أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) ﴾ [سورة البروج]
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: ((في هذه الآيات من العبر: أن الله سبحانه وتعالى قد يسلط أعدائه على أوليائه، فلا تستغرب إذا سلط الله عز وجل الكفار على المؤمنين وقتلوهم وحرقوهم، وانتهكوا أعراضهم، لا تستغرب فلله تعالى في هذا حكمة، المصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم، وهؤلاء الكفار المعتدون أملى لهم الله سبحانه وتعالى ويستدرجهم من حيث لا يعلمون، والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل لإخوانهم، فمثلا نحن نسمع ما يحصل من الانتهاكات العظيمة، انتهاك الأعراض، وإتلاف الأموال، وتجويع الصغار والعجائز، نسمع أشياء تبكي فنقول: سبحان الله ما هذا التسليط الذي سلطه الله على هؤلاء المؤمنين؟ نقول يا أخي لا تستغرب فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا أمثالا فيمن سبق يحرقون المؤمنين بالنار، فهؤلاء الذين سلطوا على إخواننا في بلاد المسلمين هذا رفعة درجات المصابين، وتكفير السيئات، وهو عبرة للباقين، وهو أيضا إغراء لهؤلاء الكافرين حتى يتسلطوا فيأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر)) سبحان الله، وكأنه يتكلم عن إخواننا في سوريا الحبيبة، نسأل الله أن يثبتهم، وأن يرفع عنهم البلاء.
ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ((ولهذا سلط على أنبيائه وأوليائه ما سلط عليهم من القتل، وأذى الناس، وظلمهم لهم، وعدوانهم عليهم، وما ذاك لهوانهم عليه ولا لكرامة أعدائهم عليه، بل ذاك عين كرامتهم وهوان أعدائهم عليه، وسقوطهم من عينه، لينالوا بذلك ما خلقوا له من مساكنتهم في دار الهوان، وينال أولياؤه وحزبه ما هُيِّئ لهم من الدرجات العلى، والنعيم المقيم فكان تسليط أعدائه وأعدائهم عليهم عين كرامتهم، وعين إهانة أعدائهم)) إلى آخر كلامه النفيس رحمه الله تعالى رحمة واسعة في كتابه الحافل مفتاح دار السعادة (2/ 489).
وكلما رأيت أعداء السنة يصورون قتلهم وتعذيبهم للمؤمنين، ويتفكهون بذلك، فتذكر قول الله: ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾، يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: ((وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب، وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها، والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا خصلة يمدحون عليها، وبها سعادتهم، وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد)) اهـ.

وقال الله تعالى: ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ﴾ [سورة العنكبوت]
قال ابن عطية رحمه الله بعد ذكر سبب نزول الآية: ((وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب أو ما في معناه من الأقوال فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من الله تعالى باقية في ثغور المسلمين بالأسر، ونكاية العدو، وغير ذلك. وإذا اعتبر أيضا كل موضع، ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن، ولكن التي تشبه نازلة المسلمين مع قريش هي ما ذكرناه من أمر العدو في كل ثغر)). قال القرطبي معلقا: ((قلت: ما أحسن ما قال، ولقد صدق فيما قال رضي الله عنه)).
ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: ((وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة، جاء مبيّنًا في آيات أُخر من كتاب اللَّه؛ كقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ ، وقوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾، وقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، إلى غير ذلك من الآيات))

هذا ليعلم إخواننا جميعا أن ما يحدث اليوم قد حصل لمن قبلنا، وليعلموا أن الابتلاء يكون على قدر الإيمان، وأن ابتلاء المؤمنين بتسليط الكافرين عليهم سنة من سنن الله، وسننن الله لا تتبدل، فنحن عندما ندرس تاريخ من سبق لا نفعل ذلك تسلية أو تمضية للأوقات، بل ندرسه لأخذ العبر، وإدراك سنن الله.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((ومن هذا الباب صارت قصص المتقدمين عبرة لنا، ولولا القياس واطراد فعله وسنته لم يصح الاعتبار بها، لأن الاعتبار إنما يكون إذا كان حكم الشيء حكم نظيره، كالأمثال المضروبة في القرآن)) [جامع الرسائل والمسائل ص55، نقلا عن منهجية كتابة التاريخ الإسلامي ص54]
ومن هذه السنن الربانية المتعلقة بموضوعنا هذا: مداولة الأيام بين الناس، من الشدة إلى الرخاء ومن الرخاء إلى الشدة، يقول الدكتور: ((وهذا اختبار وامتحان، لكي يتميز الصابرون في المحن والضراء، والشاكرون في النصر والرخاء، من أولئك الذين تطغيهم الشهوات، أو لا يصبرون على الضراء، قال تعالى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾)) اهـ [منهجية كتابة التاريخ الإسلامي ص59].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.