النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: %% فن التامل%%

  1. #1
    مراقبـــة الصورة الرمزية (* الوفـاء طبعي *)
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    10,249

    %% فن التامل%%

    [grade="00008B 8B0000 DC143C 4B0082"][align=center]مقدمة

    هل تفكرت يوماً في حقيقة وجودك، كيف حملتك أمك ثم ولدتك، فجئت الى هذا العالم ولم تكن من قبل شيئاً؟

    هل تأملت يوماً كيف تنبت تلك الأزهار المزروعة في أحواض غرفة الجلوس من قلب تراب أسود فاحم موحل بألوان زاهية وشذىً عطر؟

    هل شغلك انزعاجك من طيران البعوض حولك عن التفكر كيف انها تحرك أجنحتها بسرعة فائقة تجعلك غير قادر على رؤيتها؟

    هل تفكّرت يوماً بأن قشور الفاكهة المهملة هي في حقيقتها أغلفة حافظة عالية الجودة، وبأن هذه الفاكهة - كالموز والبطيخ والبرتقال مثلاً- موضبة في داخلها بطريقة تحفظ طعمها وشذاها؟

    هل تدبّرت يوماً كيف يمضي العمر حثيثاً، فتذكرت أنك سوف تشيخ وتصبح ضعيفاً وتفقد جمالك وصحتك وقوتك؟

    هل فكرت في ذلك اليوم الذي سوف يرسل الله فيه ملائكة الموت لترحل معهم عن هذا العالم؟

    هل تساءلت يوماً لماذا يتعلق الناس بدنيا فانية فيما هم بحاجة ماسة الى المجاهدة من أجل الفوز بالآخرة؟

    ان الانسان هو المخلوق الذي أنعم الله عليه بملكة التفكير، ومع ذلك فإن معظم الناس لا يستخدمون هذه الملكة المهمة كما يجب، حتى أن بعض الناس يكاد لا يتفكر أبداً!..

    في الحقيقة كل انسان يمتلك قدرة على التفكر هو نفسه ليس على دراية بمداها، وما ان يبدأ الانسان باستكشاف قدرته هذه واستخدامها، حتى يتبدى له الكثير من الحقائق التي لم يستطع أن يسبر أغوارها من قبل. وهذا الأمر في متناول أي شخص، وكلما استغرق الانسان في تأمل الحقائق، كلما تعززت قدرته على التفكر. ولا يحتاج الانسان في حياته سوى هذا التفكر الملي والمجاهدة الدؤوبة من بعده..

    إن الهدف من هذا الكتاب هو دعوة الناس الى" التفكير كما ينبغي"، وإبراز الوسائل التي تساعدهم على ذلك. فالانسان الذي لا يتفكر يبقى بعيداً كليّاً عن إدراك الحقائق ويعيش حياةً قوامها الإثم وخداع الذات، وبالتالي فإنه لن يتوصل الى مراد الله من خلق الكون، ولن يدرك سبب وجوده على الأرض.. فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء لسبب، وهذه حقيقة ذكرها عز وجل في القرآن الكريم بقوله: ?وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين. ما خلقناهما الا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون? الدخان: ]38-39[. وقوله:?أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم الينا لا ترجعون?] المؤمنون: 115[

    اذاً على كل انسان أن يتفكر في الغاية من خلقه لأن ذلك له علاقة مباشرة به أولاً، وبكل ما يراه حوله في الكون وكل ما يعرض له في حياته تالياً. ان الانسان الذي لا يتفكر، لا يدرك الحقائق الا بعد الموت حين يقف بين يدي ربه ليلقى حسابه، وحينها يكون الأوان قد فات. والله تعالى يذكر في محكم كتابه إن كل الناس سوف يتفكرون عندما يعاينون الحقيقة في يوم الحساب ?وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنّى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي? ]الفجر: 23-24 [

    لقد أعطانا الله جلّ وعلا الفرصة للتفكر واستخلاص العبر ورؤية الحقائق في هذه الحياة الدنيا لنفوز فوزاً عظيماً في الآخرة، فأنزل الكتب السماوية، وأرسل الرسل داعياً الناس عبرهم للتفكر في أنفسهم وفي خلق الكون من حولهم.?أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى، وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون? الروم:8


    الفصل الأول



    التفكّر العميق

    معظم الناس يظن أن "التفكر العميق" يقتضي من الانسان أن يعتزل المجتمع ويقطع علاقاته بالناس ثم ينسحب الى غرفة خالية ويضع رأسه بين يديه و... إنهم يصنعون من التفكر العميق قضية صعبة جداً، تجعلهم يخلصون الى القول بأن الأمر سمة خاصة بالفلاسفة فقط.. مع أن القضية أبسط من ذلك بكثير، فكما ذكرنا في المقدمة فإن الله تعالى يدعو جميع عباده ليتفكروا ويتدبروا خاصة في آيات القرآن الكريم الذي أنزله الله لهذا الغرض. يقول جل وعلا:? كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب? ]ص:29 [، ويمتدح الله تعالى عباده الذين يقودهم تدبّرهم وتفكّرهم الى إدراك الحقيقة وبالتالي الى مخافته سبحانه. فالمهم في الأمر كله اذاً أن يستطيع الانسان تطوير ملكة التفكر عنده وتعميقها أكثر فأكثر.

    ان الانسان الذي لا يبذل جهده في التفكر والتدبر والتذكر يعيش في حالة دائمة من الغفلة، وحالة الغفلة التي يعيشها أولئك الذين لا يتفكرون، بما توحيه كلمة الغفلة من التجاهل مع عدم النسيان والانغماس في الشهوات والوقوع في الاثم والاستخفاف والاهمال، هي نتيجة من نتائج تجاهلهم وتناسيهم للغاية من خلقهم ولكل الحقائق التي يعلمهم اياها الدين، وهذا الأمر عظيم وخطير ومؤداه في النهاية الى نار جهنم؛ لذلك حذرنا القرآن الكريم أن نكون من الغافلين، فقال تعالى:?واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين?] الأعراف:205 [وقال:?وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون? ]مريم:39 [.

    ويبين الله تعالى زيغ الذين يتبعون ما ألفوا عليه آباءهم اتباعاً أعمى دون أن يفكروا بما يحمله التقليد من ضلال، ولو نوقشوا في أمرهم لأجابوا فوراً بأنهم مؤمنون بالله ملتزمون بتعاليمه، لكن بما انهم لم يعقلوا فيتفكروا ويتدبروا ويتّعظوا فإن ايمانهم هذا لم يؤدّ بهم الى الصلاح وبالتالي الى مخافة الله الحقة.ان عقلية هؤلاء البشر تظهر بوضوح من خلال الآيات التالية:?قل لمن الأرض ومن فيها ان كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون . قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنّى تسحرون? ]المؤمنون: 84-90[




    التفكر يبطل السحر عن الناس

    في الآيات السابقة يسائل الله تعالى الناس?قل فأنّى تسحرون? تسحرون في الآية الكريمة تعني حالة من الجمود العقلي تسيطر بشكل كامل على بعض الناس، فيغشى بصر من يصاب بها ويتصرف وكأنه لا يرى الحقائق أمام عينيه، وتضعف قدرته على التمييز والحكم على الأمور، ويصبح عير قادر على ادراك الحقائق المبسطة، كما يغفل عن ما يدور حوله من أمور غير اعتيادية وتخفى عنه دقائق الأحداث. هذا الجمود العقلي هو الذي أدى الى أن يعيش البشر منذ آلاف السنين حياة الغفلة بعيدين كلياً عن التفكر والتدبر والاعتبار. ويمكن لهذا المثال الذي سنذكره الآن أن يوضح لنا تأثير هذا السحر الذي حل بشكل جماعي على الأمم:

    كلنا يعرف أن هناك طبقة أرضية تسمى "الصهارة" تحتوي مواد مذابة على درجة عالية جداً من الغليان تكمن مباشرة تحت القشرة الأرضية؛ وبما أن القشرة الأرضية رقيقة جداً ويمكن مقارنة سماكتها بالنسبة الى الكرة الأرضية ككل بسماكة قشرة التفاحة بالنسبة الى التفاحة كلها، فإننا قريبون جداً من الانفجار الذي قد يحدث لهذه الطبقة، فهو تقريباً تحت أقدامنا، ومع ذلك فمعظم الناس لا يتدبرون هذا الأمر، تماماً كما ان أهلهم وإخوانهم وأقاربهم وأصدقاءهم، وجميع وسائل الاعلام ومنتجي البرامج التلفزيونية، وأساتذة الجامعات، لا يتنبهون الى هذا الأمر. ولكن لو افترضنا أن شخصاً مصاباً بفقدان الذاكرة الكلي، يحاول إعادة بناء ذاكرته والاستعلام عن محيطه عبر طرح الاسئلة على الناس من حوله، فمن المفترض أن أول سؤال سوف يتبادر الى ذهنه، أين أنا؟ ماذا لو قيل له انه يقف على عالم من النار الملتهبة، وأن هذا اللهب يمكن أن يتفجر على سطح الأرض فيما لو حدثت أية هزة أرضية أو ثورة بركانية.

    ولو افترضنا أن نفس الشخص أخبر بأن هذا العالم الذي يعيش فيه مجرد كوكب يسبح في فجوة مظلمة مترامية الأطراف تسمى الفضاء، وهذا الفضاء يختزن هو الآخر طبقة ملتهبة أعظم خطراً من تلك الكامنة تحت سطح الأرض، تتحرك فيها -على سبيل المثال- آلاف الأطنان من النيازك الحارقة بحرية تامة وليس هناك ما يمنعها أن تحيد عن مسارها وتصطدم بالأرض، بتأثير جاذبي من كوكب آخر -مثلاً- أو لأي سبب آخر.

    إزاء كل هذه الحقائق لن يستطيع هذا الشخص أن ينسى خطورة الوضع الذي يعيش فيه، ولسوف يبدأ بالتساؤل: كيف يمكن للناس أن يعيشوا في هذا المحيط، مع كل ما يكتنفه من مخاطر، ويتمسكوا به ويعضّواعليه بالنواجذ؟! لكنه سوف يدرك فيما بعد ان هناك نظاماً متكاملاً قد أخذ حيّزه من الوجود. فرغم الخطر الكامن داخل الكوكب الذي يعيش فيه، هناك توازن دقيق يمنع هذا الخطر من إلحاق الضرر بالناس، إلا في ظروف استثنائية، وهذا الادراك سيجعله يفهم أن الارض ومن عليها من مخلوقات انما تستمد وجودها وتعيش بأمان بإرادة الله تعالى وحده الذي أوجد هذا النظام المتكامل للحياة.

    هذا واحد من ملايين، بل بلايين، الامثلة التي يجب أن يتفكر فيها البشر. ولعل إعطاء مثال آخر يساعدنا على أن ندرك كم تؤثر الغفلة على قدرة الناس على التفكر وتحد من قدراتهم العقلية.

    يعلم الناس أن الحياة الدنيا فانية وأن العمر يمضي حثيثاُ ومع ذلك فإنهم يتصرفون وكأنهم لن يبارحوا هذا العالم وأنهم مخلدون. وهذا في الحقيقة نوع من السحر تعاقبت على حمله الأجيال، وله تأثير بالغ عليهم لدرجة أنه عندما يتحدث شخص ما عن الموت فإن الناس يقفلون الموضوع مباشرة لأنهم يخافون أن يبطل هذا الحديث السحر عنهم ويضعهم في مواجهة الحقائق.

    أولئك الناس الذين بددوا حياتهم كلها في شراء سيارة ومنزل جميل وآخر لقضاء العطلة الصيفية والبحث عن مدارس ذات مستوى ليرسلوا أبناءهم اليها، تناسوا أنهم سوف يموتون في يوم من الأيام ويخلّفوا وراءهم البيوت والسيارات والأولاد، وتركوا التفكير بما يجب أن يقدموا للحياة الحقيقية بعد الموت. ان الموت قادم لا محالة، وكل الناس سوف يموتون حتماً عاجلاً أم آجلا ، واحداً تلو الآخر، سواء صدقوا ذلك أم لا، وبعد ذلك تبدأ الحياة الأبدية لكل منا، إما الى الجنة أو الى النار، فالأمر يعتمد على ما أسلف الانسان في هذه الحياة القصيرة. ومع أن هذه الحقائق واضحة كعين الشمس، فإن السبب الوحيد الذي يجعل الناس يتعاملون مع الموت وكأنه غير موجود، هو ذلك السحر الذي سيطر عليهم لأنهم أعرضوا عن التفكر.

    ان الذين لا يؤدي بهم التفكر الى إنقاذ أنفسهم من هذا السحر وبالتالي من حياة الغفلة سوف يفهمون الحقائق عندما يرونها رأي العين بعد الموت، قال تعالى:? لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد? ]ق:22[

    فكما يقول الله تعالى في الآية الكريمة فإن البصر الذي تكتنفه الغشاوة في الحياة الدنيا بسبب عدم التفكر، ولكنه سيكون حاداً عندما يحاسب الانسان في الآخرة بعد الموت.

    وجدير بالذكر في هذا المقام أن الناس هم الذين يفرضون على أنفسهم هذا النوع من السحر بملء إرادتهم لأنهم يظنون انهم بهذه الطريقة سوف يعيشون حياة رغد واسترخاء. لكن من السهل جداً اتخاذ قرارالتخلص من الجمود العقلي وعيش الحياة بوعي وإدراك، فلقد قدم الله تعالى الحلول للناس، فالذين يتفكرون يستطيعون بكل سهولة أن يبطلوا عن أنفسهم هذا السحر فيما هم على قيد الحياة، ويفهموا كل ما يدور حولهم من الأحداث والغاية منها ودقائق معانيها، والحكمة مما يقضيه الله من أمور في كل لحظة.



    التفكر ممكن في أي زمان وأي مكان

    ان التفكر والتدبر لا يستدعيان مكاناً أو زماناً أو شروطاً محددة، فاانسان يمكن أن يتفكر ويتدبر خلال المشي في الشارع، عند توجهه الى مكتبه، خلال قيادته لسيارته، أو خلال عمله أمام شاشة الكومبيوتر، أو خلال جلسات السمر مع أصدقائه، وربما خلال مشاهدة التلفزيون أو حتى خلال تناول الطعام.

    فخلال قيادة السيارة مثلاً يمكن يمكن رؤية مئات الأشخاص في الشوارع، وعندما ينظر الانسان الى هؤلاء الأشخاص يمكنه أن يتفكر في أمور شتى، فلربما انصرف ذهنه الى الاختلاف الكامل في المظهر بين هؤلاء الناس، فليس هناك واحد منهم يشبه الآخر! كم هو مذهل هذا الاختلاف في المظهر بين الناس الذين لديهم نفس الأعضاء من العيون الى الحواجب الى الرموش والأكف والأيادي والأرجل والأفواه والأنوف.. ولو استغرق الانسان في التفكير أكثر لتذكر أن الله قد خلق الالوف من البشر عبر بلايين السنين وكل واحد منهم مختلف عن الآخر، وما ذلك الا دليل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى. والذي يراقب كل هؤلاء الناس يحثّون الخطى؛ تتجاذبه أفكار شتى، فللوهلة الأولى يبدو أن كل واحد من هؤلاء هو نسيج وحده، له عالمه الخاص وأمنياته ومشاريعه وذوقه وأسلوبه في العيش، وأمور تفرحه وأخرى تحزنه.. ولكن هذه الخلافات بين البشر ليست أساسية، فبشكل عام كل انسان يولد ويكبر ويتعلم ثم يتزوج وينجب الأولاد ويزوجهم فيصبح جدّاً أو جدة ثم يتوفى في النهاية.. من هذه الناحية ليس هناك اختلاف كبيرفي حياة الناس، سواء كانوا يعيشون في حي في استانبول أو في مدينة في المكسيك، فإن ذلك لن يغير شيئاً ، فكل هؤلاء الناس سوف يموتون وربما بعد قرن من الزمان لن يبقى منهم أحد على قيد الحياة. ومن يدرك هذه الحقائق لا بد أن يسأل نفسه: بما أننا في يوم من الأيام سوف نموت جميعاً لماذا يتصرف الناس وكأننا لن نبارح هذا العالم؟ ولماذا يتصرف من أدرك حتمية موته وكأن هذه الحياة الدنيا لن تنتهي في حين يجدر به أن يجاهد من أجل الفوز بالآخرة؟!

    وفي حين أن غالبية الناس لا تتفكر بهذه الأمور فإن من توصل الى التفكر بها سيخلص الى نتائج حاسمة. فلو سئل معظم الناس بشكل مفاجىء: بماذا تفكرون في هذه اللحظة؟ سوف يظهر بوضوح انهم يفكرون بأمور ليست ذات بال ولا تعود عليهم بالنفع. وعلى كل حال، فإن كل انسان يمكن أن يتفكر بحكمة في أمور مهمة وذات قيمة ومعنى ويتدبرها ويخلص الى نتائج من وراء ذلك. ويعلمنا القرآن الكريم أن من صفات المؤمنين أنهم يتفكرون ويتدبرون ليخلصوا الى النتائج التي تعود بالنفع عليهم.?إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذي يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا م اخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار? آل عمران: 190-191 فكما تخبرنا الآيتان الكريمتان فإن تفكر المؤمنين مكّنهم من رؤية جانب الإعجاز في الخلق وتمجيد حكمة الله وعلمه وقدرته.[/align]
    [/grade]
    لا تحسبني يوم ابتسمت في وجهك أبيك..........
    ................بعض الوجوه اهينها بابتسامه


  2. #2
    مراقبـــة الصورة الرمزية (* الوفـاء طبعي *)
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    10,249
    [grade="00008B 008000 2E8B57 FFA500"][align=center]النظر الى كل شيء بعين العادة وبالتالي عدم رؤية أية حاجة للتفكر فيها

    عندما يصادف الناس أموراً معينة للمرة الأولى قد يفهمون طبيعتها الاستثنائية مما قد يحفزهم على التحري أكثر عما يرونه. ويعد فترة تنشأ لديهم مقاومة اعتيادية لهذه الأشياء فلا تعود تؤثر بهم.

    وبالتحديد فإن الأشياء والأحداث التي يلاقونها كل يوم تصبح عادية بالنسبة لهم.

    فعلى سبيل المثال قد يتأثر من يدرس الطب تأثراً بالغاً عندما يرى جثة للمرة الأولى أو في المرة الأولى التي يموت فيها أحد مرضاه. مما يجعلهم يتأملون ملياً. ويمكن ان يكون السبب أنهم يواجهون انساناً بلا حياة أشبه بالبضاعة، كان منذ دقائق مليئاً بالحياة يضحك ويخطط ويتكلم ويستمتع وتلمع عيناه بالحياة.. وعندما توضع الجثة أمامهم للتشريح للمرة الأولى فإنهم يتفكرون في كل شيء في هذه الجثة, يتفكرون بأن الجسد يفنى بسرعة كبيرة, وأنه تفوح منه رائحة نتنة، والشعر الذي كان جميلاً فيهما مضى يصبح غير جميل ولا يود أحد لمسه.. وبعد ذلك يتفكرون في أن مكونات كل الأجسام هي نفسها وكل واحد منا سيلاقي نفس النهاية, وأنهم هم أيضاً سينتهون الى هذا الشكل.

    ولكن بعد رؤية بضع جثث أو فقدان بضعة مرضى ينشأ لدى هؤلاء الناس مقاومة اعتيادية لأشياء محددة فيبدأون بالتعامل مع الجثث وحتى المرض وكأنهم أشياء.

    وبالتأكيد هذا الوضع لا يصدق على الأطباء وحدهم, فغالبية الناس ينطبق عليها هذا الوضع في مناحي مختلفة من حياتهم. فمثلاً ينعم الله على انسان يعيش في ظروف صعبة برغد العيش فإنه يفهم ان كل ما يمتلكه رحمة له. فسريره أصبح أكثر، ولبيته منظر جميل, ويمكنه ان يشتري ما يريد ويمكنه أن يدفئ منزله في الشتاء كما يرغب، وبإمكانه التنقل بسهولة بسيارة.. وغيرها من النعم كلها التي قسمت لهذا الانسان، وبالنظر بوضعه السابق فإنه يبتهج بكل واحدة منها، ولكن من يمتلك هذه الأشياء منذ نعومة أظافره قد لا يتفكر في قيمتها كثيراً.ولا يمكنه تقدير هذه النعم إلا إذا أعاد التفكر فيها.

    ومن الناحية المقابلة فالإنسان الذي يتفكر لا فرق عنده إذا سواء كان امتلاكه لهذه النعم منذ ولادته أو أنه أحرزها فيما بعد. فهو لا ينظر إلى ممتلكاته بطريقة اعتيادية إذ انه يعلم ان أي شيء يملكه قد خلقه الله وأن الله قادر على استرجاعه منه لو شاء. فمثلاً يدعو المؤمنون بالدعاء التالي عندما يركبون دوابهم, وهي السيارات في أيامنا هذه:? لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنّا الى ربنا لمنقلبون ? ]الزخرف:13 [

    وفي أية أخرى، يتعلم المؤمنون أن يقولوا إذا ما دخلوا حدائقهم: ما شاء الله لا قوة إلا بالله ]الكهف: 31[ وكلما دخلوها يتذكرون ان الله خلقها وهو يمدها بأسباب الحياة. أما بالنسبة للإنسان الذي لا يتفكر قد يتأثر عندما يرى جمال الحدائق ولكنها فيما بعد تصبح مكاناً عادياً بالنسبة له, ويتلاشى تقديره لجمالها.كما ان بعض الناس لا يلاحظون النعم أبداً لأنهم لا يتفكرون فيها، فهم يعتبرونها أموراً عادية من المفروض وجودها، ولذلك فإنهم لا يستطيعون استشفاف المتعة من جمالها.

    خلاصة: من الضرورة أن يزيل الانسان كل الأسباب التي تمنعه من التفكر

    كما ذكرنا سابقاً فإن كون معظم الناس لا يتفكرون ويعيشون غافلين عن الحقيقة ليس عذراً كافياً لعدم التفكر. فكل إنسان هو فرد مستقل بنفسه ومسؤول أمام الله عن نفسه فقط. ومن المهم جداً أن نضع نصب أعيننا أن الله يبتلي الناس في هذه الحياة الدنيا، وعدم اهتمام الآخرين وكونهم من الناس الذين لا يتفكّرون ولا يعقلون ولا يرون الحقيقة هو جزء من ابتلائنا في معظم الأحيان. ومن يتفكر بصدق لا يقول:" إن معظم الناس لا يتفكرون وليسوا على اطلاع بهذه لأمور فلماذا يجب عليّ أن أتفكر وحدي؟" بل على العكس من ذلك فإنه يأخذ حذره من خلال تفكره في غفلة هؤلاء الناس ويلجأ الى الله كي لا يكون واحداً منهم. فمن الواضح أن وضع هؤلاء الناس لا يمكن أن يكون عذراً له. وفي القرآن الكريم يعلمنا الله في الكثير من الآيات أن أكثر الغافلين لا يؤمنون.?وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين?] يوسف:103 [

    ?آلمر، تلك آيات الكتاب والذي أنزل اليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ? ]الرعد:1[

    ?وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ?] النحل:38 [

    ?ولقد صرّفناه بينهم ليذّكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراّ ?] الفرقان:50 [

    وفي آيات أخرى يبلغنا الله بنهاية هؤلاء الذي ضلّوا لأنهم اتبعوا الأغلبية ففشلوا في اطاعة أوامره لأنهم نسوا الغاية من خلقهم ? وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل، أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير?

    ]فاطر:37[

    لهذا السبب يجب على كل انسان أن يتخلص من الأسباب التي تمنعه من التفكر، وأن يتفكر بصدق وإخلاص ويستخلص العبر والتحذيرات من تفكره.

    وفي الفصل التالي سوف نناقش ما يمكن أن يتفكر فيه الانسان من أحداث ومخلوقات يصادفها في حياته اليومية، وهدفنا أن تؤمن هذه الموضوعات لقراء هذا الكتاب أرشاداً يساعدهم على قضاء ما تبقى من حياتهم كأشخاص يتفكرون ويستخلصون العبر مما يتفكرون فيه.





    الفصل الرابع

    تلك الأشياء التي يجب أن نتفكّر فيها

    من بداية هذا الكتاب، أشرنا الى أهمية التفكر، والمنافع التي يجلبها للإنسان، والى كونه ملكةً مهمة جداً تميّز الانسان عن غيره من المخلوقات. كما ذكرنا أيضاً الأسباب التي تمنع الناس من التفكر. والهدف الرئيسي من ذلك كله تشجيع الناس على التفكر ومساعدتهم على إدراك الغاية من خلقهم وتعظيم قدرة الله وعلمه اللا محدودين.

    في الصفحات التي تلي سوف نحاول ان نصوّر بماذا يمكن للإنسان المؤمن بالله أن يتفكرمن خلال ما يمر به من اشياء يومياً، وما هي العبر التي يمكن أن يستخلصها من الأحداث التي يشهدها، وكيف يجب عليه أن يشكر الله ويتقرب اليه عندما يعاين علمه وإبداعه -سبحانه وتعالى- في كل شيء.

    بطبيعة الحال ما سنذكره هنا لا يغطي الا قسماً صغيراً من قدرة الإنسان على التفكر، فالإنسان عنده القابلية للتفكر في كل لحظة (ليس في كل ساعة ولا دقيقة ولا ثانية، بل في كل لحظة) من حياته. ومدى قدرته على التفكر واسع لدرجة يستحيل معها وضع حدود أو ضوابط له. والهدف مما سنذكره هو مجرد فتح الأبواب أمام الناس للاستفادة من ملكة التفكيرعندهم كما يجب.

    يجب أن تتولد في الذهن القناعة بأن الأشخاص الذين يتفكرون هم وحدهم القادرون على فهم وتقدير مختلف الأمور. وقد ذكر الله في الآيات الكريمة التالية حال أولئك الذين لا يبصرون الأمور الاعجازية من حولهم فلا يستطيعون التفكر فيها، فقال تعالى:?ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، صمُّ بكمُ عميُ فهم لا يعقلون?]البقرة: 171[ ?... لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون? ]الأعراف:179 [?أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً? ] الفرقان:44[ .

    ان الذين يتفكرون يرون آيات الله والجوانب الإعجازية في المخلوقات وفي الأحداث، فيفهمون، وأمثالهم هم القادرون على استخلاص العبر من كل شيء حولهم، كبيراً كان أم صغيراً.

    عندما يستيقظ الإنسان في الصباح...

    لا يحتاج المرء الى شروط خاصة للبدء بالتفكر، فمن اللحظة التي نستيقظ فيها من النوم، تجد الكثير من الأفكار طريقها الينا، فهناك يوم كامل يمتد أمامنا، قلما نشعر خلاله بالتعب أو النعاس، ونكون على استعداد لمعاودة كل الأمور مرة أخرى. والتفكر بهذا يذكرنا بقوله تعالى:? وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهارنشوراً?]الفرقان:47[.

    عندما نغسل وجوهنا أو نستحم نستجمع قوانا ونستعيد رشدنا بشكل كامل، وعندها نصبح على استعداد للتفكر في أشياء مفيدة، فهناك شؤون التفكر فيها أهم بكثير من التفكير ماذا سنتناول كفطور، أو في أي ساعة سنغادر المنزل! فقبل كل شيء كوننا استطعنا أن نستيقظ في الصباح معجزة عظيمة في حد ذاتها، فرغم كوننا فاقدي الوعي كلياً خلال النوم فإننا في الصباح نستعيد وعينا ووجودنا، وتخفق قلوبنا، ونتمكن من التنفس، والكلام والرؤية والمشي.. مع أنه ليس هناك ما يضمن أن هذه النعم ستعود الينا في الصباح، أو اننا لن تصيبنا أي مصيبة خلال الليل. فلربما أدّى شرود أحد الجيران الى تسرب غازي، فيوقظنا حدوث انفجار كبير، أو قد تحدث كارثة في المنطقة التي نعيش فيها نخسر على إثرها أرواحنا..وقد نتعرض لمشاكل أخرى في أجسامنا، فقد نستيقظ مصابين بآلام مبرحة في الكلى، أو الرأس ، ومع ذلك، لم يحدث شيء من هذا واستيقظنا في الصباح آمنين مطمئنين.. التفكر بهذه الأمور يجعلنا نشكر الله على رحمته بنا وحفظه لنا. فاستهلال النهار بصحة جيدة معناه أن الله يعطينا فرصة أخرى لتحقيق المزيد من أجل آخرتنا.

    لذلك، فإن أفضل ما نفعله أن نمضي يومنا في مرضاته سبحانه وتعالى، ونجعلها قبل كل شيء، فنخطط لإبقاء أذهاننا مشغولة بمثل ما ذكرناه من أفكار. ونقطة البداية في تحصيل مرضاة الله، سؤله أن يعيننا في أمرنا هذا، ودعاء سيدنا سليمان عليه السلام مثال جيد لكل المؤمنين:?ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين?]النمل:19[.

    بماذا يجعلنا ضعفنا نتفكر؟

    ملاحظة مدى ضعفنا عندما نستيقظ من الفراش يدفعنا الى البدء بالتفكر، وعندما نستحم أو نغسل وجوهنا وننظف أسناننا كل صباح نستغرق في التفكير بأشياء أخرى تدل على ضعفنا، فالطبقة الجلدية في جسمنا تخفي تحتها مشهداً رهيباً، وأجسادنا عرضة للالتهابات بأنواعها، ولا أحد منا يستطيع احتمال عدم النوم أو الصبر على الجوع والعطش، وهذه كلها من دلائل ضعفنا.

    وإذا كان من ينظر في المرآة مسناً، فقد تخطر على باله أفكار أخرى، فأولى علامات الشيخوخة تظهر في الوجه بعد العقد الثاني من العمر، إذ في الثلاثينيات تبدأ التجاعيد بالظهور تحت العينين وحول الفم ولا يعود الجلد متورداً، ومع تقدم العمر يبدأ الجسم بالذبول، ويتحول لون الشعر الى الأبيض وتظهر الشيخوخة حتى على اليدين.

    عندما نتفكر في هذه الأمور نجد أن الشيخوخة من أهم الوقائع التي تكشف الطبيعة المؤقتة لهذه الحياة الدنيا. فمن يشيخ يشعر بأن العد العكسي لحياته قد بدأ، وفي الحقيقة فإن ما يشيخ وما يجري عليه العد العكسي هو الجسد ، الذي يذبل شيئاً فشيئاً ، أما الروح فلا تشيخ.

    ومعظم الناس يتأثر في شبابه بكونه حسن الهيئة أو غير جذاب، فيجنح أصحاب الهيئة الحسنة الى التعجرف، أما من هم أقل منهم حظاً في الجمال، فيشعرون بعقدة النقص وعدم السعادة، فتأتي الشيخوخة لتظهر أن الجمال والقبح أمران مؤقتان، وأن ما ينفع عند الله وما يقبل عنده أعمال الانسان الصالحة والتزامه بأوامر الله وحسن خلقه.

    في كل مرة نواجه فيها ضعفنا ندرك أن الكمال والتنزه عن النقص هما لله وحده، مما يدفعنا الى تمجيد عظمة الله. فالله تعالى خلق كل ضعف في الانسان لهدف، ومن هذه الأهداف مساعدة الناس على عدم التعلق بالحياة الدنيا، وعدم البغي فيما أوتوا. ومن أدرك هذا عبر التفكر فإنه سيدعو الله أن يعيد خلقه في الآخرة خالياً من الضعف.

    شيء آخر يلفت النظر في أمر ضعفنا ندعو أولئك الناس المغرورين والمتعجرفين الى تدبّره والاعتبار منه: انظروا الى الوردة تنبت من تراب أسود موحل، بشذى صافٍ نظيف، فيما تفوح من البشر رائحة لا تحتمل إذا لم نعتن بنظافتنا كما يجب!..

    بماذا تجعلنا بعض معالم جسم الإنسان نتفكّر

    ولا يقتصر التفكّر عند النظر في الملرآة على ما ذكرناه، فقد تخطر على بالنا أشياء كثيرة لم نتفكر فيها من قبل، مثل رموش عيوننا وحواجبنا، وكيف أن أسناننا وعظامنا تتوقف عن النمو عندما تصل إلى طول معين فيما يستمر الشعر بالنمو. وبكلمات أخرى كيف أن أعضاء الجسم التي يسبب نموها الزائد مساوئ وقبحا ًتتوقف عن النمو، وتستمر الأخرى التي تضفي على الإنسان جمالاً - كالشعر مثلاً- بالنمو، هذا مع ملاحظة التكامل والتناسق التام في نمو العظام. فلا تنمو الأطراف العليا من الأيدي والأرجل بدون فائدة جاعلة الجسم يبدو دون الحجم بالنسبة لها.. فنمو العظام يتوقف في الوقت المناسب، كما لو أن كل عظمة تعرف المقدار الذي يجب أن تصل إليه.

    صحيح أن الأمور التي ذكرناها تحدث كنتيجة لتفاعلات كيميائية معينة في الجسم، ولكن الإنسان الذي ينظر اليهل لا بد أن يتساءل: كيف تحدث هذه التفاعلات الكيميائية، ومن الذي قدر الكميات المحددة للهرمونات في أنزيمات الجسم، لتنظم النمو في جميع أنحائه؟ ومن يضبط كمية إفرازات هذه الهرمونات؟ بدون شك من المستحيل الادعاء أن هذه الأشياء تحدث بمحض الصدفة، ومن المستحيل أيضاً للخلايا التي يتأسس منها جسم الإنسان والذرات غير العاقلة التي تتألف منها الخلايا أن تتخذ مثل هذه القرارات ، لذلك فإن من الواضح أن كل ما ذكرناه هو من إبداع الله تعالى الذي خلقنا في أحسن تقويم.

    ..في الطريق

    مباشرة بعد الاستيقاظ من النوم صباحاً والاستعداد يمضي معظم الناس في شؤونهم فمنهم من يتوجه إلى عمله ومنهم من يذهب إلى المدرسة، ومنهم من يمضي لتسوية بعض الأمور في مكان ما في هذا العالم الرحب. بالنسبة للمؤمن هذه الرحلة القصيرة هي نقطة البداية للقيام بالأعمال الصالحة التي ترضي الله سبحانه وتعالى. فعندما نستيقظ نشكر المولى تعالى الذي وهبنا يوماً آخر نكسب فيه من رزقه، والآن وقد مضينا في أمرنا، فقد بدأت الرحلة التي يمكن أن نكسب من خلالها هذا الرزق وعندما نتفكر في هذا الأمر لا بد أن نذكر قوله تعالى ?وجعلنا النهار معاشا?[النبأ:11]. ووفقاً لهذه الآية يجب علينا أن نخطط كيف سنمضي يومنا في أعمال ذات نفع للعباد ترضي الله سبحانه وتعالى.

    وعندما نترك المنزل نمر بشكل تلقائي بالكثير من الأمور التي يجب أن نتفكر فيها، فهناك الآلآف من الناس والسيارات والأشجار الكبيرة والصغيرة، والتفاصيل التي لا تعد ولا تحصى من حولنا، وبالطبع فإن توجهات المؤمن محددة، فسوف نحاول الاستفادة لأقصى الحدود مما نراه حولنا ونتفكر في الأحداث والأسباب. فما يمر بنا من مشاهد إنما يمر بعلم الله وإرادته، ولا بد أن يكون هناك سبب من وراء ذلك فبما أن الله جعلنا نخرج، ووضع هذه المشاهد أمامنا، فلا بد أن فيها ما يجب أن نراه ونتدبره.

    وحين نصل إلى سيارتنا أو أي وسيلة نقل أخرى. وفي خلدنا كل هذه الأفكار. نشكر الله مرة أخرى، إذ مهما كانت المسافات طويلة فقد سخر لنا الله وسيلة للوصول، وكما هو معلوم، فقد خلق الله للناس الكثير من الوسائل ليستعينوا بها في السفر. وقدّم التطور التكنلوجي إمكانيات جديدة مثل السيارات والقطارات والطائرات والسفن والمروحيات والحافلات وغيرها. وعند يتدبّر هذا الأمر يتذكر الإنسان أن الله تعالى هو الذي سخّر التكنولوجيا في خدمة البشرية. ففي كل يوم يخرج العلماء باكتشافات واختراعات جديدة تسهل علينا حياتنا، وهميصلون اليها جميعاً بالوسائل التي خلقها الله على الأرض. ومن يتفكر، يتابع رحلته شاكراً المولى تعلى الذي سخر لخدمتنا كل هذه الأمور.

    وفيما نمضي في وجهتنا حاملين مثل هذه الأفكار فإن كومة نفايات، أو رائحة كريهة أو أماكن معتمة نمر بها تثير في أذهاننا أفكاراً متعددة.

    فقد خلق الله في هذا العالم أماكن ومشاهد تجعلنا قادرين على تصور الجنة والنار، أو التخمين من خلال المقارنة كيف ستكونان. فأكوام النفايات والروائح الكريهة والأماكن الضيقة المعتمة القذرة تسبب كرباً كبيراً لأرواحنا ! ولا أحد يود أن يكون في مثل هذه الأماكن، وكل هذه الخصائص تذكر الإنسان بجهنم، وكل من يلتقي بهذه المشاهد يتذكر الآيات التي تتحدث عن النار: فالله سبحانه وتعالى يصف لنا ظلمة وقذارة وكراهة المشاهد في جهنم.

    ?وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال. في سموم وحميم. وظل من يحموم. لا بارد ولا كريم?[الواقعة:41-44].

    ?وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبورا. لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيرا?[الفرقان:13-14].

    وعند تذكر هذه الآيات القرآنية ندعو الله أن يجيرنا من نار جهنم ونسأله أن يغفر لنا ذنوبنا.

    ومن زاوية أخرى فإن الإنسان الذي لا يوظف أفكاره بهذه الطريقة سوف يمضي نهاره متذمراً قلقاً، باحثاً عمّا يغضب في كل حدث، فيستشيط غاضباً من الناس الذين يلقون نفاياتهم ومن البلدية التي تتاخر في جمعها، ويشغل ذهنه طوال النهار بأفكار غير مجدية لا تنفعه في آخرته، مثل زحمة السير الناجمة عن الحفر في الطرقات، وكيف أصابه البلل نتيجة توقعات خاطئة لخبراء الأرصاد الجوية، وكيف حصل علاوة على ذلك على توبيخ غير منصف من رب العمل. وهذه الأفكار التافهة لا تنفع في الآخرة، وقد يتوقف الإنسان عن التفكير فيما إذا كان عليه ان يتخلى عن مثل هذه الأفكار المتعددة، والغريب ان الكثير من الناس يدّعون أن السبب الحقيقي الذي يشغلهم عن التفكر هو الكفاح الذي عليهم أن يخوضوه في هذا العالم، فيتعللون بالمشاكل الصحية وتأمين ضروريات الحياة والطعام وغيرها.. وهذه ليست سوى أعذار، فمسؤوليات المرء وأوضاعه لا علاقة لها بالتفكير فمن يحاول أن يفكر لينال رضى الله سوف يجد أن الله في عونه، وسوف يرى الأمور التي كانت بالنسبة له مشاكل قد حلت واحدة واحدة وفي كل يوم يمر سوف يكون قادر على تخصيص المزيد من الوقت للتفكر وهذا أمر مفهوم ومجرب فقط من قبل المؤمنين.[/align]
    [/grade]
    لا تحسبني يوم ابتسمت في وجهك أبيك..........
    ................بعض الوجوه اهينها بابتسامه


  3. #3
    مراقبـــة الصورة الرمزية (* الوفـاء طبعي *)
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    10,249
    [grade="DEB887 2E8B57 FF7F50 DC143C"][align=center]النظر الى كل شيء بعين العادة وبالتالي عدم رؤية أية حاجة للتفكر فيها

    عندما يصادف الناس أموراً معينة للمرة الأولى قد يفهمون طبيعتها الاستثنائية مما قد يحفزهم على التحري أكثر عما يرونه. ويعد فترة تنشأ لديهم مقاومة اعتيادية لهذه الأشياء فلا تعود تؤثر بهم.

    وبالتحديد فإن الأشياء والأحداث التي يلاقونها كل يوم تصبح عادية بالنسبة لهم.

    فعلى سبيل المثال قد يتأثر من يدرس الطب تأثراً بالغاً عندما يرى جثة للمرة الأولى أو في المرة الأولى التي يموت فيها أحد مرضاه. مما يجعلهم يتأملون ملياً. ويمكن ان يكون السبب أنهم يواجهون انساناً بلا حياة أشبه بالبضاعة، كان منذ دقائق مليئاً بالحياة يضحك ويخطط ويتكلم ويستمتع وتلمع عيناه بالحياة.. وعندما توضع الجثة أمامهم للتشريح للمرة الأولى فإنهم يتفكرون في كل شيء في هذه الجثة, يتفكرون بأن الجسد يفنى بسرعة كبيرة, وأنه تفوح منه رائحة نتنة، والشعر الذي كان جميلاً فيهما مضى يصبح غير جميل ولا يود أحد لمسه.. وبعد ذلك يتفكرون في أن مكونات كل الأجسام هي نفسها وكل واحد منا سيلاقي نفس النهاية, وأنهم هم أيضاً سينتهون الى هذا الشكل.

    ولكن بعد رؤية بضع جثث أو فقدان بضعة مرضى ينشأ لدى هؤلاء الناس مقاومة اعتيادية لأشياء محددة فيبدأون بالتعامل مع الجثث وحتى المرض وكأنهم أشياء.

    وبالتأكيد هذا الوضع لا يصدق على الأطباء وحدهم, فغالبية الناس ينطبق عليها هذا الوضع في مناحي مختلفة من حياتهم. فمثلاً ينعم الله على انسان يعيش في ظروف صعبة برغد العيش فإنه يفهم ان كل ما يمتلكه رحمة له. فسريره أصبح أكثر، ولبيته منظر جميل, ويمكنه ان يشتري ما يريد ويمكنه أن يدفئ منزله في الشتاء كما يرغب، وبإمكانه التنقل بسهولة بسيارة.. وغيرها من النعم كلها التي قسمت لهذا الانسان، وبالنظر بوضعه السابق فإنه يبتهج بكل واحدة منها، ولكن من يمتلك هذه الأشياء منذ نعومة أظافره قد لا يتفكر في قيمتها كثيراً.ولا يمكنه تقدير هذه النعم إلا إذا أعاد التفكر فيها.

    ومن الناحية المقابلة فالإنسان الذي يتفكر لا فرق عنده إذا سواء كان امتلاكه لهذه النعم منذ ولادته أو أنه أحرزها فيما بعد. فهو لا ينظر إلى ممتلكاته بطريقة اعتيادية إذ انه يعلم ان أي شيء يملكه قد خلقه الله وأن الله قادر على استرجاعه منه لو شاء. فمثلاً يدعو المؤمنون بالدعاء التالي عندما يركبون دوابهم, وهي السيارات في أيامنا هذه:? لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنّا الى ربنا لمنقلبون ? ]الزخرف:13 [

    وفي أية أخرى، يتعلم المؤمنون أن يقولوا إذا ما دخلوا حدائقهم: ما شاء الله لا قوة إلا بالله ]الكهف: 31[ وكلما دخلوها يتذكرون ان الله خلقها وهو يمدها بأسباب الحياة. أما بالنسبة للإنسان الذي لا يتفكر قد يتأثر عندما يرى جمال الحدائق ولكنها فيما بعد تصبح مكاناً عادياً بالنسبة له, ويتلاشى تقديره لجمالها.كما ان بعض الناس لا يلاحظون النعم أبداً لأنهم لا يتفكرون فيها، فهم يعتبرونها أموراً عادية من المفروض وجودها، ولذلك فإنهم لا يستطيعون استشفاف المتعة من جمالها.

    خلاصة: من الضرورة أن يزيل الانسان كل الأسباب التي تمنعه من التفكر

    كما ذكرنا سابقاً فإن كون معظم الناس لا يتفكرون ويعيشون غافلين عن الحقيقة ليس عذراً كافياً لعدم التفكر. فكل إنسان هو فرد مستقل بنفسه ومسؤول أمام الله عن نفسه فقط. ومن المهم جداً أن نضع نصب أعيننا أن الله يبتلي الناس في هذه الحياة الدنيا، وعدم اهتمام الآخرين وكونهم من الناس الذين لا يتفكّرون ولا يعقلون ولا يرون الحقيقة هو جزء من ابتلائنا في معظم الأحيان. ومن يتفكر بصدق لا يقول:" إن معظم الناس لا يتفكرون وليسوا على اطلاع بهذه لأمور فلماذا يجب عليّ أن أتفكر وحدي؟" بل على العكس من ذلك فإنه يأخذ حذره من خلال تفكره في غفلة هؤلاء الناس ويلجأ الى الله كي لا يكون واحداً منهم. فمن الواضح أن وضع هؤلاء الناس لا يمكن أن يكون عذراً له. وفي القرآن الكريم يعلمنا الله في الكثير من الآيات أن أكثر الغافلين لا يؤمنون.?وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين?] يوسف:103 [

    ?آلمر، تلك آيات الكتاب والذي أنزل اليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ? ]الرعد:1[

    ?وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ?] النحل:38 [

    ?ولقد صرّفناه بينهم ليذّكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراّ ?] الفرقان:50 [

    وفي آيات أخرى يبلغنا الله بنهاية هؤلاء الذي ضلّوا لأنهم اتبعوا الأغلبية ففشلوا في اطاعة أوامره لأنهم نسوا الغاية من خلقهم ? وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل، أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير?

    ]فاطر:37[

    لهذا السبب يجب على كل انسان أن يتخلص من الأسباب التي تمنعه من التفكر، وأن يتفكر بصدق وإخلاص ويستخلص العبر والتحذيرات من تفكره.

    وفي الفصل التالي سوف نناقش ما يمكن أن يتفكر فيه الانسان من أحداث ومخلوقات يصادفها في حياته اليومية، وهدفنا أن تؤمن هذه الموضوعات لقراء هذا الكتاب أرشاداً يساعدهم على قضاء ما تبقى من حياتهم كأشخاص يتفكرون ويستخلصون العبر مما يتفكرون فيه.





    الفصل الرابع

    تلك الأشياء التي يجب أن نتفكّر فيها

    من بداية هذا الكتاب، أشرنا الى أهمية التفكر، والمنافع التي يجلبها للإنسان، والى كونه ملكةً مهمة جداً تميّز الانسان عن غيره من المخلوقات. كما ذكرنا أيضاً الأسباب التي تمنع الناس من التفكر. والهدف الرئيسي من ذلك كله تشجيع الناس على التفكر ومساعدتهم على إدراك الغاية من خلقهم وتعظيم قدرة الله وعلمه اللا محدودين.

    في الصفحات التي تلي سوف نحاول ان نصوّر بماذا يمكن للإنسان المؤمن بالله أن يتفكرمن خلال ما يمر به من اشياء يومياً، وما هي العبر التي يمكن أن يستخلصها من الأحداث التي يشهدها، وكيف يجب عليه أن يشكر الله ويتقرب اليه عندما يعاين علمه وإبداعه -سبحانه وتعالى- في كل شيء.

    بطبيعة الحال ما سنذكره هنا لا يغطي الا قسماً صغيراً من قدرة الإنسان على التفكر، فالإنسان عنده القابلية للتفكر في كل لحظة (ليس في كل ساعة ولا دقيقة ولا ثانية، بل في كل لحظة) من حياته. ومدى قدرته على التفكر واسع لدرجة يستحيل معها وضع حدود أو ضوابط له. والهدف مما سنذكره هو مجرد فتح الأبواب أمام الناس للاستفادة من ملكة التفكيرعندهم كما يجب.

    يجب أن تتولد في الذهن القناعة بأن الأشخاص الذين يتفكرون هم وحدهم القادرون على فهم وتقدير مختلف الأمور. وقد ذكر الله في الآيات الكريمة التالية حال أولئك الذين لا يبصرون الأمور الاعجازية من حولهم فلا يستطيعون التفكر فيها، فقال تعالى:?ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، صمُّ بكمُ عميُ فهم لا يعقلون?]البقرة: 171[ ?... لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون? ]الأعراف:179 [?أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً? ] الفرقان:44[ .

    ان الذين يتفكرون يرون آيات الله والجوانب الإعجازية في المخلوقات وفي الأحداث، فيفهمون، وأمثالهم هم القادرون على استخلاص العبر من كل شيء حولهم، كبيراً كان أم صغيراً.

    عندما يستيقظ الإنسان في الصباح...

    لا يحتاج المرء الى شروط خاصة للبدء بالتفكر، فمن اللحظة التي نستيقظ فيها من النوم، تجد الكثير من الأفكار طريقها الينا، فهناك يوم كامل يمتد أمامنا، قلما نشعر خلاله بالتعب أو النعاس، ونكون على استعداد لمعاودة كل الأمور مرة أخرى. والتفكر بهذا يذكرنا بقوله تعالى:? وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهارنشوراً?]الفرقان:47[.

    عندما نغسل وجوهنا أو نستحم نستجمع قوانا ونستعيد رشدنا بشكل كامل، وعندها نصبح على استعداد للتفكر في أشياء مفيدة، فهناك شؤون التفكر فيها أهم بكثير من التفكير ماذا سنتناول كفطور، أو في أي ساعة سنغادر المنزل! فقبل كل شيء كوننا استطعنا أن نستيقظ في الصباح معجزة عظيمة في حد ذاتها، فرغم كوننا فاقدي الوعي كلياً خلال النوم فإننا في الصباح نستعيد وعينا ووجودنا، وتخفق قلوبنا، ونتمكن من التنفس، والكلام والرؤية والمشي.. مع أنه ليس هناك ما يضمن أن هذه النعم ستعود الينا في الصباح، أو اننا لن تصيبنا أي مصيبة خلال الليل. فلربما أدّى شرود أحد الجيران الى تسرب غازي، فيوقظنا حدوث انفجار كبير، أو قد تحدث كارثة في المنطقة التي نعيش فيها نخسر على إثرها أرواحنا..وقد نتعرض لمشاكل أخرى في أجسامنا، فقد نستيقظ مصابين بآلام مبرحة في الكلى، أو الرأس ، ومع ذلك، لم يحدث شيء من هذا واستيقظنا في الصباح آمنين مطمئنين.. التفكر بهذه الأمور يجعلنا نشكر الله على رحمته بنا وحفظه لنا. فاستهلال النهار بصحة جيدة معناه أن الله يعطينا فرصة أخرى لتحقيق المزيد من أجل آخرتنا.

    لذلك، فإن أفضل ما نفعله أن نمضي يومنا في مرضاته سبحانه وتعالى، ونجعلها قبل كل شيء، فنخطط لإبقاء أذهاننا مشغولة بمثل ما ذكرناه من أفكار. ونقطة البداية في تحصيل مرضاة الله، سؤله أن يعيننا في أمرنا هذا، ودعاء سيدنا سليمان عليه السلام مثال جيد لكل المؤمنين:?ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين?]النمل:19[.

    بماذا يجعلنا ضعفنا نتفكر؟

    ملاحظة مدى ضعفنا عندما نستيقظ من الفراش يدفعنا الى البدء بالتفكر، وعندما نستحم أو نغسل وجوهنا وننظف أسناننا كل صباح نستغرق في التفكير بأشياء أخرى تدل على ضعفنا، فالطبقة الجلدية في جسمنا تخفي تحتها مشهداً رهيباً، وأجسادنا عرضة للالتهابات بأنواعها، ولا أحد منا يستطيع احتمال عدم النوم أو الصبر على الجوع والعطش، وهذه كلها من دلائل ضعفنا.

    وإذا كان من ينظر في المرآة مسناً، فقد تخطر على باله أفكار أخرى، فأولى علامات الشيخوخة تظهر في الوجه بعد العقد الثاني من العمر، إذ في الثلاثينيات تبدأ التجاعيد بالظهور تحت العينين وحول الفم ولا يعود الجلد متورداً، ومع تقدم العمر يبدأ الجسم بالذبول، ويتحول لون الشعر الى الأبيض وتظهر الشيخوخة حتى على اليدين.

    عندما نتفكر في هذه الأمور نجد أن الشيخوخة من أهم الوقائع التي تكشف الطبيعة المؤقتة لهذه الحياة الدنيا. فمن يشيخ يشعر بأن العد العكسي لحياته قد بدأ، وفي الحقيقة فإن ما يشيخ وما يجري عليه العد العكسي هو الجسد ، الذي يذبل شيئاً فشيئاً ، أما الروح فلا تشيخ.

    ومعظم الناس يتأثر في شبابه بكونه حسن الهيئة أو غير جذاب، فيجنح أصحاب الهيئة الحسنة الى التعجرف، أما من هم أقل منهم حظاً في الجمال، فيشعرون بعقدة النقص وعدم السعادة، فتأتي الشيخوخة لتظهر أن الجمال والقبح أمران مؤقتان، وأن ما ينفع عند الله وما يقبل عنده أعمال الانسان الصالحة والتزامه بأوامر الله وحسن خلقه.

    في كل مرة نواجه فيها ضعفنا ندرك أن الكمال والتنزه عن النقص هما لله وحده، مما يدفعنا الى تمجيد عظمة الله. فالله تعالى خلق كل ضعف في الانسان لهدف، ومن هذه الأهداف مساعدة الناس على عدم التعلق بالحياة الدنيا، وعدم البغي فيما أوتوا. ومن أدرك هذا عبر التفكر فإنه سيدعو الله أن يعيد خلقه في الآخرة خالياً من الضعف.

    شيء آخر يلفت النظر في أمر ضعفنا ندعو أولئك الناس المغرورين والمتعجرفين الى تدبّره والاعتبار منه: انظروا الى الوردة تنبت من تراب أسود موحل، بشذى صافٍ نظيف، فيما تفوح من البشر رائحة لا تحتمل إذا لم نعتن بنظافتنا كما يجب!..

    بماذا تجعلنا بعض معالم جسم الإنسان نتفكّر

    ولا يقتصر التفكّر عند النظر في الملرآة على ما ذكرناه، فقد تخطر على بالنا أشياء كثيرة لم نتفكر فيها من قبل، مثل رموش عيوننا وحواجبنا، وكيف أن أسناننا وعظامنا تتوقف عن النمو عندما تصل إلى طول معين فيما يستمر الشعر بالنمو. وبكلمات أخرى كيف أن أعضاء الجسم التي يسبب نموها الزائد مساوئ وقبحا ًتتوقف عن النمو، وتستمر الأخرى التي تضفي على الإنسان جمالاً - كالشعر مثلاً- بالنمو، هذا مع ملاحظة التكامل والتناسق التام في نمو العظام. فلا تنمو الأطراف العليا من الأيدي والأرجل بدون فائدة جاعلة الجسم يبدو دون الحجم بالنسبة لها.. فنمو العظام يتوقف في الوقت المناسب، كما لو أن كل عظمة تعرف المقدار الذي يجب أن تصل إليه.

    صحيح أن الأمور التي ذكرناها تحدث كنتيجة لتفاعلات كيميائية معينة في الجسم، ولكن الإنسان الذي ينظر اليهل لا بد أن يتساءل: كيف تحدث هذه التفاعلات الكيميائية، ومن الذي قدر الكميات المحددة للهرمونات في أنزيمات الجسم، لتنظم النمو في جميع أنحائه؟ ومن يضبط كمية إفرازات هذه الهرمونات؟ بدون شك من المستحيل الادعاء أن هذه الأشياء تحدث بمحض الصدفة، ومن المستحيل أيضاً للخلايا التي يتأسس منها جسم الإنسان والذرات غير العاقلة التي تتألف منها الخلايا أن تتخذ مثل هذه القرارات ، لذلك فإن من الواضح أن كل ما ذكرناه هو من إبداع الله تعالى الذي خلقنا في أحسن تقويم.

    ..في الطريق

    مباشرة بعد الاستيقاظ من النوم صباحاً والاستعداد يمضي معظم الناس في شؤونهم فمنهم من يتوجه إلى عمله ومنهم من يذهب إلى المدرسة، ومنهم من يمضي لتسوية بعض الأمور في مكان ما في هذا العالم الرحب. بالنسبة للمؤمن هذه الرحلة القصيرة هي نقطة البداية للقيام بالأعمال الصالحة التي ترضي الله سبحانه وتعالى. فعندما نستيقظ نشكر المولى تعالى الذي وهبنا يوماً آخر نكسب فيه من رزقه، والآن وقد مضينا في أمرنا، فقد بدأت الرحلة التي يمكن أن نكسب من خلالها هذا الرزق وعندما نتفكر في هذا الأمر لا بد أن نذكر قوله تعالى ?وجعلنا النهار معاشا?[النبأ:11]. ووفقاً لهذه الآية يجب علينا أن نخطط كيف سنمضي يومنا في أعمال ذات نفع للعباد ترضي الله سبحانه وتعالى.

    وعندما نترك المنزل نمر بشكل تلقائي بالكثير من الأمور التي يجب أن نتفكر فيها، فهناك الآلآف من الناس والسيارات والأشجار الكبيرة والصغيرة، والتفاصيل التي لا تعد ولا تحصى من حولنا، وبالطبع فإن توجهات المؤمن محددة، فسوف نحاول الاستفادة لأقصى الحدود مما نراه حولنا ونتفكر في الأحداث والأسباب. فما يمر بنا من مشاهد إنما يمر بعلم الله وإرادته، ولا بد أن يكون هناك سبب من وراء ذلك فبما أن الله جعلنا نخرج، ووضع هذه المشاهد أمامنا، فلا بد أن فيها ما يجب أن نراه ونتدبره.

    وحين نصل إلى سيارتنا أو أي وسيلة نقل أخرى. وفي خلدنا كل هذه الأفكار. نشكر الله مرة أخرى، إذ مهما كانت المسافات طويلة فقد سخر لنا الله وسيلة للوصول، وكما هو معلوم، فقد خلق الله للناس الكثير من الوسائل ليستعينوا بها في السفر. وقدّم التطور التكنلوجي إمكانيات جديدة مثل السيارات والقطارات والطائرات والسفن والمروحيات والحافلات وغيرها. وعند يتدبّر هذا الأمر يتذكر الإنسان أن الله تعالى هو الذي سخّر التكنولوجيا في خدمة البشرية. ففي كل يوم يخرج العلماء باكتشافات واختراعات جديدة تسهل علينا حياتنا، وهميصلون اليها جميعاً بالوسائل التي خلقها الله على الأرض. ومن يتفكر، يتابع رحلته شاكراً المولى تعلى الذي سخر لخدمتنا كل هذه الأمور.

    وفيما نمضي في وجهتنا حاملين مثل هذه الأفكار فإن كومة نفايات، أو رائحة كريهة أو أماكن معتمة نمر بها تثير في أذهاننا أفكاراً متعددة.

    فقد خلق الله في هذا العالم أماكن ومشاهد تجعلنا قادرين على تصور الجنة والنار، أو التخمين من خلال المقارنة كيف ستكونان. فأكوام النفايات والروائح الكريهة والأماكن الضيقة المعتمة القذرة تسبب كرباً كبيراً لأرواحنا ! ولا أحد يود أن يكون في مثل هذه الأماكن، وكل هذه الخصائص تذكر الإنسان بجهنم، وكل من يلتقي بهذه المشاهد يتذكر الآيات التي تتحدث عن النار: فالله سبحانه وتعالى يصف لنا ظلمة وقذارة وكراهة المشاهد في جهنم.

    ?وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال. في سموم وحميم. وظل من يحموم. لا بارد ولا كريم?[الواقعة:41-44].

    ?وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبورا. لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيرا?[الفرقان:13-14].

    وعند تذكر هذه الآيات القرآنية ندعو الله أن يجيرنا من نار جهنم ونسأله أن يغفر لنا ذنوبنا.

    ومن زاوية أخرى فإن الإنسان الذي لا يوظف أفكاره بهذه الطريقة سوف يمضي نهاره متذمراً قلقاً، باحثاً عمّا يغضب في كل حدث، فيستشيط غاضباً من الناس الذين يلقون نفاياتهم ومن البلدية التي تتاخر في جمعها، ويشغل ذهنه طوال النهار بأفكار غير مجدية لا تنفعه في آخرته، مثل زحمة السير الناجمة عن الحفر في الطرقات، وكيف أصابه البلل نتيجة توقعات خاطئة لخبراء الأرصاد الجوية، وكيف حصل علاوة على ذلك على توبيخ غير منصف من رب العمل. وهذه الأفكار التافهة لا تنفع في الآخرة، وقد يتوقف الإنسان عن التفكير فيما إذا كان عليه ان يتخلى عن مثل هذه الأفكار المتعددة، والغريب ان الكثير من الناس يدّعون أن السبب الحقيقي الذي يشغلهم عن التفكر هو الكفاح الذي عليهم أن يخوضوه في هذا العالم، فيتعللون بالمشاكل الصحية وتأمين ضروريات الحياة والطعام وغيرها.. وهذه ليست سوى أعذار، فمسؤوليات المرء وأوضاعه لا علاقة لها بالتفكير فمن يحاول أن يفكر لينال رضى الله سوف يجد أن الله في عونه، وسوف يرى الأمور التي كانت بالنسبة له مشاكل قد حلت واحدة واحدة وفي كل يوم يمر سوف يكون قادر على تخصيص المزيد من الوقت للتفكر وهذا أمر مفهوم ومجرب فقط من قبل المؤمنين.
    [/align]
    [/grade]
    لا تحسبني يوم ابتسمت في وجهك أبيك..........
    ................بعض الوجوه اهينها بابتسامه


  4. #4
    مراقبـــة الصورة الرمزية (* الوفـاء طبعي *)
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    10,249
    [align=center][grade="008000 8B0000 FF6347 4B0082"][align=center]بماذا يجعلنا هذا العالم المتعدد الألوان نتفكر؟

    خلال متابعة رحلتنا نحاول أن نراقب ما حولنا من آيات الله وإعجازه في خلقه فنقدّره سبحانه وتعالى حق قدره عندما نتفكر فيها.

    عندما ننظر من شباك السيارة يطالعنا عالم متعدد الألوان، فنتساءل: لو لم يكن هذا العالم متعدد الألوان كيف كان سيبدو كل شيء فيه؟

    أنظروا في الصورة في أسفل الصفحة وتفكروا : هل ستكون بهجة المناظر الطبيعية من جبال وبحار وحقول وأزهار هي نفسها دون ألوان؟ وأي متعة سنستقيها من مشاهد السماء والفاكهة والفراشات والثياب ووجوه الناس بغياب الألوان؟

    فضل من ربنا تعالى أننا نعيش في عالم متعدد الألوان نابض بالحياة . فمهرجان الألوان الذي نشاهده في العالم، وهذا التناسق الكامل في ألوان الكائنات الحية آيات شاهدة على إبداع الله الذي لا يضاهى وتفرده في الخلق .

    لا شيء من مشاهد الطبيعة يؤذي العينين، فالتفاعل الدقيق بين الألوان، وتناسق الألوان في الكائنات الحية من أزهار وطيور وبحار وسماوات وأشجار وغيرها يورث السكينة في النفس ويعطي الراحة للعينين. وكل هذا يدل على الكمال في خلق الله.

    ومن خلال التفكر في هذه الأمور نفهم أن كل ما نراه حولنا هو نتاج علم الله وقدرته اللامحدودين.

    وفي مقابل هذه النعم التي منحنا إياها الله علينا أن نخافه سبحانه وتعالى ونسأله أن لا يجعلنا من الكافرين بأنعمه. والله سبحانه وتعالى يذكرنا في القرآن الكريم بوجود الألوان، ويذكر أنه لا يخشاه تعالى من عباده إلا العلماء، كما يبين سبحانه وتعالى أن المؤمنين يتفكرون ويتدبرون دائماً، ويستخدمون ألبابهم في الاكتشاف واستخلاص العبر والنتائج.

    ?ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء إن الله عزيز غفور?[فاطر:27-28]

    بماذا يجب أن تذكّرنا عربة نقل الموتى

    ومن يمضي لشأنه مستعجلاً قد تعترض طريقه فجأه عربة نقل الموتى، وفي هذه الصدفة فرصة للمرء ليلتقط أنفاسه. فهذا المشهد الذي قد يلتقيه سيذكره بحتفه. فيوماً ما هو أيضاً سوف يكون في عربة نقل الموتى. ومهما حاول الانسان تفادي الموت فإنه ملاقيه لا محالة، عاجلاً أم آجلاً، سواء كان في سريره أو في طريقه أو في إجازة فإنه سوف يغادر هذا العالم قطعاً، فالموت حقيقة لا يمكن تفاديها.

    في تلك اللحظة يتذكر الانسان المؤمن الآيات التالية:? كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون. والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوّئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين. الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون? ]العنكبوت: 57-59[ .

    وبالطبع فإن تفكرالإنسان أن جسده سوف يوضع في كفن، ويواريه أقاربه الثرى، وأن اسمه وشهرته سوف يحفران على شاهد قبره، يزيل تعلّقه بالدنيا. ومن يفكر بهذه الأمور بإخلاص وصدق يكتشف كم من الحماقة الاستجابة لمتطلبات جسد سوف يفنى في التراب.

    في الآيات من سورة العنكبوت يبشر الله عباده الصابرين والمتوكلين عليه بمباهج الجنة بعد الموت، ولهذا عندما يتفكر المؤمنون في أنهم سيموتون في يوم من الأيام، يحاولون العيش مخلصي النية لله ملتزمين حسن الخلق وصالح الأعمال التي أمر الله بها للفوز بالجنة. وكلما تذكروا قرب الأجل تزداد عزيمتهم ويحاولون التخلّق بأسمى القيم والاستزادة منها أكثر فأكثر خلال حياتهم.وعلى العكس منهم فإن الذي يعطون الأولوية لغير هذه الأفكار ويمضون حياتهم في قلق لا طائل تحته، لا يتذكرون أن الموت واقع بهم حتى لو مروا بعربة نقل الموتى أو المقبرة نفسها، وحتى لو توفي أحد أحبائهم.

    خلال النهار

    في مواجهة كل الأحداث التي يمر بها خلال النهار لا يبرح المؤمن يتفكر في آيات الله محاولاً إيجاد تفسير لدقائق الأمور.

    والمؤمن يتلقى كل نعمة أو ابتلاء بالقبول الحسن الذي يرضي الله سبحانه وتعالى. وليس لاختلاف الأماكن أهمية كبرى عند المؤمن، فهو يتدبر كون الله خالق كل شيء، ويحاول أن يبحث عن الغايات الكامنة وراء ما قدر الله من أحداث وما خلق من محاسن، سواء كان في المدرسة أو العمل أو السوق. فالمؤمن يعيش حياته مهتدياً بآيات الله، وتصرف المؤمنين هذا مستمد من الآيتين التاليتين:

    ?رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب?[النور:37-38].

    بماذا تجعلنا الصعوبات التي تعترضنا نفكر؟

    قد يتعرض الإنسان لمختلف الصعوبات في النهار. ولكن مهما كانت هذه الصعوبات عليه أن يضع ثقته بالله ويتذكر أن الله يمتحننا بكل شيء نفعله ونفكر فيه في هذه الحياة الدنيا. وهذه حقيقة مهمة جداً يجب أن لا نغض الطرف عنها ولو للحظات، ولذلك إذا واجهتنا صعوبات فيما نفعله أو فكرنا بأن الأمور لا تسير في وجهتها الصحيحة، لا يجب أن ننسى أبداً أن هذه الأمور قد قدّرت علينا كجزء من امتحاننا، وهذه الأفكار التي تمر في ذهن الانسان تصح على الأمور الأساسية والفرعية التي تعترضنا خلال يومنا، فمثلاً قد نتكلف مبالغ إضافية نتيجة الإهمال أو سوء الفهم، وقد نخسر ملفاً في الكمبيوتر أمضينا ساعات في إعداده نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي، وقد يرسب الطالب في امتحان جامعي مع أنه بذل مجهوداً في الدرس وقد يمضي نهارنا ونحن واقفون في صف طويل نظراً لتأخر تقدم عمل ما بسبب الإجراءات البيروقراطية، وقد نخطئ في عملنا نتيجة نقص في الملفات وقد يفوت الإنسان الطائرة أو الحافلة في طريقه إلى مكان من الضروري أن يصل إليه.

    وهناك عدد كبير من أمثال هذه الصعوبات أو المشاكل التي قد تعترض- أو انها قطعاً- سوف تعترض الإنسان خلال حياته.

    في كل هذه الأحداث الإنسان الذي يحمل الإيمان يجزم بأن الله يبتليه في إيمانه وفي صبره، ومن الحماقة بمكان بالنسبة للإنسان الذي سيموت ويحاسب في الآخرة أن ينجرف في مثل هذه الأحداث وأن يضيع الوقت في القلق بشأنها. فالمؤمن يعلم أن هناك خيراً وراء كل هذه الأحداث. فهو لا يقول واحسرتاه لأي حدث ويسأل الله أن يسهل له أموره ويحسن به الظن في جميع الأمور.

    وعندما يتبع اليسر المصاعب ندرك أن هناك استجابة لدعائنا وأن الله سميع مجيب الدعوات. فنشكره سبحانه وتعالى.

    وبتمضية النهار ونحن نتفكر في هذه الأفكار لا يفقد الانسان الأمل ولا يقلق ولا يشعر بالأسف أو اليأس مهما مر به.. فنحن نعلم أن الله خلق كل هذه الأمور لخيرنا وان هناك رحمة فيها.وفوق ذلك علينا أن نفكر بهذه الطريقة ليس في الأمور الأساسية التي تقع لنا، وإنما أيضاً في الفاصيل كبيرها وصغيرها التي نقابلها خلال حياتنا اليومية كما ذكرنا من قبل.

    فكروا بإنسان لا يستطيع أن يسوي أمراً بالطريقة التي يتمناها أو يتعرض لمشاكل جدية وهو على وشك الوصول إلى هدفه. هذا الشخص يصبح فجأة غاضباً حزيناً ومكروباً وباختصار تتكون لديه جميع أنواع المشاعر السلبية، ولكن من يتذكر بأن هناك خيراً في كل أمر، يحاول البحث عن الغاية الخفية في هذا الحدث الذي أظهره الله.

    فقد يفكر بأن الله قد لفت انتباهه كي يحسب لأمره هذا حسابات أدق. فيقول ربما ساعدني ما حصل على تجنب ضرر أعظم.

    فمن تفوته الحافلة وهو يحاول الوصول إلى موعد معين قد يفكر أنه ربما قد وقي بتأخره من التعرض لحادث في الحافلة، أو لضرر أكبر من ذلك. وهذه فقط أمثلة قليلة، فقد يفكر الإنسان أيضاً بأن هناك الكثير من الغايات الكامنة وراء تأخره هذا، وهذه الأمثلة قد تتضاعف في حياة الإنسان. والمهم في هذا كله أن مشاريعنا قد لا تحل بالطريقة التي نتمناها. فقد نجد أنفسنا في وضع مختلف تماماً عن الذي خططنا له. وفي مثل هذه الظروف فإن يسلّم ويبحث عن الخير في الأحداث المعينة التي يواجهها يفوز، يقول الله تعالى:

    ?كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون?[البقرة:216].

    فكما يذكر الله تعالى في هذه الآيات، فنحن لا نعلم ولكن الله هو الذي يعلم ما هو خير لنا وما هو شر لنا. ومما يورث الإنسان السكينة أن يتخذ الله اللطيف الرحيم ولياً ويسلم له تمام التسليم.

    أمور نتفكر فيها خلال عملنا

    من المهم خلال القيام بعمل ما أن لا ندع أذهاننا تفرغ، وأن نفكر دائماً بالخير. فالعقل البشري قادر على القيام بأكثر من عمل في نفس الوقت. فالإنسان الذي يقود سيارته أو ينظف بيته أو يمشي في الشارع يمكنه أيضاً التفكير في أعمال الخير في نفس الوقت، فخلال تنظيف المنزل يشكر الإنسان الله الذي منّ عليه بالوسائل اليومية مثل الماء والمنظفات. ومعرفة أن الله يحب الطهارة والمتطهرين تجعله ينظر إلى الأمر الذي يقوم به كنوع من العبادة نأمل أن تنال رضى الله . بالإضافة إلى ذلك فإنه يسعد فيتأمين مكان مريح لغيره من الناس عبر تنظيف المكان الذي يعيش فيه.

    ومن يعمل في وظيفة ما يمكنه دائماً أن يدعو الله في سره فيسأله أن يسهل له عمله، ويفكر بأنه لا يمكن أن ينجح في أي شيء دون إرادة الله. ونرى من خلال القرآن أن الأنبياء الذين هم قدوة لنا كانوا يتوجهون باستمرار إلى الله في سرهم. ويتفكرون في الله خلال عملهم، وواحد من هؤلاء الأنبياء الكرام وهو سيدنا موسى عليه السلام. فبعد مساعدته لامرأتين التقاهما في سقاية قطيعهما توجه إلى الله بالكلمات التالية:

    ?ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقيرٌ?[القصص:23-24].

    مثال آخر نراه في القرآن عن هذا الموضوع هو مثال النبي إبراهيم والنبي إسماعيل عليهما السلام. فالله تعالى يذكر أن هذين النبيين تذكروا المؤمنين بالخير عندما كانا يعملان معاً فتوجها إلى الله تعالى بالدعاء حول عملهما.

    ?وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم?[البقرة:127-129].

    بماذا تجعلنا شبكة العنكبوت نتفكر؟

    هناك أشياء كثيرة يمكن أن يتفكر فيها الإنسان الذي يمضي نهاره في المنزل. فمثلاً، خلال التنظيف قد يرى عنكبوتاً قد نسج شبكته في إحدى زوايا المنزل. ولو أدرك أن عليه التفكر في هذا المخلوق الذي لا يهم أحداً عادة، سوف يرى أن آفاقاً جديدة فتحت له. فهذه الحشرة الصغيرة التي يراها أمامه هي معجزة في التصميم. فهناك تناسق في الشبكة التي ينسجها العنكبوت، وإذا حصل وتسائل كيف يمكن لحشرة صغيرة أن تنجز مثل هذا التصميم الكامل المدهش فأجرى بحثاً سريعاً فسوف يصادف حقائق أخرى استثنائية. فالخيوط التي يستخدمه العنكبون مرنة ثلاثين بالمائة أكثر من خيوط المطاط ذات السماكة نفسها. والخيوط التي ينتجها العنكبوت تضاهي بجودتها العالية الخيوط التي يستخدمها الإنسان في تصنيع البزات الواقية من الرصاص. فعجباً لتلك المادة التي يعتبرها الناس مجرد شبكة عنكبوت بسيطة فيما هي واحدة من أفضل مواد التصنيع في العالم.

    ولو استمر الإٌنسان في التفكر بعد أن عاين هذا التصميم المتكامل لإحدى الكائنات الحية من حوله، فإنه سوف يصادف المزيد من الحقائق المدهشة. فلو تفحص الذبابة التي يلتقي بها باستمرار دون أن يعيرها إنتباهه والتي تغضبه فيحاول قتلها، سوف يرى أن لديها عادة تنظيف نفسها بشكل تفصيلي متقن. فالذبابة تحط بشكل متكرر في أماكن مختلفة لتنظيف أطرافها الأمامية والخلفية كل على حدة، ثم تمسح بعناية الغبار عن جناحيها ورأسها عبر أطرافها الأمامية والخلفية، وتستمر بهذه العملية حتى تتأكد من نظافتها. وكل أنواع الذباب والحشرات تنظيف نفسها بطريقة مشابهة وبنفس الانتباه والدقة والتفصيل. وهذا يدل على أن الله المتفرد في الخلق هو الذي علمها كيف تنظف نفسها.

    والذبابة نفسها تخفق بجناحيها خلال الطيران خمسمائة مرة في الثانية تقريباً. وفي الواقع ليس هناك آلة من صنع الإنسان تستطيع أن تعمل بمثل هذه السرعة لأنها سوف تتحطم وتحترق نتيجة الاحتكاك. في حين أن عضلات الذبابة ومفاصلها وأجنحتها لا تتأذى.

    وإذا أخذنا بعين الاعتبار اتجاه وسرعة الريح . فإن الذبابة تستطيع الطيران في اي اتجاه دون أن تنحرف، في حين أنه حتى مع وجود التكنولوجيا الحالية، فإن الإنسان بعيد عن إنتاج اختراع يتمتع بهذه الميزات غير العادية ، وبتقنيات طيران مثل هذه. ومن الواضح أن الذبابة لا تفعل كل ذلك بفضل قدرتها وذكائها، فالله هو الذي أعطى الذبابة هذه الخصائص والقدرات الرائعة.

    وفي كل مكان نلمحه حولنا هناك حياة مرئية وأخرى غير مرئية إذ ليس هناك سنتمتر مربع على الأرض لا حياة فيه، فالبشر والنباتات والحيوانات مخلوقات يمكن للإنسان أن يراها، ولكن هناك أيضاً مخلوقات لا يمكنه رؤيتها ولكنه على دراية بوجودها، فعلى سبيل المثال، البيوت التي نعيش فيها مليئة بمخلوقات مجهرية تسمى "العث" وفي الهواء الذي نستنشقه عدد لا يحصى من الفيروسات، وكمية البكتيريا التي تعيش في تربة حديقتنا كبيرة بشكل مدهش، ومن يتفكر في كل هذا التنوع المدهش الذي تزخر به الحياة على الأرض، يتذكر النظام المتكامل لجميع المخلوقات. فكل واحد من المخلوقات التي نراها علامة على إبداع الله، تماماً كما تكمن في المخلوقات المجهرية معجزاته العظيمة. فلكل من الفيروسات والبكتيريا والعث غير المرئية بالنسبة لنا، آليات جسدية خاصة، فقد خلق الله لها بيئتها وجعل لها أنظمة في التغذية، وأجهزة تناسل وأنظمة مناعة، ومن يتدبر هذه الأمور يتذكر الآية التالية:

    ?وكأيّن من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم?[العنكبوت:60].[/align]
    [/grade][/align]
    لا تحسبني يوم ابتسمت في وجهك أبيك..........
    ................بعض الوجوه اهينها بابتسامه


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ضوابط وشروط.. [في التامل مع تدليس الإسناد]، [على منهج المتقدمين]..!
    بواسطة أهــل الحـديث في المنتدى أهل الحديث
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-03-2013, 05:10 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •