضد علي في صفين بما فيهم معاوية فهم في النار.
وهذه زلة عظيمة وسقطة كبيرة. فالذي كان ضد علي في صفين: معاوية وعمرو بن العاص وطلحة والزبير وعقبة بن عامر وعشرات الصحابة. وزعم أن ذلك بنص حديث رسول الله، بل بنص فهمك الخاطئ لحديث رسول الله والمخالف لفهم علماء السنة. وهذا هو التشيع الغالي كما قدمت. فعليك أن تتقي الله تعالى وتتوب من هذا المنكر العظيم.
قال ابن تيمية في الفتاوى (35/ 58 ): من لعن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ونحوهما،... فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين، وتنازع العلماء هل يعاقب بالقتل؟ أو ما دون القتل؟ انتهى.
واتهامُهم بالنار كما فعل رفيقي أعظمُ من سبهم.
وقال (35/62): ومعاوية وعمرو بن العاص وأمثالهم من المؤمنين لم يتهمهم أحد من السلف بنفاق، بل قد ثبت في الصحيح أن عمرو بن العاص لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم قال: على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، فقال يا عمرو أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله. ومعلوم أن الإسلام الهادم هو إسلام المؤمنين لا إسلام المنافقين.
وقال (35/65-66): فلو كان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وأمثالهما ممن يتخوف منهما النفاق لم يولوا على المسلمين، بل عمرو بن العاص قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يول على المسلمين منافقا... فكيف يكون هؤلاء منافقين والنبي صلى الله عليه وسلم يأتمنهم على أحوال المسلمين في العلم والعمل... بل جميع علماء الصحابة والتابعين بعدهم متفقون على أن هؤلاء صادقون على رسول الله مأمونون عليه في الرواية عنه، والمنافق غير مأمون على النبي صلى الله عليه وسلم بل هو كاذب عليه مكذب له. وإذا كانوا مؤمنين محبين لله ورسوله، فمن لعنهم فقد عصى الله ورسوله. انتهى.
ولعل في كلام ابن تيمية ما يكفي لرد ما تفوه به الأستاذ، ومرة أخرى أقول: لو لم أشترط في هذه الوقفات الرفق لاستحق هذا الكلام منه ما لا أرغب في اللجوء إليه.
واعتبر الأستاذ أن الدفاع عن بني أمية وبني العباس نصب، وإن تبرأ المدافع عنهم ألف مرة من النصب فهو نصب. بل هو من أعلى مظاهر النصب. وجرائم بني أمية وبني العباس لا تعد ولا تحصى ضد آل البيت فقد آذوهم وقتلوهم وذبحوهم وسجنوهم وتركوهم في السجون جياعا عطاشا حتى ماتوا من أثر الجوع والعطش. ونحن -يقصد أهل السنة- لا هم لنا إلا الدفاع عنهم وستر هذه الجرائم. بل كثير من المترجمين –يقصد من أهل السنة- للصحابة غضوا الطرف عن فضائل آل البيت كفاطمة وجعفر وحمزة والعباس.
ولا يقول مثل هذا الكلام إلا من قَلَّ اطلاعه على كتب السنة. فلم يغضوا الطرف عن تراجم آل البيت فتراجمهم مشهورة منشورة في كافة كتب تراجم الصحابة، بما فيها الكتاب الذي تشرفت بتحقيقه وطبعه: "الجامع" للحافظ الرعيني. وهو ثاني أفضل كتاب في تراجم الصحابة بعد الإصابة. وأُفردت تراجم بعضهم بالتأليف، منها إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل لعبد الرؤوف بن علي المناوي، ومناقب جعفر للضياء المقدسي، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين أحمد بن عبد الله الطبري وغيرها. وهي مطبوعة. وللسيوطي: الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة. كشف الظنون (2/ 1844). ولابن السكاك محمد بن محمد المكناسي المالكي المتوفى سنة 807: نصح ملوك الإسلام بالتعريف بما يجب عليهم من حقوق آل البيت الكرام. هدية العارفين (2/ 177). وقرة العين في فضائل الشيخين والصهرين والسبطين لأبي ذر أحمد بن إبراهيم الحلبي المتوفى سنة 884. كشف الظنون (2/ 1325). ومناقب السبطين لأبي عبد الله التجيبي. هدية العارفين (2/ 109). ودرر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والسبطين لمحمد بن يوسف الزرندي المتوفى سنة 750. هدية العارفين (2/ 157). وغير ذلك كثير. وأما علي رضي الله عنه فأفرده بالترجمة كثيرون. ومما طبع منها مناقب الأسد الغالب علي بن أبي طالب لشمس الدين ابن الجزري وخصائص علي للنسائي ومناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للحافظ أبي الحسن علي بن محمد المغازلي وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب لمحمد بن أحمد الباعوني الشافعي وغيرها.
وما ذكره عن بني أمية وبني العباس وُجد بعض ذلك منهم، وهو منكر عظيم نبرأ إلى الله منه. وبعضه من رواية غير الموثوقين، وإذا كانت الكتب ملئت كذبا على رسول الله فكيف بمن دونه؟ وكتب التاريخ من أكثر الكتب تساهلا، وقد جرت عادتهم بحكاية ما سمعوه بغض النظر عن صحته، وكثيرٌ من الأخبار التي نقلوها في سندها كذابون أو متروكون وضعفاء ومجاهيل، وبعضها مرسل وبعضها محكي بلا سند، فينبغي التفطن لهذا. وخصوصا كتب بعض المتأثرين بالتشيع كالمسعودي وأبي الفرج الأصفهاني. وفي تاريخ الطبري -وإن كان سنيا- روايات تاريخية من طريق لوط أبي مخنف الشيعي وغيره من المتروكين كما هو مشهور عند العلماء.
ومن دافع عن بني أمية وبني العباس دافع باعتبار ما لهم من فضل في الدفاع عن الإسلام ونشره، مع تبرئهم مما كان من جرائم لبعضهم، وقد كان لعلمائنا من الفقه والمعرفة بالمصالح والمفاسد ما جعلهم يضعون كل شيء في موضعه، ويقدمون ما حقه التقديم ويدفعون المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى. ومن المنتظر من خِرِّيج الجامعة الإسلامية العلم بهذه البديهيات. والله الموفق.
وذكر رفيقي أن النصْب سرى في الأمة: سرى في كتب الأمة، سرى في مجالس الأمة، سرى في أدبيات الأمة.
النصْب هو مناصبة العداء لأهل البيت رضي الله عنهم أو تنقصهم. كما قدمت، وليس في علماء الأمة من يعادي أهل البيت أو يتنقصهم. بل كلهم يثنون عليهم بل صرحوا بتضليل وتبديع مَن تكلم فيهم بسوء، ونتحدى من يخبرنا بمن كان عدوا لهم من علماء أهل السنة؟ إلا أن يراد بالنصب النصب بمفهومه الرافضي أعني كل من لم يقل بغلو الرافضة في آل البيت فهو ناصبي، فنعم هذا سار في الأمة. وأما النصب كما ذكرت فلا تعرفه الأمة فضلا عن أن يكون ساريا في كل مجالسها وعلمائها وأدبياتها.
وهو اتهام خطير للغاية للأمة بأسرها التي لا تجتمع على ضلالة. ومرة أخرى أقول: لم نعرف مثل هذا الكلام إلا عن الروافض. وهذه حقيقة معلومة للجميع. فنتنمى من الأستاذ أن لا يحملنه الشيطان على التمادي في هذا، فيدفعنا إلى الرد بما لا نتمنى الدخول فيه.
وذكر رفيقي أن الصحابة لم يستشيروا عليا في الخلافة وأنه لم يُرفع له رأس فيها مع أنه هو من هو، بل وصى النبي صلى الله عليه وسلم به، وتعجب من اشتغال أبي بكر وعمر بالخلافة بينما انشغل علي بالنبي صلى الله عليه وسلم وبتغسيله وتكفينه. بل لم يُستشر كبار الصحابة في أمر الخلافة، واقتصر على ثلاثة فقط، أي: أبو بكر وعمر وسعد بن عبادة. مع أن الثلاثة -كما يقول- يعلمون أن هذه الطريقة في تولية الخليفة غير شرعية، لأنه ليس فيها شورى ولا أخذ رأي أهل الحل والعقد. ولهذا لم يبايع علي أبا بكر بيعة رضا إلا بعد ستة أشهر. وأن عليا بايع أبا بكر مكرها تحت التهديد في البداية بعد تهديد عمر له بتحريق بيت فاطمة. وأن بيتها كان كأنه مركز للمعارضة ضد حكم أبي بكر.
نقرأ هذه الاتهامات عادة عند الرافضة والعلمانيين الحاقدين على الدين. أقول هذا ولا أملُّ من تكراره. فنتمنى من الأستاذ أن يجل نفسه عن هذا. أقول هذا كلامهم لا أنه هو منهم. وادعاؤه أن أبا بكر بويع من غير مشورة المسلمين قلْبٌ للحقائق، في حديث البيعة في صحيح البخاري (6/6442): فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار. وفي صحيح البخاري كذلك (6/6793): قال عمر لأبي بكر يومئذ: اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة.
فواضح من هذه النصوص أن بيعة أبي بكر كانت بمشورة أهل الحل والعقد لا كما يقول رفيقي. بل كانت بإجماعهم باستثناء علي فقد كان وقع بين أبي بكر وبين فاطمة خلاف بسبب إرث النبي صلى الله عليه وسلم فتخلفت عنه وتخلف معها علي، وبعد موت فاطمة أتى وبايع واعترف لأبي بكر بفضله كما روى ذلك البخاري (4/3998) ومسلم (3/1759).
قال النووي في شرحه على مسلم (12/77): أما تأخر علي رضي الله عنه عن البيعة فقد ذكره علي في هذا الحديث واعتذر أبو بكر رضي الله عنه ومع هذا فتأخره ليس بقادح في البيعة ولا فيه. أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس ولا كل أهل الحل والعقد وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس. انتهى.
فقد حصل الاتفاق بين الجميع، فلماذا النبش في أسباب الفتن؟
ثم ذكر رفيقي أن الأمر تكرر في عهد عمر وأن أبا بكر لم يستشر الصحابة في ذلك، بل عيّن أبو بكر الخليفة بعده، بل لدرجة أنه لما عارض بعض الصحابة ذلك غضب أبو بكر وأصر على استخلافه. وتعجب من هذا الاستخلاف وأن المبرر الذي اعتل به البعض في خلافة أبي بكر لم يعد قائما، فالأصل أن يجعل الأمر شورى بين المسلمين.
العبرة ليس باستخلاف أبي بكر إنما بمبايعة أهل الحل والعقد وقد وقعت. كما سنذكر قريبا.
واعتبر رفيقي أنه إذا كان من الممكن أن نتحدث عن المفاضلة بين أبي بكر وعلي. فيبعد أن نفاضل بين علي وعمر، فليس لعمر من الفضائل ما لعلي. وليس عمر في وزن علي في الفضائل وشهود المواقف والشجاعة والعلم. وكان علي ومن معه من الصحابة يرون أن عليا أولى بالأمر من أبي بكر فكيف الأمر بعمر؟
وماذا عن إجماع الصحابة بعد ذلك عليها؟ أتراهم كانوا متملقين للحكام؟ أليس إجماع الصحابة على أفضلية عمر على علي ثم إجماع العلماء بعدهم إلى هذه الأعصار على ذلك دليل كاف في ذلك.
بل قد جاء الدليل عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فاسمع: في صحيح البخاري (3/3494) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. وفي رواية للبخاري (3/3455): كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم.
ولعلك درستَ في الجامعة الإسلامية أن قول الصحابي: "كنا نفعل كذا" من قبيل الحديث المرفوع. فهذا حديث مرفوع حكما يوافق إجماع أهل السنة.
وقد حكى الإجماع على ذلك كثيرون نقتصر على بعضهم فقط: قال النووي في شرحه على مسلم (12/206): وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على اختيار أبي بكر وعلى تنفيذ عهده إلى عمر وعلى تنفيذ عهد عمر بالشورى ولم يخالف في شيء من هذا أحد.
وقال أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث (76): ثم خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه واتفاق الصحابة عليه بعده.
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص: 476): ونثبت الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه، لعمر رضي الله عنه, وذلك بتفويض أبي بكر الخلافة إليه، واتفاق الأمة بعده عليه.
وقال الفيروزآبادي في الرد على الرافضة (ص: 58): وإذ قد صحت إمامة أبي بكر فطاعته فرض في استخلافه عمر بما ذكرنا، وبإجماع المسلمين عليها.
أفأنت أعلم من كل هؤلاء العلماء وغيرهم ممن لم نذكر؟
ثم ألا يظهر للبليد قبل الفطن أنك ترمي إلى شيء ما تتجنب التصريح به: أبو بكر لم يبايع بيعة شرعية، وعمر ليس في وزن علي في الفضائل، وعثمان كان الصحابة ناقمين عليه، ولم يأت من الفضائل في الصحابة ما جاء في علي. والنبي خص عليا بما لم يخص به أحدا من الصحابة بما فيهم كبار الصحابة. ما الذي يسكن في طيات هذا الكلام يا ترى؟ ما الذي ترمي إليه بالضبط؟ وحول ماذا تحوم يا أستاذ؟
وزاد رفيقي فزعم أن معارضي علي كمعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم ممن كان في صف معاوية كانوا يريدون الملك والدنيا لا غير.
أشققت عن قلوبهم؟ اتق الله يا رجل، فبسبب مثل هذا الكلام قُتل النسائي واتهم الحاكم وطعن فيه.
وأنكر إبطال التشيع جملة واستنكر جَعْله بدعة مطلقا، وأنه لا عيب في التشيع لعلي بن أبي طالب.
التشيع لعلي وحده دون الصحابة بدعة وهو الرفض، والمطلوب التشيع للصحابة جميعا. وأغلب المتشيعين لعلي رضي الله عنه إما رافضة أو إسماعيلية أو علوية أو دروز، التقية شعارهم والزندقة دثارهم. وأهل السنة يُجلون عليا وآل البيت وينزلونهم منازلهم ويضللون من يتعرض لهم بتنقيص أو غمز أو لمز، بل يرون وجوب سلامة القلوب اتجاههم ويعتبرون تعظيمهم وإجلالهم واجبا دينيا وفرضا شرعيا، والتعرض لهم بما يسوؤهم ضلال مبين وانحراف عن الصراط المستقيم. وكتبهم طافحة ببيان ذلك، أليس هذا كافيا يا أستاذ؟ وما الذي يُحوجك إلى البحث عن مصطلحات محدثة تريد أن تحشر نفسك فيها، وأنت في غنى عن ذلك.
ذكرتني هذه المسألة بدندنة البعض عندنا حول التصوف السني!! وهذا يبحث عن التشيع السني!! وقديما حدثنا البعض عن الاشتراكية الإسلامية!! وربما يحدثنا آخر عن العلمانية الإسلامية!!!!!!!! يا قوم اتقوا الله، ففي المصطلحات الشرعية التي تتابع عليها أئمة الإسلام وعلماؤه غنية.
وذكر الأستاذ أنه جرت محاولات عديدة لطمس أحاديث فضائل علي وكان هناك حرص لإخفائها، وأن مناقبه قليلة في كتب السنة بل حتى الكتب التي اعتنت بذكر فضائله اتهم أصحابها بالتشيع. وأن كتب السنة صنفت في ظل إرهاب ضد آل البيت وبالتالي تأثرت بالواقع السياسي، وبعض العلماء كانوا يتزلفون للحكام ويتملقون لهم.
قلت: فضائل علي في البخاري ومسلم والسنن والمسانيد والأجزاء وكتب تراجم الصحابة وكتب فضائل الصحابة وهي بالمئات. وخص ترجمته جماعة من العلماء بالتأليف. فلم يُخْفِها أحد، بل حتى فضائله المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي يحتج بها الرافضة رواها العلماء وخرجوها في كتبهم. ويكفي أن تراجع في ذلك كتب الموضوعات فأغلب تلك الأحاديث المكذوبة منقولة من كتب أهل السنة. فكيف يقال: إنه جرت محاولات عديدة لطمس أحاديث فضائل علي!!؟؟
مَنْ قام بهذه المحاولات يا أستاذ؟ وما أسماؤهم؟ فإننا متشوقون لمعرفتهم حتى نبين للمسلمين أعداء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتقوا شرهم ويحذروا كتبهم. ومَن عَلِمنا أنه تعمد كَتْم أحاديث فضل آل البيت فهو أضل من حمار أهله. هذه عقيدة أهل السنة قاطبة، فمن أين جئت بهذه الاتهامات؟ ومن أداه اجتهاده إلى تضعيف حديث صحيح في فضل بعضهم رآه هو أنه ضعيف مع اعترافه بحقوق آل البيت وفضلهم ليس إخفاءا وطمسا لفضائلهم. فهل من ضعَّف حديثا في فضل عمر رضي الله عنه مثلا أداه اجتهاده إلى ذلك يعتبر طامسا ومخفيا لفضائله؟ كلا وألف كلا. وما نقول في عمر نقوله في باقي الصحابة ومنهم علي رضي الله عنه. ولو راجعت كتب الفضائل لرأيت أنه اختلف العلماء في أحاديث كثيرة في فضل عدد من الصحابة بما فيهم الخلفاء الأربعة، فهل كل من أداه اجتهاده إلى تضعيف بعض تلك الأحاديث نقول إنه يتقصد ويتعمد إخفاء فضائل ذلك الصحابي؟
وليت الأستاذ أراح نفسه من تكلف مثل هذه الاتهامات المجانية والتبريرات الواهية، وأراحنا معه من تكلف الجواب.
عادة ما يلهج الرافضة بهذه الشبهة، وقصدهم منها الطعن في أهل السنة من جهة وتهييء النفوس لقبول ما هب ودب في فضل علي من جهة أخرى، بزعم أن الجو لم يكن يسمح بتخريج تلك الأحاديث. فنُجِلك عن ترويج تفاهاتهم، فاحذر.
وادعى أن النسائي إنما اتهموه بالتشيع لكونه صنف كتابا في أحاديث في فضل علي رضي الله عنه.
فليس كما زعمت، بل لأنه نُقل عنه انحراف على معاوية ومن معه، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/ 133): إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي، كمعاوية وعمرو، والله يسامحه.
ولعله تاب من ذلك: قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (71/ 175): وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال. فقد روي عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه سئل عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الباب. قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة.
فما رأي الأستاذ؟
وقال الذهبي في السير (14/ 132): خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق فسئل بها عن معاوية، وما جاء في فضائله. فقال: لا يرضى رأسا برأس حتى يفضل؟ قال: فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة فتوفي بها. كذا قال، وصوابه: إلى الرملة.
وفي تهذيب الكمال للمزي (1/ 339): أنه سئل عن فضائل معاوية، فأمسك عنه، فضربوه في الجامع. فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه إلى مكة وهو عليل، وتوفي بها مقتولا شهيدا.
فموته بسبب كلامه في معاوية لا بسبب كتابه.
ولا تظنن أنك تتأسى بالنسائي، فالنسائي إمام من أئمة السنة، وكلامه في معاوية قد رجع عنه كما شرحت لك، وقد ألف كتابا في فضائل الصحابة جميعا كما في ترجمته. والنسائي لم نسمع عنه هذه الاتهامات الرخيصة في عثمان واتهام الأمة بالنصب وغير ذلك من الأمور التي صدرت عنك. وإذا كان النسائي قد رجع عن كلامه في معاوية فليكن قدوتك في الخير، كما هو قدوتك في ما رجع عنه من الشر.
وأما تأليفه لكتاب خصائص علي فقد بين السبب الذي دعاه لذلك، فقال: دخلنا إلى دمشق والمنحرف عن علي بها كثير، فصنفت كتاب"الخصائص"رجاء أن يهديهم الله. ثم صنف بعد ذلك فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها على الناس. تهذيب الكمال للمزي (1/ 338).
وجاءت في فضله عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار لم أر التطويل بذكرها.
ثم ما رأي الأستاذ في أن النسائي خرج في سننه الصغرى والكبرى وعمل اليوم والليلة والإغراب وغيرها عن معاوية أحاديث عديدة وفي بعضها الترضي عنه. أقتصر على واحد منها من السنن الصغرى، وهو ما رواه (2/ رقم 676) عن أبي أمامة بن سهل قال سمعت معاوية رضي الله عنه يقول : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع المؤذن فقال مثل ما قال.
وما رأيه مرة أخرى أن النسائي صنف كتاب فضائل الصحابة -وهو مطبوع- ورتب الخلفاء على ترتيبهم المعروف عند أهل السنة؟
وأما دندنتك حول الحاكم ورميه بالتشيع وعللت ذلك بكونه أخرج فضائل علي بالأسانيد الصحيحة، أو أن عنده زيادة محبة لعلي.
فغلط لا شك فيه، وإليك البيان: الذي من أجله اتهم الحاكم بالتشيع هو طعنه في معاوية ومن معه كما تقدم عن النسائي، في سير أعلام النبلاء (17/ 174): قال الحافظ محمد بن طاهر عن الحاكم: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفا غاليا، عن معاوية رضي الله عنه وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه.
وقد دافع السبكي في طبقات الشافعية (4/ 167) عن الحاكم ورد كلام ابن طاهر المتقدم ومال في آخر كلامه لما يلي: فأوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده ميل إلى علي رضي الله عنه يزيد على الميل الذي يطلب شرعا ولا أقول إنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ولا إنه يفضل عليا على الشيخين بل أستبعد أن يفضله على عثمان رضي الله عنهما فإني رأيته في كتابه الأربعين عقد بابا لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان واختصهم من بين الصحابة وقدم في المستدرك ذكر عثمان على علي رضي الله عنهما... إلى آخر كلامه.
وزيادة محبة بعض الصحابة لا شيء فيها، نعم بشرط أن لا تخرج عن المأذون شرعا كما فعلت الإسماعلية وغلاة الرافضة والشيعة في علي: قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (17/ 169) معلقا على حديث (إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق): وهذا أشكل الثلاثة فقد أحبه قوم لا خلاق لهم، وأبغضه بجهل قوم من النواصب، فالله أعلم.
قال محقق السير: وجد على هامش الأصل تعليق على استشكال الذهبي ونصه: قلت: لا إشكال، فالمراد: لا يحبك الحب الشرعي المعتد به عند الله تعالى، أما الحب المتضمن لتلك البلايا والمصائب، فلا عبرة به، بل هو وبال على صاحبه كما أحبت النصارى المسيح. انتهى.
وسمعتك تذكر أن الحاكم اتهم بالتشيع لتخريجه في مستدركه أحاديث صحيحة في فضل علي.
فلتعلم أن الحاكم خرّج في كتابه أحاديث صحيحة وحسنة في فضله، لكنه خرّج أحاديث كثيرة موضوعة ومنكرة وباطلة في فضله وصححها، فمن ذلك:
روى الحاكم (3/4584) عن علي رضي الله عنه قال : إني عبد الله و أخو رسوله و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب صليت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة. قال الذهبي في التلخيص : حديث باطل فتدبره.
وروى الحاكم (3/4620) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعلي : أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه. وهو حديث موضوع قال الذهبي في التلخيص: بل هو فيما اعتقده من وضع ضرار.
وروى الحاكم (3/4624) حديث: يا علي من فارقني فقد فارق الله و من فارقك يا علي فقد فارقني. وقال: صحيح الإسناد و لم يخرجاه. علق الذهبي في التلخيص : بل منكر.
وروى الحاكم (3/4626) حديث: ادعوا لي سيد العرب فقلت: يا رسول الله ألست سيد العرب؟ قال: أنا سيد ولد آدم، و عليٌّ سيد العرب. وانظر الضعيفة (10/4890). وعلق الذهبي في التلخيص : وضعه ابن علوان.
وروى الحاكم (3/4629) حديث: رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه. علق الذهبي في التلخيص : مختار بن نافع ساقط.
وروى الحاكم (3/4636) حديث: لأقتلن العمالقة في كتيبة فقال له جبريل عليه السلام : أو علي قال : أو علي بن أبي طالب. علق الذهبي في التلخيص : إسمعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل وأبوه متروكان.
وروى الحاكم (3/4637) حديث: أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. وهو حديث باطل انظر: الفوائد المجموعة (293 و349) وتعليق المعلمي عليها والسلسلة الضعيفة (2955).
وروى الحاكم (3/4640) حديث: يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة حبيبك حبيبي و حبيبي حبيب الله وعدوك عدوي و عدوي عدو الله و الويل لمن أبغضك بعدي. وقال: صحيح على شرط الشيخين. علق الذهبي في التلخيص : منكر ليس ببعيد من الوضع. وانظر الضعيفة (10/4894) فقد حكم بوضعه.
وروى الحاكم (3/4643) عن أبي ذر قال : ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله و رسوله و التخلف عن الصلوات و البغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه. وعلق الذهبي في التلخيص : بل إسحاق بن بشر متهم بالكذب.
وروى الحاكم (3/4644) حديث قوله صلى الله عليه و سلم عن علي بن أبي طالب: هذا أمير البررة قاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله ثم مد بها صوته. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. وعلق الذهبي في التلخيص: بل والله موضوع. وحكم بوضعه غيرُه، انظر الضعيفة (1/357).
وروى الحاكم (3/4645) حديث: يا فاطمة أما ترضين أن الله عز و جل إطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين أحدهما أبوك و الآخر بعلك. وعلق الذهبي في التلخيص: بل موضوع.
وروى الحاكم (3/4646) حديث قوله صلى الله عليه و سلم عن علي : إنما أنت منذر و لكل قوم هاد قال علي: رسول الله صلى الله عليه و سلم المنذر و أنا الهادي. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. وعلق الذهبي في التلخيص : بل كذب قبح الله واضعه.
وأشياء أخرى كثيرة لا نطيل بتتبعها. فما رأي الأستاذ؟ هل تصحيح هذا الكم الهائل من الموضوعات والمنكرات في فضل علي مع ما نُقل عنه من الكلام في معاوية ومن معه لا يعني ميله للتشيع؟ نعم لم يبلغ مرتبة الرفض، لأنه مقر بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان وقد خرَّج فضائلهم جميعا. ثم رأيتك تتهم من ضعَّف حديثا في فضل علي بالنصب، فلماذا لا تتهم من صحَّحَ أحاديث كثيرة في فضله –وهي ضعيفة- بالتشيع المذموم؟ فالباب واحد.
وأما ما ذكرت من تشيع أهل الكوفة لتحتج به على جواز التشيع، وأن من التشيع ما هو محمود.
فأهل الكوفة أصناف يا أستاذ: منهم الرافضي كثوير بن أبي فاختة وعمرو بن ثابت بن هرمز الكوفي وعمرو بن شمر الجعفي وغيرهم، ومنهم الشيعي الغالي كمحمد بن فضيل بن غزوان الضبي وغيره، ومنهم الشيعي الخفيف كسفيان الثوري وسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة وأمثالهم. والتشيع الخفيف معناه مزيد محبة لعلي، وذكر فضائله وتفضيله على عثمان، والمبالغة في ذكر مثالب النواصب من بني أمية كيزيد وغيره، مع عدم التعرض للصحابة بما فيهم معاوية ومن معه بشيء، وتقديم أبي بكر وعمر.
وفرق شاسع بينك وبينهم، فتنبه.
قال الذهبي في تاريخ الإسلام (5/ 169): قلت: بهذا الاعتبار قال أحمد بن عبد الله العجلي في الشافعي: كان يتشيع، وهو ثقة. قلت: ومعنى هذا التشيع حب علي وبغض النواصب، وأن يتخذه مولى، عملا بما تواتر عن نبينا صلى الله عليه وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". أما من تعرض إلى أحد من الصحابة بسب فهو شيعي غال نبرأ منه، ومن تعرض لأبي بكر وعمر فهو رافضي خبيث حمار، نعوذ بالله منه.
وقد فصل الذهبي في ميزان الاعتدال (1/ 5) أصناف التشيع وضابط كل صنف، فقال: البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة. ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضاً فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله! حاشا وكلا. فالشيعي الغالي في زمان السلف وعُرْفِهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه، وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضال معثر. انتهى.
أي: الشيعي الغالي هو من طعن في معاوية وأصحابه من الصحابة وسبهم.
وقد قدمت أن الحكم عليهم بكونهم من أهل النار أعظم من سبهم. وبالتالي فمن حكم على معاوية وأصحابه بأنهم من أهل النار فهو شيعي غال. وليس تشيعه تشيعا محمودا، فافهم، والله أعلم.
وبقي في كلام رفيقي أشياء كثيرة، بعضها لا يصح وبعضها صحيح وُضع في غير موضعه أو فُهم على غير وجهه، وفي ما ذكرت كفاية. وقد بلغني أن أحدهم كتب كتابا ضخما في الرد عليه.
هذا ومن مشاريعي العلمية التي أشرت لها في بعض مؤلفاتي المطبوعة: "أحاديث فضائل علي رضي الله عنه عرض ونقد". وسأنقض ما بناه الرافضة حوله من الأساس، وأجعلهم عبرة لكل الناس. وطالما تجنبتُ الاشتباك مع المنتسبين للحركة الإسلامية -مع اختلافي معهم- لكي لا يستخدمه أعداء الإسلام وأعداء الشريعة لتحقيق مآربهم الخسيسة، لعلمي أنه لن يفرح به ويطرب له إلا الروافض والعلمانيون، ولعل فترة السجن التي قال فيها رفيقي هذا الكلام كانت فترة ضَعْف، فتمكنتْ من قلبه بعض تلك الشبهات، وعلى كل حال ومع كل ما قلت أتمنى أن يثلج صدورنا بتوبة صادقة تجب ما قبلها، وأن لا يستفزه الشيطان في الاستمرار في الباطل. وقد حدثني بعض المطلعين أن هناك شخصا آخر مشهورا يشارك رفيقي في بعض أقواله لكنه يتستر، فلعل ما ذكرت هنا يكون عبرة لهما. وأتمنى أن لا يصح ذلك عن المشار إليه. والله يوفقنا لما فيه خير.
وقد جريت في هذه الورقات على الحوار الهادئ والمجاملة ما أمكن، وأعددت لاستيفاء الحق عُدتَه إن أُلْجِئْتُ إليه. على حد تعبير المعلمي رحمه الله، والله المستعان. وإن عُدتم عدنا، وإن زدتم زدنا، وإن اعتذرتم قَبِلنا، وكم من مرة كتمت غضبي مما أسمع، وأتجرعه بمرارة شديدة أملا في تحقيق قول نبينا صلى الله عليه وسلم: الرفق ما كان في شيء إلا زانه. هذا ولم يحملني على الرد إلا رغبة في القيام بواجب النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أوجبه الله على عباده، ولم أر لي عذرا في تركه، ولم يحملني عليه تشف بأحد ولا ترصد للعثرات ولا رغبة في لفت الانتباه.

والحمد لله رب العالمين. وكتبه مصطفى باحو. سلا. المغرب.