أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( وفقه الله) وهي بعنوان :"هذا ما يجب على الآباء و الأمهات!"، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.

هذا ما يجب على الآباء و الأمهات!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الله جلَّ جلاله أسبغ بجوده وكرمه على عبادة مع تقصيرهم نعما كثيرة،لا تُعد ولا تحصى،قال تعالى:(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)[ النحل :18]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"(وإن تعدوا نعمة الله):عددا مجردا عن الشكر(لا تحصوها)فضلا عن كونكم تشكرونها، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات من جميع أصناف النعم،مما يعرف العباد،ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم،فأكثر من أن تحصى،(إن الله لغفور رحيم)يرضى منكم باليسير من الشكر،مع إنعامه الكثير،وكما أن رحمته واسعة،وجوده عميم،ومغفرته شاملة للعباد،فعلمه محيط بهم".تفسير السعدي(ص437)
ومن هذه النعم الكثيرة، نعمة خص الله بها من يشاء من خلقه ولو كان فقيرا،ومنعها عمن يشاء ولو كان غنيا ألا وهي نعمة الأولاد الذكور و الإناث،قال تعالى:(لله ملك السموات و الأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير)[الشورى: 49-50]
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"هذه الآية،فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى،ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور،حتى أن تدبيره تعالى،من عمومه،أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب التي يباشرها العباد ,فإن النكاح من الأسباب لولادة الأولاد،فالله تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء،فمن الخلق من يهب له إناثا،ومنهم من يهب له ذكورا،ومنهم من يزوجه،أي:يجمع له ذكورا وإناثا،ومنهم من يجعله عقيما،لا يولد له.(إنه عليم)بكل شيء (قدير)على كل شيء،فيتصرف بعلمه وإتقانه الأشياء،وبقدرته في مخلوقاته".تفسير السعدي(ص762)
أيها الأحبة الكرام إن بالشكر و الإيمان تدوم النعم،وبالجحود والعصيان تَحل النقم،قال تعالى:(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)[إبراهيم :7]
قال الإمام ابن كثير-رحمه الله- :"(لئن شكرتم لأزيدنكم)أي:لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها(ولئن كفرتم) أي:كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها(إن عذابي لشديد ):وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها".تفسير ابن كثير(2/524)
قال الشيخ الشنقيطي-رحمه الله-:"وبهذه المناسبة إن على كل مسلم أفراداً وجماعات،أن يقابلوا نعم الله بالشكر،وأن يشكروها بالطاعة والعبادة للَّه،وأن يحذروا كفران النعم".أضواء البيان (9/112)
إن من شكر هذه النعمة أيها الأفاضل أن نعتني بتربية أولادنا على تعاليم ديننا الحنيف،وأن نغرس في قلوبهم حب المصطفى صلى الله عليه وسلم،وحب سنته المطهرة كما كان يفعل سلفنا الصالح(رحمهم الله) حيث كانوا حريصين جدا على تعليم أبناءهم سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم ليتأسوا به، ويهتدوا بهديه،فعن علي بن الحسين-رحمه الله- قال:"كنا نُعَلَّمُ مغازي النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه كما نُعَلَّمُ السورة من القرآن".الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي ( 1591)
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد –رحمه الله- :"كان أبي يُعلِّمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعُدَّها علينا وسَرايَاه ،ويقول:"يا بني هذه مآثرُ آبائكم فلا تُضيِّعوا ذكرها".الجامع للخطيب البغدادي(1590)
أما في زمنا هذا و الله المستعان،فنرى بعض الآباء والأمهات إلا من رحم الله جلَّ وعلا، بدل حث أبنائهم على قراءة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم،وسيرة أصحابة الكرام(رضوان الله عليهم) وسيرة التابعين و العلماء الربانيين والصالحين، نجدهم يعلمونهم سير الفنانين والممثلين واللاعبين!،حتى وإن كانوا من الكفار!،وإنا لله وإنا إليه راجعون فترى الطفل حافظا لاسم اللاعب و اسم أبيه،مقلدا له في هيئته ومتأثرا بأخلاقه،والله المستعان،ولو طلبت منه أن يذكر لك أسماء العشرة المبشرين بالجنة من الصحابة -رضي الله عنهم-أو اسم أحدهم لما أجاب عن ذلك!،والله المستعان.
فينبغي أن نتق الله في أبنائنا وبناتنا ولا نربيهم على تقليد الكفار و نحذرهم من مشابهتهم ونبين لهم خطورة ذلك، ولنعلم أنهم أمانة في أعناقنا سنسأل عنها يوم القيامة،قال صلى الله عليه وسلم:"ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..".رواه البخاري(6719) ومسلم (1829) واللفظ له،من حديث عبد الله ابن عمر-رضي الله عنهما-.
ولنُربيهم على المحافظة على تعاليم الدين كالصلاة و الصدق و الأمانة واحترام الكبير وحب العلم و العلماء واختيار الرفقة الحسنة، ولنحذرهم من إضاعة الصلاة و الكذب وتضييع الأمانة ومصاحبة الأشرار وتقليد الفساق و الكفار، ومن سائر المعاصي و المحرمات،فإن في ذلك فلاح ونجاح لنا ولهم في الدنيا والآخرة بإذن الله.
أيها الكرام إنه مما يُحزن اليوم!ما نراه من شدة حرص بعض الآباء والأمهات على حضور أبناءهم للمدارس وأن لا يتغيبوا عنها وإذا حصل منهم ذلك قد يعاقبون! لكن في المقابل هذا والله المستعان لا نجد نفس الحرص عليهم في حضور المساجد للصلوات وحلقات الذكر! فما بالنا نهتم بالأمور الدنيوية؟! ونترك ما ينفع من الأمور الأخروية ! إن مما ينبغي أن نعلمه أن الطفل ينشأ في الغالب كما عوده المربي،وصدق من قال:
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منّا على ما كانَ عوّدهُ أبوهُ
أيها الآباء،أيها الأمهات الله الله في أبنائكم،احرصوا على تربيتهم التربية الإسلامية الصالحة، واحذروا من وسائل الإعلام الهدامة للأخلاق والمفسدة للقيم التي تسعى لإفساد فلذات أكبادكم عقائديا وأخلاقيا،فنحن في زمن صار الآباء مع أبنائهم كالراعي مع الغنم إن غفل عنها أكلتها الذئاب!واعلموا وفقكم الله أن حصادكم من زرعكم،وأن صلاح أبناءكم من الباقيات الصالحات التي تنفعكم بعد موتكم،قال صلى الله عليه وسلم:"إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثة، إلا من صَدَقَةٍ جَارِيَة أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صَالِح يَدْعُو له".رواه مسلم(1631) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-.
قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:"لأن غير الصالح لا يدعو لوالديه ولا يبرهما لكن الصالح هو الذي يدعو لوالديه بعد موتهما ولهذا يتأكد علينا أن نحرص غاية الحرص على صلاح أولادنا لأن صلاحهم صلاح لهم وخير لا حيث يدعون لنا بعد الموت".شرح رياض الصالحين (4/567)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يحفظ أبناء المسلمين في كل مكان من كيد الكائدين وشر المفسدين وأن يحببهم في دينهم القويم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الكريم،فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي