أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المصور:
معناه وأصله في كلام العرب:
يقول ابن فارس: ( صورة كل مخلوق والجمع صور وهي هيئة خلقته والله تعالى البارئ المصور ويقال رجل صّير إذا كان جميل الصورة ).
فالصورة هي الهيئة والمصور هو الذي يشكل ويعطي كل مُصور هيئته التي تناسبه وتليق به.
التصوير يطلق على التخطيط والتشكيل فإذا قلت صوره أي جعل له صورة أو شكلا أو نقشا معينا.
فالتصوير إذن في كلام العرب هو صناعة الصورة.
سمى الله عزوجل نفسه بهذا الاسم الكريم في موضع واحد وهو في سورة الحشر في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )

وأما ما ذكره الله عزوجل في كتابه في أنه يفعل التصوير ويصور ما شاء فقد ورد ذلك في مواضع من كتاب الله تعالى متعددة , وهي تدور على معنى واحد أو معنى مقارب.
فمن ذلك:
أن الله تبارك وتعالى قال في سورة آل عمران: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فهو يخبرنا جل وعلا عن كمال علمه وقدرته وإرادته حيث إن الله عز وجل رد في هذه الآية على النصارى الذين زعموا أن عيسى عليه السلام هو ابن الله و1لك أن عيسى أعطاه الله عزوجل من القُدر والإمكانات التي كانت من قبيل المعجزات فكان من ذلك أن عيسى صلى الله عليه وسلم يخلق من الطين هيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله عز وجل.
إذا كان الله عز وجل هو الذي يصور المخلوقين في الأرحام كيف يشاء ومعلوم أن عيسى عليه السلام هو من جملة المخلوقين فهو إذا من جملة المصّوَرين , فكيف يكون المصّوَر كيف يكون مصِّور , وكيف يكون المربوب المخّلق الذي خلقه الله عز وجل كيف يكون خالقا مبدعا موجدا للخلائق من عدم وهو مخلوق؟ .
جاء أيضا إضافة التصوير إلى الله تبارك وتعالى في آية أخرى من سورة الأعراف وهي قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ ).
( ولقد خلقناكم ): متى كان هذا التصوير ومن هو المعني بذلك؟ هل هو آدم أم المراد بذلك الذرية ؟ هذا خلاف بين السلف , والحاصل أنها يمكن أن تفسر أنها خطاب لجميع المخلوقين.
وجاء أيضا في قوله تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) وذلك في موضعين في كتاب الله عز وجل , والموضع الأول في سورة غافر , والثاني في سورة التغابن , ومعناها: أي أن الله خلقنا في أحسن صورة وأجمل هيئة وفضلنا في هذا الخلق على كثير ممن خلقت حلت قدرته وتعالت أسماؤه وصفاته , فجعل رأس الإنسان إلى أعلى ورأس البهائم إلى أسفل.
جمع الله لنا حسنا في التصوير الظاهر والباطن , فأما الظاهر فهذا التصوير الشكل الذي نراه في أحسن هيئة من جمال الوجه وحسن المنظر , ووضع كل عضو في مكان اللائق به فلم يقلب في شيء من هذه الأعضاء ولم ينكسها , وأما جمال الباطن فيما خص الله به هذا الإنسان وحباه من العقل الذي يفكر به , وميزه بالأدب والأخلاق.
جاء أيضا في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ) والخالق هو المقدر في هذه الآية , والبارئ هو الذي أوجد ما قدر على وفق تقديره فأبرزه في الخارج وأوجده , وأما التصوير فهو أن الله أعطاه هيئة مناسبة وشكلا لائقا به.
الآية الأخيرة هي قوله تعالى: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) في سورة الانفطار , والمعنى: أن الله تعالى يركب هذا المخلوق في أي صورة يختارها على حسب ما تقتضيه حكمته جل وعلا.
بهذا يتبين أن التصوير في هذه الآيات الست كلها يدور حول معنى واحد وهو التخطيط والتشكيل وإعطاء الإنسان هذه الصورة الظاهرة مع المعنى الحسن الباطن من الأخلاق الكريمة والمعاني الطيبة.
ورد في كتاب الله عز وجل إضافة التصوير إلى الله تبارك وتعالى بغير لفظه يعني بألفاظ أخرى ومن ذلك:
قوله عن النطفة التي يخلق منها الإنسان والعلقة والمضغة قال: (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) يعني أن هذه المضغة التي هي قطعة من لحم بقدر ما يمضغه هذا الإنسان , (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) السلف لهم أقاويل كثيرة في معناها ومن أقاويلهم الشاهد هنا:

( مخلقة ) أي مصورة واضحة المعالم , ( غير مخلقة ) أي التي لم يظهر فيها التصوير والتخطيط والتشكيل , ونحن نعلم أن هذه المضغة إذا مضى عليها ثمانون يوما أنه يبدأ بعد ذلك فيها التخطيط والتشكيل فالعيون تكون نقط واليد والرجل وما شابه ذلك هي عبارة عن خطوط ثم بعد ذلك يبدأ تميز أعضاء الإنسان أكثر وتنفصل هذه الأعضاء فتكون اليد منفردة كما ترون ثم بعد ذلك يكتمل خلقه على وفق ما أراد الله عز وجل.
ومن هذه الآيات قوله تعالى: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ) ومما قيل في معناها أي: فصورنا فنعم المصورون.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) فقد قال بعض السلف ( فقدر فهدى ) أي الذي صور صورا حسنه ثم هدى هذه المخلوقات المصورة إلى ما يصلحها وما يكون فيه بقاؤها وقوامها وما يكون سببا لمجانبتها للمضار.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) فكثير من السلف يقولون أي أنه خلق في أحسن صورة وفي أتم شكل.
وكذلك قوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) فبعض أهل العلم يقولون في معناه ( فإذا سويته ) أي صورته وجعلته على صورة البشر من الطين ثم بعد ذلك نفخت فيه فصار إنسانا فيه الروح , ومعلوم أن الله قد أخذ قبضة من طين الأرض ثم بُلّ هذا التراب بالماء فصار طينا , ثم ترك مدة فصار حمأَ ( يعني طينا متغيرا يميل إلى السواد وفيه رائحة متغيرة ) ثم بعد ذلك صوره الله عزوجل وشكله إلى هيئة إنسان ثم ترك فصار فخارا لما جف , هذه أطوار الإنسان التي أخبرنا الله عزوجل عنها في القرآن الكريم وبعد ذلك نفخ الله به الروح.
إذا عرفت يا عبدالله أن الله عز وجل هو المصور فإن ذلك يؤثر في سلوكك وفي قلبك وفي عملك آثارا لا تخفى , ومن هذه الآثار:

أن العبد لا يجترئ على الله عزوجل فيضاهئ بخلقه فيصور الصور التي حرم الله عزوجل تصويرها , وقد أخرج الشيخان من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ) , وجاء أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها المخرج في الصحيحين قالت: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الستارة تلون وجهة وقال يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهؤون بخلق الله , قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين ) والسهوة هي الصفة تكون بين يدي البيت وثيل هي الطاق النافذ في الحائظ أي هي النافذة , ومعلوم أن الذي يكون على الستار شيئا من قبيل الرسم ولا يكون من قبيل التماثيل المجسمة, ومعلوم أن التمثال يطلق على الصورة المجسمة والغير مجسمة وهذا الدليل صريح في أن التصاوير المحرمة لا يشترط أن تكون من المجسمات وإنما يكفي أن تكون من المصورات سواء كان ذلك تطريزا في الثياب أو كان رسما على الورق أو غير ذلك مما يدخل في اسم التصوير فإن كان من المجسمات فهذا أشنع وأشد.
فدل هذا الحديث على تحريم التصوير وأنه من الكبائر بل من أعظم الكبائر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أصحابه من أشد الناس عذابا يوم القيامة ثم أن هذا لا يقتصر على الذي صورها وإنما يلحق هذا الحكم من اتخذها أيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة رضي الله عنها هذا الإنكار وتغير هذا التغير.
وأخرج الشيخان أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل مصور في النار يجعل له في كل صورة صورها نفس فيعذبه في جهنم ) , وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث لرجل سأله عن صنعة وعن مهنة امتهنها وأنه يرتزق من التصوير , فقال له ابن عباس لا أحدثك إلا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث , فتغير وجه هذا الرجل وربى ربوة ( يعني انتفخ وكأنه تنفس بقوة مما ينبئ عن ضيقه ومضجره بما سمع ) , فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: ويحك إن كنت فاعلا لا محالة فعليك بهذا الشجر والحجر مما لا روح له , أو كمال قال رضي الله عنه.
وأيضا أخرج الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من صور صورة في الدنيا كُلّف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ).
وأخرج الشيخان أيضا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ).
وأيضا أخرجا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أن الله تعالى قال: ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي..) الحديث. وهذا الاستفهام مضمنا لمعنى الإنكار والنفي كما لا يخفى , وهو بمعنى لا أحد أظلم ممن ذهب يخلق كخلق الله عزوجل.
وأخرجا أيضا عن طريق أبي طلحة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ).

وفي الحديث المشهور عندما تأخر جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في بعض زياراته له كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل أن يأتيه فراث عليه ( أي تأخر جبريل ) حتى اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فلقيه جبريل عليه السلام فشكا إليه فقال جبريل: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة. وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.
وأخرج مسلم أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعة أن يأتيه فجاءت تلك الساعة فلم يأته , قالت: وكان بيده عصا فطرحها من يده وهو يقول ما يخلف الله وعده ولا رسله , ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره فقال: متى دخل هذا الكلب , فقلت: والله ما دريت به , فأمر به فأخرج , فجاءه جبريل عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعدتني فجلست لك ولم تأتني , فقال جبريل: منعني الكلب الذي كان في بيتك , إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة ) فهذا كلب صغير دخل من غير علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علام أهل بيته مع ذلك امتنع جبريل عليه السلام عن الدخول , مع أن بيت الرسول صلى الله عليه وسلم هو أشرف البيوت على الإطلاق , فكيف بالبيوت التي تعج بأنواع المنكرات وبألوان التصاوير المعلقة على الحيطان , ولربما كانت تصاوير أفجر الخلق من المغنيين والممثلين والماجنين وما إلى ذلك من السفلة في المجتمعات , فكيف تدخل الملائكة مثل هذه البيوت؟!.
وأيضا أخرج الإمام مسلم من حديث أبي الرياح حيان بن حصين قال قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( ألا أبعثك على ما جعلني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته )

فدلت هذه الأحاديث على تحريم التصاوير وعلى تحريم اتخاذها وعلى تحريم تعليقها وعلى تحريم أن يقوم العبد بتصوير شيء منها والمقصود بذلك أي من ذوات الأرواح.
التصاوير: هذا اللفظ يشمل كل ما يصدق عليه أنه تصوير في كلام العرب , والأصل في حمل ألفاظ الكتاب والسنة على أن تحمل على ظاهرها , العام منها يحمل على عمومه ولا يخصص إلا بدليل يدل على تخصيصه , والأحاديث التي وردت في هذا المعنى من تأمل فيها ونظر فيها وجد أن التصاوير إنما حرمت لعلل وأعظم هذه العلل وأكبرها هما علتان:
1- مضاهاة خلق الله عز وجل.
2- أنها مظنة لأن تعبد من دون الله عز وجل.
ومعلوم أن أول كفر وقع في العالم هو كفر قوم نوح عليه السلام حيث أنهم صوروا التصاوير لقوم صالحين ثم تطاول بهم الزمان فزين لهم الشيطان عبادتهم فعبدوهم من دون الله عز وجل , وبقي فيهم نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وهم يصرون على كفرهم , وهذا يدل على خطر هذه التصاوير وأنها باب واسع وذريعة عظيمة من ذرائع الشرك.
ولذلك يقال هذه التصاوير بجميع أنواعها محرمة لأنها مضاهاة لخلق الله سواء كانت رسما باليد أو تماثيل مجسمة أو كان تصوير بالكاميرا بجميع أنواعها حتى ما يقال له كاميرة الفيديو , فكل ذلك يقال له تصاوير لغة , واللفظ يصدق عليها جميعا , ومن قال أنها ليست تصاوير فعليه بالدليل , لأنه لا يجوز إخراج شيء من العام أو مما دخل تحت العموم إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
ومن قال بأن هذه التصاوير ليس فيها مضاهاة لخلق الله عز وجل , لو سلمنا جدلا أن ليس فيها مضاهاة لخلق الله عز وجل على سبيل التنزل لبقيت العلة الأخرى ظاهرة.
2- ومما يؤثر هذا الاسم الكريم في العبد أنه إذا عرف هذا فإنه لا يغتر مما أعطاه الله من حسن الخلق وكماله ووفور الجمال والخصائص التي تميزه عن سائر الناس وإنما يتواضع لله عز وجل ويزداد شكرا له ويحمده على هذا الإنعام والأفضال الذي حباه الله عز وجل به.

ومعلوم أن الإنسان لا يشكر بحال من الأحوال على الأوصاف التي لا يد له فيها أو على الأمور التي لا يد له فيها , وإنما يشكر على ذلك هو من أسداها وأعطاها فالإنسان لا يُشكر على بياضه أو على طوله أو على حسن هيئته ونحو ذلك لأن هذا أمر ليس له يد فيه لا من قريب ولا من بعيد , وإنما يُشكر الإنسان على الأوصاف الاختيارية إن هو اتصف بها بطوعه واختياره وجاهد نفسه وحملها على هذه الأمور , فالإنسان يشكر على صبره وكرمه وتحمله وغير ذلك , وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول إذا سجد في سجود التلاوة ( سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين ) أخرجه الإمام أحمد والترمذي والحاكم بإسناد صحيح.
3- ينبغي على العبد أن يشتغل بإصلاح الباطن , فإن حسن الظاهر إن كان من غير صلاح في الباطن فإن ذلك صورة لا معنى لها , وإنما يكمل هذا الحسن ويتم إذا سعى العبد في تصحيح باطنه وفي تقويم نفسه وتهذيبها على طاعة الله عز وجل ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وابن مسعود رضي الله عنه فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( اللهم كما أحسنت خَلقي فأحسن خُلقِي )
4- أن العبد إذا عرف أن التصوير من خصائص الله عز وجل فلا يشتغل في عيب أحد في خلقته , لأن عيب الصنعة إنما هو عيب لصانعها , فالإنسان لم يتدخل في هيئته الظاهرة , وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث الشريد رضي الله عنه في خبر الرجل الذي قد أسبل إزاره فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر إزاره قال له ارفع إزارك واتق الله , فقال: إني أحنث تصطك ركبتاي , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفع إزارك فإن كل خلق الله عز وجل حسن ) والحنث هو ميل في الساقين.
وإنما يُذم الإنسان في الأمور التي اختارها كأن يكون جبانا أو بخيلا أو كذابا.

5-أن يرضى العبد بما قسم الله عز وجل له فلا يتدخل في تغيير خلق الله لا في قليل ولا في كثير , والله عز وجل أخبرنا عن الشيطان حينما توعد وتوعد فقال الله عز وجل عنه: (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ) فتغيير خلق الله عزوجل وتبتك آذان الأنعام كل ذلك تعد على اسم الله عزوجل المصور.
ومن هنا لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الشيخان : (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المتغيرات خلق الله ).
والواشمة: هي التي تصنع الوشم لغيرها , والمستوشمة هي التي تطلب أن يفعل فيها ذلك , والوشم هو أن يؤتى بإبرة أو نحوها فيدق بها الجلد ثم بعد ذلك يوضع في مكانه كجل أو نحو ذلك من لون من الألوان , فيبقى هذا اللون لا يفارقه أبدا , وهذا لا يجوز سواء كان رسما أو كتابة أم غير ذلك.
والواصلة: هي التي تعمد إلى شعر فتصل فيه شعرها , لأنه قصير أو لأنه ممزق أو غير ذلك , ولربما دخل فيه ولا شك أنه داخل في تغيير خلق الله اللاتي يزرعن الشعر الصناعي , أما التي تزرع البصيلات فهذا لا إشكال فيه , فهو من باب الطب والعلاج المباح.
والمتنمصة :وهي التي تزيل شعر الحاجب أو هي التي تزيل شعر الوجه وذلك طلبا للحسن فيبدو الحاجب دقيقا بعد أن كان عريضا مثلا , أو أنها تعمد إلى شعر وجهها فتزيل هذا الشعر بملقط أو غير ذلك عبر الليزر أو غير ذلك من الأشياء الحديثة التي يزال به الشعر في هذا العصر.

وإذا كان هذا الحكم فيما يتعلق بالمرأة , فما باله إذا كان صادرا من الرجل؟ , إذا حلق الرجل لحيته فكيف يكون الشأن في حقه إذا كانت المرأة ملعونة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أزالت شيئا من شعر وجهها مع أن من طبيعة المرأة الحسن والرقة والنعومة , وهي تبحث عن الجمال؟ , قال تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) فإذا عمد الرجل وأزال شعر لحيته التي أمر الله بإبقائها فهو مذموم من باب أولى , كيف إذا فعل الرجل عمليات التجميل وإزالة الشعر , وإذا قام بالنمص لحاجبه؟ , وما كنا نظن أنه يأتي يوم يعمد الرجل إلى مثل هذا الفعل ولا يكاد الإنسان يصدق لولا أن بعض الإخوان يؤكدون ذلك.
ثم يدخل بذلك كل من تشبه من الرجال بالنساء سواء إما بحلق لحيته أو بالنمص أو بغير ذلك , وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( لعن صلى الله عليه وسلم المشتبهين من الرجال بالنساء والمشتبهات من النساء بالرجال ) فهؤلاء لم يرضوا بما أعطاهم الله عز وجل من الخلق فهم غيروا خلق الله , فيدخل في ذلك أيضا الذين يقومون بعمليات جراحية ليتحول إلى امرأة والمراة التي تريد أن تتحول إلى رجل , طبعا هذا غير الحالات التي يجوز فيها ذلك , كأن يكون الرجل أصلا هو رجل لكن لم يظهر ذلك إلا بعد مدة فلا بأس , ولكن أتحدث عن أقوام قد مُسخت فطرهم وأراد أن يتحول إلى امرأة , وكذلك الذين يأكلون هرمونات فيظهر لهم ثدي أو غير ذلك , وغير ذلك من الأمور التي يفعلها من لا خلاق له.
والمتفلجة : هي التي تقوم بمبرد أو غير ذلك فتفرق بين الأسنان , بين الرباعيات مثلا وبين الثنايا , فتفرق بينهما فيبقى كل سن بمفرده , ويدخل فيه عمليات تقويم الأسنان إلا الحالات الطبية فقط التي تقتضي تدخل الطبيب , أما الذين يفعلون ذلك لمجرد الزينة ولتنظيم الأسنان بشكل جميل ونحو ذلك فهم داخلون في هذا المعنى ولا شك.
ومما يدخل أيضا في تغير خلق الله عز وجل مما أبدعه الطب الحديث اليوم تطويل القامة أو تقصيرها , فبعض الناس يطولون أنفسهم بعمل عملية فيطيل الفخذ أو الساق أو اليد أو نحو ذلك لأمر من الأمور , وكذلك يدخل فيما يسمى بالهندسة الوراثية الذين يتدخلون في تكوين الإنسان في أول خلقته ونشأته , ويدخل فيها أشياء كثيرة جدا من عمليات التجميل كتكبير الثديين وتصغيرهما , وكذلك شد الوجه وشد الترهلات التي في الجسم بطريقة أو أخرى , إما بعمليات جراحية أو بدهونات أو أمور غير ذلك , فتبدو المرأة الهرمة التي قد أثر الزمن والدهر في وجهها , تبدو مشدودة الوجه كأنها فتاة!! وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر!! فتبدوا قبيحة وإن ظنت أنها جملية.
ومما يدخل فيه تكبير الأنف أو تصغيره وهو الغالب , وتكبير الشَفَه أو تصغيرها , وكذلك ما يسمى بالرموش الصناعية , وغير ذلك أمور كثيرة جدا مما يقال له عمليات التجميل كتدوير الفخذين وغيرها من الأمور التي يفعلها كثير من الناس في هذا العصر.
فأقول إذا عرفت وآمنت أن الله هو المصور فينبغي ألا تتدخل في هذه الأمور , وأن ترضى بما قسم الله عز وجل لك , وأن تتذكر أن خلق الله حسن , فلا تعمد إلى تغيير شيء من خلقه.
أسأل الله عز وجل أن يجمل لنا بين حسن الخَلق وحسن الخُلق.