بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكريم التواب, العظيم الوهاب, غافر الذنب لمن تاب, تفرد بالعظمة والجلال, و اختص بالهيبة و الكمال

نحمده و نشكره سبحانه و تعالى على كل إحسان, ونستغفره و هو الغفور المنان

ونشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من العذاب
ونشهد أن سيدنا ونبيينا محمد عبده و رسوله النبي الأواب,صلى الله عليه و على آله وصحبه صلاة و سلاما دائمين إلى يوم المآب

أما بعد

مقدمة

عباد الله! إن من الإيمان تفويض الأمر لله والاعتماد عليه في شئون الحياة، واستمداد العون منه في الشدة والرخاء، والاعتقاد بأنه الإله المدبر للملك الفعال لما يشاء، بيده وحده العطاء والمنة، والهزيمة والنصر، والتقدم والتأخر لا إله إلا هو،، التوكل على الله زاد المؤمنين يثبتهم عند الفزع، ويدفعهم إلى الإقدام، ويملأ قلوبهم بالعزة عند السؤال، المؤمن الحق يجد في التوكل على الله راحة نفسية وطمأنينة قلبيه، فإذا أصابه خير علم أنه هو الله المدبر الذي ساقه إليه، فحمده وشكره فكان خيراً له، وإن أصابته شدة أيقن أن الله هو الذي أصابه بها اختباراً له وابتلاءً، فصبر واسترجع فكان خيراً له }قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {[التوبة:51]^.

معنى اسم الله الوكيل

ما معنى التوكل:
أن تفعل كل ما تستطيع، ثم تقول لله: "وكلتك يارب"، فتنام وتستريح. ولكن الشرط هو أن تفعل كل ما تستطيع، أي أن تبذل كل مجهودك ثم تقول سلمت لك الأمر يارب.. توكلت عليك يا رب

أما الله سبحانه و تعالى فهو الذي يعرض عليك ان تتخذه وكيله فهو القائل " فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا " (الآية 9 سورة المزمل) بشرط أن تؤدي كل ما عليك.
من المعاني الجميلة في القرآن أن كل مرة يُذكر فيها اسم الله الوكيل أو التوكل يُذكر معها دلائل قدرة الله في ملكه وكونه كي يقول لك أنه سبحانه الخبير القدير فكيف لا نتوكل عليه؟! فالله يطمئنك فهو لا يمكن أن يضيعك إذا توكلت على المالك العظيم المهيمن.

وأستمع إلى الآيات التي ترغبك في التوكل : " َلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ" (الآية 123 سورة هود ) فغيب السموات والأرض بيده اطمئن، " رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا " (الآية 9 سورة المزمل) فهل احتياجاتك تخرج عن نطاق المشرق والمغرب؟ فكل مشكلة لها عند الله حلا. وأنظر إلى الهدوء النفسي الذي يسودك ويحل محل القلق والتوتر.

فأحيانا تصبح على مصيبة، حينئذ ليس لك إلا ن تتوكل على الله. ونحن جميعا محتاجون لتطبيق هذا الكلام…

فسبحان الذي يعرض ملكهُ على الضعفاء والمساكين. وأنظر إلى حلاوة هذه الآية " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ " (الآيات 217-219 سورة الشعراء) فهو يقول لك لماذا تذهب إلى غيري وأنا موجود!! ليس معنى هذا أن تتقاعس فأنت تتحرك وتبذل وأنت تعلم أن الله هو الذي سيقضي لك الأمر. واستمع إلى هذه الآية " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ " (الآية 58 سورة الفرقان ) فكيف تتوكل على الأموات وهو الذي لا يموت. وانظر إلى الآية الأخرى " ذََلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ " ( الآية 102 سورة الأنعام )

والآن مامعنى كلمة الوكيل؟
هو الذي يتولى بإحسانه شئون عباده فلا يضيعهم ولا يتركهم ولا يكلهم إلاغيره " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " (الآية 3 سورة الطلاق ) فهو لا يمكن أن يضيعك، فهو حسبك أي كافيك من كل الشرور، فأنت عندما تقول هذه الجملة، فإنك تمضي عقد الوكالة مع الله، ولكن ليس باللسان فقط، بل بكل حواسك، وأنت مطمئن. واستمع إلى قول الله تعالى" َفَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " ( الآية 129 سورة التوبة) أي عندما يتركك الناس ويهجروك فلا تخف " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " ( الآية 173 سورة آل عمران )، ولقد نزلت هذه الآية في أصحاب النبي بعد غزوة أحد. فبعد ما أصابهم من آلام ومصاعب، يعلم الرسول أن قريش تعد العدة للعودة فيعلن أنه ذاهب للقائهم مع الصحابة وهم على هذه الحالة، فتبعث لهم قريش من يخوفهم ويقول لهم أن قريشا قد لبست جلود النمور، وجمعت العرب على حربهم فينطق الرسول والصحابة بـ "حسبنا الله و نعم الوكيل" فرجع إلى قريش خائفا وهو يقول أن محمداً وأصحابه يقولون كلاماً وسيأكلونكم أكلا، فنزلت بقية الآية " فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم " ( الآية 174 سورة آل عمران )

"حسبنا الله ونعم الوكيل " قالها إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار.. قالها موسى عليه السلام عندما قال له أصحابه إنا لمدركون.. قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال له الناس " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم "

دلائل التوكل: كيف تعرف أنك تتوكل بقلبك؟

1- استشعار اسم الوكيل في الظروف الصعبة: قصة سيدنا إبراهيم عندما ألقوه في النار، كان عمره ستة عشر عاماً عندما قرر أن يكسر الأصنام " ُقَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيم " (الآية 60 سورةالانبياء) ، " قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ " (الآية 68 سورةالانبياء) أنظرإلى الغل، ثم بنوا له بنياناً خارج البلدة، بنياناً وليست حفرة عادية، وظلوا يبنوا فيها عدة أشهر، وإبراهيم حبيساً، ولكنه لم يكن خائفاً. شارك في هذا البناء كل الناس حتى أبوه وعمه، فمن لك يا إبراهيم غير الله؟! أنظر إلى هذا الموقف الرهيب فالكل الآن يشارك في البنيان وإشعال الحطب والنيران، ويأتي إبراهيم مقيداً..!! – ويؤتى بإبراهيم وهو يردد طوال الطريق "حسبي الله ونعم الوكيل"، ويأتيه جبريل عليه السلام ويقول له " ألك حاجة ؟ " فيجيبه إبراهيم عليه السلام " أما لك فلا يا جبريل، وأما إلى الله فنعم.. حسبي الله ونعم الوكيل "، ثم دخل النار وخرج منها بعد أيام!! ماذا حدث؟! " قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ" (الآية 69 سورةالانبياء)، أي يا نار غيري خواصك لتكوني برداً وسلاماً على إبراهيم، ولو كانت برداً فقط لمات من شدة البرد، ولو قال لها كوني برداً وسلاماً فقط لأصبحت كذلك إلى يوم الدين. إذن أهم نقطة هي الاستشعار بالوكيل في ساعات الضيق، فالتوكل هو الاسترسال مع الله حيث يشاء.

2- الاختبار: أحياناً يغلق الله عليك أسباب الدنيا التي تعتمد عليها حتى يرى هل تضع كل آمالك في الوكيل أم لا.. ففلان يستقيل، والآخر يتوفى. النبي صلى الله عليه وسلم في أصعب فترات الدعوة يتوفى عمه أبو طالب الذي كان بمثابة السند والحماية، وتتوفى زوجته السيدة خديجة التي كانت مصدر الحنان والرعاية.. لماذا؟! حتى يقول له الله سبحانه.. من لك غيري يدافع عنك؟

3- لا تأكل حراما: " من أكل فلساً من حرام فليس بمتوكل " فأنت عندما أكلت مالاً حراماً صرت غير مؤمن بأنه الوكيل بأرزاقك. انظر إلى مَثل الجنين الذي في بطن أمه.. كان مصدر رزقه الوحيد هو الدم، فعندما خرج إلى الدنيا بكى، لأن مصدر الرزق انقطع، فإذا بالله يبدله بمصدرين للرزق.. ثديي الأم. وبكى عند الفطام لفقدانه اللبن، فوجد أن الوكيل قد أعد له أربعة مصادر للرزق.. لحوم وأسماك واللبن والمياه. وعند الموت يبكي لفقدان مصدر الرزق، فتجده أعد للمؤمنين ثمانية أبواب للجنة! فكل مرة تبكي فيها تجد ان الوكيل قد أعد لك مصادر رزق أكثر.

4- ألا تبالغ في الخوف على المستقبل: كلنا نخاف على المستقبل ولكن لا تبالغ في حرصك، فلا تكونن من المبالغين، والأمهات أكثر من يتعبن من أجل أبنائهن، وقد كان رزقهم يأتهيم وهم أجنة في بطونهن.. انظر إلى معجزة المشيمة، التي تسمح بأختلاط دم الأم والأبن دون أي ضرر لكليهما، فهي كالفلتر تأخد الأشياء المفيدة من دم الأم كالمعادن والبروتينات حسب طور نموه، وتمنع دخول العناصر الأخرى التي ليس لها فائدة للجنين، أو قد تضره، ثم تأخذ الأشياء الضارة من الجنين كالبولينا ويطرحها على دم الأم، وكأن المشيمة عاقلة!! كما تفرز أشياء ليساعد جسم الأم على تقبل الجنين. فهو سبحانه وتعالى وكيل به.

5- أن تتحرك في الحياة بجسمك وأنت تسلم قلبك للوكيل

فضل التوكل في القرآن و السنة

من فضل التوكل في القرآن أن الله أمر فيه رسوله بالتوكل في تسع آيات وكذلك أمر المؤمنين عامة بالتوكل وكذلك التوكل خلق الرسل جميعاً .

و ورد فضل التوكل في السنة.عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت والجن والأنس يموتون) رواه البخاري ومسلم وأحمد. وعن الأوزاعي قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أسألك التوفيق لمحابك من الأعمال وصدق التوكل عليك وحسن الظن بك) قال شعيب الارنؤوط: ضعيف أخرجه أبو نعيم في الحلية عن الأوزاعي مرسلاً والحكيم الترمذي عن أبي هريرة. وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته واستهداك فهديته واستغفرك فغفرته) مروي في كنز العمال ومسانيد الجامع الكبير

نماذج من المتوكلين

• السيدة هاجر: يترك سيدنا إبراهيم السيدة هاجر وابنها الرضيع في الصحراء " بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ " (الآية 37 سورة ابراهيم) مثولاً لأمر الله تعالى دون أن يعرف الأسباب، فهذا اختبار ثاني في التوكل لإبراهيم، وهاجر تقول له " لمن تتركنا يا إبراهيم؟ " فلا يرد، فتقول " آلله أمرك بهذا؟ " فيشير برأسه أن نعم، فقالت " إذن لن يُضيعنا ".

• موقف النبي صلى الله عليه و سلم :وهو نائم تحت الشجرة عند عودته من غزوة ذات الرقاع، فيأتي أحد الكفار ويضع السيف في رقبتة ويقول له " يا مُحمد من يمنعك مني؟ " فيقول له النبي "الله" يمنعك مني، فسقط السيف من يد الرجل، فأخذه الرسول ووضعه في رقبته وقال له " وأنت من يمنعك مني؟ " فقال له " يا مُحمد كن خير آخذ "، فقال له النبي " أتشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله؟ "، قال "لا"، فقال له " إذن لا تُعين علي أحداً "، قال" نعم"، فقال له "أذهب".

• قصة حماد بن مسلمة: كان يمر على بيت جارته الأرملة الفقيرة والجو مُمطر، فسمع صوتها وهي تقول "يا لطيف ألطف بنا" فأنتظر حتى انتهى المطر فطرق الباب وقال لها "هذه عشرة دنانير اجعليها في حاجتك" فإذا بالبنت اليتيمة تقول لها "يا أماه لما رفعت صوتك فجعلت حماد بيننا وبين الله؟ " فأجابتها " لم أرفع صوتي و لكن الوكيل أتى به "